كتب فادي عبود في ايكو وطن عن المعاينة الميكانيكية والنافعة: تحرير القطاع أولاً لا ترقيع الاحتكار

الرئيسية مقالات / Ecco Watan

الكاتب : فادي عبود
Apr 11 25|18:26PM :نشر بتاريخ

كتب الرئيس الأسبق لجمعية الصناعيين والوزير الأسبق للسياحة فادي عبود في ايكو وطن:

زار فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية جوزف عون هيئة إدارة السير (النافعة) مؤخراً، في خطوةٍ إيجابية تهدف إلى تحسين الخدمات العامة في قطاع تسجيل السيارات والمعاملات المرتبطة بها. لكن الواقع المؤلم لهذا القطاع لا يُعالج بالتصريحات أو بترقيعات شكلية، بل يبدأ من قلب الأزمة: تغيير الإجراءات العقيمة، واعتماد المكننة والرقمنة الشاملة، وإنهاء الاحتكار الممنهج الذي يخنق المواطن.
المطلوب قبل كل شيء هو تبسيط عملية تسجيل السيارات، عبر تحويلها إلى خدمة رقمية بالكامل، على غرار ما هو معمول به في دبي مثلاً. في دبي، يمكن لصاحب السيارة تسجيلها أو تجديد تسجيلها عبر تطبيق على الهاتف أو من خلال الموقع الإلكتروني لهيئة الطرق والمواصلات (RTA)، بعد أن يجتاز المركبة الفحص الفني في أحد المراكز المعتمدة. لا انتظار، لا واسطة، لا سمسرة، ولا أبواب مغلقة تحتاج "مفاتيح" خاصة لفتحها.

أما في لبنان، فالمواطن مجبر على التعامل مع "النافعة" التي لا تزال تعمل بآليات ما قبل الطباعة، حيث تُطلب مستندات ورقية لا نهاية لها، ويُجبر المواطن على الحضور شخصياً، مع احتمال أن يُطلب منه العودة يوماً آخر لأن "السيستم طافح".

المعاينة الميكانيكية: بين الاحتكار والابتزاز

ننتقل إلى فحص المعاينة الميكانيكية، حيث يتم اختزال خدمة عامة في مركز أو اثنين، تحت إدارة خاصة محتكرة، تقدم خدمات متعثرة وجودة سيئة. مواعيد طويلة، تأخيرات متكررة، انعدام الشفافية، وعدم احترام المواطن ووقته وماله.

في دول عديدة حول العالم، يتم تفويض مئات المراكز الخاصة للقيام بفحص المركبات، ضمن معايير صارمة وتحت رقابة مشددة من الجهات الرسمية. في المملكة المتحدة مثلاً، تخضع مراكز فحص الـMOT لإشراف مباشر من وكالة المعايير DVSA، التي تملك صلاحية سحب ترخيص أي مركز يُثبت تقصيره أو تلاعبه. هذه المراكز موزعة في أنحاء البلاد، وغالباً ما تكون جزءاً من كاراجات شركات تصنيع أو صيانة سيارات مرموقة، وتتنافس على الجودة والسعر والخدمة.

أما في دبي، فتُعتمد مراكز مثل "تسجيل" و"شامل" و"تمام"، بإشراف مباشر من هيئة الطرق والمواصلات (RTA)، ويجري الفحص في أقل من نصف ساعة، وتُرفع النتائج إلكترونياً، ويمكن للمواطن تتبعها من هاتفه.

في لبنان، لدينا خدمة معاينة محتكرة من شركة واحدة، أو بالأحرى بضعة مراكز تابعة لها، تتعامل مع المواطنين كما لو كانوا متسولين، وسط غياب كامل لأي رقابة فعلية أو شفافية.
افتحوا القطاع، أوقفوا الاحتكار

الحل ليس في تجميل القبيح، بل في قلب المعادلة: فتح باب الترخيص أمام مراكز المعاينة الخاصة وفق معايير واضحة، والسماح للشركات، بما فيها كاراجات الوكلاء أو المراكز الفنية الحديثة، بتقديم الخدمة. يجب أن تكون شروط الفحص صارمة، ويجب أن يخضع كل مركز لرقابة الكترونية فورية، مع نظام مراجعة شفاف وشكاوى مفتوحة، كما في لندن ودبي.

حين يُطرح هذا الحل، تأتيك الردود السريالية مثل "خلينا بحرامي واحد أحسن من عدة حرامية!"

هكذا رد أحد العاملين في تخليص معاملات المعاينة على اقتراح تحرير القطاع، وكأننا أمام واقع لا مفرّ منه، وكأن الفساد قدر لا يُقاوم. هذه المقولة تلخص ذهنية الاستسلام العام، وترسّخ منطق الحصرية والاحتكار، بدل أن تُشجع على المنافسة والنزاهة.

المنطق السليم يقول: لا نريد لا "حرامي واحد" ولا "عدة حرامية". نريد نظاماً يمنع السرقة، يضمن الخدمة، ويُخضع الجميع للمحاسبة. نريد أن تتحول الخدمات إلى أدوات راحة للمواطن، لا أدوات إذلال.

في بلد ينزف من كل شريان، أول الإصلاح هو كسر الحصارات: الحصار السياسي، والاحتكار الإداري، والفساد المحمي بشبكات المصالح. خدمة تسجيل السيارة ومعاينتها يجب أن تتحول من عبء إلى خدمة، من باب ابتزاز إلى بوابة للحداثة.

ولن يحدث ذلك ما لم يُفتح القطاع، وتُكسر "قدسية" الاحتكار.

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan