كتب جاسم عجاقة في ايكو وطن :هيكلية الاسعار تمنع خفض الدولار في السوق السوداء

الرئيسية مقالات / Ecco Watan

الكاتب : البروفسور جاسم عجاقة
Jun 13 22|16:12PM :نشر بتاريخ

شهدت منصة صيرفة تبادلا يوميا في الأيام المنصرمة بأكثر من 90 مليون دولار أميركي بمعدّل 24500 ليرة لبنانية للدولار الواحد. ونتيجة هذا الحجم إنخفض سعر الدولار في السوق السوداء من 37750 ليرة إلى 27900 ليرة بفعل التدخل القوي لمصرف لبنان. المنطق الإقتصادي ينصّ على أن ينخفض سعر صرف الدولار في السوق السوداء إلى حدود سعر الدولار على منصة صيرفة أي 24700 ليرة، إلا أن سعر السوق السوداء لا يزال في حدود الـ 28 ألف ليرة مُتحدّيًا بذلك المنطق الإقتصادي. فما هي الأسباب التي تمنعه من الإنخفاض ؟
إذا ما أخذنا بعين الإعتبار حجم الإستيراد في لبنان والبالغ 1.3 مليار دولار شهري كمُعدّل عام في الفترة الأخيرة (أرقام الجمارك)، فهذا يعني أن المنصّة أمّنت دولارات على فترة شهر بقيمة 1.98 مليار دولار أميركي أي أن هناك ما يقارب الـ 700 مليون دولار أميركي (680 بالتحديد) لا تدخل في اللعبة الإقتصادية. الإحتمال الأكبر هو أن تكون هذه الأموال تُستخدم في المضاربة (تجار + صيارفة + مواطنين) من خلال شراء الدولار على منصة صيرفة وبيعها في السوق السوداء وهو ما يؤمّن ربح بقيمة 3300 ليرة لبنانية للدولار الواحد. وبالتالي فإن المُحافظة على سعر السوق السوداء أعلى من منصة صيرفة من خلال التطبيقات، هو لضمان تحقيق أرباح يتمّ تمويلها من ضخ الدولارات من قبل مصرف لبنان على منصة صيرفة!
المُشكلة على هذا الصعيد هي أن عدم ضخ الدولارات من قبل المصرف المركزي يجعل دولار السوق السوداء يرتفع حكمًا ويُصبح بين أيدي مافيات تجار العملة. ومن ناحية أخرى إذا تمّ ضخ الدولارات يعمد المضاربون إلى الإستفادة من خلال المحافظة على سعر دولار على التطبيقات عال يضمن أرباحًا يومية لهم. بالطبع كل هذا يمرّ تحت أعين الحكومة من دون أن يكون هناك أي إجراء للجم المضاربين.
لكن الأخطر يبقى في هيكلية الأسعار التي فرضها التجار عبر التطبيقات. فالتجار (بقسم منهم) يُسعّرون على سعر يتخطى بأشواط سعر السوق السوداء (قمّة الفساد) وهو ما يجّعل عملية خفض سعر صرف الدولار إلى مستويات أقلّ أمرًا مُستحيلًا! في التفاصيل، التاجر الذي يتعامل حصريًا بالدولار (بالطبع مُخالف للقانون) لا مُشكلة لديه فهو يدفع ويقبض بالدولار، لكن بالنسبة للتجار الذين يقبلون الدفع بالليرة اللبنانية (على سعر السوق السوداء + 3 ألاف ليرة)، فلديهم مصلحة بجمع الليرات على سعر دولار مُرتفع وبيعها على سعر دولار مُنخفض. وبالتالي فهو يعتبر أن عدم إتباع هذا المنطق يراكم عليه خسائر تُقدّر بقيمة الربح الذي كان ليُحقّقه من عملية القطع متناسيًا أن مهنته الأساسية ليست تجارة العملة!
على كل الأحوال، هيكلية الأسعار التي كان من المفروض على وزارة الإقتصاد والتجارة ضبطها بالتعاون مع وزارة المال والجمارك ومصرف لبنان، أصبحت تُشكّل عائق أساسي أما خفض سعر صرف الدولار في السوق السوداء. والحلّ لهذا الأمر لا يُمكن أن يكون إلا من خلال ضرب الإحتكار بقوّة ومتابعة عمليات الصرف من قبل الأجهزة الرقابية والأهمّ سوق المخالفين أمام القضاء.
في العام 1979، قام الباحث الإقتصادي الهندي الأصل "أمارتيا سن" بتغيير النظرة العالمية للمجاعات في الدول، وهو الذي عاش مجاعة بنغالي في العام 1943. في الواقع قدّم "سن" أبحاثًا كثيرة ساهمت في تقدّم إقتصاد الرفاه، والخيار الاجتماعي، والعدالة الاقتصادية والاجتماعية، والنظريات الاقتصادية للمجاعات، ونظرية اتخاذ القرار، واقتصاديات التنمية، والصحة العامة، ومؤشرات قياس رفاه مواطني الدول النامية. ولعل أهمّ ما توصّل إليه هو أن سبب المجاعات، بالإضافة إلى نقص الغذاء، يعود إلى عدم المساواة المتأصلة في آليات توزيع الغذاء!
هذا الإستنتاج الكبير هو الذي دفع دول العالم إلى وضع القوانين الرقابية الصارمة بحقّ التجار. وإذا أردّتم أن تعرفوا ماذا يحصل في لبنان أنظروا إلى ممارسات التجار والرقابة عليهم وتعلمون لماذا نسبة الفقر في لبنان إرتفعت إلى هذه المستويات.
إذا أرادت السلطات اللبنانية أن تحد من معاناة اللبنانيين عليها بالدرجة الأولى زيادة الرقابة على التجار تحت طائلة إستمرار معاناة الشعب.

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan