الخطيب: الوجود المسيحي غير مهدد والمسلمون حريصون عليه
الرئيسية سياسة / Ecco Watan
الكاتب : المحرر السياسي
Apr 07 23|14:27PM :نشر بتاريخ
أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس. وألقى خطبة الجمعة التي قال فيها: "اليوم هو اليوم السادس عشر من شهر رمضان المبارك الذي اعتاد المؤمنون في كل ليلة من لياليه قراءة دعاء الافتتاح وقد أوردنا في بداية هذه الكلمة مقطعين من مقاطعه المباركة تيمنا بها واستذكارا لنعم الله تعالى التي أولاناها وخصنا بها وفي كيفية الاستفادة من هذه الأوقات في التوجه اليه بخطاب الحمد لما يستحقه الذي لا مضاد له في ملكه فله الملك دون أحد من خلقه وبه استحق أن يكون له الامر والطاعة، وهو الخالق الذي لا شريك له في خلقه ولا شبيه له في عظمته والنافذ في الخلق أمره، فالخلق كله يسير وفق ما قرره من القوانين لا يستطيع احد لها تجاوزا أو تغييرا بل إقرارا بها وحمدا له، وكان بذلك ظاهر الكرم والجود بلا حدود لأنه كان منه ابتداء من غير استحقاق ، بل كان مبسوط اليد فلم يبخل على خلقه ولم يعاملهم بما يستحقون ولم يحرمهم لسوء فعلوه لأنه العزيز الوهاب".
وأضاف: "كان من أعظم ما أنعم على الخلق به انتخابه من بين خلقه رسلا وانبياء وأولياء لهدايتهم إلى ما فيه خيرهم ومصلحتهم في الدنيا والآخرة، وقد كان أئمة أهل البيت (ع) ممن من الله تعالى بهم على الخلق فكانوا ولاة الأمر بعد رسوله (ص) القائمين بأمر الله حفظا لدينه وأمة نبيه، وقد صادف بالأمس ولادة الامام الحسن المجتبى (ع) أحد سبطي رسوله وأوصيائه واشبه الناس به خلقا وخلقا ومنطقا. فعن أنس بن مالك، قال: لم يكن أحد أشبه برسول الله صلى الله عليه واله منه، وفي حديث للإمام الحسن (ع) مع أبي سعيد الخدري فقال: يا أبا سعيد ألست حجة الله تعالى ذكره على خلقه، وإماما عليهم بعد أبي عليه السلام؟ قلت: بلى، قال: ألست الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله لي ولأخي: الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا؟ قلت: بلى.. فهو أحد أئمة المسلمين، في الحديث عن أن الائمة اثنا عشر كلهم من قريش، وعن طرقنا أن اولهم علي (ع) ثم ولداه الحسن والحسين ثم الائمة التسعة المعصومين من ذرية الحسين آخرهم المهدي من ولد فاطمة (ع)، الذي حفظ الله به الإسلام ووحدة الامة من فتنة بني أمية وأفشل خطتهم وكشف عن حقيقة مرادهم وأمرهم وانحرافهم وعدائهم للإسلام وكيدهم له مكررا دور أبيه أمير المؤمنين (ع) في تقديم الأهم من مصلحة الإسلام، فقد خيروا بين التمسك بحقهم في قيادة الأمة الذي قد يفضي إلى الفتنة وتمزيق وحدتها فلا يبقى دين ولا أمة وبين التخلي عن حقهم الظاهري فيحفظا ويبقيا بذلك عليهما وقد اثبتا بهذا التصرف الرسالي حرصهما على أمة رسول الله وعلى دينه، وهذه مهمة الأنبياء والاولياء في اختيار طريق ذات الشوكة كما ينبغي أن تكون القيادة التي تضحي من أجل مصلحة الأمة ورسالتها، لا أن تتخذ من الحكم غاية تنال منه مغنمها الخاص وشهوتها للرياسة والتحكم بأمور الناس الذي عبر عنه علي (ع) بقوله: ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى وأكباد حرى أو أكون كما قال القائل: وحسبك داء أن تبيت ببطنة * وحولك أكباد تحن إلى القد".
وتابع: "أأقنع من نفسي بأن يقال هذا أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها أو المرسلة شغلها تقممها تكترش من أعلافها وتلهو عما يراد بها أو أترك سدى أو أهمل عابثا أو أجر حبل الضلالة أو أعتسف طريق المتاهة.." غير مختار طريق الراحة أو جبانا في طريق الحق والمواجهة يقول(ع) : ومن كلام له لما أشير عليه بألا يتبع طلحة والزبير ولا يرصد لهما القتال: "والله لا أكون كالضبع تنام على طول اللدم حتى يصل إليها طالبها و يختلها راصدها ولكني أضرب بالمقبل إلى الحق المدبر عنه و بالسامع المطيع العاصي المريب أبدا حتى يأتي علي يومي فوالله ما زلت مدفوعا عن حقي مستأثرا علي منذ قبض الله نبيه صلى الله عليه حتى يوم الناس هذا". والإمام الحسن حين آثر الصلح حمل الأمة المسؤولية تسليم مصيرها بيد بني امية العابثين، وهو يعلم ما ستؤول اليه أمورهم من تحكم بني أمية في رقابهم ومن الظلم الذي سوف ينالهم منهم ومن التصرف بالمال العام وفق اهوائهم واعتبار الدولة ملكا وحقا لهم يتصرفون به كيف شاؤا يعطونه من شاؤا ويمنعونه من شأؤا يدعمون به ملكهم وسلطانهم يأكلون مال الله "اكلة الإبل نبتة الربيع" يستلذون بالحرام كما تستلذ الإبل بنبتة الربيع الطرية اللينة دون حسيب أو رقيب ثم يتابع مهمته في مواجهة الحكم الأموي بإثارة الوعي فيها.
لقد خير بين الدنيا والدين فاختار بمقتضى مسؤولياته الدين وحمل مهمة الاصلاح في مواجهة الافساد والمفسدين وهو ما فعله أئمة أهل البيت جميعا استمرارا لمهمة النبوة، كل حسب الطريقة التي تفرضها ظروف المواجهة وقد اقتضت الظروف التي واجهها الامام الحسن (ع) أن يسلك هذا السبيل ليعبر بالأمة من الفتنة والضياع إلى حالة تعي فيها ما يضمره الامويون لها ولدينها ليبطل مكرهم واهدافهم في القضاء عليهما".
وقال الخطيب: "لقد أعطى الامام الحسن (ع) المثال الرائع والنموذجي لما ينبغي أن يشتمل عليه القائد من المواصفات التي تجعله أهلا للقيادة من أن يكون صاحب رسالة حقة يقود شعبه لتحقيقها أي أن يكون لديه قضية تستحق ان يعمل من أجل تحقيقها وأن يكون لديه الإخلاص لها والشجاعة اللازمة لاتخاذ الموقف حين يقتضي الامر ذلك مهما كان هذا الموقف صعبا وكلفه من أثمان ولو كان فيه بذل حياته".
وأضاف: "إن القضية الحقة التي ينبغي على القيادة أن تتحملها وتدافع عنها تقع في اولوياتها حماية الوطن وحماية الشعب والعمل على تحقيق أهدافه في العيش بحرية وعزة وكرامة التي يشكل قيام الدولة أهم مرتكزاتها لأنه من دون الكيان الواحد والدولة الواحدة، وان يكون هناك شعب واحد، وافتراض وحدة الشعب تستدعي وحدة الكيان والسلطة ومع افتقاد وحدة الشعب تستحيل وحدة الكيان ويستحيل قيام الدولة والحكم والسلطة وإن وجدت فهي وحدة وسلطة شكلية سرعان ما تتفكك وتنتهي ولا يمكن الدفاع عنها كما لا يمكن أن تتوفر لها وحدة القيادة ولا وحدة الأهداف ولا قضية يمكن أن تحملها القيادة وتدافع عنها".
وتابع: "نؤمن أن الشعب اللبناني هو شعب واحد وله قضية واحدة وبالتالي فإن العناصر الضرورية لقيام الدولة متوفرة، يحاول البعض من القوى السياسية اللبنانية المنع من تشكلها وتصوير الشعب اللبناني على أنه شعوب غير متآلفة ويدفع عبر الاستفادة من التنوع الديني والطائفي إلى تعطيل قيام الدولة ويحمل زورا التنوع الديني والطائفي هذه النتيجة السلبية، اقول زورا لأن الدين وعلى الأقل الإسلام لا يحمل ذلك بل هو قائم على أساس "التعارف" كما يقول تعالى (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا). كما أن تجربته التاريخية أثبتت ذلك في احترامه للديانات السماوية الاخرى والعيش معهم على أساس المواطنية في وثيقة المدينة عندما بدأ النبي محمد (ص) تأسيس الدولة الاولى في تساوي جميع مواطني الدولة في الحقوق والواجبات، فتحميل الدين مسؤولية التناقض الداخلي بين أبناء الشعب اللبناني يحمل في داخله أهدافا أخرى لا تمت إلى التنوع الديني والطائفي بصلة وإنما تتصل بأسباب غربية تهدف إلى تفكيك مجتمعات العالم العربي وإضعافها عن مواجهة المخططات لحماية الكيان الاسرائيلي الذي زرع في قلب هذه المنطقة الاستراتيجية للحفاظ على المصالح الغربية التي تتوقف عليها الهيمنة الغربية في تكوين النظام الدولي".
وقال: "إن التصريحات التي تصدر عن بعض القوى المسيحية بادعاء الحفاظ على الوجود المسيحي في الشرق لا تعبر عن الحقيقة، فالوجود المسيحي غير مهدد والمسلمون حريصون على الوجود المسيحي حرصهم على أنفسهم، ونحن بدورنا ندعو مواطنينا المسيحيين إلى عدم الاستماع إلى هذه الترهات التي لم تؤدي سوى إلى الإضرار بالجميع مسيحيين ومسلمين وبالمسيحيين على وجه أخص وبالكيان اللبناني المتميز بتنوعه الديني والثقافي الذي يشكل رسالة إسلامية مسيحية إلى العالم في الدفاع عن القيم الاخلاقية والانسانية المشتركة التي تهددها القيم الغربية المادية التي لا تمت إلى المسيحية بصلة، وتخالف رسالة البابا الى اللبنانيين".
وأضاف: "المسيحية تمثل جزءا مهما من تاريخ هذه المنطقة وشعوبها وتاريخها الحضاري، ونتمنى أن لا يقع إخواننا المسيحيون بالخطأ التاريخي الذي ارتكب في اوائل الفتح الإسلامي حينما غرر بهم وأوهموا أن الإسلام يهدف إلى اقتلاعهم من هذه المنطقة أو إجبارهم على اعتناق الإسلام وأدى نتيجة الدعاية البيزنطية التي نشرت بينهم الخوف وأنهم معرضون للقتل والذبح إلى النزوح عن مناطقهم والهجرة، وقد كذبت الوقائع هذه الدعاية، حيث بقي من لم تنطل عليه هذه الاكذوبة يعيش بكرامة وحرية فيما كانت المذابح تجري بين المذاهب المسيحية على قدم وساق، على أن تحميل الاسلام والمسيحية مسؤولية الحرب الأهلية اللبنانية بروباغندا ساقها الغرب الذي كانت مشاريعه الاستعمارية وتناقضاته مع الاتحاد السوفياتي تستدعي قيام هذه الحرب بين يسار ويمين، كان اللبنانيون جميعا ضحية لها وكذلك الإسلام والمسيحية على حد سواء".
وتابع الخطيب: "كان هذا السرد للحوادث التاريخية ضرورية للإضاءة على هذه الحقيقة لمصلحة اللبنانيين من أجل الاعتبار وجلاء الحقيقة والعودة إلى الوعي للحفاظ على المصالح الحقيقية للشعب اللبناني، ولمواجهة استحقاقات المستقبل اللبناني وما ينبغي على اللبنانيين اتخاذه من مواقف للحفاظ على بلدهم في مواجهة الأخطار الوجودية التي يتعرض لها وأول ما يجب القيام به في هذه الظروف الدولية والاقليمية تحقيقا لمصلحة الكيان اللبناني وشعبه هو اتخاذ موقف تاريخي مسؤول ولأول مرة المبادرة إلى الاستجابة لدعوة الحوار والوصول الى انتخاب رئيس للجمهورية انسجاما مع التطورات في الإقليم التي تنحو نحو التقارب والتعاون بين دول المنطقة، والا ينتظر اللبنانيون أن يكونوا آخر الركب بل أن يكونوا من المساهمين في هذا التحول الاستراتيجي في المنطقة الذي يضعف معه العدو الاسرائيلي أكثر فأكثر الذي أصبح عاجزا عن القيام بالوظيفة التي عهد له الغرب القيام بها وأن يخيفنا بتهويلاته وتهديداته التي يمارسها اليوم على لبنان بالتصريحات الفارغة أو يمارسها على الشعب الفلسطيني والمصلين العزل في المسجد الأقصى التي لا تمثل الا عجزا متزايدا مثلته التناقضات الداخلية لكيانه".
وختم الخطيب: "ان تهديد البعض بالذهاب الى الفيدرالية أو التقسيم ليس سوى تعبيرا عن العجز والفشل بتبريرات غير منطقية وغير واقعية، والصواب هو عدم تضييع الوقت والإسراع الى الحل الذي ينتجه الحوار انسجاما مع المصلحة الوطنية ومع التحولات الإقليمية والدولية التي توفر فرصة ذهبية للبنان يحقق فيها الاستقرار على كل الأصعدة".
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا