كتب د. وائل الدبيسي في ايكو وطن: أي ملاحظات على إقتراح قانون إصلاح وضع المصارف؟
الرئيسية مقالات / Ecco Watan
الكاتب : البروفسور وائل الدبيسي
Apr 21 25|16:16PM :نشر بتاريخ
بتاريخ ۱۲ نيسان ۲۰۲۵ وبموجب القرار رقم 1 وافق مجلس الوزراء برئاسة القاضي الدولي نواف سلام على اقتراح القانون المتعلق بإصلاح وضع المصارف، وأحاله إلى المجلس النيابي الذي بدأ بدراسته ولا يزال، من أجل إقراره بناء على طلب صندوق النقد الدولي.
لكن هذا القانون من خلال قراءته، تظهر بعض الملاحظات، سواء في الشكل أو في المضمون.
المعلوم أن المصارف منذ تاريخ ۲۰۱۹/۱۰/۳۰ توقفت عن دفع الأموال إلى زبائنها المودعين لديها. والسبب في ذلك أن معظم أموال هذه المصارف مودعة كتوظيفات لدى مصرف لبنان سواء بسبب إغراءات الأخير بالفوائد المرتفعة وطمعاً بكسب الأرباح منها، ومصرف لبنان بدوره مول الدولة بمبالغ مرتفعة جداً تفوق الناتج المحلي للدولة، التي تعاني من فجوة مالية تبلغ حوالي ٨٦ مليار دولار، كما أن مصرف لبنان أصدر التعميم الوسيط رقم ٥٦٨ بتاريخ ٢٦ آب ۲۰۲۰ ، بحيث ألزم المصارف قبول تسديد العملاء الأقساط أو الدفعات المستحقة من قروض التجزئة كافة، بما فيها القروض الشخصية بالليرة اللبنانية على أساس السعر الرسمي آنذاك حوالي ۱۵۰۰ ليرة للدولار وللتجار تسديد ديونهم التجارية على سعر ١٥٠٠ ليرة أو ۳۹۰۰ ليرة ثم ۸۰۰۰ ليرة مع العلم بأن سعر التداول للدولار وصل إلى ١٤٥٠٠٠ ليرة، ثم جرى تثبيته على ٨٩٥٠٠ ليرة.
ما يعني ذلك أن أكثر من ٤٠ مليار دولار من التسليفات لدى المصارف جرى تسديدها على حساب المودعين.
1- إن توظيفات المصارف لدى مصرف لبنان وتوظيفاتها في اليوروبوندز لدى الدولة تعتبر ديوناً تجارية على اعتبار أن المصرف شركة تجارية بموجب الفقرة الثانية من المادة ۱۳ من قانون النقد والتسليف التي تنص على التالي : وهو يعتبر تاجراً في علاقاته مع الغير. ويجري عملياته وينظم حساباته وفقاً للقواعد التجارية والمصرفية وللعرف التجاري والمصرفي. أما ديون الدولة لدى مصرف لبنان فهي ديون سيادية، وليست تجارية، ما يعني أنه لا يمكن اعتبارها خسائر بل التزامات عليها.
2- الملاحظ أن القانون يفصل بين الودائع القديمة والودائع الجديدة التي يعرفها بموجب المادة الأولى منه كما يلي: الودائع الجديدة هي الودائع المحررة بالعملة الأجنبية والتي مصدرها تحاويل مصرفية من الخارج أو إيداعات نقدية بعد ۲۰۱۹/۱۰/۳۰.
يتضح من مضمون هذه المادة وسائر المواد أن هذا القانون يعالج وضع المصارف اللبنانية نظراً لما تعرضت له نتيجة الأزمة التي نشأت بدءاً من شهر تشرين الأول ۲۰۱۹. في حين أن الدولة اللبنانية تتهرب من مسؤوليتها كما ورد في تقرير التدقيق الجنائي الذي قدمته شركة الفاريز أند مارشال عن الهدر في الكهرباء حوالي ٤٨ مليار دولار، بالإضافة إلى الهندسات المالية وقروض وتحويلات الشركات تتعامل مع مصرف لبنان وغير ذلك. مع العلم بأن قرار مجلس شورى الدولة الصادر بتاريخ ۲۰۲٤/٢/٦ في القضية المقامة من جمعية المصارف ضد الدولة اللبنانية لإبطال شطب ديون مصرف لبنان تجاه المصارف، وهو بند ورد ضمن استراتيجية التعافي والنهوض الاقتصادي التي أقرتها حكومة الرئيس ميقاتي في العام ۲۰۲۲
3- ورد في الفقرة ٤ من المادة ٣ ما يلي: الحد من استعمال الأموال العامة في عملية إصلاح وضع المصارف. ما يعني أن الدولة تتهرب بموجب هذا القانون من مسؤوليتها عن ديونها تجاه مصرف لبنان. وتعتبرها خسائر على مصرف لبنان أو على الدولة، ولكنها التزامات يجب على كل منهما تسديد هذه الالتزامات من خلال جدولة مقبولة تناسب المودعين.
مع العلم بأن المادة ۱۱۳ من قانون النقد والتسليف تنص على التالي : "... وإذا كانت نتيجة سنة من السنين عجزاً، تغطى الخسارة من الاحتياط العام لمصرف (لبنان) وعند عدم وجود هذا الاحتياط أو عدم كفايته تغطى الخسارة بدفعة موازية من الخزينة. وإذا أصبح رصيد حساب الاحتياط العام) من جراء اقتطاع مبلغ بموجب الفقرة السابقة، أقل من نصف الرأسمال يجري توزيع الربح الصافي مجدداً بنسبة ٥٠% لهذا الحساب و ٥٠ للخزينة، إلى أن يبلغ الحساب مجدداً نصف الرأسمال". ما يعني أنه إذا تعرض مصرف لبنان لأية خسائر فمسؤولية الدولة أن تعيد رسملته، فكيف بالحري إذا كانت الدولة هي من صرفت الأموال.
4- ورد في المادة ٥ من اقتراح القانون تعديل تعيين الهيئة المصرفية العليا الواردة في القانون ٦٧/٢٨ تاریخ ١٩٦٧/٥/٩ ، بحيث تم استبعاد عضو يمثل جمعية المصارف، وإضافة رئيس لجنة الرقابة على المصارف كعضو يصوّت، وهذا الإجراء يعتبر مخالفاً لاعتماد الحوكمة الرشيدة للأسباب التالية:
ضرورة وجود ممثل عن جمعية المصارف كي يعطي وجهة نظره لأنه يمثل قطاعاً مالياً أساسياً في الاقتصاد اللبناني من جهة، ومن جهة أخرى حفاظاً على أموال المودعين في المصرف المطروح وضعه من جهة أخرى.
لا يصح وجود رئيس لجنة الرقابة على المصارف كعضو بالمبدأ، وإن جرى تعيينه، فيجب أن يكون عضواً مشاركاً لا مصوتاً، تفادياً لتقاطع المصالح.
5 - ورد في الفقرة الثانية من المادة ٥ أيضاً أن القرارات تتخذ بأكثرية ٤ أعضاء، وبقي نصاب الجلسة أعضاء أيضاً كما ورد في المادة ۱۰ من القانون ٦۷/۲۸. مع العلم بأنه من أجل اتخاذ قرار تصفية أو عدم تصفية أي مصرف يجب أن يكون النصاب أقله 5 من 7 أعضاء والتصويت بالإجماع.
6 - ورد في الفقرة (ii) من المادة ٧ البند ۳ ما يلي: ترتكز عملية الإصلاح إلى تقييم تعده لجنة الرقابة على المصارف وترفع توصية إلى الهيئة المصرفية العليا ..... هنا وتفادياً لعدم استقلالية لجنة الرقابة على المصارف يجب استبدال كلمة توصية بكلمة اقتراح، لأن التوصية أقوى من الاقتراح. كما أن الهيئة المصرفية العليا يجب أن تكون سيدة نفسها باتخاذ القرارات. وألا تكون لجنة الرقابة عضواً مصوتاً في الهيئة المصرفية العليا، وإن وجدت فلا يجب أن تصوت بل تكون عضواً مشاركاً فقط.
7- ورد في المادة 13 من اقتراح القانون أنه يجوز للهيئة المصرفية العليا أن تعتمد أياً من الأدوات المناسبة لإصلاح وضع المصرف، مع العلم بأن جميع المصارف تعرضت لأزمة سيولة نتيجة عدم التزام الدولة بتسديد التزاماتها إلى مصرف لبنان الذي يعتبر مصرف المصارف وراعي العمل المصرفي، وكان هو والدولة سبب المشكلة بالتكافل والتضامن.
8- ورد في الفقرة السادسة من المادة ١٤ من اقتراح القانون ربط حماية المودعين بما سيتم تحديده في قانون معالجة الفجوة المالية الذي سيتم إقراره لاحقاً. وهذا وعد مبهم، حيث لم يتم تحديد مهلة لإصدار هذا القانون من جهة، ومن جهة أخرى يكون هذا النص مخالفاً لمقدمة الدستور وللقوانين المرعية الإجراء التي تحفظ حقوق المواطنين، لأن المودع ليس له أية علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالأسباب التي أدت إلى هذه الأزمة المالية.
أخيراً إن اقتراح هذا القانون يمكن تطبيقه في الأحوال العادية، أي في حال تعرض أي مصرف لأزمة سيولة أو ملاءة نتيجة الإفراط في التسليف وزيادة الديون الهالكة، أو لعمليات سرقة تعرض لها أو فساد داخلي أدت إلى خسائر فادحة.
أما في الوضع الحالي، وبما أن الأزمة هي أزمة نظام مصرفي بكامله نتيجة إسراف مصرف لبنان بتمويل الدولة التي ينخرها الفساد من أكثر من ١٠ سنوات، فلا يصح اعتماد هذا القانون إلا بعد صدور القانون المتعلق بالتحديد العادل للمسؤوليات بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف.
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا