الفقر المدقع يلتهم دول النزاع والاضطراب

الرئيسية اقتصاد / Ecco Watan

الكاتب : المحرر الاقتصادي
Jun 27 25|17:35PM :نشر بتاريخ

كشف تقرير جديد للبنك الدولي عن صورة قاتمة للوضع الاقتصادي والاجتماعي في 39 دولة تعاني من النزاعات المسلحة والاضطرابات السياسية، محذراً من أن هذه الاقتصادات تشهد أسرع معدلات ارتفاع للفقر المدقع في العالم، وتواجه نكسات تنموية متراكمة تعيدها عقوداً إلى الوراء، مقارنة ببقية الدول النامية.


ويأتي هذا التحليل الشامل الذي اطّلعت عليه «الشرق الأوسط» في وقت تتسارع فيه وتيرة النزاعات في مختلف أنحاء العالم، لتبلغ أعلى مستوى لها منذ 25 عاماً، مما يجعل من تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وعلى رأسها القضاء على الفقر، أمراً أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.

اقتصادات تتراجع... وحياة تزداد هشاشة
يشير التقرير إلى أن هذه الدول التي تشمل 21 دولة في نزاع مسلح نشط، قد شهدت منذ عام 2020 انكماشاً سنوياً في الناتج المحلي الإجمالي للفرد بنسبة 1.8 في المائة، في حين توسّع نظيره في بقية الدول النامية بنسبة 2.9 في المائة. ويُرجع هذه الفجوة الكبيرة إلى عوامل عدة، منها تضرر البنية التحتية، وتراجع الاستثمارات، وهروب رأس المال، فضلاً عن تعطل التعليم والخدمات الصحية الأساسية.

وفي الوقت الذي تراجعت فيه معدلات الفقر المدقع إلى أقل من 10 في المائة في أغلب الاقتصادات النامية، فإنها ما زالت تقارب 40 في المائة في الدول التي تشهد نزاعات أو تعاني من عدم الاستقرار.

ويعيش في هذه البلدان نحو 421 مليون شخص على أقل من 3 دولارات يومياً، وهو رقم مرشح للارتفاع إلى 435 مليوناً بحلول عام 2030، أي ما يمثّل نحو 60 في المائة من فقراء العالم.

مأزق ديموغرافي وفرص ضائعة
يُظهر التقرير فجوة خطيرة في سوق العمل؛ حيث لم يتمكن أكثر من نصف السكان في سن العمل من الحصول على وظائف في عام 2022. وهذا العجز في التوظيف لا يعود فقط إلى تراجع النشاط الاقتصادي، بل أيضاً إلى ضعف النظام التعليمي وعدم توافقه مع متطلبات السوق، فضلاً عن ندرة الاستثمارات في البنية التحتية والقطاع الخاص.

كما أظهر التقرير أن معدل الأعمار في هذه الدول لا يتجاوز 64 عاماً، أي أقل بسبع سنوات من بقية الدول النامية، في حين أن وفيات الأطفال الرضع فيها تزيد بأكثر من الضعف.

أما على صعيد التعليم، فإن 90 في المائة من الأطفال في سن الدراسة لا يحققون الحد الأدنى من معايير القراءة، ما يؤشر على أزمة بشرية متفاقمة قد تمتد آثارها إلى أجيال قادمة.

ورغم ذلك، يرى التقرير أن هذه الاقتصادات تمتلك مميزات كامنة إذا ما استُثمرت بشكل سليم؛ إذ تشكّل الموارد الطبيعية من نفط ومعادن وغابات نحو 13 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي، مقارنة بـ4 في المائة لدى الدول النامية الأخرى. كما أن الكثير من هذه الدول -مثل الكونغو الديمقراطية وموزمبيق وزيمبابوي- غنية بالمعادن الاستراتيجية المستخدمة في تكنولوجيا الطاقة النظيفة؛ مثل: السيارات الكهربائية، والتوربينات الهوائية، والألواح الشمسية.
النزاعات المزمنة: أثر طويل المدى
يحذّر البنك الدولي من أن النزاعات لا تنتهي بانتهاء المعارك، بل تمتد آثارها الاقتصادية لسنوات طويلة. فغالباً ما تعاني الدول الخارجة من نزاع مسلح من انخفاض تراكمي في الدخل الفردي بنسبة تصل إلى 20 في المائة خلال خمس سنوات، إلى جانب ضعف في الأداء المؤسسي وتراجع الثقة العامة.

ويشير التقرير إلى أن أكثر من نصف الدول المصنفة حالياً ضمن اقتصادات النزاع أو عدم الاستقرار تعاني من هذا الوضع منذ أكثر من 15 عاماً.

ويؤكد أن «الركود الاقتصادي -لا النمو- هو السمة الغالبة في هذه الاقتصادات منذ أكثر من عقد ونصف العقد»، على حد تعبير نائب كبير الاقتصاديين في البنك الدولي، أيهان كوزي.

ويرى التقرير أن الوقاية من النزاع يمكن أن تحقق مكاسب كبيرة من حيث التكلفة والنتائج. فأنظمة الإنذار المبكر، لا سيما تلك التي ترصد المخاطر في الزمن الحقيقي، قد تتيح المجال لتدخلات سريعة قبل تفاقم الأزمة. كما يُوصي بتقوية المؤسسات الحكومية وتعزيز الحوكمة سبيلاً طويل الأمد لبناء السلام وتحقيق التنمية.

فرصة ديموغرافية مشروطة بالإصلاح
في خضم هذا الواقع الصعب، يبقى العامل الديموغرافي بارقة أمل؛ إذ يتوقع أن يستمر نمو الفئة العمرية المنتجة في هذه الدول لعقود مقبلة. وبحلول عام 2055، سيكون نحو ثلثي السكان في سن العمل، وهو ما يُعد أعلى نسبة على مستوى العالم. غير أن تحويل هذا النمو السكاني إلى «عائد ديموغرافي» يستدعي استثمارات ضخمة ومنظمة في مجالات التعليم والرعاية الصحية وتطوير القطاع الخاص وخلق بيئة جاذبة للاستثمار.
وفي هذا السياق، قال كبير اقتصاديي البنك الدولي، إنديرميت غيل: «المعاناة في هذه الدول لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فقط، بل تشمل كل مناحي الحياة. وإذا تُركت الأوضاع دون معالجة، فإنها تتحول إلى أزمات مزمنة تهدد الاستقرار الإقليمي والدولي».

وبحسب المراقبين والمسؤولين الأمميين، فالتحديات التي تواجهها الدول التي تعاني من النزاعات والاضطرابات ليست فقط داخلية، بل ذات أبعاد عالمية. فالفقر والنزوح وانعدام الفرص لا تلبث أن تنعكس على حركة الهجرة والأمن الغذائي والاستقرار السياسي في دول الجوار والعالم. لذلك، فإن المسؤولية تقع على عاتق المجتمع الدولي وصنّاع القرار لدعم هذه الاقتصادات الضعيفة ليس فقط بالتمويل، بل عبر سياسات رشيدة وآليات مستدامة تُعيد الأمل إلى شعوب أنهكتها الحرب والفقر.

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : الشرق الاوسط