سلام في الذكرى الـ80 لتأسيس "طيران الشرق الأوسط": صلة الوصل في الحرب والعزلة

الرئيسية اقتصاد / Ecco Watan

الكاتب : المحرر الاقتصادي
Nov 11 25|18:15PM :نشر بتاريخ

ألقى رئيس الحكومة الدكتور نواف سلام ، كلمة في احتفال شركة طيران "الشرق الأوسط الميدل ايست"، لمناسبة الذكرى الثمانين لتأسيسها، استهلها بالترحيب بالحاضرين، وقال : "يسعدني أن أكون بينكم اليوم للاحتفال معاً بالذكرى الثمانين لتأسيس شركةٍ ليست مجرّد مؤسسة اقتصادية ناجحة، بل جزء من ذاكرة لبنان المعاصر، ووجه من وجوه هويته، وصورة حيّة عن قدرة ابنائه على التحليق عالياً، مهما اشتدت العواصف فيه او من حوله".

أضاف :"ثمانون عاما مرت على مغامرة ولدت في زمن كانت فيه المبادرة شجاعة، والريادة حلما، والانفتاح رؤية.

منذ ذلك اليوم، وطيران الشرق الأوسط يجسد مرآة للبنان نفسه: بلد صغير في الجغرافيا، كبير في طموح أهله.

ولدت الميدل إيست في لحظة تاريخية مليئة بالتحولات. كانت سنوات الأربعينيات زمن تحول عالمي، وكانت منطقتنا الخارجة من الحرب تبحث عن ذاتها. في ذلك الوقت، لم يكن الطيران مجرد وسيلة نقل، بل رمزا للتقدم ومجالا جديدا لا يدخله إلا من يملك الرؤية وشجاعة المبادرة".

وتابع سلام :"هذه هي بالضبط روح لبنان التي عبرت عنها الشركة منذ لحظتها الأولى: بلد لا ينتظر الظروف، بل يخلقها، بلد يريد أن يكون رائدا في محيطه وحاضرا في العالم، لا هامشا فيه.

حتى الاسم الذي حملته، "طيران الشرق الأوسط "، كان إعلانا عن طموح أكبر من حدود الوطن. لم تحمل الشركة اسم بيروت أو لبنان، بل اختارت أن تمثل الشرق الأوسط بأسره".

وقال :" بالنسبة إلي، كانت "الميدل ايست" جزءا لا يتجزأ من ذاكرة العائلة، ومن تفاصيل الطفولة التي تختلط فيها صورة تلال الرمل التي كانت تحيط بالمطار بأضواء بيروت وبدايات الحلم اللبناني الحديث. كبرت وأنا أسمع اسمها في البيت، وأرى الوجوه التي ارتبطت بها من خارج العائلة، مثل نجيب علم الدين واسعد نصر.

ففي طفولتي، كنت أمر قرب المطار وأرى الطائرات التي تحمل شارة الأرز، وأشعر بشيء من الفخر الغامض. لم أكن أدرك السبب، لكنني كنت أفهم، بطريقة الأطفال، أن تلك الطائرات ليست مجرد آلات، بل جزء من الحكاية التي كبرنا عليها — حكاية بلد عربي صغير يحلم بأن تكون له أجنحة".

وأردف :"كان عمي صائب، صاحب المبادرة وأول رئيس لمجلس إدارة الشركة، في سنوات كان فيها تأسيس شركة طيران في لبنان مغامرة تشبه تأسيس البلد نفسه:

رؤية تتجاوز الممكن، وإيمان بأن لبنان قادر على أن يكون مركزا للتواصل والانفتاح في المنطقة. وكان دائما الحديث معه عن الميدل إيست يتداخل مع الحديث عن بيروت، عن دورها في العالم العربي، وعن الروابط التي جمعت العديد من افراد اسرتنا مع اشقائهم العرب من مصر الى الجزيرة العربية ومن بغداد الى الرباط.

ومن الرعيل الاول بقي والدي، عبد الله سلام، عضوا في مجلس إدارة الشركة حتى أوائل ثمانينيات القرن الماضي، متمسكا برؤية المؤسسين رغم الاضطرابات التي بدأت تعيشها البلاد منذ نهاية الستينيات.

وفي مرحلة لاحقة تولى ابن عمي سليم سلام رئاسة مجلس الإدارة في أصعب الظروف، فحمل الشعلة ذاتها في زمن تغير فيه كل شيء تقريبا، وسعى لتبقى فيه الشركة محتفظة بوجودها وروحها".

وتابع :"لقد أدرك القائمون على الشركة منذ البداية أن الطيران ليس مجالا جامدا، بل عالم يتغير بوتيرة سريعة، وأن النجاح فيه يتطلب يقظة دائمة، واستعدادا لتجديد الذات في كل مرحلة، فكانت الميدل إيست من أوائل الشركات العربية التي تبنت مفاهيم الإدارة الحديثة، وأدخلت التقنيات الجديدة في التدريب والصيانة والخدمات الجوية.

وكذلك أصبحت الميدل إيست مع مرور الزمن نموذجا للمؤسسة اللبنانية الحديثة: مؤسسة تجمع بين روح المغامرة التي ورثتها من جيل التأسيس، والعقلانية التي اكتسبتها من الخبرة التقنية، والانفتاح المستمر على العالم بوصفه بيئة طبيعية لنجاحها.

ولم تكتف الميدل إيست بأن تكون مرآة لصورة لبنان في الخارج، بل أصبحت عنصرا ثابتا في هوية اللبنانيين أنفسهم.

فهي ترافقهم في السفر والعودة، في الحنين والمغامرة، في الفرح والخوف. كل لبناني جرب الغربة يعرف شعور الطمأنينة حين يرى طائرة الميدل إيست في مطار بعيد، بالأرزة على ذيلها وألوانها المألوفة. إنها تلك اللحظة التي تختصر معنى الوطن: أن تشعر أنك عدت قبل أن تصل".

واستطرد سلام :"وحين يتذكر اللبنانيون لحظات الحرب والعزلة، يتذكرون كيف بقيت الميدل إيست صلة الوصل الوحيدة بينهم وبين العالم.

تاريخ الميدل إيست ليس مجرد تسلسل زمني لمحطات اقتصادية أو إدارية، بل هو سيرة مقاومة مدنية طويلة، توازي في معناها مسيرة لبنان نفسه في مواجهة الأزمات.

في عام 1969، كانت الضربة الأولى الكبرى. خلال الغارة الإسرائيلية على مطار بيروت، دمر أسطول الشركة بكامله تقريبا. مشهد الطائرات المحترقة في أرض المطار كان يمكن ان ينهي أي شركة، لكن الميدل إيست، بدل أن تنهار نهضت من الرماد، أعادت تنظيم نفسها، واستأنفت عملياتها خلال فترة وجيزة، لتتحول تلك الكارثة إلى بداية فصل جديد من الصمود والتحدي.

ثم كانت الحرب عام 1975، وبعدها واحدة من أصعب المراحل التي عاشتها البلاد وصولا الى الاجتياح الإسرائيلي عام 1982.  توقف المطار مرارا، وتعطلت حركة الملاحة، وتعرض العاملون للخطر المباشر، وخطف بعضهم وقتل آخرون.

ومع ذلك، صمدت الشركة، بل تحولت إلى عائلة كبيرة متماسكة، جمعت بين الشجاعة والانضباط والوفاء".

وأكمل :"وجاءت حرب عام 2006 لتضيف امتحانا جديدا: توقف المطار مجددا، وتضررت منشآت الشركة، لكنها كانت بين أوائل القطاعات التي استعادت نشاطها فور وقف النار.

اما الحرب الأخيرة في عام 2024، فكشفت مجددا معنى الصمود حين يصبح خيارا وحيدا للحياة. فقد استمرت طائرات الميدل ايست تقلع وتهبط من مطار بيروت. وفيما كانت السماء نفسها تبدو مهددة، راحت ترتسم على وجوه الطيارين والمضيفين والفنيين معاني الشجاعة الهادئة.

لقد أثبتت الميدل إيست أن مؤسساتنا تستطيع أن تنجح حين تقوم على المهنية والمسؤولية فتتحرر من منطق الزبائنية والولاءات الفئوية".

ولفت سلام الى ان "رؤية الحكومة التي اتشرف برئاستها تقوم اليوم على ركائز شبيهة: فهدفنا هو أن نعيد بناء الدولة اللبنانية على أساس الكفاءة والإنتاج، وأن نحفز الاستثمار ونشجع على الشراكة بين القطاع العام والخاص، وأن نفتح المجال أمام جيل جديد من الرياديين والمبدعين ليصنعوا قصص النجاح المقبلة. ولذلك أطلقنا مبادرات لتحديث الإدارة ومكننتها، ولتأسيس وزارة للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، كما عملت مع فخامة رئيس الجمهورية على إعادة وصل لبنان بالعالم العربي بعد سنوات من الانكفاء والعزلة. وكذلك عملنا على إعادة بناء الثقة بالدولة عبر الاصلاح المؤسساتي كما في استعادة السيادة وبسط سلطة الدولة بقواها الذاتية على كامل الأراضي اللبنانية".

وقال :"إن ما نحتفل به اليوم، في ذكرى تأسيس الميدل إيست، انما هو دعوة إلى استعادة الثقة بالمستقبل، وبقدرات أبناء وطننا".

وتوجه سلام إلى عائلة طيران الشرق الأوسط: "أنتم وجه لبنان الحديث، أنتم المثال الذي نريده في المبادرة، والابتكار، وبناء المؤسسات والفخر بها.

أنتم الذين جعلتم من الميدل إيست أكثر من شركة — جعلتموها رمزا للبنان الذي نحلم به: البلد الرائد، والمتجدد دائما.

فتحية أولا إلى الطيارين الذين حلقوا في أصعب الظروف، فحملوا علم لبنان في أجواء لم تكن دائما آمنة، ولكنهم أصروا أن يبقى مرفوعا.

وتحية إلى المضيفات والمضيفين الذين مثلوا لبنان في السماء بابتسامة وثقة وأناقة.
وتحية إلى الفنيين والمهندسين الذين عملوا في الظل، في الورش والمستودعات، يحفظون سلامة الأسطول ويؤمنون استمراريته بدقة وتفان.

وتحية إلى الموظفين المحليين الذين أداروا العمليات في أصعب الأيام، في المطار او المكاتب، وواصلوا العمل حين توقف كل شيء من حولهم.

تحية إلى كل العاملين في الخارج، الذين حافظوا على حضور لبنان في المطارات والمدن من حول العالم، وكانوا صوته وصورته، بل سفراءه الصامتين.

وطبعا، التحية، إلى القيادات المتعاقبة على طيران الشرق الأوسط التي عرفت كيف تدير هذه الشركة بروح الفريق الواحد، وتحافظ على مناعتها ومكانتها وسط العواصف السياسية والاقتصادية التي مرت بالبلاد".

ختم سلام : "كل التحية، الى Chairman محمد الحوت الذي عرف كيف يحلق بأجنحة الأرز من عال الى اعلى في اشد الأيام وأصعبها.

شكرا Chairman،كل عام والميدل إيست بخير،

وكل عام ولبنان يحلق معها — آمنا، واثقا، ورائدا كما كان دائما".

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan