راعي ابرشية جبيل والبترون وما يليها يوجه رسالة رعائية في استقبال العام ٢٠٢٣
الرئيسية سياسة / Ecco Watan
الكاتب : المحرر السياسي
Jan 02 23|20:18PM :نشر بتاريخ
رسالة رعائيّة في استقبال سنة 2023 يوجّهها راعي أبرشيّة جبيل والبترون وما يليهما صاحب السّيادة المتروبوليت سلوان موسي، بعنوان "لو حكيتُ مسرى الطفولة":
حينما سألته منذ فترة وجيزة عن المعنى المقصود بالطفولة في الآية الكتابيّة: "إن لم ترجعوا وتصيروا كالأطفال فلن تدخلوا ملكوت السماوات (متى ۱۸ :۳) كان جوابه واضحًا مقتضبا: المقصود بالطفولة هي البراءة، والبراءة هو أن تكون عديم الشر بالكليّة. فهمت بذلك كيف عبّر يسوع انطلاقا من واقع الطفولة العديمة الشر، عن طريق التوبة ومسارها. وفهمت أيضا، كيف أن شيخنا الجليل الذي أعطاني هذا الجواب دون تفكير أو إبطاء، قد كشف عن مساره الشخصي عبر هذا الشرح.
هذا عاد بي إلى واقع آخر، إلى الكتاب الوحيد والذي خطّه في السبعينيات من القرن المنصرم، وهو بعد في مطلع خدمته الأسقفية راعيًا لهذه الأبرشية، والذي وضع له عنوانًا قد لا يتناسب للوهلة الأولى مع مضمونه، ألا وهو : " لو حكيت مسرى الطفولة". فهو بالحقيقة يتعرّض فيه إلى جملة مواضيع عرّج في بدايتها فقط على سني طفولته، دون أن يحصر مضمون الكتاب بتلك الفترة العمرية.
قلت إن العنوان قد لا يتناسب مع المضمون، وهذا فقط من حيث الشكل. جل اعتقادي أن العنوان يعبر بشكل صميمي عن جوهر هذا المؤلّف، صاحب السيادة المتروبوليت جاورجيوس الذي أراد أن يأخذ بنا إلى كنه حياته كمؤمن بيسوع المسيح وخادم يسعى أن يحفظ له الأمانة. يبدو لي أن سعيه في هذا السياق مرتبط لديه بالضبط بأن يكون عديم الشتر تجاه واقع انغمس في الشر ولا يعرف أن يتخلّص منه. فهل مد سني "الطفولة" على حوالي خمسة عقود ونيف من حياته، يقرأ الواقع عبر منظارها العديم الشر؟ هل يصح فيه، نتيجة سعيه ونضجه وأمانته، القول: "طوبى لأنقياء القلوب لأنّهم يعاينون الله" (متى ٥: ۸)؟ لربّما تفهم عبر خبرته هذه، حالة من اقتبل كلام الله بصدق وإيمان وعمل به فتحقق فيهم قول الربّ: "أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به"(يوحنا ١٥: ٣)
اخترتُ عنوان هذه المقالة على خلفية انتقالنا من سنة إلى أخرى، وحاجتي لأن استودع هذا الزمن بطريقة تعود بالنفع عليّ وعلى من أقوم برعايتهم وعلى كل من يرغب بكلمة مفيدة في عبور زمنه اليومي وعيشه الإيمان بصدق.
بالحقيقة، أنا شاكر لما أوضحه لي سلفي وما اتضح لي من حياته وخبرته وشهادته بالعمق، أثبت أن سعيه هذا لم يكن من أجل ذاته فقط، بل من أجل جسد المسيح بخاصة، وجسد الإنسانية بعامة. وهذا واضح من عنوان آخر اختاره لكلمته في سيامته الأسقفية، وهو ينطبق على مسعاه حتى الساعة: "لأجلهم أُقدّس ذاتي" (يوحنا ١٧: ۱۹)، وهو قول مأخوذ من وحي ما أفصح عنه يسوع في كلمته الأخيرة إلى تلاميذه قبيل آلامه.
ليس سرا أن مسعى تقديس الذات مرتبط بالعمق بالولادة التي تقتضيها الطفولة العديمة الشر، والتي أخذنا على عاتقنا تحقيقها منذ جرن المعمودية يوما بعد يوم. إنّها حقيقة الولادة من فوق أو الولادة بالروح التي كانت محور الحديث الليلي بين يسوع ونيقوديموس: إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله " (يوحنا3:3)
وليس سرا أن هذه الولادة وهذه الطفولة تصيران سمتين لولادتنا للحياة الأبدية، وهذا ممكن معاينته حتى في سن من بلغوا الشيخوخة. أن تكون عادم الشتر، أن تكون أمينا للمسيح، أن تكون كلمته كلمتك أن ترى الأمور من منظار رؤية ملكوت السماوات، أن تكون حياتك تقديمًا مستمرا في هذا السياق، خبرة حية ماثلة أمامي بمثال من يجسدها ويقم من شرح لي سرها.
هوذا نحن عابرون زمن حياتنا من "طفولة" معطاة بالضرورة إلى "طفولة" مرتجاة قد نبلغها أو لا، لنا أن نكتب بدورنا أو نحكي "مسرى "الطفولة" التي تخصنا. فماذا كنا لنقول أو نكتب أو نشهد؟
هلا رفعنا الصلاة شاكرين على كل ما أعطينا من نعمة وحكمة وفهم؟ هلا شكرنا على كل تشجيع وهدي ومعيّة؟ هلا شكرنا على نعمة الإيمان وشركة الصلاة ومعيّتنا في الكنيسة؟ لن تنسى أن نشكر أيضا على "الشوكة" التي في جسدنا والتي أعطيت لنا حتى لا نترفع في أنفسنا من أجل أن تكتمل حلقات ولادتنا بحسب ما أعلن الرب لبولس الرسول: "تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل " ونعلن مع رسول الأمم: "فبكل سرور أفتخر بالحريّ في ضعفاتي لكي تحل عليّ قوّة المسيح. لذلك أُسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح. لأتي حينما أنا ضعيف فحينئذٍ أنا قوي (۲ كورنثوس ۱۲ ۱۰-۹)
الا بارك يا ربّ زمن حياتنا بنورك وأعنا في حمل نير إنجيلك الهيّن وحمل صليبك الخفيف!
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا