كتبت الفنانة التشكيلية وفاء نصر في ايكو وطن : قرات مجدك في قلبي وفي الكتب ...سلام لروحك يا وهيب البتديني

الرئيسية ثقافة / Ecco Watan

الكاتب : وفاء نصر
Dec 04 22|20:02PM :نشر بتاريخ

"قرأت مجدك في قلبي، وفي الكتب.."

"ما أسعد الذي على جناح قوي، يطير به حيث الضوء والهدوء..ذلك الذي تشبه أفكاره أفكار العصافير التي تطير كل يوم الى السماء في أسراب..ذلك الذي يحلّق فوق الحياة ويفهم في غير عناء لغة الزهور والأشياء الصامتة."(عن شارل بودلير)

سلام لروحك يا وهيب البتديني
أقف في صالة  قصر الأونيسكو بصمت وخشوع، تتراءى أمامي ومضات من ابداعاتك الحاضرة دوما في ذهني لتشهد أن الفن هو الخلود، وهو التجسيد المادي لمعاني الجمال والعبقرية والروعة من أناملك المبدعة التي أنتجت لوحات ومنحوتات كروعة الماء في بساطتها وروعة الشمس في شروقها. في صالة قصر الاونيسكو الفسيحة حيث أقف، أبصرته ذلك الباب. بابا مفتوحا على نور ساطع عبَرَ بي الى احساس بلحظة من اعتزاز وفرح، رغم مرور  اكثر من اثنتي عشرة سنة عليها ، عندما كرّمتني بالوقوف الى جانبك يا استاذي الكريم وهيب ..إني هنا والان أراك.. كانت الساعة الخامسة من يوم الخميس في 4 تشرين الثاني من العام 2010 في هذه الصالة بالذات ، كُنتَ تستمِع اليّ بكل حب وأنا أتحدث بفخرِ من كان لها شرفُ معرفتك ،وكنتَ قد كلّفتني بتقديمِ برنامَجِ الحفل وبتفويض من الفنان التشكيلي والمُصوِّر المحتَرِف الأستاذ عادل محمد بو جبارة، بمناسبة افتتاح المعرض الفني التشكيلي لكما بعنوان "القاسِم المُشتَرك". كان معرضا رائعا يفوق التوقعات وقاسِما مشتركا في الابداع.

كان يوما للفرح والمفاجأة يوم التقيتك اول مرة. قصَدْتَ بنفسِك عيادةَ زوجي لتُجري فحصا طبيا للنظر. اتصل بي ريدان وقال:"يا وفاء محضّرلك مفاجاة غير شكل، جايي عالبيت وجايب معي ضيف بتحبيه كتير، الليلة حتكون السهرة حلوة."رحمك الله كم كنت متواضعا وعفويا ومحبا عندما لبَّيت دعوة زوجي الى منزلنا باليوم نفسِه عندما ذَكَر لك محبتي لأعمالك ورغبتي بلقائك.وقتها قلت لنا بنظرة محبة:"انتو الاثنين كأني بعرفكن من زمان كتير، الله بيِعْلم شو كاينين لبعض." ومن وقتها جمعتنا صداقة عائلية مميزة.

كان الاستاذ وهيب هو من شجعني على استكمال دراستي للفنون التشكيلية في الجامعة اللبنانية، اذكر كلامه لي" يا وفاء انت اكثر من هاوية وبْيِطلع منك كتير بالفن ..شكلن بدار المعلمين معلمينكن منيح ..اوعا توقفي رسم.. الرسم دنيي أحلى من الحقوق ووجعة الراس." 
كان مرحا ومحبا للحياة وكانت تطيب له كثيرا سهرات العزف على البُزُق والعود، تلك السهرات العائلية البسيطة التي كنا نقيمها في شقتنا المتواضعة من وقت لآخر والتي كانت تحلو كثيرا بوجوده.أما أجمل القصص التي سمعتها منه كانت قصة الشُهب الذي شَهِده يسقط من السماء في مسافة قريبة منه في بلدته كفرنبرخ عندما كان في مطلع شبابه، وكيف كان يُدرِك بالهام داخلي عميق انه سوف يسافر وسوف يكون له شأن عظيم في عالم الفن. تُرى هل كان يعلم انه سيحصل على جائزة الشاعر اللبناني سعيد عقل مرتين، في (1970) وفي (2003)؟وعلى وسام الارز الوطني اللبناني من رتبة فارس؟ وبأنه ،وأسوةً بالعالميين، سينال الإقامة الدائمة هو وعائلته في أميركا تقديرا لعطاءاته ونشاطاته الفنية؟ وبأنه سوف يقيم 33 معرضا خاصا في لبنان وخارجه وسوف يُسجل اكثر من 15 مشاركة  في معارض اميركية؟ وانه سوف يكون مصدر الهام للكثيرين في عالم الفن .ان الوقت سيمر وستمر معه امور كثيرة ، لكن فنه الجميل سيحفظ الطبيعة بجبالها وتلالها وازهارها ومياهها والتراث والعظماء والتاريخ والمرأة والشهداء ولوحات العائلة والطبيعة الصامتة... والوفاء في قلوب المحبين.
قال فيه ميخائيل نعيمة هو فنان يعبر تعبيرا صادقا وجميلا عن حِسِّه بالحياة. وتَوقَّع له سعيد عقل مستقبلا عجبا..أما الراحل  المعلّم كمال جنبلاط فكتب عن الواقعية المُعبِّرة عن صميم الحركة والحياة والرمز في لوحاته، وقال هو في النهاية ابن الشوف البار المتعمِّق بالتراث الألفي والمفعم بمساقط الحكمة  والتقاء ينابيعها في النفوس عبر التاريخ.
كان وهيب البتديني الانسان المحب لعائلته ولاصدقائه وللوحاته التي اعتاد معاملتها بدلال وتكريم. كان يرسم بفرح وشغف وحماس. قبل وفاته، وكان يعمل على تحضير معرض باسلوب  فني جديد مختلف عن اسلوبه الانطباعي الذي عُرِف به وامتلكه امتلاك الدماء التي تجري في عروقه.وكان قد طلب مني الاستعداد لتقديم افتتاحية المعرض الجديد..وقال: اهديتك رسمة مباشرة لوجهك الجميل . ولدهشتي شرع برسم البورتريه بالالوان الزيتية فورا. وطبعا هذه اللوحة الهدية الثمينة من اعز مقتنياتي وغالية على قلبي كثيرا. وقد تكون اللّوحة الاخيرة التي رسمها، وكان وقتها في الثمانين من عمره. وللاسف بعد ذلك بشهرين وفي قلب العطاء والحماس والاستعداد لمعرضه الاخير كانت للسماء تقادير مختلفة ،فمرضه المفاجئ كان سريعا وخاطفا. توفي الفنان وهيب البتديني بتاريخ ٨ كانون الأول سنة ٢٠١١، وشاءت الاقدار ان يُقام المعرض من دون الوجود الجسدي للفنان العظيم. وأن يأخذ المعرض منحى مختلفا، منحى الانبعاث لجميع القيم والمزايا والخِصال الفنية والانسانية الشفافة واللطيفة التي تحدَّثت بها لوحاته البهية التي زيّنت صالة قصر الاونيسكو، والكلمات التأبينية، والدموع والشهادات والدروع التي لا تزال تتراءى امام عيني كالأثير. في هذا المكان بالذات في قصر الاونيسكو، وايضا برعاية وزارة الثقافة وبمناسبة مرور اربعين يوما على رحيله وبدعوة من عائلة الفقيد وبالتعاون مع الجامعة اللبنانية (كلية الفنون) وجمعية الفنانين للرسم والنحت وبلدية كفرنبرخ، أقيم لقاء تأبيني للفنان الراحل يليق بالمحبة التي جمعت الكل على تقديره واحترامه، وافتتاحٌ لمعرضه الاخير في 18 كانون الثاني من العام 2012. قدم الاحتفال مشكورا الاستاذ غازي صعب. لكنه مع ذلك يستحق اكثر..اكثر من كل ذلك.
ان مسيرة الفن والجمال تقوم على قلوب جميلة صافية ومحبة تقدر الفن حق قدره.." قرأت مجدك في قلبي وفي الكتب "،يا أحلى عمو وهيب كما كان يحلو لي ان أناديه..سلام لك وعليك، أينما تكن روحك فأنا أراك..أنا لا زلت أراك.

 

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan