عودة: بلدنا على مفترق طرق ؛ فإمّا الإصلاح وإما القضاء على ما تبقّى منها
الرئيسية سياسة / Ecco Watan
الكاتب : المحرر السياسي
Apr 20 25|14:07PM :نشر بتاريخ
ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها المطران الياس عودة خدمة الهجمة وقداس الفصح في كاتدرائية القديس جاورجيوس بحضور حشد من المؤمنين.
بعد الإنجيل ألقى عظة قال فيها: "المسيح قام من بين الأموات، ووطئ الموت بالموت، ووهب الحياة للذين في القبور. اليوم عيد القيامة، عيد الأعياد وموسم المواسم، فيه نفرح ونبتهج لأن المسيح قد قام ووطئ الموت بموته وأقامنا معه الى جادّة الحياة سمعنا في إنجيل خدمة الهجمة أن حاملات الطيب ذهبن صباحا باكرا ليطيبن جسد الرب، فوجدن القبر فارغا وملاكا جالسا عند القبر قال لهن: «ليس هو ههنا، لكنه قد قام». وبعد إعلانه بشرى القيامة للنسوة، دعاهن لنقل تلك البشارة للتلاميذ، ودعوتهم إلى ملاقاة الرب في الجليل، جليل الأمم. الإحتفال بالقيامة هو هدف مسيرتنا، لذلك نتهيأ جسديا بالصوم، وروحيا بالصلاة والتوبة وعمل الرحمة، أما بشريا فنتطلع بشوق إلى يوم الفصح، ونحضر الولائم لاجتماع العائلة، تعبيرا عن فرحنا بعيد الأعياد لأن الرب، بقيامته، فتح لنا الطريق مجددا إلى الفردوس الذي فقدناه بالخطيئة. لذلك تكرر الكنيسة خدمة الفصح طيلة أسبوع التجديدات، تعبيرا عن فرحها بإعادة فتح طريق الملكوت، وكأن العيد يمتد إلى ما لا نهاية. ظن الرسل أن الرب القائم سيبقى معهم على الأرض، لكن مخططه كان مختلفا. دعاهم ليبشروا الأمم به مخلصا للعالم، وليدعوا الجميع إلى السلوك في وصاياه التي اختصرها بمحبة الله ومحبة القريب. علمنا أنه لكل البشر. هو لم يمت من أجلنا فقط، وبقيامته لم يقمنا وحدنا معه، بل أقام الجميع. ولكي يصل إلى الجميع، أوكل إلينا مهمة التبشير به، عبر الكلمة والعيش حسب وصاياه (يو 13: 34-35). فمعيار محبتنا لله هو حفظ وصاياه، وتطبيقها (يو15: 12-14).
أضاف: "في الفصح تذكرنا الكنيسة أن الرب يسوع يريدنا أن ننطلق إلى خارج أنفسنا نحو الآخرين، سالكين حسب وصاياه، وداعين الآخرين إلى سلوك هذا الطريق الوحيد المؤدي إلى الخلاص. القبر الفارغ هو دعوة لنا للبحث عن الرب القائم، في الآخرين، وتمجيده من خلال محبتهم. الرب نفسه أكد لنا أن السبيل الوحيد لنثبت فيه هو تطبيق وصاياه: «إن حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي» (يو 15: 9). ورسم لنا طريق الثبات فيه قائلا: «الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني... إن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبي، وإليه نأتي، وعنده نصنع منزلا» (يو 14: 21-23). الرب لا يتركنا. لقد مات من أجلنا، حاملا خطايانا، وقام من بين الأموات فاتحا لنا سبيل العودة إليه. نحن نتخلى عنه عندما ننغلق على أنفسنا، تاركين وصاياه ومتعلقين بذواتنا وقدراتنا وذكائنا، ناظرين إلى الآخرين كغرباء عنا لا تربطنا بهم إلا المصالح الشخصية والمادية، كأنهم موجودون لخدمتنا".
وتابع: "مشكلة إنسان عصرنا أناه وكبرياؤه، وماديته، ومشكلة لبنان في بنيه، في أنانيتهم وفرديتهم وتعلقهم بمصالحهم. لقد وصلنا إلى الإنهيار لأن اللبنانيين لم يعملوا على بناء دولة قوية، عصرية، متطورة، عادلة، ولم يثمروا النعمة التي منحهم إياها الرب بأن جعلهم في هذا البلد الصغير الجميل الذي كان محط إعجاب الجميع، وحسد البعض الذي كان يتطلع إلى بلوغ ما كنا فيه. بعض اللبنانيين اعتبروا البلد وسيلة لبلوغ أهدافهم، والبعض اعتبروه فندقا يزورونه في أوقات الإزدهار ويهجرونه في الشدة، والبعض استعملوه ساحة وآخرون ممرا. لم يعتنق اللبنانيون سياسة المراقبة والمساءلة والمحاسبة بل سياسة تقاسم المغانم واستغلال المراكز. أما الآن، وفيما نحن في عهد جديد، نسأل إلهنا الذي جعل بقيامته كل شيء جديدا، أن يكون هذا العهد مختلفا عما سبق، وأن يعمل على نهضة أخلاقية واجتماعية وثقافية وتربوية وقضائية لكي نصل إلى تجديد سياسي وإداري واقتصادي ومالي يعيد لبلدنا بريقه ودوره ومكانته. ومن أجل بلوغ هذا الهدف يجب عدم استثناء أحد لأن كل مواطن شريك كامل في الوطن، عليه واجبات كثيرة تجاه وطنه لكي يستحق الحقوق كاملة. على الدولة العمل على إعداد مواطنين صالحين، أمناء لوطنهم، لا أفرادا أنانيين لا يهتمون إلا بأنفسهم. الإنسان قد يكون مشدودا إلى مصلحته إن لم تكن تنشئته صالحة في عائلة مؤمنة بربها وبالقيم والأخلاق. لذلك كانت القوانين التي تضبط تجاوزات الأفراد وتقوم اعوجاجهم. واجب الدولة الحرص على تطبيق القوانين على الجميع دون استثناء، كما عليها إصلاح النفوس، واجتثاث الفساد، وإرساء العدالة، لكي يصطلح النظام وتعم المساواة فيشعر المواطنون بالأمان".
وقال: "الدولة ليست فكرة بل هي أولا مسؤولون أمناء، ذوو رؤية واضحة، وسلوك مستقيم، وضمير حي، يكونون قدوة لشعبهم ولا يساومون أو يظلمون أو يعتمدون أنصاف الحلول. والدولة أيضا موظفون منتقون على أساس العلم والكفاءة والخبرة والنزاهة وحسن السيرة والأخلاق. وبما أن الوظيفة العامة للخدمة العامة لا لخدمة المصلحة أو الحزب أو الطائفة، وجب على الدولة إشراك كافة مكونات المجتمع في خدمة وطنهم، بالعدل والمساواة، دون إقصاء فئة أو تفضيل أخرى، لكي لا يبقى شعور بالغبن دفين في نفوس المواطنين الذين كانوا في الماضي يقصون عن بعض المراكز من أجل إعطائها لمتحزبين أو محظيين أو متسلطين. أملنا أن تلتزم الحكومة بوعودها في احترام الشراكة والمناصفة مع حفظ التوازن بين الطوائف، وعدم احتكار أي مركز لأية فئة، أو حرمان أي مواطن من حقه في خدمة وطنه، لأن المواطن ركيزة الدولة، واجبه الإنضواء تحت رايتها وتطبيق قوانينها وحفظ كرامتها وعدم اقتناص الفرص لخيانتها".
أضاف: "بلدنا على مفترق طرق، فإما الإصلاح وبناء الدولة على أسس متينة واضحة، أو القضاء على ما تبقى منها. دولة قوية، سيدة على أرضها، عصرية، وعادلة، وحدها تضمن حقوق الجميع وأمنهم ومستقبلهم. فمن يعيق قيام الدولة عليه التأمل في موقفه السلبي وتغييره، ومن يحمل السلاح عليه التخلي عنه، ومن يفضل مصالحه عليه التفكير بالمصلحة العامة، ومن يستقوي بارتباط خارجي عليه احترام الدولة التي لا غنى عنها لأحد، ومن ينحر البلد عليه التيقظ أنه سيكون من الضحايا. بعد تناقضات وخلافات وحروب دامت نصف قرن وكانت نتائجها كارثية على الجميع، أملنا في هذا العيد المبارك أن يعترف الجميع بأخطائهم ويدحرجوا حجر الحقد والحرب والفساد والظلم واليأس عن القلوب وينصرفوا معا إلى تأسيس مستقبل واعد. أليس جنونا أو انتحارا تكرار الأخطاء المرتكبة منذ خمسين سنة؟ إن لم تواجه الحكومة الصعوبات والتجاوزات بحزم، وإن لم تجد الحلول لمشاكل المواطنين، تفقد هيبتها وتضيع الفرصة التي احتفى بها اللبنانيون، وأملنا ألا تضيع".
وختم: "في غمرة فرح القيامة نتذكر المرضى والمحزونين والمأسورين والمخطوفين وبينهم أخوانا المطرانان بولس ويوحنا، وكل المتألمين من الجوع والأوبئة والحروب وشرور هذا العالم، ونطلب لهم من لدن الرب العطف والرحمة والإنعتاق من عذاباتهم، كما نسأل لضحايا تفجير المرفأ الرحمة، ولذويهم وجميع المصابين الشفاء ومعرفة الحقيقة. لنتذكر في هذا العيد المبارك أقوال الرب، ولنجدد عهدنا معه، وننطلق إلى الآخرين بتواضع وصدق، وصورة الرب القائم مرسومة على جباهنا، فننقل فرح القيامة العظيم للجميع صارخين: المسيح قام، حقا قام، فلنسجد لقيامته ذات الثلاثة الأيام".
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا