الجمهورية: زيارة برّاك الخامسة: مراوحة لا تقدّم.. ولبنان انتظر إسرائيل فردّت بانتظار
الرئيسية صاحبة الجلالة / Ecco Watan
الكاتب : محرر الصفحة
Aug 27 25|08:25AM :نشر بتاريخ
كانت تنتظر الدولة اللبنانية أن تتسلّم الردّ الإسرائيلي من المبعوث الأميركي توم برّاك في شأن التزامها وقف الأعمال العدائية، وإذ بها تنشغل بالعدائية التي مارسها برّاك ضدّ الجسم الإعلامي، بتهديده أنّه إذا مارس اسلوباً حيوانياً سينسحب من القاعة ولن يجيب عن الأسئلة، ما أثار موجة غضب عارمة غطّت على حجم الزيارة الأميركية الواسعة والمتعددة المستويات.
وقال مصدر سياسي بارز لـ"الجمهورية"، أن "لا تقدّم حصل على خط المفاوضات مع العدو، والأمور تراوح مكانها، وقد أخذت المداولات هذه المرّة طابع مجلس شيوخ وكونغرس مع انضمام أعضاء السيناتور والكونغرس الثلاثة الأعلى رتبة من المبعوث الخاص برّاك والمستشارة مورغن اورتاغوس، وأصبحت الأولوية للمحادثات الرسمية مع الوفد الذي يقوم بجولة على المنطقة فرادى وثنائياً، تضمّ الأردن وسوريا وإسرائيل، في اعتبار انّ اميركا منخرطة حالياً بمقدار كبير بالمنطقة ومحور سياستها الخارجية يرتكز على الشرق الأوسط ويوليه اهتماماً كبيراً لما يشوبه من نزاعات وحروب تجاوزت الحرب الأوكرانية".
وكشف المصدر، انّ برّاك أبلغ إلى الرؤساء الثلاثة انّ اورتاغوس ستذهب إلى تل ابيب وستنضمّ إلى السيناتور ليندسي غراهام لاستكمال البحث مع نتنياهو، لأنّ علاقة برّاك متوترة مع الجانب الإسرائيلي.
وقال المصدر: "إنّ براك سمع من رئيس مجلس النواب نبيه بري مجدداً، أنّ المطلوب من إسرائيل تنفيذ الاتفاق، وهذا في أولوية الملاحظات التي وضعها لبنان على ورقة المقترح الأميركي، وقد أخذ برّاك في الاعتبار تنفيذ الاتفاق وتطبيق القرار 1701، ولكنه قلب الأولويات في المراحل والمهل في الصيغة الأخيرة".
ورأى المصدر، انّ الحكومة استعجلت الموافقة قبل ان تلتزم إسرائيل وقف الأعمال العدائية، الأمر الذي فتح شهية الأميركي وخلفه الإسرائيلي بطلب مزيد من التنازلات. وهذا هو سبب الخلاف مع "الثنائي الشيعي" الذي سأل عن سبب استنفاد كل أوراق القوة قبل الحصول على أجوبة من العدو، كمن يدفع ثمناً كاملاً لشقة تسلّمها على الخريطة". وختم المصدر: "نحن عملنا اللي علينا والكرة في الملعب الإسرائيلي".
وعلمت "الجمهورية"، انّ برّاك تبلّغ من القصر الجمهوري انّ مجلس الوزراء سينعقد الثلثاء المقبل او ربما يتأجّل إلى الخميس في 4 آب لأسباب لوجستية، وسيستمع إلى عرض لخطة متكاملة تقدّمها قيادة الجيش في الجلسة، لكن الخطة سيتعذّر وضع مهل زمنية فيها قبل الانسحاب الإسرائيلي، فالمهل تتحدّد عندما تأتي موافقة إسرائيل على الانسحاب ووقف الأعمال العدائية، لأنّ المرحلة الأولى هي جنوب الليطاني، فكيف تُستكمل من دون انسحاب؟ وكيف ينتقل الجيش من جنوب الليطاني إلى شماله قبل الانتهاء من بسط السيادة في الجنوب بشكل كامل؟ لذلك طلب عون من برّاك أن يبقي قوات "اليونيفيل" لمؤازرة الجيش، وكذلك طلب إعطاء الوقت ليكتمل الانسحاب قبل الانتقال إلى الخطة الثانية.
انطباع سيئ
وأكّدت مصادر واسعة الإطلاع لـ"الجمهورية"، انّ الانطباع الذي تكوّن لديها حول زيارة برّاك ومورغان أورتاغوس هو سيئ، مشيرة إلى انّ مجريات هذه الزيارة عكست تراجعاً عمّا تحقق سابقاً. ولفتت إلى أنّ برّاك كان قد وعد بأَمور معينة لكنه لم يف بها.
وكشفت هذه المصادر انّ الوفد الأميركي طرح ان يتمّ بعد سحب سلاح "حزب الله" إنشاء منطقة اقتصادية عند الحدود الجنوبية تكون صناعية، زراعية، استثمارية، وتجارية، وتعتمد على الطاقة الشمسية، ولكنها غير سكنية أي خالية من السكان.
وأوضحت المصادر، انّ الوفد اعتبر انّ على الجيش ان يباشر تنفيذ قرار حصر السلاح عند وضع خطته لهذا الغرض، ولو لم تكن لديه القدرات العسكرية الكافية، "إذ هو يستند إلى قرار الحكومة في هذا الشأن، ويمكن للجيش الإسرائيلي أن يساعده حيث تدعو الضرورة"، وفق المقاربة الأميركية.
ورشة حوار
وفي السياق، قالت مصادر سياسية مواكبة لـ"الجمهورية"، إنّ لبنان الرسمي، ضمن ورشة حوار بين رئاسة الجمهورية ورئاستي المجلس والحكومة، ينكبّ على دراسة طريقة التعامل مع الردّ الإسرائيلي على الورقة الأميركية، والذي وصل عبر الموفدين توم برّاك واورتاغوس. فالموقف الإسرائيلي لم يقدّم شيئاً ملموساً، إنما اكتفى بإبداء الاستعداد لتقديم طرح حول الانسحاب، بعد أن تقدّم الحكومة اللبنانية طرحها حول طريقة حصر السلاح، وبعد أن تُنجز الحكومة عملانياً خطوات على الأرض. واكّدت هذه المصادر انّ "ما يخشاه لبنان الرسمي هو أن تقوم إسرائيل بإملاء مفهومها للورقة ولطريقة التنفيذ. كما يسعى إلى الحصول على شيء ملموس من إسرائيل، لكي يتمكن من المضي في خطته التنفيذية في شكل متدرج. فمن جهة، يحرص المسؤولون على استقرار الوضعين السياسي والأمني في الداخل، ومن جهة أخرى يحاولون تجنّب الظهور أمام الأميركيين بأنّهم مترددون في التزاماتهم. وهذه مشكلة عميقة يبحثون عن سبل لتجاوزها".
جولة الوفد الأميركي
وكان بّراك واورتاغوس ووفد أميركي ضمّ السيناتورين جين شاهين وليندسي غراهام والنائب جون ويلسون والسفيرة الأميركية في لبنان ليزا جونسون، جالوا على الرؤساء جوزاف عون ونبيه بري ونواف سلام والرئيس السابق للحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط وقائد الجيش العماد رودولف هيكل.
ووفق البيان الرسمي لرئاسة الجمهورية، انّ عون اكّد مجدداً التزام لبنان الكامل بإعلان 27 تشرين الثاني لوقف الأعمال العدائية، والذي أُقرّ برعاية أميركية-فرنسية، ووافقت عليه الحكومة السابقة بالإجماع. وجدّد التزام لبنان بورقة الإعلان المشتركة الأميركية-اللبنانية التي اقرّها مجلس الوزراء في جلستيه في 5 و 7 آب الجاري ببنودها كافة من دون أي اجتزاء.
وثمّن الرئيس عون، "ما صدر من أعضاء الوفد من مواقف عن الرؤية الأميركية لإنقاذ لبنان والمستندة على ثلاث قواعد هي:
ـ استتباب الأمن عبر حصر السلاح وقرار الحرب والسلم في يد الدولة وحدها من دون سواها.
ـ ضمان الازدهار الاقتصادي في الرهان على قدرة اللبنانيين في الابتكار والاستثمار وصون المبادرة الفردية وإطلاق طاقات القطاع الخاص في لبنان كما في بلاد الانتشار.
ـ صون الديموقراطية التوافقية في لبنان التي تحمي كل الجماعات اللبنانية في اطار نظام تعددي حر يجعلها سواسية امام القانون وشريكة كاملة في إدارة الدولة والبلاد".
مؤتمر صحافي
وخلال مؤتمر صحافي للوفد في القصر الجمهوري قال برّاك: "الرئيس ترامب يريد أن يرى لبنان مزدهراً وأن يتمّ نزع السلاح. والرؤساء الثلاثة يحاولون القيام بأفضل عمل للإزدهار. إذاً لماذا حزب الله مسلّح؟". وأضاف: "في 31 آب ستستعرض الحكومة والجيش خطّة، لا نتحدث عن حرب بل عن اقتناع حزب الله بالتخلّي عن السلاح". وتابع: "لا مصلحة للرئيس السوري أحمد الشرع في أن يكون هناك علاقة عدائيّة مع لبنان ويريد علاقات تعاون معه". وقال: "سنأتي بدول الخليج للمساهمة في المنطقة الإقتصاديّة جنوباً وسننزع أيضاً القلق الإسرائيلي، واتّفاقية السلام مع إسرائيل هي طريق للوصول إلى الإزدهار والسلام". اضاف: "أشعر بالأمل لأنّ حكومتكم قامت بشيء مذهل واتّخذت خطوة الطلب من الجيش إعداد خطّة لنزع سلاح حزب الله، وستُعرض علينا. وإسرائيل تقول إنّها مسرورة من الإنسحاب من لبنان ولا تريد احتلال لبنان".
ومن جهتها أورتاغوس قالت: "إسرائيل مستعدّة أن تتحرّك خطوة خطوة مع قرارات الحكومة اللبنانيّة، وسنساعد الحكومة للمضي قدماً في القرار التاريخي ونشجّع إسرائيل على القيام بخطواتها". وعلّقت على الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم امس، فقالت: "هو مثير للشفقة".
التعرّض للإعلاميين
ومن جهة ثانية، تعرّض برّاك للإعلاميين بكلام وجدوا فيه إهانة لهم ولمهنتهم، حيث انّه بادرهم إلى القول عندما تدافعوا في توجيه الأسئلة اليه: "اصمتوا لحظة... في اللحظة التي يصبح فيها الوضع فوضويًا وحيوانيًا سنرحل". ما اثار موجة استنكار عارمة إعلامية وسياسية.
وقد أسفت رئاسة الجمهورية في بيان لـ"الكلام الذي صدر عفواً عن منبرها من قبل أحد ضيوفها اليوم الثلثاء (أمس)"، وشدّدت على "احترامها المطلق لكرامة الشخص الإنساني عموماً". واكّدت "تقديرها الكامل لجميع الصحافيين والمندوبين الإعلاميين المعتمدين لديها خصوصاً، ووجّهت اليهم كل التحية على جهودهم وتعبهم لأداء واجبهم المهني والوطني".
وقال وزير الاعلام بول مرقص الموجود في الخارج في بيان، انّه "أسف لما بلغه من تصريح صدر عن أحد الموفدين الأجانب تجاه مندوبي وسائل الإعلام في القصر الجمهوري". واكّد "أنّ الإعلام اللبناني والزميلات والزملاء الإعلاميين يقومون برسالة نبيلة في نقل الخبر والحقيقة، رغم كل الصعوبات والتحدّيات، ضمن إطار من المهنية والالتزام. ويشدّد على أنّه يحرص على كرامة كل فرد منهم ومكانتهم على نحو مطلق ويعتزّ بهم".
وقالت نقابة محرري الصحافة اللبنانية: "مرّةً جديدةً، يتعرّض فيها الإعلام اللّبناني لمعاملة أقلّ ما يُقال فيها إنّها خارجة عن أصول اللّياقة والدّبلوماسيّة، والمؤسف أكثر أنّها صدرت عن مبعوث دولة عظمى يقوم بدور دبلوماسي على ما هو معروف".
واستغربت أن "يبادر المبعوث الأميركي توم برّاك بوصف تصرُّف رجال وسيّدات الإعلام في القصر الجمهوري بـ"الحيواني"، مؤكّدةً أنّ "الأمر غير مقبول على الإطلاق، لا بل مستنكَر جدًّا، ويدفع بنقابة المحرّرين إلى إصدار هذا البيان الموجَّه إلى شخص برّاك بخاصّة وإلى مسؤولي الدّبلوماسيّة الأميركيّة عمومًا، تدعو فيه إلى تصحيح ما بدر عنه من خلال إصدار بيان اعتذار علني من الجسم الإعلامي". ورأت النّقابة أنّ "عدم صدور مثل هذا البيان، قد يدفع النّقابة إلى الدّعوة لمقاطعة زيارات واجتماعات الموفد الأميركي، كخطوة أولى على طريق إفهام مَن يلزم أنّ كرامة الصّحافة والصّحافيّين ليست رخيصة، ولا يمكن لأيّ موفد مهما علت درجته أن يتجاوزها".
وقال رئيس لجنة الإعلام والاتصالات في البرلمان النائب إبراهيم الموسوي: "لم نفاجأ أبدًا بمنطق السفاهة والاستعلاء الأميركي الذي عبّر عنه موفد الوصاية الأميركية توم برّاك بحق الإعلاميين اللبنانيين في القصر الجمهوري في بعبدا والإهانة الفادحة التي وجّهها إليهم، فهذا الموفد يجسّد بأمانة مطلقة حقيقة الولايات المتحدة الأميركية وجوهر الفلسفة العدوانية المتوحشة التي تأسست عليها، وهي باختصار فلسفة الإبادة الجماعية وغياب أي منطق قيمي أخلاقي يمكن الاحتكام إليه أو التمثل به والامتثال له".
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا