في ظل ترنّح "فيينا" ما هي خيارات إيران في المنطقة؟

الرئيسية مقالات / Ecco Watan

الكاتب : الدكتور ياسر غازي
May 30 22|18:28PM :نشر بتاريخ

 

  في 25 أيار 2022 (ذكرى تحرير جنوب لبنان من الاحتلال) أطلق أمين عام حزب الله حسن نصرالله تحذيراً، استوقف جميع المراقبين، من أنه "قد تحصل تطورات في الأيام المقبلة قد تؤدي لتفجير الأوضاع في المنطقة". وجاء تحذير نصرالله في سياق تناوله الانتهاكات الإسرائيلية للمسجد الأقصى.   

وفي اليوم التالي نقلت وكالة الأنباء الصينية (شينخوا) عن سفير الولايات المتحدة الأميركية لدى إسرائيل توم نيدز قلقه "من أن تؤدي مسيرة الأعلام المقررة (بعد ثلاثة أيام) إلى تصعيد الأوضاع في القدس ومناطق السلطة الفلسطينية".

قد يبدو مستغرباً تقاطع تحذير حزب الله مع القلق الأميركي إزاء الخطر نفسه، غير أنه يعكس منسوب الخطر المحدق بالمنطقة، وإن كان لكل فريق منطلقاته وأهدافه المختلفة. وكان يمكن لمسيرة أعلام ومواجهات بين المستوطنين والفلسطينيين أن تكون حدثاً شبه اعتيادي، لولا ارتباطها الوثيق بما شهدته المنطقة من تطورات استراتيجية تتدرّج بأهميتها لتصل إلى مستوى انتكاسة مفاوضات فيينا النووية بين إيران والمجموعة الدولية، المعروفة رسميًا بـ”خطة العمل الشاملة المشتركة”، والتي تهدف إلى الحدّ من الأنشطة النووية لطهران ومنعها من تطوير السلاح النووي. ومن هذه الزاوية ينبغي قراءة المشهد في المنطقة وفي المقدمة مشهد شرقي المتوسط.

ويستند هذا الاستنتاج إلى جملة وقائع وتطورات ميدانية دقيقة، بعضها ناتج عن اتخاذ المسار التفاوضي في فيينا منحىً هو أقرب للرؤية الإسرائيلية منها إلى التمنيات الأوروبية والتردد الأميركي في الملف النووي الإيراني، ومن هذه الوقائع: 

 1- إجراء تل أبيب واحدة من أضخم مناوراتها العسكرية "عربات النار"، التي "تحاكي سيناريوهات قتالية متعددة الجبهات والأذرع"، بمشاركة  القوات الأميركية  عبر تزويد طائرات مقاتلة إسرائيلية بالوقود "في طريقها إلى الهجوم المفتَرَض على إيران؛ بحسب القناة "13" العبرية التي زادت بأن المشاركة الأميركية في المناورات، تمثّل "رسالة للإيرانيين، في حين أن المفاوضات بشأن الاتفاق النووي مع إيران، متعثرة". وذلك في مقابل أعلى درجات الاستنفار في صفوف حزب الله والحرس الثوري الإيراني.

2- مسلسل اغتيال ضباط من الحرس الثوري واستهداف مواقع حساسة داخل إيران، أبرزها ما ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، نقلًا عن مصادر إيرانية وأميركية، أنّ "طائرة مسيّرة استهدفت قبل أيام موقعًا عسكريًا شديد الحساسية خارج طهران" تستخدمه وزارة الدفاع الإيرانية لتطوير المسيّرات، أدى إلى مقتل مهندس عسكري، تبعه الإعلان عن اغتيال ضابط رفيع يوم السبت 28 أيار، بعد أيام قليلة على اغتيال العقيد خدائي المسؤول عن نقل الصواريخ الذكية إلى حزب الله.

3- تجدد موجات الغضب الشعبي داخل المدن الرئيسية الإيرانية، على خلفية تردّي الواقع المعيشي – الاقتصادي تحت وطأة العقوبات الغربية.

سياسيا، مُنيَ النفوذ الإيراني في الدول العربية (نظرية السيطرة على 4 عواصم عربية) بنكسات متتالية بدأت مع نتائج الانتخابات العراقية، ثم مفاجأة الانتخابات اللبنانية وخسارة (غالبية الـ 74 نائباً التي تغنى بها الجنرال قاسم سليماني عام 2018)، مروراً بتعثّر مهمة طهران بتقاسم غنائم الحرب في سوريا مع الشريك الروسي الذي أبقى على الفضاء السوري مسرحاً للعمليات الجوية الاسرائيلية ضد أهداف إيرانية أو حليفة هناك، وقد زادت وتيرتها في المرحلة الأخيرة. كما أن تحرك الجار التركي الأخير في الشمال السوري يذكّر طهران بصعوبة مهمتها الجيوسياسية في سوريا، خصوصاً أنه يتزامن مع تجدد صراع الجارين حول السدود المائية على الأنهار المشتركة.

أما في اليمن، فمن المبكر التكهن بمصير الهدنة والمفاوضات بين الحوثيين و"حكومة عدن"، غير أن توقف آلة الحرب مطلبٌ لطالما سعت إليه السعودية، كما أنه لا ينفصل عن مناخ الحوار المستجد بين طهران والرياض برعاية بغداد.

وسط ضبابية المشهد، وبصرف النظر عما إذا كان في جعبة "حائك السجاد" الإيراني مزيدٌ من الصبر والحيلة السياسية للتعامل مع هذه "الخسائر"، ولاستعادة زمام المبادرة من جديد، فإن كل ما يحدث في المنطقة وما قد يحدث يعدُّ من إرهاصات "فيينا"، وصدى لانتكاسة هذا المسار، بعدما كادت طهران أن تكرر انتصار 2015 النووي، مع بايدن 2022. ومعلوم أن جملة أسباب تقف خلف هذه الانتكاسة، منها قرار الرئيس بايدن إبقاء الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب، القرار الذي أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي "نصف أبوّته" له، وأُرغم بايدن على اتخاذه بعد تصاعد انتقادات الكونغرس للتنازلات الأميركية أمام إيران في فيينا، فضلاً عن حسابات بايدن الانتحابية، إذ سبق أن أعلن عزمه الترشح لولاية ثانية عام 2024. 

  ومن هذه الأسباب مُطالبة روسيا، أحد المُوَقّعين الأصليين على اتفاق 2015، بأن أيَّ اتفاقية يتم إحياؤها يجب أن تضمنَ السماح لموسكو بمواصلة التجارة مع طهران، ولن تخضعَ للعقوباتِ المفروضة بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.

فضلاً عما بقي من نقاط عالقة بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية كعدم حسم ملف "جُسَيمات اليورانيوم" التي وُجِدَت في المواقع التاريخية... ألخ.

 فما هي الخيارات التي قد تلجأ إليها إيران للخروج من مآزقها غير المسبوقة؟       

 ظاهرياً، لا يمكن تفسير تهديدات قادة الحرس الثوري بالرد على اغتيال ضباطه في قلب العاصمة طهران، ومنع تحول إيران إلى "سوريا ثانية" لجهة تحولها إلى مسرحٍ روتيني للعمليات الجوية والبرية الإسرائيلية، وكذلك تهديدات حزب الله بتفجير الوضع في المنطقة رداً على استباحة المسجد الأقصى، لا يمكن تفسيرها على قاعدة "سنرد في المكان والزمان المناسبين" أو مقارنتها بتلك التي صدرت عن الحرس الثوري غداة مقتل قاسم سليماني أو العالم النووي فخري زادة، فظروف 2022 الإقليمية والدولية مختلفة، استناداً إلى ما ورد أعلاه. لكن هل تذهب كل من طهران وتل أبيب إلى حدود المواجهة المباشرة؟

 ثمة من يرى أن اللعبة الكبرى بين إيران وإسرائيل لم تفقد ضوابطها المعهودة، وبالتالي لن تذهب باتجاه حرب شاملة ومباشرة بالمعنى الواسع، غير أن تقليم أظافر المارد الإيراني جيوسياسياً ونووياً واقتصادياً ليس بالأمر اليسير، وقد تكون العودة الإيرانية للاستفادة من دروس مرحلة ما قبل عام 2015 أحد الخيارات المطروحة، عبر تحريك جبهات "موضعية" في الإقليم ورفع وتيرة عمليات "الذئاب المنفردة" داخل إسرائيل والعودة إلى تخصيب اليورانيوم، فـ"الوقتَ الذي تستطيع فيه إيران تحقيق قدرةٍ لصناعة أسلحة نووية أصبح الآن “قصيراً، وفي غضون أسابيع"، وفق شهادة الموفد الأميركي للملف الإيراني روبرت مالي أمام الكونغرس. 

  كل ذلك، يحمل هدفاً إيرانياً بعينه، ألا وهو إعادة خلط الأوراق، لتحسين شروط العودة إلى العاصمة النمساوية. مع ترجيح ألا تقدم إيران على خطوة كبيرة مثل إنتاج قنبلة نووية.

 فخلف غبار الوعيد والتهديد، تكمن فرص اقتصادية تثير لعاب الإيرانيين، وفّرتها أزمة واردات الغاز الروسي لأوروبا جراء الحرب في أوكرانيا، وإيران بديل محتمل شبه جاهز لتلبية حاجة السوق الأوروبية، وما الموقف الوسطي لطهران من غزو حليفها الروسي لأوكرانيا، وانفتاحها المستجد على دول الخليج العربي (المحادثات في بغداد مع الرياض، وتسوية مسألة حقل الدرة المتنازع عليه بين السعودية الكويت وإيران) سوى براهين على أن أولوية إيران الاقتصاد وليس الحرب، من هنا نفهم تحول شعار "الموت لإسرائيل" في شوارع طهران إلى "الموت لخامنئي". أما "رميها (إسرائيل) في البحر" فلذلك سرديّة أخرى..!     

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan