الجمهورية: غليان على الحدود... والحكـومة على طريق الإصلاحات... جابر لـ"الجمهورية": إعادة تدريجية لأموال المودعين
الرئيسية صاحبة الجلالة / Ecco Watan
الكاتب : محرر الصفحة
Mar 18 25|09:22AM :نشر بتاريخ
لبنان بين فكَّي كماشة؛ خاصرته الجنوبية تضربها التهابات حادّة بفعل الاعتداءات والاستفزازات الإسرائيلية المتواصلة التي تنكأ جرحها النّازف، فيما خاصرته الشرقية تعاني ورماً أمنياً تفاقمه رياح ساخنة آخذة في التكوّن والتجمّع في الجانب السوري وتضرب الجانب اللبناني من الحدود بين حين وآخر، على ما حصل في اليومَين الماضيَين، وتُنذر باحتمالات مقلقة. وأمام هذا الواقع، حكومة لا تُحسَد على وضعها، مضغوطة من كل جانب وتقف على مفترق ملفات وأولويّات لا تُحصى، لكلّ منها حسابات واعتبارات، وربما محاذير وتعقيدات، لا تحتمل التردّد أو التعثر والخطوات المتسرّعة، بل تستوجب الجرأة والحكمة والإقدام.
الإمكانات والقدرات!
داخلياً، واضح أنّ الحكومة تحاول أن تعجّل خطواتها في ما سمّته مسار الإنقاذ، ونظراً للتراكمات المزمنة، لا يختلف اثنان على صعوبة مهمّتها. المواطن اللبناني يرصد حركتها وينتظر ترجمة الوعود الحكومية التي قُطِعت. والعهد الرئاسي يراهن على إنجازات في مجالات مختلفة، ويُعوّل على تمكّن هذه الحكومة من تحقيقها سريعاً، والحكومة كما يبدو تملك إراداة العمل والانتاج، لكنّها تفتقر إلى الإمكانات والقدرات (خصوصاً في مجال إعادة الإعمار) التي يُقال إنّها مرهونة بشروط أبعد إصلاحات.
أتمّت الحكومة تعيين قادة الأجهزة العسكرية والأمنية، ويُرجّح أن تُعيّن حاكماً لمصرف لبنان في جلسة مجلس الوزراء الخميس، على أن تكرّ سبحة التعيينات الإدارية الأخرى في وقت لاحق، وفق آلية لهذه التعيينات شرع مجلس الوزراء في البحث فيها في جلسة مجلس الوزراء أمس، على أن تقَرّ بصورة نهائية في جلسة مجلس الوزراء بعد غد الخميس.
لا بُدّ من آلية
أوضح مصدر وزاري لـ«الجمهورية» أنّ «آلية التعيينات مطلوبة منذ زمن طويل، ولو تمّ العمل فيها سابقاً لما وصل حال الإدارة إلى ما وصلت إليه من اهتراء وفساد»، ولفت إلى «أنّ جوهر الآلية خلاصته تُمكِّن الحكومة من تحقيق «تعيينات عادلة»، أساسها الأكفأ، الأكثر خبرة وجدارة، الأنظف سمعة ونزاهة، وصاحب الجعبة الخالية من الارتكابات، في المكان الوظيفي المناسب، لكن ليس المطلوب الاكتفاء بإقرار آلية تعيينات بل لعلّ ما يفوق إقرار الآلية على أهمّيته الكبرى، هو حسن تطبيقها بصورة سليمة ونظيفة بعيداً من المحاصصات والمداخلات والمحسوبيات. هنا يَكمن الامتحان الصعب، والكرة في هذا المجال هي ملعب السياسيِّين وعدم إخضاع التعيينات إلى مداخلات».
جابر: تعجيل الإصلاحات
وقال وزير المال ياسين جابر لـ«الجمهورية»، إنّ «مجموعة أولويات متعدّدة الجوانب المالية والاقتصادية ماثلة تُشكّل بوصلة العمل الحكومي، ووزارة المالية مجنّدة بكل طاقاتها للقيام بالدور المطلوب منها لبلوغ الغاية المرجوّة ووضع لبنان على سكة الإنقاذ والتعافي الحقيقي المالي والاقتصادي».
على أنّ الإنقاذ والتعافي كما يقول جابر، شرطهما الأساسيان توفّر الإرادة الصادقة والجريئة وتضافر الجهود وصولاً إلى الإصلاحات المنشودة، ومكافحة الفساد، والحكومة عازمة على ذلك لإدراكها أنّ لا إنقاذ من دون الإصلاحات التي تشكّل بلا أدنى شك العلاج المنتظر لإنقاذ لبنان من أزمته المالية والاقتصادية الخانقة.
وإذ رجّح جابر تعيين حاكم لمصرف لبنان قبل نهاية شهر آذار الجاري، لفت إلى مجموعة الأولويات الإصلاحية، ولاسيما الإصلاحات الهيكلية، لمجموعة قطاعات حيوية مثل الكهرباء والاتصالات والطيران المدني، ما يوجب تعيين الهيئات الناظمة لهذه القطاعات، وعلى خطٍ مواز، تفعيل القوانين الإصلاحية الموجودة أصلاً ولم تُطبَّق، ولا ينقصها سوى إصدار مراسيمها التطبيقية، وكذلك تحسين الجباية الضريبية ورقمنة وزارة المالية، ومعالجة أزمة سعر الصرف والدين العام، وتعزيز التعاون مع المؤسسات الدولية، بالإضافة إلى تفعيل الشراكة بين القطاعَين العام والخاص.
ورداً على سؤال، أكّد جابر أنّ لا مسّ بأموال المودعين باعتبارها حقاً أكيداً لهم، وبالتالي لا بُدّ من إعادتها إليهم، نافياً في الوقت عينه ما يُشاع من هنا وهناك عن إلغاء لهذه الودائع، وطمأن المودعين قائلاً: «لا شطب أو تصفير للودائع، بل ستُستعاد هذه الودائع بصورة تدريجية وفق آلية منظّمة تحدِّد ذلك، وبطبيعة الحال فإنّ الأولوية ستكون لصغار المودعين، على أن يلي ذلك في مرحلة لاحقة توسيع نطاق إعادة الأموال وفق جدول زمني محدّد، والدور الأساس في هذا الأمر سيكون لحاكم مصرف لبنان الذي يُنتظَر تعيينه، في تقييم وضع القطاع المصرفي واقتراح آلية الحل المناسبة لإنهاء أزمة المودعين».
وعن الحضور اللافت للمؤسسات المالية الدولية في لبنان في الفترة الأخيرة، أشار جابر إلى محادثات إيجابية جداً مع وفد صندوق النقد الدولي، وكذلك إلى المفاوضات التي أجرتها الحكومة مع البنك الدولي، ونجحت في تأمين تمويل بقيمة مليار دولار لإعادة إعمار البنى التحتية، وهناك أمل في أن يفضي المؤتمر المزمع عقده في باريس لدعم لبنان إلى إيجابيات ملموسة للبنان. كل ذلك مهمّ جداً، إلّا أنّ الأهم في رأيي هو إرسال رسالة إلى المجتمع الدولي بحسن تطبيق الإجراءات والخطوات الإصلاحية التي نُثبِت من خلالها للعالم أنّ هناك تغييراً جوهرياً قد بدأ في لبنان. وهذا هو المسار الطبيعي والإلزامي لاستعادة ثقة المجتمع الدولي بنا».
وحول الموازنة أكّد جابر: «الحكومة أصدرت مشروع موازنة 2025 بمرسوم، لهدف أساسي وهو ضمان الانتظام المالي، وهو أمر ضروري في المرحلة الحالية، فيما تركيز وزارة المالية منصَبّ بصورة أساسية على إعداد مشروع موازنة العام 2026 يراعي الضرورات والمتطلبات والأولويات، وإحالتها ضمن المهلة القانونية إلى مجلس النواب».
الجبهة الجنوبية
على الجبهة الجنوبية، لوحظ أنّ إسرائيل قد رفعت في الأيام الأخيرة من وتيرة خروقات جيشها لاتفاق وقف إطلاق النار، واعتداءاته على المناطق اللبنانية واستهداف المدنيِّين في البلدات، سواء القريبة من خط الحدود الدولية أو البعيدة عنها، وإيقاع عدد من الشهداء والجرحى في صفوف المدنيِّين.
نصائح بعدم التوتير
ووصف مسؤول رفيع الوضع بـ«الخطير جداً»، وأجاب رداً على سؤال لـ«الجمهورية»: «إن لم يحصل إلزام لإسرائيل باتفاق وقف اطلاق النار ووقف خروقاتها واعتداءاتها على لبنان، فلم يطل الوقت حتى تتجه الأمور حكماً نحو التفجير في نهاية المطاف».
ورداً على سؤال ثانٍ أكّد المسؤول: «من جهتنا في لبنان سنبقى ملتزمين باتفاق وقف النار، ولم يبدُر من الجانب اللبناني ما يخلّ بهذا الإلتزام، وهذا ما تشهد له اللجنة الخماسية، التي تُسجّل الخروقات والاعتداءات وتقطع لنا وعوداً بالتواصل مع الإسرائيليِّين لوقف اعتداءاتهم، إلّا أنّ الاعتداءات والخروقات تزيد وتتوسع والشهداء يسقطون يومياً. وعندما نرفع الصوت إلى اللجنة يقولون إنّهم سيتابعون الأمور ويُقدّمون لنا النصح بضبط النفس وعدم الإنجرار إلى التوتير. وهذا ما ينصح به أيضاً الديبلوماسيّون والموفدون».
وعمّا حُكيَ عن تلويح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بضغط أميركي متزايد على لبنان إلى حدّ السماح بعمل عسكري إسرائيلي جديد في لبنان، قال: «أولاً، نحن في ذروة الضغط، ولبنان لم يخرج من دائرة الضغط منذ سنوات طويلة. وثانياً، حتى الآن لا يوجد ما يؤكّد ما نُسِبَ إلى ترامب بصورة رسمية ما خلا ترويج تولّته بعض القنوات والفضائيات نقلاً عن مصادر وليس عن اسماء صريحة لمسؤولين أميركيِّين. وهو مغاير تماماً لما نسمعه من الموفدين من تأكيدات على الحرص على استقرار لبنان مع العهد الرئاسي الجديد. لكن واقعياً في ظل ما يجري من تفلّت إسرائيلي، لا شيء مستبعداً على الإطلاق، ذلك أنّ كل شيء وارد في هذا الزمن الذي تحاول فيه إسرائيل وبدعم علني وضمني من رعاتها (الأميركيِّين والغربيّين وغيرهم) أن تفرض نفسها فيه كـ»شرطي المنطقة» والحاكمة بأمرها فيها».
ورداً على سؤال قال: «واضح أنّ إسرائيل تحاول أن تستدرج التصعيد المتجدّد على جبهة لبنان، وقرارنا حتى الآن، استمرار الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار وبمندرجات القرار 1701، وعدم الإنزلاق إلى ما تريد إسرائيل استدراجنا إليه».
وكانت الاعتداءات الإسرائيلية قد توالت أمس، وجديدها استمرار مسلسل الاغتيالات المتتالية عبر الطائرات المسيّرة، كمثل ما حصل في يحمر الشقيف باستهداف شابَين أثناء وجودهما قرب مدخل «ميني ماركت» عائدة لآل سعيد ما أدّى إلى استشهادهما، وسقوط عدد من الجرحى صُودِف وجودهم في منطقة الاستهداف، وقبل ذلك على طريق كفركلا وفي بلدات جنوبية أخرى وصولاً إلى عمق البقاع.
وأعلن الجيش الإسرائيلي استهداف عنصرَين تابعَين لـ»حزب الله» كانا يعملان كمراقبَين ويديران أنشطة الحزب في منطقة يحمر جنوبي لبنان.
الحدود الشمالية
في موازاة ذلك، تسود حال من الغليان على الحدود الشمالية الشرقية مع الجانب السوري، في ظل الاشتباكات التي أفيد عن تجدّدها مساء أمس، وسط محاولة تقدّم من قبل مسلّحين سوريِّين في اتجاه بلدة حَوش السيد علي إلى الشمال من بلدة الهرمل.
وأعلن المرصد السوري ارتفاع عدد القتلى جراء الاشتباكات التي اندلعت منذ مساء الأحد الماضي إلى 8 قتلى وإصابة 13 آخرين بجروح، مشيراً إلى أنّ الساعات الماضية شهدت قصفاً مدفعياً وصاروخياً من الجانب السوري على مواقع المسلحين في المنطقة الحدودية، وسط تعزيزات عسكرية كبيرة للمشاركة في حملة أمنية.
عون وبري
واللافت في هذا السياق كان موقف رئيس الجمهورية جوزاف عون، الذي قال إنّ ما يحصل على الحدود الشرقية والشمالية الشرقية «لا يمكن أن يستمر ولن نقبل باستمراره، وقد أعطيتُ توجيهاتي للجيش اللبناني بالردّ على مصادر النيران». وأفيد أنّ رئيس الجمهورية اتصل بوزير الخارجية جو رجّي الموجود في بروكسل للمشاركة في المؤتمر التاسع الذي يُنظّمه الاتحاد الأوروبي «لدعم مستقبل سوريا»، وطلب إليه التواصل مع الوفد السوري المشارك، والعمل على حل المشكلة القائمة بأسرع وقت ممكن، وبما يضمن سيادة الدولتَين، ومنع تدهور الأوضاع.
وفي الإطار نفسه، قال النائب علي المقداد بعد زيارة وفد اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان النيابية المشتركة المكلّفة دراسة اقتراح القانون الرامي إلى انشاء نظام التغطية الصحية الشاملة الإلزامي، لرئيس مجلس النواب نبيه بري، أنّ الرئيس بري كان متابعاً لهذه الأحداث، وحصل أكثر من إتصال معه الليلة الماضية وأعطى توجيهاته، خصوصاً للجيش ليكون هو الحامي الأساسي للحدود».
الجيش يردّ
وأعلن الجيش اللبناني أنّه «بعد مقتل سوريَّين وإصابة عدد آخر عند الحدود اللبنانية- السورية في محيط منطقة القصر - الهرمل، نُقل جريح إلى أحد المستشفيات للمعالجة وما لبث أن فارق الحياة». على إثر ذلك نفّذ الجيش تدابير أمنية استثنائية، وأجرى اتصالات مكثفة منذ ليل 16 آذار 2025 حتى ساعات الصباح الأولى، وسلّم بنتيجتها الجثامين الثلاثة إلى الجانب السوري.
أضاف البيان: «وفي موازاة ذلك تعرّضت قرى وبلدات لبنانية في المنطقة إلى القصف من جهة الأراضي السورية، فردّت الوحدات العسكرية على مصادر النيران بالأسلحة المناسبة وعمدت إلى تعزيز انتشارها وضبط الوضع الأمني».
وأشار بيان الجيش إلى «أنّ الاتصالات استمرّت بين قيادة الجيش والسلطات السورية لضبط الأمن والحفاظ على الاستقرار في المنطقة الحدودية».
أمر اليوم
إلى ذلك، وفي «أمر اليوم» الذي وجّهه قائد الجيش العماد رودولف هيكل لمناسبة تسلّمه مهامه، أكّد «أنّ مواصلة الجيش أداء دوره الضامن للوطن، تستلزم تضافر جهودنا جميعاً كإخوة سلاح، ضباطاً ورتباء وأفراداً، وتمسكنا بالثوابت الوطنية، وإيماننا الثابت برسالة الجندية وقدسية الواجب، وإرادتنا الصلبة التي لا تلين».
وشدّد على أنّ «وحدة اللبنانيِّين والتفافهم حول جيشهم كفيلة بتجاوز العقبات مهما عظمت. إنّ التحدّيات التاريخية التي تواجهنا، وعلى رأسها التهديدات والاعتداءات المستمرة من جانب العدو الإسرائيلي، تبقي رهان العهد الجديد، كما رهان اللبنانيِّين كافة، على صمودنا واستمرارنا ونجاحنا في توفير الأمن والاستقرار، اللازمَين لانطلاق بلدنا في طريق التعافي الاقتصادي والاجتماعي والإنمائي. إنّ مسؤولية الجيش في المرحلة الراهنة شديدة الأهمية، من خلال عمله على تطبيق القرار 1701 بالتعاون مع قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان - اليونيفيل، فضلاً عن تحصين ساحتنا الداخلية من خطر الإرهاب».
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا