كتب الدكتور وليد صافي في ايكو وطن:مقومات نجاح الخطة الخمسية للتعليم العالي في ظل الازمة الحالية

الرئيسية مقالات / Ecco Watan

الكاتب : الدكتور وليد صافي
Feb 09 23|17:58PM :نشر بتاريخ

مقومات نجاح الخطة الخمسية للتعليم العالي في ظل الازمة الحالية
شكّل التعليم العالي في لبنان منذ عقود طويلة إحدى أهم الميزات التفاضلية لبلاد الارز ، حيث لعبت الجامعات الخاصة دوراً هاماً في بناء النخب واجتذاب اعداد كبيرة من الطلاب العرب . وتمكنت بيئة الاعمال في الدول الخليجية وخصوصاً في المملكة العربية السعودية من استقطاب النخب اللبنانية من مهندسين واطباء واداريين ومحامين وغيرهم،ونجحت في الرهان على دورها في النهوض الاقتصادي والعمراني الذي عرفته بلدان الخليج بعد اكتشاف النفط. 
وفي المقابل، تمكنت النخبة اللبنانية ومن خلال مهنيتها وحرفيتها ، من اكتساب ثقة الحكومات الخليجية والمستثمرين الخليجيين ، الذين وفروا بيئة آمنة ومليئة بفرص العمل والاستثمار، الامر الذي مكن  اللبنانيين العاملين في الخليج من جني عوائد مالية هامة ، اذ بلغت تحويلاتهم في السنوات الاخيرة ما لا يقل عن 2.7 مليار دولار سنوياً من اجمالي تحويلات المغتربين التي بلغت بحدود 7.5 مليار دولار . يواجه التعليم العالي حالياً تحديات بنيوية وظرفية، كما تواجه التربية بشكلٍ عام ازمة غير مسبوقة تنذر باوخم العواقب ليس على العام الدراسي فقط، انما على مستقبل لبنان الذي ما زالت ثروته البشرية تشكل المصدر الاستثنائي إذ يشهد محيطنا  تحولات كبيرة، فيما لم يثبت عدد كبير من المسؤولين في الدولة أنهم على قدر التحديات الحالية، حيث يتنازعون على كل شيء في غياب مطلق للمصلحة العليا للدولة.فكيف يبدو حال التعليم العالي في ظل هذا الواقع المرير؟ 

غياب الرؤية وتراجع الاهتمام بالجامعة اللبنانية 
ادت الجامعات اللبنانية الخاصة دورها الريادي في تكوين النخبة التي استقطبتها الدول الخليجية ، كما ادت الجامعة اللبنانية ومنذ نشأتها في خمسينات القرن الماضي ، دوراً كبيراً في توفير النخب للقطاعين العام والخاص في لبنان، وفي رفد الاسواق الخليجية باختصاصيين مؤهلين لتلبية حاجات هذه الاسواق، وقد كان لتأسيس الجامعة اللبنانية من دور اجتماعي-سياسي في تعزيز قيام الطبقة الوسطى وتأطير الحركة المطلبية التي تشكلت قبل اندلاع الحرب، وذلك لمواجهة نظام الامتيازات الطائفية والحد من تشوهات النظام الليبرالي اللبناني وتعزيز دور الوظيفة الاجتماعية للدولة.  لكن التعليم العالي في لبنان دخل منذ العام 1996 مرحلة التوسّع الذي خضع في غالب الاحيان لاستثمار سياسي ومذهبي وتجاري ، وذلك في غياب الرؤية لبناء اقتصاد وطني مبني على استدامة النمو، وعدم الاكتراث باهمية التحولات التي كانت تجري في اسواق العمل في بلدان الخليج التي تستقطب غالبية الخريجين اللبنانيين. ادت سياسة التوسع هذه المستندة إلى الانفلات في منح تراخيص انشاء جامعات ومعاهد خاصة جديدة، حيث ناهز عدد الجامعات والمعاهد الخمسين مؤسسة. وبلغ اجمالي عدد الطلاب الجامعيين بحسب احصاءات وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي للعام الماضي، مئتين وستة الالاف و842 طالب لبناني واجنبي، فيما تحتفظ الجامعة اللبنانية بنسبة 37% من اجمالي الطلاب ، وتشكل افضل ثماني جامعات خاصة نسبة 22%، بينما تتقاسم 36 جامعة ومعهد خاص تأسس معضمها حديثاً  نسبة 41% من اجمالي الطلاب الجامعيين. ومن المفارقات ، أن احدى هذه الجامعات التي يملكها وزير سابق للتربية عرف بحماسته لسياسة التوسع هذه ، تستقطب 17% من اجمالي الطلاب ، ونسبة 27% من اجمالي عدد الطلاب المسجلين في الجامعات ال36 السابقة الذكر، الامر الذي يظهر معضلة تشابك المصالح الخاصة والعامة في بناء السياسات العامة في لبنان. من المفارقات المأساوية ايضاً، أنه مع  اطلاق سياسة التوسع التي ادت الى تخريج عدد هائل من الطلاب ، تراجعت في السنوات الاخيرة ، قدرة الاقتصاد اللبناني عن انتاج فرص العمل للعمالة الماهرة، فاضطر اكثر من 50% من الخريجين الى الالتحاق باسواق الخليج وغيرها من الاسواق ، فيما وقع الباقي منهم بين سندان الهجرة ومطرقة البطالة ، التي تخطت نهاية العام المنصرم بسبب الأزمة القائمة نسبة ال 35.7% عند فئة الشباب الذين يحملون شهادات جامعية.كما لم تعط الجامعة اللبنانية الاهتمام اللازم باستثناء بناء المجمع الجامعي في الحدث وذلك في مرحلة اعادة الاعمار ، وقرار تفرغ دفعتين من الاساتذة في العام 2008 والعام 2014، واكتفاء الدولة بتحويل موازنة الجامعة التي تعقد نفقات 80% منها للرواتب والاجور، فيما لم تتعد موازنتها للسنة الحالية مبلغ ١٣ مليون دولار اميركي. في مقابل تهميش الجامعة اللبنانية ، ظهر حجم الاستقطاب الذي يمثله القطاع، حيث اكدت نتائج دراسة  اجريت في العام 2011 ، أن الاستثمار في التعليم العالي بلغ 12% من الناتج المحلي الاجمالي ، الذي سجل 55 مليار دولار في ذلك العام. وقد بلغ المعدل الوسطي لكلفة الطالب في مجمل سنوات الدراسة في بعض الاختصاصات في الجامعات الخاصة حوالي 185 الف دولار اميركي، فيما لم تتعد كلفة الطالب في الجامعة اللبنانية مبلغ 3500 دولار اميركي تغطى بنسبة عالية من موازنة الجامعة . هذا الواقع، شكل ضغوطاً كبيرة على موازنة الاسر التي يلتحق اولادها في الجامعات الخاصة، الامر الذي يطرح اشكالية نظام التمويل لقطاع التعليم العالي الذي يرتكز في القطاع الرسمي على التحويلات من المالية العامة التي تغرق بازمة بنيوية، تؤثر بشكل بالغ  على تلبية احتياجات الجامعة اللبنانية ، فيما يعتمد القطاع الخاص على الاقساط التي يدفعها الطلاب والهبات التي تتلقاها الجامعات الخاصة. تدفع الوقائع هذه، الى التساؤل عن الآثار المترتبة على غياب الدعم الفعال للجامعة اللبنانية التي تستقطب حوالي 80 الف طالب ، وعدم قدرة ذوي الطلاب على تأمين الاقساط الجامعية لاولادهم في الجامعات الخاصة ، الامر الذي يؤدي الى حرمان اولادهم من الفرص في الالتحاق في موسسات التعليم العالي هذه. وبالتالي تطرح اشكالية تراجع مبدأ تكافؤ الفرص الذي يعد واحداً من مسؤوليات التعليم العالي في الحفاظ عليه، ومن المبادئ التي ترتكز عليها التنمية المستدامة. 
الخطة الخمسية والتحديات المتعددة 
اعلن وزير  التربية والتعليم العالي القاضي عباس الحلبي منذ اسابيع الخطة الخمسية للتعليم العالي للخمس بالتعاون مع منظمة اليونيسكو . وبالتأكيد فإن هذه المبادرة تعبر عن الارادة السياسية بعدم البقاء في هذا النفق المظلم، وعدم الاستسلام للاهمال الذي تواجهه التربية إذ لا تحتل على اجندة اهل الحل والربط المكان الذي يليق بالحفاظ على مستقبل الالاف من الشباب اللبناني. الامال المعقودة على هذه الخطة الخمسية تكمن في القدرة على اختراق هذا الواقع المأساوي، وذلك من خلال فتح الطريق نحو بناء رؤية جديدة تنطلق من التحديات الداخلية التي يواجهها التعليم العالي في لبنان، وتوفر الارادة السياسية لبناء اقتصاد قادر على انتاج الوظائف للعمالة الماهرة، والتأقلم مع التحولات الهائلة في بيئة العمل. وتتعلق التحديات العالمية التي يواجهها التعليم العالي باستمرار دور الجامعات في تعزيز مبدأ تكافؤ الفرص ، والقدرة على اصلاح التعليم ، والتأقلم مع التعلم المستمر ،والتعامل مع ما فرضته التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي من تحديات، إذ باتت مؤسسات التعليم العالي بحاجة الى أن "تستخدم بشكل متزايد الأدوات الرقمية في إدارتها اليومية وفي برامجها". 
وتتطلب الرؤية الجديدة البناء على هذه التحديات بالتزامن مع اعادة بناء القدرات في وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي ، كي تتمكن من مواكبة تطور مؤسسات التعليم العالي وتفعيل ادائها المؤسساتي وممارسة رقابتها على الجامعات الخاصة ، وذلك من خلال اصدار قانون هيكلية مديرية التعليم العالي ، وتفعيل الهيئات المختصة لاسيما منها اللجنة الفنية ولجان الاختصاص، ومجلس التعليم العالي الذي يجب أن يتحول الى مؤسسة قادرة على وضع التوجهات الرئيسية لسياسة التعليم العالي، وتحديثها بشكل مستمر لمواكبة التحولات التي تجري في اسواق العمل في ضوء الاتجاهات الجديدة من  التحول الرقمي الى الطاقة المتجددة وغيرها من التطورات العلمية . ومما لا شك فيه ، أن احد اعمدة نجاح هذه الخطة ، يكمن في القدرة على تشكيل المؤسسة الوطنية لضمان الجودة والتي تعطل انشاءها منذ العام 2014 ، بسبب التجاذبات السياسية القائمة ، واطلاق مشروع اعادة تقييم برامج ومناهج  الجامعات لاسيما تلك التي تأسست في مرحلة الانفلات في التراخيص.  
الرؤية وتحديات التحولات في اسواق الخليج 
يشكل البناء على التحولات التي تجري في دول الخليج اهمية بالغة ايضاً في نجاح الخطة الخمسية للتعليم العالي ، إذ يجب بالدرجة الاولى تصحيح المسار القائم في السياسة الخارجية اللبنانية، لاعادة علاقة لبنان بالمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي إلى وضعها الطبيعي. كما يجب أن يترافق تصحيح السياسة الخارجية مع التعامل بجدية وواقعية ،مع نتائج سياسات التوطين الجارية في بلدان الخليج والتي تهدف الى استيعاب الموارد البشرية الوطنية الجديدة، التي تخرجت من افضل الجامعات في الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا والمانيا وفرنسا واليابان وغيرها، وذلك لتولي الوظائف القيادية في الشركات ، كما نص قانون العمل السعودي على سبيل المثال في التعديلات الاخيرة التي تضمنت تولي  المواطنين السعوديين 75% من الوظائف القيادية في القطاع الخاص . وتفترض الواقعية ، الاعتراف بان زمن غياب المنافسة للعمالة اللبنانية الماهرة في اسواق الخليج قد انتهى، واذا كان اللبنانيون ما يزالون في اعلى سلم المنافسة في قطاعات مثل الاعلام والصحة والاعلانات ، فإنه يجب التنبه إلى أن تعاظم دور العمالة الماهرة من الجنسيات الاخرى في عدد من القطاعات الاخرى في اسواق الخليج ، يطرح تحديات كبيرة على فرص الخريجين اللبنانيين، الامر الذي يستدعي الوعي لاهمية اطلاق بناء المؤهلات الجديدة لطلاب الجامعات في لبنان خصوصاً تلك المرتبطة بالعصر الرقمي. 
من جهة ثانية، يجب اعطاء اهمية بالغة الى التحول الذي يجري في دول الخليج حيث تقدمت هذه الدول في بناء جامعتها ومناهجها المتطورة، واذا كان بعض هذه الدول يحتاج الى عقود للحاق بالارث العلمي الكبير الذي تمثله الجامعة الاميركية في بيروت وجامعة القديس يوسف والجامعة اللبنانية، فإن ما حققته المملكة العربية السعودية في المجالات الاكاديمية المتعددة، قد فاق كل التوقعات، اذ احتلت جامعة الملك عبدالعزيز المرتبة الاولى عربياً والترتيب ١٤٣ عالمياً، وذلك في تصنيفات جامعة QS العالمية . كما يجب اعطاء اهمية الى الخطط الاقتصادية الجارية في هذه الدول ، واهمها رؤية 2030 في المملكة والتي تسير نحو تنوع الاقتصاد السعودي وتعزيز دور القطاع الخاص ، وذلك لتحديد الفرص والاختصاصات الجديدة التي توفرها هذه الخطط في القطاعات الواعدة ومنها السياحة ، التكنولوجيا ، قطاع التعدين وصناعة السيارات الكهربائية والتحول نحو الطاقة المتجددة وانتاج الهيدروجين الاخضر .كذلك التركيز على السياسات في قطاع الصحة في ضوء التحديات التي فرضتها جائحة كورونا ومتحوراتها ، إذ تتوفر الفرص في هذا القطاع للاطباء والممرضين اللبنانيين الذين ما يزالون في موقع مميز بين المنافسين من الدول الاخرى. ومن المهم التركيز على الاتمتة( Automation ) التي تجري في اسواق المنطقة والتي تفترض التحول في برامج واختصاصات العديد من الجامعات اللبنانية، حيث اشارت دراسات حديثة الى أن 50% من الوظائف في الشرق الاوسط تحولت الى الاتمتة ، والباقي يسير على هذا النحو . وفي هذا المجال ، تحتل المملكة العربية السعودية الصدارة في مستوى نمو الوظائف المرتبطة بالذكاء الاصطناعي والرقمية كعلوم البيانات الضخمة Big Data وعلوم الكمبيوتر المرتبطة بالبرمجة ،التطبيقات، الشبكات والأمن السيبيراني. 
 اهمية ربط الخطة الخمسية بوظائف المستقبل 
اسئلة كثيرة مطروحة برسم مجلس التعليم العالي والجامعات اللبنانية، والتي تتعلق باعادة هيكلة الاختصاصات ، بما يتوافق مع هذه التحديات ، لاسيما الرقمية منها ، إذ يعتقد عدد من الخبراء أن الرقمية  "تتيح الوصول إلى المزيد من الموارد ، ويجب أن تكون دائمًا جزءًا من مشروع تعليمي حتى تكون مفيدة".والسؤال الاهم بالنسبة لمستقبل التعليم العالي في لبنان ، يتعلق بادراك اهمية ربط تطور مؤسسات التعليم العالي والاختصاصات التي تقدمها في التحولات التي تجري في وظائف المستقبل. بمعنى ، هل من العقلانية بمكان ان تستمر هذه المؤسسات بتقديس برامج ومناهج اصبحت من عالم مضى، واختصاصات ستختفي قريباً من اسواق العمل ؟ ام أن الوقت قد حان ، لاعداد جيل لتولي الوظائف المرتبطة بالثورة الرقمية، والتوجه لبناء سياسات جديدة تشجع على الابتكار وريادة الاعمال، التي تشكل الاتجاه البنيوي الجديد في التطور الاقتصادي وبناء فرص العمل لجيل الشباب. 
ثمة تحديات شاملة طرحها العديد من الخبراء في التعليم العالي ، واهمها : "الرد على اسئلة تتعلق بمحتوى البرامج في ضوء تحول التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي الى حقيقة ، وموقع التقنيات والمهارات المطلوبة لاسواق العمل في هذه البرامج، الامر الذي يؤدي الى سؤال مركزي، ماذا نعلم ، وكيف نعلم "؟ الاجابة على هذه الاسئلة تكمن في الوعي للاتجاهات الجديدة التي تتحكم في بيئة الاعمال وادراك اهمية التحول الرقمي ، واهمية البيانات ودورها في بناء الفرص وتنوع الخيارات وتحديد الميزات التنافسية حيث تؤكد متطلبات الاسواق  أن بناء القدرات والمؤهلات الجديدة يجب ان يتم في سياق هذا التقدم العلمي والتقني الذي نشهده في القرن الحادي والعشرين . 
ولا شك في أن التحديات المتعلقة بتعزيز البحث العلمي الذي يقود الى حصول الجامعات على الاعتمادات المطلوبة، ويفعل  من ثقافة البحث العلمي لدى الخريجين ، تعتبر من التحديات التي تواجه التعليم العالي،  اذ تشير الاحصاءات وفق Scopus ، إلى أن غالبية الابحاث العلمية المنشورة تصدرها خمس جامعات لبنانية فقط. تضاف هذه التحديات إلى كلفة التعليم وعدم صلاحية نظام التمويل التقليدي ، وإلى كلفة التحول الرقمي واهميته في الحفاظ على الميزات التنافسية التي تعتبر من اهم العقبات التي ستواجه التعليم العالي في لبنان لاسيما في السنوات الخمس القادمة . وفي تحليل مقارن بين لبنان والدول التي توازيه في الناتج القومي ما قبل الازمة ، نجد تدني نسبة الصادرات التكنولوجيا وكذلك تدني حجم الموازنة المخصصة للبحث العلمي إن على الصعيد الحكومي أو على صعيد الجامعات ، اذ خصصت الحكومة في السنوات الماضية مبالغ للبحث العلمي للمجلس الوطني للبحوث العلمية لا تتجاوز سبعة مليارات ل.ل وهو رقم يعكس الموقع المتواضع الذي يحتله البحث العلمي في اجندة الحكومات اللبنانية المتعاقبة . يتضاعف تحدي التمويل في لبنان في ظل الازمة المالية التي تشهدها البلاد ، وتراجع قدرة الدولة عن المساهمة في كلفة تطوير هذا القطاع وقيام البنية التحتية للتحول الرقمي ، فضلاً عن عدم توفر الارادة السياسية على الايفاء بالالتزامات التي يجب ان تتوفر للجامعة اللبنانية ، وتعاونية موظفي الدولة والصناديق الضامنة الاخرى في رفع نسبة المنح الجامعية لموظفي القطاع، الامر الذي جعل  ذوي الطلاب يرزحون تحت عبء رفع الاقساط الذي بدأت به الجامعات الخاصة بسبب انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الاميركي الذي تسبب بانهيار القدرة الشرائية وارتفاع نسبة التضخم الى ما يفوق ال210% . ويشير تقرير المراجعة السنوي للانفاق العام في العام 2015 ، الى تراجع نسبة الانفاق الحكومي الى 2.3% من الناتج المحلي المقدر بحوالي 51 مليار دولار بالنسبة الى الانفاق في العامين 2005 و 2007 الذي وصل الى حدود 3.5%و3.1% من الناتج المحلي الاجمالي. والجدير بالذكر أن موازنة الجامعة اللبنانية التي كانت تشكل قبل انطلاق مسلسل انهيار قيمة الليرة اللبنانية حوالي 231 مليون دولار ، قد تراجعت بفعل هذا الانهيار الى حوالي ١٣ مليون دولار لهذا العام ، الامر الذي ادى إلى عجز كبير في مواجهة تداعيات الازمة على الاساتذة والموظفين واعباء كلفة التشغيل والصيانة والتجهيزات للمختبرات وتأمين المازوت للتدفئة . 
التحديات متعددة ومقلقة ، لاسيما ان ميزة لبنان التفاضلية تبقى في موارده البشرية ومخرجات التعليم العالي في لبنان ما تزال العامل الحاسم في الحفاظ على هذه الثروة. وانطلاق الخطة الخمسية  للتعليم العالي ونحن في قلب الازمة، كان امراً صائباً إذ لا يجب الانتظار حتى تأتي الازمة على كل شيء. ومن المهم عدم التراجع واعداد خطة متوازية لاصلاح التعليم بشكل عام والتحول نحو اقتصاد يواكب التحولات العلمية وتلك التي تجري في اسواق المنطقة. ويبقى التساؤل قائماً عن مدى امكانية الخروج من الانسداد السياسي الذي يعطل انتخابات رئاسة الجمهورية،ويطيح بامكانية الدخول بديناميكية جديدة قادرة على اطلاق ورشة الاصلاحات الاقتصادية والمالية، والدخول في برنامج انقاذي عبر صندوق النقد الدولي، وذلك لتهيئة المناخ لإطلاق برامج اصلاح التعليم ، وفي مقدمها تطوير انظمة وقوانين الجامعة اللبنانية وتحديث اختصاصاتها وجعلها قادرة على بناء الشراكات مع القطاع الخاص لتأمين مواردها المالية، والخروج من نظام التمويل التقليدي الذي انتهى بفعل الازمة المالية والاقتصادية والتحولات التي نشهدها.اما السؤال الآني فهو محصور، بامكانية ان تشكل القرارات التي اتخذها مجلس الوزراء نهار الاثنين الفائت لمعالجة المطالب التربوية والجامعية، ارضية للتفاهم مع النقابات المعنية بغية انقاذ العام الدراسي. في غياب هذا التفاهم، لا احد يستطيع التكهن بمستقبل قطاع التربية الذي يبدو أنه على مفترق طرق.  

 

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan