وداع وطني مهيب للعلاّمة الأزهري شوقي حمادة
الرئيسية ثقافة / Ecco Watan
الكاتب : محرر الصفحة
Sep 29 25|00:27AM :نشر بتاريخ
ايكو وطن - بعقلين - ايمن حمادة
في زمنٍ يندر فيه الرجال الذين يجمعون بين العلم والأدب والدين والإنسانية، يبرز اسم العلّامة الأزهري والاديب شوقي حمادة كأحد أعمدة الفكر واللغة في لبنان. رجلٌ عاش حياته حارسًا للغة الضاد، مرشدًا للأجيال، وخطيبًا من الطراز الرفيع، بصوته المجلجل وحجته الرصينة واتزانه الذي كان مثالًا للعالم المتواضع النبيل.
حمل همّ الكلمة الصادقة، فدرس وعلّم، وبحث وكتب، وأفنى عمره في خدمة لغة القرآن وحفظ التراث العربي. لم يكن فقط رجل علم، بل كان مرجعًا دينيًا وثقافيًا واجتماعيًا، يُستشار فيُصيب، ويُسأل فيُضيء الطريق، فغدا بوصلةً لأبناء جيله ولمن جاء بعده.
وعندما حان يوم الرحيل، لم يكن وداعه عاديًا… بل كان مشهدًا مهيبًا يليق برجلٍ من طراز الكبار. فقد شارك في تشييعه كبار رجال الدين والسياسة والفكر والعلم، إلى جانب وجوه المجتمع وأهل بلدته بعقلين الذين بكوه بحرقة. فكان الوداع تحية وفاء لرجلٍ لم يبخل يومًا بعلمه، ولم يتأخر عن خدمة الناس، فالتف الجميع حول نعشه كأنهم يشيّعون قيمةً ورسالة، لا مجرد إنسان.
ارتفعت في جنازته الكلمات التي تشهد له بالفضل والعطاء، وتردّدت في الألسن سيرته التي تُخلّد الاتزان والحكمة ونبل الأخلاق. لقد رحل شوقي حمادة جسدًا، لكنه ترك خلفه إرثًا من الفكر واللغة، وذكرى لا تزول من قلوب محبّيه وتلامذته وأهل بلدته، الذين رأوا فيه الأب والمرشد والمعلّم.
إن رحيل العلامة حمادة ليس خسارة لبعقلين وحدها، ولا للبنان فقط، بل هو خسارة للأمة التي ودّعت أحد حُرّاس لغتها، وأحد فرسان الكلمة الصادقة. لكن العظماء، وإن غابوا، يبقون خالدين في الذاكرة، يضيئون الدروب بعلمهم، ويتركون أثرًا أبقى من العمر ذاته.
رحم الله العلّامة شوقي حمادة…
فقد ودّعت بلدة بعقلين الأزهري والمرجع اللغوي الراحل المربي الأستاذ شوقي سميح اليوسف حماده في مأتم مهيب شارك فيه رجال دين، وفود من أبناء منطقة الشوف، وفعاليات سياسية، ودينية وأدبية.
تقدّم المشيعين رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي ورئيس كتلة اللقاء الديمقراطي النائب تيمور جنبلاط، شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي أبي المنى، النائب مروان حمادة، رئيس إتحاد بلديات الشوف السويحاني ورئيس بلدية بعقلين كامل العضني، وكيل داخلية الشوف د. عمر غنّام، رؤساء بلديات وجمعيات، وعدد من أعضاء مجلس قيادة "التقدمي".
وألقيت في التشييع كلمات رثاء عدة تناولت مسيرة الراحل الأدبية والإجتماعية، وأشادت بمزاياه الحميدة وصفاته الحسنة. فكان تعريف من مكرم الغصيني تلاه قصيدة رثاء للشاعر عصام الحميدي، ليتحدث بعدها كل من الدكتور أحمد نزال بإسم إتحاد الكتاب اللبنانيين، أسامة القعسماني بإسم جمعية الزهرة، حسان منذر بإسم أصدقاء الفقيد، بدري تقي الدين بإسم منتدى الشعر في بعقلين. أما كلمة آل حمادة فألقاها النائب مروان حمادة شكر خلالها كل من حضر لتقديم العزاء ومواساة العائلة.
أبي المنى
وكانت كلمة لشيخ العقل الدكتور سامي أبي المنى جاء فيها "نقف وإياكم اليوم صاغرين خاشعين في مواجهة الحقيقة، والحقيقة قائلة: "كل نفس ذائقة الموت"، "وَلَن يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا، فلماذا نستغرب ولماذا نعترض، وفي الموت ولادة وفي الموت حياة.
الموت حق، والحياة تواصل
والعمر يمضي والمدى يتجدد".
وأضاف "نعم أيها الأخوة نواجه الحقيقة اليوم بالرضا والتسليم، وبالشهادة للراحل العزيز، أستاذنا الأزهري شوقي اليوسف حمادة، وكأننا في وداعه نودع عمادة الأدب الصحيح واللسان العربي الفصيح، كيف لا؟ ومن أعطي العلم فقدر، ووُهِبَ الفضل فشكر، وهو اللائذ منذ البدء في حمى الإسلام والإيمان، والعامل بجد من أجل كرامة الإنسان".
وتابع "نفتخر ونعتز في هذا الجبل وفي مجتمع المعروف والتوحيد بأديب ألمعي من أدبائنا، وباحث متعمق في العلوم اللغوية والإسلامية من أهلنا ؛ كاتب دقيق رقيق عميق، وخطيب مُفوَّه بارع، رصين العبارة عذب اللفظ والنطق متميز بفصاحته وبلاغته وخطه اليدوي المنسق الجميل الذي أتحفنا به مرات عدة، كما أتحف به العديد من أصدقائه عبر رسائل قصيرة معبرة مضموناً وأسلوباً ومظهراً، وبكثير من الأدب والتهذيب والدقة والبلاغة".
وأردف "هذا بعض ما قلته في فقيدنا الغالي يوم تكريمه في مكتبة بعقلين الوطنية منذ ثلاث سنوات، وهو من لمع اسمه باكراً ، فعرفناه في مطلع فتوتنا وشبابنا كاتباً مميزا على صفحات مجلة الضحى يوم كان أميناً على بعض أبوابها ومؤتمناً ومستشاراً لدى علم من أعلام الموحدين الدروز المرحوم الشيخ محمد أبو شقرا، شيخ العقل الأرفع للطائفة آنذاك، الذي أدرك ما يختزنه ذلك الشاب القادم من جامعة الأزهر في القاهرة من نبوغ وثقافة عالية، والمتقدم على سواه ممن تخرجوا وتخصصوا في اللغة والفقه والأدب، فاحتفى الشيخ الوقور بالشاب الأزهري الواعد، واغتنى الشاب الرزين المتحدر من عائلة معروفية عريقة بحكمة الشيخ وصدق حدسه وحسن رعايته".
وقال "شوقي حمادة، لا ننسى أننا تصدينا وإياك وقادة الجبل والفكر والمجتمع لمحاولات ضرب أصالتنا العربية الإسلامية والإساءة إلى وحدتنا المعروفية والوطنية، وأنك كنت دائماً إلى جانب أهل التوحيد وقيادة الجبل الحكيمة، وإلى جانب قريبك الأستاذ مروان حمادة الحافظ لتراث الأجداد والأمجاد، والثابت في المواقف الوطنية والمصيرية، والمتخطي بوعي وترفع حواجز الغدر ومحاولات الاغتيال، والمتجاوز بمرونة وحكمة كل أنواع التحديات، والجميع يعرف أننا نعيش في بلدٍ يُكمن أبناؤه الضغينة تجاه بعضهم بعضاً، فيفجرونها عند حصول هفوة من هنا أو عبارة ملتبسة من هناك، ولا يفهمون أن روابط المحبة أمتن من خيوط الكراهية العنكبوتية، فيحولون معركتهم من أجل بناء الدولة والوطن إلى مواجهة داخلية عبثية، بينما نصر نحن على أن عملية الإصلاح والإنقاذ تحتاج إلى ترسيخ مفهوم الشراكة الروحية الوطنية التي لا حياة إلا بها".
وأكمل "شوقي حمادة، لا ننسى أنك أنت من شجعتنا في البدايات، وشددت على أيدينا، وقد كنا طلاب علم ومعرفة، فزودتنا بمعلومات مفيدة من لدنك، شعراً ونثراً، أدباً وتاريخاً، لذا جئنا لنودعك اليوم كما جئنا لنكرمك بالأمس، إلى جانب جمع من أهلك ومحبيك وعارفيك، لأكثر من سبب ودافع، ليس بدافع المحبة وحسب، ولا بدافع التقدير من مشيخة العقل فقط، بل لنكون شاهدين مع من يشهدون على ما تستحقه من تكريم وتقدير، لعل في ذلك بعض وفاء ونفحاً من عطاء، تعلمناه في مدرستك الأخلاقية الإنسانية، ولعل في ذلك تأكيداً منا على رسالة نحملها في مشيخة العقل وفي المجلس المذهبي، وقد كنت تعتز بها، رسالة انفتاح الدين على المعارف والعلوم، ورسالة الارتقاء بالثقافة لتكون سبيلاً لتحقيق غاية الدين في بناء عالم أكثر إنسانية، وفي ذلك تلتقي الرسالتان؛ رسالة العلم والثقافة ورسالة الدين والتوحيد".
وأضاف "قال تعالى: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا". لقد عاهدت بأن ترفع اسم بعقلين والجبل عالياً فصدقت، فتحية لروحك الغالية وتحية لبعقلين العزيزة، وهي تودعك اليوم مكرماً بإرثك الأدبي والاجتماعي، وبما كان كامناً فيه من صفات، لا بما أضفيناه عليك من مواصفات، وأنت من كنت لا تبخل عليها وعلى مجتمعك الشوفي والوطني بوقفة فخامة وأدب، والجميع يعرف أن شوقي حمادة لا يجارى في الفخامة عند اعتلاء منابر الخطابة، فإذا أوجز أعجز، وقد كنا نشتاق دائماً لكلماته المنتقاة بدقة، ولخاتمات كلامه المختصر بإعجاز شعري قل نظيره، ولذا أسمح لنفسي أن أجاريه في هذه اللحظة المؤثرة فأعيد ما ختمت به في تكريمه قائلاً:
شوقي لشوقي كشوق العين للهدب
شوقي كتاب، وبي شوق إلى الكُتُبِ
شوقي كجمر تراه كامناً، فإذا
نفخت فيه تجلَّتْ روعةُ اللَّهَبِ"
وختم كلمته "بمزيد من الإيمان والرضا بقضاء الله والتسليم لأمره نودعك أيُّها الصديق الغالي، سائلين لروحك الرحمة والغفران، ولمحبيك وأهلك الصبر والسلوان، وراجين أن تُفتح خزائن كنوزك الأدبية لطالبي العلم والمعرفة لعلهم بها يستنيرون وبك يقتدون".
والقى الشاعر عصام الحميدي قصيدة رثاء في الراحل العلامة شوقي حمادة جاء فيها:
شوقي حماده قلت يا منادي ؟
ما عرفت حالك شو عم تنادي؟
ما شعرت لحظه برجفة المذياع
وبغيمة السودا على بلادي؟؟
شوقي حماده مش خبر ينذاع
هالاسم هالة نور وزياده
علم وثقافه ومعرفه وابداع
ما في ولا كاتب زاد قيمه وعز
ان ما كان منو آخذ شهاده
قنعنا يا ربي بنعمة الصبر الجميل
انت الخبير بحالنا وانت الوكيل
من حكمتك وديّت إلنا كتاب دين
وآمن سلفنا بالقبيل وبالرحيل
مش هيك يا استاذنا الحر الأمين؟
المفضل على الاجيال مدري كم جيل
كنّا بصفوفك هيك نحنا معلّمين
نشعر بصدرك قلب اصفى من الدموع
ونقرأ بوجهك حكمة الشيخ الجلبل
شوقي حماده واحترامي للّقب
يا جامعة اخلاق يا كتاب الأدب
يا ركن صلب بصروح الفلسفه
يا معجم الألفاظ نجمك ما غرب
البيكون متلك ما بظن بينطفي
يا مارد المنسوب من أعرق نسب
يا ازهري يا عبقري يا معرفه
بكرا عيون العِلم رح تبرم عليك
تا تشوف شوقي وين راح وشو كتب..
يا فلسفه ضبّي شموخك ورحلي
بغياب شوقي اليوم لازم تخجلي
وان كان بدك ترجعي لا ترجعي
إلا بعمالقة الزمان الاولي
شوقي حماده كان مكتبة الوعي
قديش بدك يا ثقافه تزعلي
مات البحبو الكان فكرو مرجعي
تا نقسم الأحزان مش صعبه كتير
لبنان ياخذ نص ، والباقي إلي...
يا ريتني ما وقفت تا ارثيك
تمنيت اوقف يوم تكريمك
باجمل قصيدة شعر تا غنّيك
من شعرك الصافي وتعاليمك
ياما سألنا الرب تا يخليك
وتضل منهل عِلم ويديمك
لو كان قلنا الحبر رح يوفيك
بتدخل عا جنّة ربنا مرتاح
وعا جناحها الكلمات بتقيمك....
نيال سطر اللي انقرا بعينيك
نيال فكره بخاطرك جالت
نيال ورقه لامست ايديك
نيال كلمه منك انقالت
يا معجم الألفاظ اسمك هيك
يا مكتبه ما بعمرها تغالت
يا نعمة الوقت اللي مر عليك
حتى الوقت كان يربح وجودك
اللحظه بوجودك عزها نالت...
يا بدر صعبه ينطفي شعاعك
النور الحلو بسطور ابداعك
حامل براسك نص عِلم الكون
ما بظن انو القبر بيساعك
بعقلين يا بلاد الثقافه والوحي
مات الحبيب الكان بمعزّة ابي
يا ريت يا بعقلين فيكي تسمحي
تا إنقل الجثمان عا بيتي الفقير
يا يصير في بالبيت عندي مكتبه
يا معلمي يا ريت كنت بتنفدى
بفديك بسنيني على طول المدى
ما احترت عزّي مين فبل ومين بعد
عزّيت شِعرك قبل ما عزّي حدى
وفي الختام شكر النائب مروان حمادة باسم العائلة كل الحضور على المواساة
بعدها أقيمت مراسم الصلاة على روح الفقيد قبل أن يوارى جثمانه الثرى في مدافن العائلة في بلدته بعقلين.
الصور بعدسة حسين الداهوك
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا