الخطيب: الحل بالاستجابة إلى دعوة الحوار السياسي

الرئيسية سياسة / Ecco Watan

الكاتب : المحرر السياسي
Dec 30 22|13:36PM :نشر بتاريخ

أدى نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مسجد الشحوري في الغازية والقى خطبة الجمعة قال فيها:
"بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين وحبيب اله العالمين سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا ابي القاسم محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الطيبين الطاهرين الذين امر الله بمودتهم وطاعتهم فقال:   { قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا  إن الله غفور شكور}، { ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء}. ونسألك اللهم الهداية والرشاد والتوفيق لطاعتك وما يرضيك {ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا} ". 
 

أضاف: ايها الاخوة والاخوات المؤمنون والمؤمنات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. من المفاهيم التي ورد ذكرها في القرآن الكريم مفهوم السلام، وكان لهذا المفهوم من الاهمية في الاسلام أن أعظم مقدساته والذي يقع في أعلى سلم القيم من اعتقاداته وهو الله سبحانه وتعالى احتل السلام رأس قائمة اسمائه الحسنى قال تعالى:  {هو الله الذي لا إلٰه إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر ۚ سبحان الله عما يشركون}،كعنوان يعبر عن نهج الاسلام الحضاري في الحياة وجعل السلام من أهم الغايات التي يرمي الى تحقيقها ويدفع نحوها كمنطلق لبناء الذات الانسانية تربويا لمن جعله خليفة له في الأرض ليعكس صفة المستخلف في خلقه وأن يكون على صورته، قال السيد المسيح:  "«المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة»." (لو 2: 14). كما أن السلام على الارض لا يمكن تحقيقه إلا بيد من يحمل السلام في نفسه، فإن فاقد الشيء لا يعطيه ومن طغى الشر على نفسه لا يثمر الا شرا وإفسادا. إن السلام الداخلي للإنسان وهو تعبير آخر عن الصلاح النفسي ضرورة بديهية لإحلال الأمن والأمان والهدوء في المحيط والبيئة التي يعيش فيها، لذلك أخذ الموضوع التربوي عناية خاصة في الاسلام من إرشادات وتعاليم وأحكام وأنظمة روعي فيها كل مراحل التكوين التي يمر بها الانسان، من اختيار الام التي ستحمل به جنينا الى أن يصبح بالغا راشدا ليكون عنصرا اجتماعيا صالحا يساهم بدوره في البناء الاجتماعي وإعمار الارض وإشاعة السلام وكل ما يخدم المجتمع البشري ويدعم أمنه واستقراره". 
تابع: "قال تعالى: {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين (15) يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلىٰ صراط مستقيم}. إن الامن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي مرتبط ارتباطا عضويا بالبناء الأخلاقي والتربوي والثقافي للفرد والجماعة التي تعكس نفسها على الأداء العملي في هذه المجالات جميعها، وبمقدار ما تكون الجماعة محصنة أخلاقيا وثقافيا وكذلك الافراد بمقدار ما يكون المجتمع منيعا وآمنا من الاختراقات التي تستهدف وجوده والعكس صحيح.  ولخطورة هذه المسألة بنى الاسلام تصوره العام على حل هذه المشكلة التي هي أساس في كل ما تعانيه البشرية من مآس وصراعات، وتوجه الى جذر المشكلة بحسم مسألة الصراع الداخلي لدى الافراد الذي تتنازعه عوامل الخير والشر التي إن أهمل علاجها كانت النتيجة إما تغلب عوامل الشر واما تفاعل الصراع الداخلي وانعكاساته المرضية النفسية على الفرد، وبالتالي على أدائه العملي مع الآخرين، وبذلك تتحول الى جحيم.  ولم يكتف الاسلام بتوجيه الاهتمام الى أهمية البناء الثقافي والتربوي للأفراد وإنما اعتنى أيضا بالمجتمع، وأن الجماعة مسؤولة أيضا عن تحقيق الأمن الجماعي فيما بينها، قال رسول الله: (اشيعوا السلام بينكم)، فبدأ بالأفراد وثنى بالمجتمع وجعله ثقافة المجتمع العامة (افشوا السلام بينكم)، وقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة}.  
وتحقيق السلام غاية الاسلام حتى في حالة الحرب مع العدو {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها}". 
 

ورأى أن "الحرب في المنطق القرآني حرب دفاعية لأسباب منطقية وموضوعية وليست فلسفة حياة كالدفاع عن حرية الاعتقاد والممارسة حين استهدافها من قبل الآخر. { قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابد ما عبدتم * لا أنتم عابدون ما أعبد * لكم دينكم ولي دين}. فالدين يدعو الى حرية الاعتقاد فإذا ما تعرض هذا المبدأ للخطر جاز استخدام العنف حفاظا عليه إذا انحصر الدفاع عنه به، {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة}.  وكالحرب للدفاع عن النفس أو العرض أو المال إذا تعرضت للخطر أيا كان مصدره والقائم به مؤمنا كان أم كافرا موافقا أم مخالفا، في غير هذين الموردين فإن القاعدة في بناء العلاقات الداخلية بين المسلمين قائمة على منطق التعاون وإشاعة السلام وبين المسلمين وغيرهم داخل المجتمع الاسلامي على أساس السلام والعدالة { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}. { ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}".

  
أضاف: " قال أمير المؤمنين: " أحبوا للناس ما تحبونه لأنفسكم" فالدين قائم على تعزيز التعاون على البر والتقوى: { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} {وما يكذب به إلا كل معتد أثيم} فكل حرب تثار خارج هذه الموارد هي عدوانية وغير مشروعة وفي كيفية رد الاعتداء يجب ألا يتعدى مقدار الاعتداء { فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} ، {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به}. لأنه يكون للانتقام لا لتحقيق العدالة والسلام ويناقض الغاية التي يسعى لتحقيقها وهي هداية الناس. إن تحقيق السلام الذي هو غاية الدين وتحقيق الاستقرار شرط في استماع الآخر لمنطق الحوار ومنطق (سواء) والهداية، لأن هذا منطق من يمتلك الحجة والدليل ويثق بما لديه أما من يستخدم القوة فهذا منطق العاجز الذي لا يمتلك الدليل ولا يثبت في المواجهة الفكرية والمنطقية فلا يخضع لمنطق الحوار ويذهب للاتهام والتزوير، فإذا خسر في هذا الميدان هرب الى الضجيج والصوت العالي وافتعال المشاكل بذرائع شتى للتغطية على عجزه وحتى لا يظهر عليه العي والفشل امام جمهوره فيخسر تأييدهم، على ان استخدام العنف والقوة  ينافي دعوة الاسلام التي هي بالحسنى {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} واستعمال القوة بهدف الغلبة والفرض بالقوة والاشعار بالهزيمة  يدعو الى ردة الفعل للشعور بأن الكرامة قد مست وقد قررها الله تعالى وجعل لها شأنا كبيرا لديه وتحقيقها وحفظها وإشعار الآخر المختلف بها من أهم اهداف الاسلام بل هي الغاية من التشريع كله {ولقد كرمنا بني آدم} وكما قال الامام علي: (الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق). فالكرامة الانسانية يتساوى فيها الناس كلهم ولا يجوز المس بها والتعاليم الاسلامية التي تأمرنا بالإحسان والتعامل بحسن الخلق ليس مختصا بالمسلمين كما أنه ليس لأهداف دعائية تبتغي اجتذابهم فقط للإيمان وانما لإنسانية الانسان الذي كرمه الله تعالى بها فالشريعة كانت من اجل الانسان الذي كرمه الله تعالى بالخلق وما وهبه من الاستعدادات  وهو نظام الفطرة التي فطر الناس عليها وميزه بها عن سائر المخلوقات فهي عامة لجميع الناس يقول الامام الصادق (ع): ( لو أن الناس عرفوا محاسن كلامنا لاتبعونا) ولأن الله تعالى كرم الانسان صح له وحده أن يحاسبه حين لم يقدر هذا التكريم الذي يقول الحق تعالى فيه: {ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون}". 
 

وقال: "مقتضى هذا التكريم التفكر وأخذ العبرة والهداية فلما أبى وأعرض واستهان بهذا التكريم الالهي أنزل نفسه منزلة الكلب الذي {إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث}  فكما أن اللهاث سجية الكلب لا تتغير كذلك الكافرون سجيتهم التكذيب والصد عن الهدى. إن الآية تتحدث عن أخلاقية الكافر وكيفية تعاطيه مع التكريم الالهي بالكفران واعتباره كأنه غير موجود، أما تكليفنا نحن فهو أن نحترم الانسان بغض النظر عن كيفية استجابته وما ستكون عليه ردة فعله إلا ان تكون سلبية وعنفية يعاقب عليها كالإفساد في الارض لا على اعتقاده الذي هو شأن الله تعالى دون أحد من خلقه قد يكون في الدنيا وقد يكون في الآخرة وقد يكون في الدنيا والآخرة معا". 
 

تابع: "أيها الاخوة والاخوات، إن هذا ما ينسجم مع الهدف الذي اراده الله تعالى وهو تحقيق الاستقرار والسلام الدنيوي ويحقق الارضية اللازمة لإتاحة فرصة الهداية للناس وإقامة الحجة عليهم ولقد أمر لهذا بإشاعة السلام عززه بجعل تحية الاسلام السلام، وهو ما يستدعي إزالة الموانع التي تنشأ لسبب او لآخر وما أكثرها كالطمع وحب السيطرة والنفوذ وفرض الارادة دفعت دائما نحو التصادم والتنافي وهي عوامل ونزعات مزروعة في النفس البشرية وملازمة لها لم يفلح اكثر الناس في تهذيبها وكبح جماحها والسيطرة عليها. إن الصراع سيبقى مستمرا والنضال مشروعا لتحقيق السلام ودفع العدوان ولو باستخدام القوة والعنف عندما تنحصر الوسائل به، وهو ما نفعله في مواجهة العدوان الاسرائيلي الذي أفقد شعبنا العيش بسلام وسلبه الشعور بالأمن والاستقرار القائم أساسا على الاغتصاب والاحتلال هو لا يؤمن أساسا بالسلام، وإن ادعاه فهو يدعيه زورا وكذبا وتضليلا، ولذلك فلا مشروعية لأي اتفاقية سلام معه، لأنه سيمثل قبولا بالعدوان والاغتصاب واعترافا بأن الاغتصاب واستخدام القوة أداة مشروعة للتملك ومقاومة الاحتلال ومواجهة العدوان أمر أقرته الشرعية الدولية التي ناقضت نفسها عندما اعترفت بالكيان الاسرائيلي الغاصب ووسمت المقاومة بالإرهاب، ومن المؤسف ان بعض القوى الداخلية ترتكب هذه الخطيئة في معارضتها مقاومة العدو ومهاجمتها حمل السلاح بوجهه بحجة أنه ينتهك سيادة الدولة غير الموجودة ولا يعملون على ايجادها لأنهم غير قادرين، لأن من بيده  الامر لا يعطي الامكانات التسليحية للجيش اللبناني التي تمكنه من تحقيق التوازن مع جيش العدو، وهنا اسأل هل الاستراتيجية الدفاعية المدعو الى وضعها هل بهدف الدفاع عن لبنان وسيادته او لاستهداف المقاومة؟  أما السلم الاهلي فهو أمر مقدس يجب الحفاظ عليه ولا يجوز الاخلال به ويجب حل الخلافات بين القوى السياسية الداخلية عن طريق الحوار والتفاهم". 
ورأى أن "اللبنانيين مهما تباعدت بينهم الآراء فهم شعب واحد ومصيرهم واحد لا يصح أن تعطى الخلافات بينهم بعدا دينيا او طائفيا، ومن المؤسف على مستوى تخفيف الاعباء عن المواطنين ان السياسة المتبعة عقيمة وعملية التفافية على الازمات وما يعطى باليد اليمنى يؤخذ اضعافه باليد اليسرى كما يفعل البنك المركزي بعملية صيرفة، ويبقى الحل وتحمل المسؤولية بالاستجابة إلى دعوة الحوار السياسي". 

أضاف: "ايها الاخوة، أن يعيش الانسان بأمن وسلام أمل وحلم قديم قدم الحياة لم يتحقق الا في فترات نادرة وقصيرة حتى ان حاملي هذا المشروع من الانبياء والاوصياء والعظماء كانوا في الاغلب هم اول ضحاياه وشهداؤه قدموا أنفسهم قرابين من اجل تحقيقه خدمة للبشرية والانسانية وسيبقى هناك شهداء وقرابين على طول المدى حتى يتحقق السلام الكلي والنهائي بحسم هذا الصراع على يد من ادخره الله ليحقق حلم الانبياء الحجة القائم المهدي المنتظر والى جانبه السيد المسيح". 

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan