مصرف لبنان لاعب وليس بمراقب
الرئيسية مقالات / Ecco Watan
الكاتب : الدكتور محمد فحيلي
May 31 22|21:13PM :نشر بتاريخ
وباء الدولار يضرب من جديد وبيئة التكاثر وظهور المتحورات الدولارية تولد من رحم تعاميم مصرف لبنان وبيانات سعادة الحاكم التي باتت مشبوهة الأهداف بالشكل والتوقيت! أين أصبح قانون تنظيم مهنة الصيرفة؟ أين هي سلطة الرقابة على الأسواق والمؤسسات المالية؟ أين هي السياسات النقدية التي تهدف إلى تأمين الإستقرار النقدي وتعزيز الثقة بالقطاع المصرفي؟ أين أصبح الدور الحقيقي لمصرف لبنان؟ . . . كثرت الأسئلة ولا أجوبة مقنعة!
فور صدور البيان الإعلامي عن حاكم مصرف لبنان عشية نهار الجمعة في 28 أيار 2022، تهافت المواطنون إلى بيع ما يحملونه من دولارات لإعتقادهم أن السعر سينخفض أكثر وأنهم سيعيدون شراء دولاراتهم من المصارف على سعر منصة صيرفة محققين أرباحاً هائلة. وحرية الرد واكبها الصرافين بالإسراع لإقفال أبوابهم دقائق معدودة بعد صدور بيان حاكم مصرف لبنان تاركين سوق الصرف إلى تطبيقات "الواتس أب" التضليلية لتحديد مصير الدولار. فورة العرض هذه، كانت وراء الهبوط الحاد والسريع بسعر صرف الدولار في السوق الموازي. ماذا عن الإرتفاع الحاد والسريع بسعر الصرف بعد طوي صفحة إنتخابات المجلس النيابي 2022؟ كل المؤشرات الإقتصادية لم تشير إلى طلب إستثنائي للدولار. لجأت الحكومة إلى حقوق السحب الخاص لتأمين دولارات إستيراد المحروقات والدواء والطحين، وحصلت على قرض من البنك الدولي لشراء الطحين. إضافة إلى كل ذلك، أصبح أكيداً أن الجزء الأكبر من المؤسسات التجارية في لبنان نجح بتأمين مصدر دخل ومصدر "للدولار الفريش" ولم يعد يلجأ إلى السوق الموازي لتأمين حاجته من العملة الصعبة. بختصر مفيد، الدولار يتحرك صعوداً أو هبوطاً فقط إذا كان هناك مكاسب من ذلك لمن يحمل الأوراق النقدية – تجار المال. لامنطق الإقتصاد ولاالمال قادرين على تفسير، تبرير، شرح، أو ترقب حركة الدولار في السوق الموازي. مكونات الطبقة السياسية الحاكمة تسيطر على كل مرافق الحياة في لبنان، وقراءة في أداء الطبقة السياسية يساهم بشكل كبير بفهم تقلبات سعر صرف الدولار ومن ورائها.
لطالما كان صوت الرئيس نبيه مصطفى بري التفضيلي يذهب لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. رغم كل الإتهامات والمعارك التي أطلقها بعض مكونات السلطة السياسية القادرة والمقتدره ضد سلامة، ها هو سلامة باق "سعادة حاكم مصرف لبنان". في الواقع، الكثير من القوانين والإجراءات تم إسقاطها عمداً عن جدول أعمال ولائحة إهتمامات الهيئة العامة لمجلس النواب لإعطاء مساحة واسعة لحاكم مصرف لبنان لإدارة الإقتصاد وليقول بصريح العبارة أن "الأمر لي"! اليوم النائب نبيه مصطفى بري يخوض معركة من نوع آخر لم يتعود عليها منذ توليه رئاسة مجلس النواب، ومن اللياقة أن يرد رياض سلامة كرم النائب نبيه بري بالمثل. ومن هنا ولدت هذه الإنعطافة الإيجابية بسعر صرف الليرة بالتوازي مع إنتخاب النائب بري رئيساً لمجلس النواب، وماصدر عن "سعادة الحاكم" عشية 28 أيار ليس إلا الخطوة الأولى للتحضير لهذه الإنعطافة. ويجب التركيز على أنها فقط إنعطافة ظرفية وآنية ومرتبطة بإستحقاق دستوري مع نكهة سياسية.
الأمر لي ... "هو" من تسبب بهذا الإرتفاع الحاد والسريع بسعر صرف الدولار؛ و "هو" بالأسلوب ذاته أطلق مسارعودة الدولار إلى ما كان عليه. مبروك للأستاذ نبيه مصطفى بري رئيساً لمجلس النواب والدولار إلى ال 25000 ليرة در!
هذا في السياسة وتداعياتها الإقتصادية؛ ماذا في الإقتصاد ولقمة عيش المواطن؟ في الأيام القليلة الماضية ومع فورة إرتفاع سعر صرف الدولار، سارع تجار لبنان إلى مراجعة أسعارهم ونقطة الانطلاق كانت الأسعار على سعر الصرف 33000 ليرة للدولار الواحد، ولم ولن تنخفض عندما لامس الدولار عتبة ال 20000 ليرة رغم كل المحاولات التي قامت بها وزارة الإقتصاد. واليوم يتم تسعير المواد (كل المواد) على سعر ال 40000 ليرة للدولار الواحد ويتجه الدولار إلى الإنخفاض حتى يلامس ال 25000 ليرة أو دون مع إكتمال تكوين السلطة التشريعية يوم الثلاثاء القادم. ولم ولن تنخفض الأسعار! وهذا هو سعر الصرف الحقيقي.
ومن التداعيات الإقتصادية الأخرى؛ إذا إستمر هذا المسار (الإنخفاض الحاد والسريع في سعر صرف الدولار) بالسوق الموازي، قد يصل الدولار إلى عتبة ال 25000 ليرة للدولار الواحد يوم الإثنين؛ لأن السوق السوداء تعمل خلال ساعات اليوم ال 24 وأيام الأسبوع ال 7. إذا تقلص أو إنتفى الفرق في سعر صرف الدولار بين منصة صيرفة (24700 ليرة للدولار) والسوق الموازي، دفع رواتب الموظفين بالدولار على سعر منصة صيرفة سوف يُحدث أذى كبير لهؤلاء الموظفين. مع لفت النظر إلى أن بيان مصرف لبنان لن يحدث أي تغييربسعر الصرف المعتمد من قبل تجار الجملة أو المفرق في تحديد أسعار سلع الإستهلاك وبعض الخدمات الأساسية. ومعظم السلع الاستهلاكية سوف تبقى مسعرة على سعر صرف ال 40000 ليرة للدولار.
أما كبار المستفيدين من هذه الهندسة والفذلكة النقدية سوف يكون كبار المضاربين وأزلام السلطة.
يا هيك بتكون السياسات النقدية أو بلا! بعيداً عن التحليل، دع التاريخ ومجرى الأمور أن يكون الحكم. مع كل تعميم من مصرف لبنان، ومع كل تصريح من حاكم مصرف لبنان، المصارف تواجه فتنة بينها وبين زبائنها، والإقتصاد الوطني يصاب بإنتكاسة إقتصادية ونقدية تأكل جزء من لقمة عيش المواطن بسبب الضغوطات التضخمية. هنيئًا لهذه السلطة النقدية المتسلطة. الاضطرابات الذي تحدث في سوق الصرف الموازي (السوق السواداء)، وإمتناع مصرف لبنان عن وضع "الإستقرار في سعر الصرف" هدفاً أساسياً للسياسات النقدية المعتمدة هو وراء كل مشاكلنا. التعددية في سعر الصرف والإبداع في إنتاج ظروف إقتصادية تخلق مساحات شاسعة للمحتكرين وتجار المال يتفشى وينتشر كسرطان قاتل! إضافة إلى ال "لولار" (تعميم مصرف لبنان الأساسي 151) و "الدولار الفريش" (تعميم مصرف لبنان الأساسي 150) أصبح عندنا:
- الدولار السياسي الذي تتحكم به مكونات السلطة السياسية بمساعدة مصرف لبنان.
- دولار المضارب والمحتكر الذي تتحكم به السوق السوداء من خلال تطبيقات واتس اب التضليلية.
- الدولار الإقتصادي الذي يجدد ويؤثر على لقمة عيشنا، وهو ما يعتمده التجار لتسعير سلعهم وخدماتهم.
هذه المتحورات الدولارية ولدت من رحم تعاميم مصرف لبنان الأساسية 157 و 161. وتوحيد أسعار الصرف أصبح بحاجة إلى معجزة ربانية!
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا