المطران عودة: كم من حرب بدأها طغاة ذهب بسببها آلاف الأبرياء وظلوا هم في الحكم يبطشون
الرئيسية سياسة / Ecco Watan
الكاتب : المحرر السياسي
Dec 29 24|13:57PM :نشر بتاريخ
ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة، خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس، بحضور حشد من المؤمنين.
بعد الإنجيل ألقى عظة قال فيها: "بعدما عيدنا لميلاد المخلص، نعيد اليوم لباكورة الشهداء، الذين كانوا أطفالا. أربعة عشر ألف طفل نحروا، وقد يظن القارئ السطحي للكتاب المقدس أن المسيح المولود كان السبب وراء ذبحهم. نقرأ في سفر إرمياء النبي القول الذي يذكره الإنجيلي متى: «صوت سمع في الرامة، نوح، بكاء مر. راحيل تبكي على أولادها، وتأبى أن تتعزى عن أولادها لأنهم ليسوا بموجودين» (إر 31: 15). إن قرار قتل الأطفال جاء في لحظة غضب من الملك هيرودس: «لما رأى هيرودس أن المجوس سخروا به غضب جدا وأرسل فقتل كل صبيان بيت لحم وجميع تخومها من ابن سنتين فما دون على حسب الزمان الذي تحققه من المجوس». لم يرسل جنوده بحثا عن المجوس ليحاسبهم على هربهم، وعدم إخباره عن مكان الطفل الملكي المولود الذي كانوا يبحثون عنه، بل صب جام غضبه على الأبرياء، على الأطفال، وأثكل أمهاتهم، فقط لأنه ملك وفي يده القرار. ربما خاف هيرودس من محاسبة المجوس لأنهم كانوا جماعة معتبرة في تلك الأيام، فحسب حسابا للعلاقات بين مملكته وممالك الشرق، من حيث أتوا. هكذا، بسبب كبرياء السلطة ومصالحها، قتل آلاف الأبرياء، وسمع البكاء والنوح العظيمان اللذان تنبأ بهما إرمياء. نسي هيرودس اليهودي ما قاله الله على لسان النبي هوشع: «إني أريد رحمة لا ذبيحة» (6: 6)، الأمر الذي ذكرنا به المسيح قائلا: «فلو علمتم ما هو: إني أريد رحمة لا ذبيحة، لما حكمتم على الأبرياء» (مت 12: 7). كم من قرار نتخذه في لحظة غضب قد يودي بحياة كثيرين روحيا، ونفسيا، وفي أسوأ الأحيان جسديا؟! كم من حرب بدأها طغاة ذهب بسببها آلاف الأبرياء، وظلوا هم في الحكم يبطشون ويقررون ويخططون لإراقة دماء بريئة أخرى؟! هؤلاء الطغاة، خوفا من المذنب الحقيقي، ينتقمون من الأبرياء، ينكلون بهم، ويرتكبون المجازر، ثم يتملقون المذنب الحقيقي، لأن الخطأة يعرفون شر الخطأة الذين يشبهونهم، ويعرفون قدراتهم على الرد بواسطة أسلحة الشر".
أضاف: "موقف هيرودس الرافض ليسوع هو موقف معظم مدعي الإيمان الذين يقتلون يسوع في داخلهم، أو ينتقمون من مؤمنين أبرياء، بأقوالهم وأفعالهم، بسوء تصرفهم وقلة أخلاقهم وتكبرهم، يحيكون المؤامرات سرا كما فعل هيرودوس، ويسيؤون إلى إخوتهم من أجل مآرب، أو المحافظة على مكاسب أو مصالح. الإنسان المسيحي الحقيقي يبقى متمتعا ببراءة الأطفال، ولو واجه أقسى أنواع الظلم والتكفير والتجريح والقتل المعنوي والنفسي والفكري وأحيانا الجسدي. هذا ليس موقفا ضعيفا، إنما تطبيق لوصية الرب القائل: «الحق أقول لكم: إن لم ترجعوا وتصيروا كالأطفال فلن تدخلوا ملكوت السماوات» (مت 18: 3). هذا ما فعله جميع القديسين الذين عانوا في حياتهم، «تجربوا في هزء وجلد، ثم في قيود أيضا وحبس. رجموا، نشروا، جربوا، ماتوا قتلا بالسيف، طافوا في جلود غنم ومعز، معتازين مكروبين مذلين، وهم لم يكن العالم مستحقا لهم» (عب 11: 36-38). المسيحي يصل إلى القداسة من خلال المغفرة التي أوصانا بها الرب عندما علمنا أن نصلي: «واترك لنا ما علينا كما نترك نحن لمن لنا عليه»، والتي أرانا إياها فعلا على الصليب عندما طلب المغفرة لصالبيه".
وتابع: "إن أطفال بيت لحم الشهداء، هم مدرسة لكل مؤمن، كما أن هيرودس هو درس لكل طاغية ومستبد. يخبرنا سفر أعمال الرسل أن هيرودس أصابته الكبرياء بعدما قال عنه الشعب «هذا صوت إله لا صوت إنسان»، وللحين «ضربه ملاك الرب لأنه لم يعط المجد لله، فصار يأكله الدود ومات» (أع 12: 21-23). كثيرون يقعون ضحية المجد الباطل، لأنهم يميلون آذانهم إلى مديح البشر الساعين إلى مصالحهم الخاصة، فيؤلهون ذواتهم ويسمحون لأنفسهم بالتصرف كالآلهة، واضعين أنفسهم مكان الإله الأوحد، ديان الجميع. كثيرا ما يقوم البشر بقتل إخوتهم البشر بشتى الطرق، إلا أن سيف الكلمة هو الأمضى بين كل الأسلحة لأن التجريح وتلفيق الإتهامات قتل معنوي مؤلم. هؤلاء ينسون أن المسيح هو الكلمة الذي تجسد ليبلسم الجراح، ويكفكف الدموع، ويشفي منكسري القلوب، وينصف المظلومين، ويؤدب الظالمين. ولد الكلمة على الأرض ليحل العدل والسلام والحق بين البشر. لهذا، لا يدعى مسيحيا من يستخدم الكلمة كسلاح فتاك، بل من يستعملها دواء شافيا".
وختم: "دعوتنا اليوم أن نتعلم البراءة من أطفال ماتوا شهداء، ضحية لقرار غاضب متسرع، وأن نتعظ من آخرة الطاغية هيرودس، ونتضع غير معتدين بأنفسنا، بل جاعلين الرب أمامنا في كل حين، وهو يرشدنا إلى كل عمل صالح".
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا