التمويل المستدام... من خيار أخلاقي إلى محرك أساسي للربحية في الأسواق العالمية

الرئيسية اقتصاد / Ecco Watan

الكاتب : المحرر الاقتصادي
Aug 10 25|20:09PM :نشر بتاريخ

في وقتٍ يشهد فيه العالم تحوّلات اقتصادية وبيئية متسارعة، يفرض التمويل المستدام نفسه كلاعب محوري في الأسواق العالمية، ليس بوصفه خياراً أخلاقياً فحسب، بل كفرصة استثمارية ذات عوائد ملموسة.

ويُعرَّف التمويل المستدام بأنه عملية دمج الاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) ضمن القرارات الاستثمارية، بما يُسهم في تعزيز الاستثمارات طويلة الأجل الموجهة نحو الأنشطة الاقتصادية والمشاريع المستدامة.

ومع تصاعد المخاطر المرتبطة بالتغير المناخي، وتزايد وعي المستثمرين بالمسؤولية البيئية والاجتماعية، بات من الواضح أن تجاهل معايير الاستدامة لم يعد مجرّد غفلة تنظيمية، بل خطأ استراتيجي قد يكلّف الشركات والمستثمرين خسائر فادحة.

أمام هذا الواقع الجديد، تبرز تساؤلات جوهرية حول طبيعة العلاقة بين الربح والاستدامة، وحول قدرة التمويل المستدام على تحقيق توازن فعلي بين الأداء المالي والمسؤولية المجتمعية.
 

تبني ممارسات مستدامة

وأكد الرئيس الأول لإدارة الأصول في «أرباح كابيتال»، محمد الفراج، أن التمويل المستدام لم يعد خياراً أخلاقياً يعتمد على دوافع الشركات أو الدعم الحكومي، بل تحول إلى أداة استثمارية فاعلة ومحرك للربحية على المدى الطويل.

وأوضح أن هذا التحول جاء نتيجة إدراك المستثمرين أن الشركات التي تتبنى ممارسات مستدامة تتمتع بأسس أقوى وأكثر استقراراً.

وأشار الفراج في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن القيمة الاقتصادية المتزايدة هي الدافع الأساسي وراء تبني الشركات للتمويل المستدام.

وبيّن أن دراسات عديدة أظهرت قدرة الشركات التي تدمج معايير الاستدامة على جذب المواهب، وبناء علامات تجارية قوية، وتقليل تكاليف التشغيل على المدى الطويل بفضل كفاءة استخدام الموارد والطاقة.

ولفت إلى أن السنوات الخمس الأخيرة شهدت تحسناً ملحوظاً في أداء أدوات التمويل المستدام، مثل السندات الخضراء وصناديق الاستثمار المستدامة، مقارنة بالأدوات التقليدية.

وتابع أن هذه الصناديق أظهرت مرونة أكبر في أوقات الأزمات الاقتصادية؛ إذ كانت أقل عرضة للتذبذبات الحادة، وهو ما يعكس قدرة الشركات المستدامة على إدارة المخاطر بشكل أفضل.

وضرب مثالاً على ذلك بتفوق العديد من الصناديق المستدامة على مؤشراتها القياسية خلال ذروة جائحة «كوفيد-19» في عام 2020؛ ما دفع مستثمرين إلى إعادة تقييم استراتيجياتهم. واعتبر أن هذا الأداء القوي جاء نتيجة التركيز على الجودة والحوكمة والمرونة في مواجهة التحديات.

وأشار الفراج إلى أن الاستثمار المستدام يُعد أقل مخاطرة على المدى الطويل؛ كونه يأخذ في الحسبان مخاطر لا تظهر في التحليلات المالية التقليدية، مثل تغير المناخ، ومخاطر حقوق الإنسان، والحوكمة الفاسدة. وأكد أن هذا النهج يمنح الشركات «درعاً للمخاطر» من خلال تمكينها من التعامل مع التشريعات البيئية والاجتماعية المتزايدة، وتقليل احتمالية التعرض للغرامات أو العقوبات، فضلاً عن تعزيز مرونتها أمام صدمات السوق.

وأبان أن التكاليف الأولية المرتفعة للاستدامة قد تؤثر على القدرة التنافسية للشركات في المدى القصير، لكنها تمنحها ميزة تنافسية مستدامة على المدى الطويل.

واختتم الفراج بالتأكيد على أن التمويل المستدام يمثل تطوراً طبيعياً في فلسفة الاستثمار، يعيد تعريف العلاقة بين الربح والمسؤولية، لافتاً إلى أن المستثمر الذكي بات يتجه نحو بناء ثروة قائمة على أسس صلبة ومستدامة في عالم مليء بالمخاطر البيئية والاجتماعية والاقتصادية.

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : الشرق الاوسط