خاص ايكو وطن :واقع القطاع التربو ي.. عبود: اخشى من استنزاف ربع الكادر التعليمي

الرئيسية تربية / Ecco Watan

الكاتب : ناجي يونس
May 29 22|15:21PM :نشر بتاريخ

 

 

المدارس الخاصة في لبنان تاريخ عريق امتد الى رحاب الدول العربية والعالم وقدم صورة جلية عن تنوع تربوي وثقافي حقيقي لا مثيل له في العالم العربي والمنطقة حتى عرفت بلاد الارز بالصرح التربوي لمحيطها.

الا ان هذا القطاع مهدد اليوم بوجوده ورسالته شأنه شأن التهديد الذي يواجهه الكيان اللبناني برمته وهو يترنح مقاوما التحديات وباحثا عن نفس صامد ومجترحا اساليب استثنائية لظروف مصيرية بهدف الاستمرار وتفادي السقوط الكبير مع ان عددا من المدارس اقفل نهائيا او اقفل اقساما فيه.

وبعدما اقفلت المدارس في فصلها الثالث في العام الدراسي 2019/2020 وطيلة العام الدراسي 2020/2021 بسبب فيروس كورونا واعطي تلاميذ الشهادتين المتوسطة والثانوية افادات لانهم لم يتقدموا من الامتحانات الرسمية.

وبعدما اختصر البرنامج التربوي في خلال العام الدراسي الجاري فما هي الآثار على المستوى التربوي وعلى الاساتذة والتلاميذ؟

وبعدما اقترب لبنان من المجاعة يطرح السؤال نفسه عن قدرة قطاعه التربوي الخاص على الصمود امام التحديات الخطيرة  وقد شارف العام الدراسي الجاري على نهايته وما اذا كانت المدارس ستفتح ابوابها في الخريف المقبل.

كلها اسئلة ووقائع  سيسعى "ايكو وطن" ليجد الاجابات عنها من خلال عرض متتال لواقع هذا القطاع وتحدياته...وهو ما سنتناوله من ضمن تحقيقات عدة مع مكونات العائلة التربوية المثلثة الاضلاع التي تضم الادارات التربوية والجهاز التعليمي والاهل.

والبداية مع الجهاز التعليمي فما هي نظرته الى الواقع التربوي من مختلف زواياه؟وما هي التحديات؟وما هو الافق على المديين القصير والمتوسط؟

 

عين ورقة اول مدرسة خاصة

نشأت اول مدرسة لبنانية خاصة في دير عين ورقة في غوسطا حين كان التدريس يعرف بتحت السنديانة وقد اقر اول قانون للتعليم الخاص عام 1952 ثم اقر قانون ثان عام 1956 لا يزال نافذا حتى اليوم بعدما ادخلت عليه تعديلات كثيرة.

وفي لبنان اليوم حوالى 1600 مدرسة خاصة يعود اكثر من 60% منها الى الجمعيات الدينية المسيحية والاسلامية ويتوزع الباقي بين مدارس افرادية واخرى ترتبط بشبكة مدارس فرنكوفونية وانغلوفونية عالمية كبرى.

وتزيد المدارس الكاثوليكية على 300 مؤسسة وهي التجمع الاكبر في القطاع الخاص اما مدارس "الليسه" فهي الاكثر عددا بين الصروح المدرسية غير الدينية في لبنان.

وهناك المدارس شبه المجانية التي تربو على 260 مؤسسة والتي تتمول من وزارة التربية وهذه الاخيرة لم تسدد مستحقات المدارس لاربع سنوات متتالية.

هذا وتنتظم تجمعات  المدارس الخاصة في اطار جامع هو "اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة في لبنان".

6 مناهج تربوية

وتعتمد في القطاع التربوي الخاص في لبنان 6 مناهج تربوية بدءا من المنهاج اللبناني الذي ينتهي بشهادة الباكالوريا اللبنانية التي تدرس باللغة العربية وباحدى اللغتين الاجنبيتين الفرنسية او الانكليزية.

ويعتمد اكثر من 60% من المدارس الخاصة المنهاج اللبناني باللغة الفرنسية كلغة ثانية ويقدم عدد كبير من هذه المؤسسات لتلاميذه البرنامج الفرنسي الذي ينتهي بالبكالوريا الفرنسية.

وهناك مدارس تدار مباشرة من الفرنسيين وتعتمد البرنامج الفرنسي ولعل مدارس الليسه خير مثال على ذلك.

وهناك مدارس خاصة تعتمد المنهاج اللبناني باللغة الانكليزية كلغة ثانية وتقدم لتلاميذها خيار متابعة منهاج البكالوريا الدولية وتقديم امتحاناته الرسمية بعد الانتهاء من دراسته.

وهناك مدارس تتيح لتلاميذها متابعة المنهاج الاميركي الذي ينتهي في عامه الثانوي الثاني ويؤهل متابعيه لسنة ال"فرشمن" التحضيرية لمتابعة الاختصاصات الجامعية في صروح التعليم العالي الانغلوفوني.

وهناك مدارس تتيح لتلاميذها متابعة المنهاج اللبناني كذلك المنهاج البريطاني الذي اصبح يعادل بالبكالوريا اللبنانية.

وهناك مدارس تعتمد المنهاج التربوي الألماني(أبيتور).

اشارة الى ان البكالوريا الفرنسية والدولية والالمانية تعادل بالبكالوريا اللبنانية.

اشارة ايضا الى ان لبنان في طليعة الدول التي يقيم قطاعها التربوي الخاص شراكة مع المنهاج التربوي الفرنسي الفرنكوفوني.

وقدمت الدولة الفرنسية بعد انفجار مرفأ بيروت مساعدات كبيرة لعدد كبير من التلاميذ في المدارس ذات الشراكة الفرنكوفونية في العام الدراسي 2020/2021.

وفي العام الدراسي الجاري تكررت المساعدات الفرنسية للتلاميذ اللبنانيين في المدارس ذات الشراكة الفرنكوفونية الامر الذي سيتكرر ايضا في العام الدراسي المقبل.

700 الف تلميذ

هذا وقد زاد عدد التلاميذ في لبنان في العام الدراسي 2019/2020 على مليون تلميذ كان بينهم حوالى 700 الف في القطاع الخاص.

وحسب التقديرات فانه لا يقل عدد التلاميذ في القطاع الخاص اليوم عن 650 الفا وقد حصلت حركة نزوح لعشرات آلاف التلامذة من القطاع الرسمي الى الخاص في خلال العام الدراسي الجاري بسبب الاضرابات التي نفذها معلمو الرسمي.

يذكر ان النزوح كان يحصل عادة من التعليم الخاص باتجاه المدارس الرسمية بسبب الصعوبات المالية وتفاقم الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

القسط من 1500 الى 400 دولار

اما معدل الاقساط في المدارس الخاصة فكان يناهز 3500 دولار في العام الدراسي 2019/2020 (حين كان الدولار يوازي 1500 ليرة لبنانية).

اما اليوم فاصبح معدل الاقساط يناهز 12 مليون ليرة اي حوالى 400 دولار اذا ما احتسب على سعر صرف 30 الف ليرة.

وقد اعتمدت زيادات على الاقساط بعيدا من القانون 515 الذي ينظم الموازنة المدرسية حيث كانت الحاجة ملحة الى تعديله وهذا ما لم يحصل وحيث كانت الحاجة ملحة الى ادخال زيادات فاقرت على عجل من دون الاستناد الى هذا القانون.

ويجمع المتابعون على انه لولا المساعدات المحلية والخارجية التي تأمنت لتغطية الاقساط او جزء منها بنسب متفاونة لكان الجزء الاكبر من الاهالي عجزوا عن تسديد اي منها الى جانب ما يتراكم من هذا القبيل عن اعوام سابقة.

اما هذه المساعدات فهي متنوعة ومن مصادر عدة ابرزها  ما قدمته السفارة الفرنسية الى جانب منظمات وهيئات اغترابية قامت بالكثير لدعم الاهالي وهناك تبرعات من افراد ورجال اعمال مغتربين.

وقد سعت الجمعيات الدينية مع مراكزها وروابط قدامى خريجيها في الخارج لدعم مدارسها فغطت قسما كبيرا من الاقساط اضافة الى تبرعات من رجال اعمال ونافذين وهيئات ومرجعيات في لبنان...كان بعضها بهدف البر والاحسان ودعم القطاع التربوي اذا جاز التعبير وبعضها الآخر لغايات اخرى.

ومع ذلك كله فان  الخوف من تعثر الاهالي كليا يكبر يوما بعد آخر فالبطالة تنتشر اكثر فاكثر والافلاس قاب قوسين والمجاعة على الابواب والهجرة تتعاظم.

اشارة  الى ان الكثير من الاهالي نقلوا اولادهم الى اقرب مدرسة من منازلهم او الى المدرسة الرسمية او هاجروا او ابقوهم بلا تعليم...لانه اذا كانت هناك ادارات كثيرة تغض الطرف عن الاقساط فكيف سيتدبر الاهالي نفقات النقل التي تتعاظم مع ارتفاع اسعار المحروقات تباعا؟

خسارة ربع الاساتذة قريبا

في المقابل بلغ عدد المعلمين في المدارس الخاصة في العام الدراسي 2019/2020 حوالى 43 الفا بينهم حوالى 25 الفا اعضاء في نقابة المعلمين التي ليس الانتساب اليها الزاميا.

وحسب نقيب المعلمين في المدارس الخاصة رودولف عبود فقد كان معدل راتب المعلم شهريا 1500 دولار قبل ارتفاع سعر صرف الدولار واصبح معدله اليوم 4 ملايين ليرة اي اقل من 150 دولارا على سعر صرف 30 الف ليرة للدولار الواحد.

وقد اضطرت المدارس الخاصة الى تسديد كامل متوجبات سلسلة الرتب والرواتب والدرجات الست بموجب القانون 46 اما بدفعة واحدة اما تقسيطا.

ويؤكد عبود ل"ايكو وطن" ان المعلمين عانوا الامرين ان بسبب الازمة الاقتصادية والاجتماعية وان بسبب التعليم عن بعد في فترات الاقفال والحجر التي فرضتها كورونا وان بسبب ما ارتكبته الادارات بحقهم.

وبسبب ما تقدم خسر القطاع الخاص حوالى 3000 استاذ اما صرفوا تعسفيا اما تقاعدوا باكرا بسبب مغريات قدمت لهم اما استقالوا بحثا عن فرص اخرى في لبنان والخارج.

وبتقديره ان حوالى الف استاذ هاجروا الى مصر ودول الخليج وفرنسا بحثا عن لقمة العيش وظروف افضل لهم ولعائلاتهم.مضيفا:

 يكمل المعلمون اليوم مسيرتهم التربوية باللحم الحي ويجاهدون ويتعرضون للتشهير والانتقاد وهم بالكاد يؤمنون البنزين للتنقل هذا دون ان ننسى انهم عاجزون مثل سائر اللبنانيين عن مواجهة صعوبات الحياة الاخرى في مختلف المجالات.

ويوضح عبود انه في الكثير من المدارس وبمبادرة من اداراتها ولجان الاهل فيها تم الاتفاق على دعم المعلمين بتسديد من يرغب من ذوي التلاميذ (طوعا وتبرعا) حوالى 100 دولار شهريا لكل استاذ طيلة اشهر العام الدراسي.

ويلفت الى ان هذا المسار لا يلحظه القانون لكنه اصبح اشبه بالعرف في الكثير من المدارس في حين رفضته لجان الاهل في مدارس اخرى مما اثار ضجيجا وسخطا وغبارا ورسم علامات استفهام هنا وهناك مع مطلع العام الجاري.

واقدمت مدارس اخرى على تأمين المساعدات نقدا بالدولار للمعلمين من الخارج سواء من خلال مراكزها في الدول الاخرى ام من خلال منظمات وهيئات اغترابية.

ويقول عبود انه ولو زيدت الرواتب 3 اضعاف شهريا فهي لن تكفي باي شكل من الاشكال موضحا ان الاكثرية الساحقة من المدارس اصبحت بحاجة الى الكثير من المعلمين ومتوقعا خروج ما بين 20 الى 25% من المعلمين من وظائفهم وسعيهم للهجرة او للتقاعد المبكر او للعمل في مجالات اخرى فضلا عن الصرف التعسفي وهو ما يمكن ان يحصل حتى 4 تموز المقبل.

من جهة اخرى يلفت عبود الى ان القطاع الخاص تمكن عمليا من تدريس ما بين 130 الى 150 يوما وان كان البرنامج تم اختصاره للعام الدراسي الجاري لاقل من هذا العدد من ايام التدريس.

جدير ذكره ان العام الدراسي يدوم عادة بين 160 و170 يوم تدريس.

ومن التدابير الاستثنائية التي اقدمت عليها وزارة التربية للعام الجاري تأجيل الامتحانات الرسمية للشهادتين المتوسطة والثانوية الى نهاية حزيران بينما كانت تجرى مطلع الشهر نفسه.

ومن هذه التدابير ابقاء مواد الزامية في هذه الامتحانات وجعل المواد الاخرى اختيارية.

وفي هذا الاطار يشير عبود الى ان جميع هذه الاجراءات سترتد سلبا على المستوى التربوي في لبنان والى ان الظروف السائدة والازمة الاقتصادية والاجتماعية وكورونا...كل ذلك سيترك سلبيات كثيرة ابرزها:

ضعف المعلومات والمتابعة لدى التلاميذ الذين ارتفعت عندهم وتيرة التنمر والعدائية وعدم تقبل الآخر والكلام النابي وتراجع منسوب العمل الجماعي والانتظام والالتزام بالنظام...وعلى مستوى المدارس تراجعت الامكانيات والنشاطات اللاصفية مضيفا: سنحتاج الى عامين دراسيين طبيعيين للتعويض عن الفاقد التعليمي الذي تسبب به كل ما سبق ذكره.

ومن تداعيات الازمة تراجع نسبة تسديد المدارس لمساهماتها في صندوق التعويضات للمعلمين في المدارس الخاصة.

اشارة الى ان اموال المعلمين المودعة لدى الصندوق تناهز الف مليار ليرة.

تحديات العام المقبل

وبعد كل ما تقدم وبغياب اي تدبير من قبل الدولة لحماية القطاع التربوي الخاص اصبح الاهالي والاساتذة وادارات المدارس اشبه بعزّل يواجهون اكبر ازمة مستفحلة على مستوى العالم في القرنين الماضي والراهن وهي تنذر بايقاع لبنان وشعبه في الفقر المدقع وستحفر اكثر فاكثر في جهنم.

من هنا يؤكد عبود ان القطاع التربوي الخاص سيواجه مصيره في العام الدراسي المقبل بنفسه متوقعا ارتفاع الاقساط وسطيا الى حدود 25 مليون ليرة وازدياد المساعدات للاهالي والاساتذة من الداخل والخارج.

ويختم مشيرا الى انه بقدر ما ستتعمق الازمة بقدر ما سيبحث اللبنانيون عن وسائل الصمود وسيكتبون مستقبل اولادهم باحرف مذهبة بالنضال والمثابرة والتضحيات تفاديا لسقوط قطاع عريق وان كان اهتراؤه يتفاقم بسرعة مخيفة.

الكاتب :ناجي يونس

 

 

 

 

 

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan