كتب خبير المخاطر المصرفية محمد فحيلي في ايكو وطن:الأداء العام للمصرفيين يضع إعادة هيكلة القطاع المصرفي تحت رحمة السلطة السياسية ويهدد الكيان المالي.
الرئيسية مقالات / Ecco Watan
الكاتب : الدكتور محمد فحيلي
Sep 19 22|20:21PM :نشر بتاريخ
الحديث عن إعادة هيكلة المصارف قبل الإنقاذ والإنعاش والتعافي الإقتصادي هو مسار يضع العربة قبل الحصان ولن يوصلنا إلى مانحن بحاجة له لإستعادة الحياة الإقتصادية بحدها الأدنى.
ومن الخطأ الحديث عن أن المصارف بحاجة إلى قانون الكابيتال كنترول. يجب إستبدال "كنترول" بإنتاج قواعد إشتباك مستحدثة، بين المصرف والمودع، تعكس طبيعة المرحلة وضروراتها. وفي المقلب الآخر، لا شأن للمصارف بالتدقيق الجنائي، إنه شأن السلطات النقدية والمالية وسلوكياتها ويجب فصلها عن القطاع المصرفي وممارساته. وتوحيد سعر الصرف يضع ضوابط غير منطقية على حرية التبادل في سوق القطع وماهو مطلوب تحرير سعر الصرف وتركه للعرض والطلب. في حقيقة الأمر كان فرض عدة أسعار صرف من قبل السلطة النقدية ضروريا للتخفيف من حدة الأزمة الإقتصادية على أصحاب الدخل المحدود. وهذا يؤكد بأنه تعدد سعر الصرف لم يكن نتيجة أداء المصارف، وتوحيد سعر الصرف أو تحريره لن يبدأ عندها ايضا.
إتكال الحكومات المتعاقبة على أموال المودعين وعلى القطاع المصرفي اللبناني لتمويل العجز في الخزينة والدين العام بشقيه بالليرة اللبنانية والعملة الأجنبية عزز من موقع المصارف التجارية في المعادلة الإقتصادية المحلية، إضافة إلى أن فشل الحكومات المتعاقبة بدعم القطاع الخاص المنتج أوصلنا إلى مانحن عليه اليوم. منذ إنطلاقة ورشة إعادة إعمار لبنان بعد طي صفحة الحرب الأهلية، إنصبت كل مكونات القطاع الخاص، من أفراد ومؤسسات تجارية، والدولة اللبنانية على القطاع المصرفي للحصول على حاجاتها لتمويل الإنفاق الإستهلاكي والإستثماري. لهذه الأسباب لم يكن من الصعب تقبل وتفهم لجوء الدولة إلى المصرف المركزي لإدارة الإقتصاد في سنوات الأزمة المنصرمة.
إستعادة صحة وإستمرارية القطاع المصرفي في لبنان ضرورية لتوفير الظروف لإنطلاق عملية الإنقاذ لوقف الإنهيار الإقتصادي الحاد، ومن ثم يكون من الممكن العمل على إنعاش الإقتصاد وبدء إعادة الحياة لكل مكوناته، وعندها فقط تبدأ مرحلة التعافي والنمو الإقتصادي المستدام. وإنطلاقة هذه الورشة بمواكبة من صندوق النقد الدولي قد تعزز من إنتاجية الجهود الموظفة في هذا المسار.
تدرك السلطة السياسية الحاجة إلى الشروع في الإصلاحات، ووافقت على إستكمال سلسلة من الإجراءات قبل إدراج ملف لبنان على جدول أعمال إجتماع مجلس إدارة صندوق النقد الدولي.
· إعادة هيكلة المصارف وإنطلاق عملية ترميم الثقة وإعادة نشاط القطاع المصرفي إلى حالته الطبيعية هي أمور أساسية في دعم وتمكين لبنان في المراحل الواجب المرور بها – الإنقاذ، والإنعاش، والتعافي، والنمو الإقتصادي – في طريقه للوصول إلى بر الأمان الإقتصادي والإجتماعي. طبيعة العمل في القطاع المصرفي وحجم القطاع يجب أن يعكس طبيعة وحجم النشاط الإقتصادي في البلد ولهذا السبب إعادة هيكلة القطاع المصرفي تواكب حركة الإقتصاد.
المطلوب والضروري بعد أكثر من سنتين من التخبط في الأزمات هو تقييم لجميع المؤسسات المالية للتأكد من قدرتها على مواكبة إعادة الحياة إلى الإقتصاد في لبنان، وهذا هو من مهام لجنة الرقابة على المصارف.
واليوم المطلوب التخلي التام عن السرية المصرفية. والتمسك بقانون السرية المصرفية بنسخته المتداولة اليوم هو لزوم ما لم يلزم في ظل وجود القانون اللبناني 44/2015 وغيرها من إتفاقيات لتبادل المعلومات من أجل الإفصاح والتهرب الضريبي (Common Reporting Standard -CRS، و Foreign Account Tax Compliance Act -FATCA)
ان تعدد أسعار الصرف جاء نتيجة أزمات إقتصادية ومالية ونقدية متتالية ومتعددة الجوانب وحل هذه الإزمات سوف يعيد الإنتظام إلى أسواق الصرف. أما هروب رؤوس الأموال جاء نتيجة فقدان الثقة بالنظام المالي، وإعادة النظام إلى علاقة المصارف بزبائنها والعمل الجدي على ترميم الثقة هي كافية لضبط الفلتان في حركة رأس المال. لذلك ألإصلاح يكون في التركيز على مسبباتها وليس على العوارض.
اما الحديث عن إعادة هيكلة القطاع المصرفي بإقرار القوانين فلن يجدي نفعا لان إعادة الحياة إلى القطاع المصرفي تأتي مواكبة لإستعادة النشاط الإقتصادي - إستهلاكا وإستثمارا - في لبنان، وهو المدخل الأساسي لتوفير الظروف لسلسلة من المحطات تبدأ مع الإنقاذ والإنعاش والتعافي وتمكين النمو الإقتصادي المستدام. وهي أربع محطات أساسية لكل منها ظروفها ومتطلباتها:
1. الإنقاذ يدفعنا بإتجاه تنظيم العلاقة بين المصارف وعملائها لتيسير الحد الأدنى من حاجات الناس والتي تتلخص بتمويل فاتورة الإستهلاك للأفراد والعائلات وفاتورة المصاريف التشغيلية للمؤسسات التجارية لتفادي الإختناق الإقتصادي. وهذا الإختناق الإقتصادي هو الدافع الأقوى وراء الإعتداءات على فروع المصارف. وهناك كم من الفوائد في تنظيم هذه العلاقة.
2. الإنعاش يتطلب ترميم الثقة وإعادة النشاط إلى المؤسسات المصرفية .ويجب أن تكون المصداقية والشفافية وفتح خطوط التواصل بين المصارف وعملائها الركائز الأساسية لهذه المرحلة. لا يخفي على أحد بأن العديد من الإجراءات والضوابط التي أدخلتها وفرضتها المصارف في السنوات الماضية سقطت فجأة على عملائها وأتت مخالفة للقوانين التي ترعى العلاقة بينها وبين زبائنها وأسقطت بقوة مصداقية المصارف بعد ترويجها لضرورة إعرف حقوقك وواجباتك!
3. تعافي القطاع المصرفي يوفر المناخ للحديث عن الخلل والفشل بأداء بعض المؤسسات المصرفية والحديث عن كيفية المعالجة من دون تداعيات سلبية قد تزيد الأمور تعقيدا. سوف تكون إستعادة الثقة وتوفر رأس المال ضرورية لإنطلاق الحديث عن مصارف مفلسة ويجب تصفيتها، وأخرى بين هالكة ويجب إعادة هيكلتها ودعمها من جراء ضخ رأسمال جديد أو دمجها مع مصارف أخرى، ومن المؤكد أنه هناك مصارف متمكنة من خدمة الإقتصاد.
4. تطور القطاع المصرفي والنمو الإقتصادي هما وجهان لعملة واحدة. فتطور الخدمات المصرفية يجب أن يعكس طبيعة النشاط الإقتصادي في البلد. اذ بعد سنتين على التدهور الإقتصادي الحاد أصبحنا اليوم امام مصارف من دون خدمات مصرفية التي بأغلبها إنحصرت بالسحوبات الإستثنائية. إذا إنتقلنا وتقدمنا بنجاح في المراحل الثلاثة الأولى - إنقاذ، إنعاش، وتعاف - وهذا يعني بأننا نجحنا بتأمين المناخ المطلوب للتطور المصرفي والنمو الإقتصادي ويجب ترك الأمور في هذه المرحلة على طبيعتها مع متابعة المراقبة والشفافية والموضوعية في التعرف على المشاكل ومقاربة الحلول.
الحديث عن إعادة هيكلة المصارف ضروري لأن لا إمكانية لوجود إقتصاد من دون قطاع مصرفي متمكن.
إحالة مشروع إعادة هيكلة القطاع المصرفي إلى السلطة التنفيذية لإقراره والسلطة التشريعية لتوفير الإطار الدستوري له هو كلام باطل أريد به الحق. رغم كل القوانين السارية المفعول توقفت المصارف عن إلتزاماتها تجاه المودعين وقابلت كل طلبات مودعيها المشروعة بالرفض المطلق، بسبب الأداء غير المسؤول للسلطة السياسية الحاكمة. العلاقة التعاقدية هي بين المودع والمصرف وليس بينه وبين الدولة أو بينه وبين مصرف لبنان. لهذا السبب من الخطأ اللجوء إلى القوانين لترميم وإستعادة الثقة بالمصارف. إضافة إلى ذلك، شرط أساسي في هذا المسار الدقيق والأساسي هو الفصل بين المصرف (المؤسسة) والمصرفي (الشخص: مساهم، عضو مجلس إدارة، ...) والمطلوب في كل المراحل الرامية إلى الإنقاذ والإنعاش والتعافي والتطورهو حماية القطاع المصرفي وليس كل المصارف أو مصرف معين أو مصرفي. قد يكون اللجوء إلى مساءلة المصرفيين ومحاسبتهم خطوة ضرورية في مسار ترميم الثقة.
وأخيرا، الحديث عن إعادة هيكلة المصارف بالتركيز على حجم الخسائر و/أو الفجوة وكيفية توزيعها يسقط أهم المراحل في إستعادة العافية للقطاع المصرفي وهي ترميم الثقة، المرحلة التي تعتمد بالجزء الأكبر منها على حسن التواصل بين المصارف وعملائها وليس على توفر رأس المال الداعم. "حجم الخسائر و/أو الفجوة ليس بثابت، يتغير مع المتغيرات التي تواكب عملية الإنقاذ والإنعاش والعافية. ويجب أن يكون توزيع الخسائر على سنوات إستحقاقها.
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا