الخطيب من قم الايرانية : نطالبكم بالمزيد من التعاون والعناية بلبنان الجريح

الرئيسية سياسة / Ecco Watan

الكاتب : المحرر السياسي
May 08 25|09:50AM :نشر بتاريخ

شهدت مدينة قم الايرانية يومي الاربعاء والخميس تظاهرة علمائية علمية كبيرة ،في افتتاح المؤتمر الذي احتضنته المدينة المقدسة، لمناسبة الذكرى المئوية لاعادة تأسيس الحوزة العلمية في قم على يد اية الله الحائري في العام 1923.

المؤتمر الذي يقام في مدرسة الإمام الكاظم في قم ،استمر يومين ،وشارك فيه نحو الف عالم وفقيه ومرجع روحي من الجمهورية الاسلامية ونحو خمسين دولة في العالم، بينها لبنان الذي تمثل بنائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى العلامة الشيخ علي الخطيب، الذي كانت له كلمة في جلسة الافتتاح. كما شارك في المؤتمر وفد من تجمع العلماء المسلمين ضم الشيخ غازي حنينة والشيخ حسين غبريس.

رسالة خامنئي

وفي الجلسة الافتتاحية تلا مدير الحوزات العلمية علي رضا العارفي رسالة  قائد الثورة الإسلامية  السيد علي الخامنئي وجاء فيها ان" أهم مهمة للحوزة العلمية هي البلاغ المبين وتمهيد الارضية للحضارة الإسلامية الجديدة".

وأوضح السيد الخامنئي العناصر والوظائف المختلفة للحوزة العلمية، وحدد المتطلبات اللازمة لتحقيق "حوزة علمية متقدمة ومتميزة" ان تكون مبتكرة وتقدمية ومستحدثة ومستجيبة للقضايا الناشئة ومتحضرة وتتمتع بروح التقدم والنضال والهوية الثورية، فضلاً عن كونها قادرة على تصميم أنظمة لحكم المجتمع.

وأكد أن أهم مهمة للحوزة هي "البلاغ المبين"، وأفضل الأمثلة على ذلك رسم الخطوط الرئيسية والفرعية للحضارة الإسلامية الحديثة، وشرح الثقافة ونشرها وبنائها في المجتمع.

وبعد ذلك كانت كلمات لعدد من المراجع الروحية تناولت دور الحوزة خلال التاريخ ،لا سيما في حياة المسلمين الشيعة في العالم .

 الخطيب

والقى العلامة الشيخ علي  الخطيب خلال المؤتمر كلمة بعنوان" حوزة قم المقدسة،عظمة التاريخ وتحديات الحاضر والمستقبل"، ركز فيها على دور الحوزات العلمية ،وقدم في ختامها عددا من المقترحات لتطوير عمل الحوزة.

وقال:"ندرك اليوم أكثر من أي وقت مضى، سر الحضور المشرف لمدينة قم في كلام أئمة آل البيت عليهم السلام، ففي الحديث الشريف عن الصادق : ستخلو كوفة من المؤمنين، ويأزر عنها العلم كما تأزر الحية في جحرها، ثم يظهر العلم ببلدة يقال لها قم، وتصير معدنا للعلم والفضل، حتى لا يبقى في الأرض مستضعف في الدين حتى المخدرات في الحجال، وذلك عند قرب ظهور قائمنا، فيجعل الله قم وأهله قائمين مقام الحجة، ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها، ولم يبق في الأرض حجة، فيفيض العلم منه إلى سائر البلاد في المشرق والمغرب، فيتم حجة الله على الخلق، حتى لا يبقى أحد على الأرض لم يبلغ إليه الدين والعلم، ثم يظهر القائم" .

اضاف:"يلقي هذا الحديث الشريف على عاتق أهل العلم والفضل، عبء تطبيق معيار العالمية في نشر الإسلام بأساليب وطرق عصرية، تتناسب مع الخصوصيات الثقافية لكل أمة أو شعب في العالم. وتشكل الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم تلك الانطلاقة الراسخة لمشروع العالمية الإسلامية الجديدة ببركات الثورة الخمينية التي تنبأ بها الإمام الكاظم عليه السلام عندما قال:   رجل من أهل قم يدعو الناس إلى الحق، يجتمع معه قوم كزبر الحديد، لا تزلهم الرياح العواصف، ولا يملون من الحرب، ولا يجبنون، وعلى الله يتوكلون، والعاقبة للمتقين.وفي كلام الإمام الصادق عليه السلام ما يطمئننا إلى أن هذه الإشراقة وهذه الشعلة ستستمر برعاية الله سبحانه وتأييد صاحب العصر إلى أن يأذن الله له بظهوره المبارك عجل الله تعالى فرجه الشريف.  قال عليه السلام لأحد اصحابه واسمه عفان البصري: أتدري لم سمي قم؟ قلت: الله ورسوله وأنت أعلم، قال: إنما سمي قم لأن أهله يجتمعون مع قائم آل محمد صلوات الله عليه، ويقومون معه ويستقيمون عليه وينصرونه .

1_ عظمة التاريخ

كانت مدينة قم المقدسة بلدة عامرة بالعلم والفقه منذ القرن الثاني الهجري /الثامن الميلادي، وذلك إلى أواخر القرن الرابع ، حيث اكتظت بعباقرة الحديث والفقه والرجال، ومنها انتشر العلم إلى سائر الأمصار. فالمحدثون القميون عرفوا في سماء الحديث والفقه ، وكفانا أن إبراهيم بن هاشم ، وإبنه علي بن إبراهيم، وأحمد بن محمد بن خالد البرقي وأحمد بن محمد بن موسى الأشعري، ومحمد بن أحمد بن عمران الأشعري، وغيرهم من جهابذة الحديث والفقه خريجو مدرسة قم، وقد تركوا مصنفات ثمينة بقيت مصونة عن حوادث الزمان.

وتجمع المصادر على اعتبار قدوم السيدة فاطمة المعصومة ووفاتها (201 هـ / 817 م) من أهم المحطات التاريخية في المدينة. فلطالما كانت مقامات الأئمة والصالحين من أحفاد البيت النبوي الشريف مراكز للعلم والنور والروحانية الخاصة، تعززت في حالة قم بالإرتباط العاطفي والروحي بين المجتمع المحلي وآل البيت .

وقد برزت ملامح النشاط العلمي الشيعي في قم منذ القرن الرابع الهجري، وبرز فيها محدثون كبار: كالشيخ الصدوق (المتوفي 381ه) ، وتحولت قم تدريجيا إلى مركز لنسخ وحفظ روايات آل البيت عليهم السلام، قبل أن ينتقل زخم الحوزة الشيعية إلى النجف الأشرف وكربلاء .

وفي الحقبة الصفوية (1501–1736 م) ، أعاد الصفويون إحياء المذهب الشيعي الاثني عشري كمذهب رسمي للدولة، واهتموا بمدينة قم. فجددوا  بناء مرقد السيدة المعصومة وزُين بالقباب والمآذن. كما أصبحت المدينة وجهة للحجاج والعلماء، وازداد العمران والنشاط الديني فيها.

ويبقى الحدث الأبرز هو تأسيس الشيخ عبد الكريم اليزدي الحائري (1274_ 1355 ه)، للحوزة الشريفة في قم سنة 1340 ه بعد أن جمع زبدة علوم النجف الأشرف وآراك وما استفاده من أستاذيه السيد محمد الفشاركي (المتوفي 1315ه) والمحقق الخراساني قبل أن يستقل في التدريس...وشاءت الاقدار أن تكون هذه الحوزة العلمية سداً منيعاً أمام التيارات العلمانية والإلحادية، في زمن تغول الغرب الإستعماري والمنافسات الشرسة على موارد العالم ومستقبل دوله وشعوبه وأبنائه.

وبعد ذلك التأسيس المبارك وعلى الرغم من المحن ومحاولات التشويه للإسلام والتشيع، ما عاد بالإمكان فهم  التجربة الإسلامية وتطور علوم الإسلام في القرن العشرين بعيدا عن قم وعلمائها ونتاجاتها في الحقول المختلفة.

يقول السيد القائد الخامنئي : إن الشهداء العظماء والعديدين من الحوزات العلمية الشيعية، الذين يُعتبر بعضهم كالشّهيد الأول والشّهيد الثاني رضوان الله عليهما من علماء الصف الأول في الحوزات، يشهدون شهادة عظيمة على جهاد علماء الدين في عصر التقية والعسر، الذين كتبوا رسائلهم العلمية والعملية بدم الشهادة وحبر الدماء.

إن خدمات المرحوم آية الله الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي والمرحوم  البروجردي خلال فترة إدارتهما للحوزة العلمية في قم، جديرة بالاهتمام البالغ. وقد كان الإمام الخميني  يذكر دائمًا المرحوم الحائري وبساطة عيشه في أوج سلطانه وزعامته بكل خير، وكان يثني عليه من حيث العلم والإخلاص والزهد والتواضع والتقوى وحسن المعاشرة.

إن تأسيس حوزة علمية دينية في مدينة قم خلال المئة عام الأخيرة وبإدارة هؤلاء العظماء وأنصارهم المخلصين،  كانت له آثار لا يمكن أن تمحوها محاولات الظالمين في هذا العالم.

ولم يكن تشكيل الحكومة الإسلامية في إيران الثورة؛ إلا تتويجا للإنجازات القيمة لأفكار علماء الدين بقيادة رجال الدين الثوريين الشيعة وتوجيه الحركة الثورية للشعب، ما أدى إلى تشكيل النظام الإسلامي القائم على الفقه الذي فتح آفاقًا جديدة أمام المجتمع العالمي والمتشوقين للحرية والخلاص. 

لقد كانت الحوزة العلمية في قم وما تزال ذخرا للإسلام المحمدي الأصيل، ونبعا لأهم تحول ثوري في تاريخ الأمة والعالم المعاصر ، وإننا إذ نحتفل بمرور قرن على تأسيسها نتطلع إلى عصر تقود فيه الحوزة تجربة الحضارة والتمدن الإسلامي والإنساني من جديد تمهيدا للظهور المبارك لصاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.

2_ الفرصة والتحديات

إن المتأمل بعظمة هذا التاريخ ونجاة مدرسة أهل البيت عليهم السلام في عصور الظلم الطويلة ، يلاحظ الألطاف الإلهية التي سخرت هذه النفوس العالية والعقول المتوقدة برعاية صاحب العصر أرواحنا له الفداء.. ولكن هل انتهى التحدي؟ بالتأكيد نحن اليوم أمام تحديات بحجم الأمة والعالم ولطالما كان إزهاق الباطل أصعب من إحقاق الحق كما تبين لنا تجربة أمير المؤمنين عليه السلام في سنوات حكمه القصيرة .

لا يوجد شك بأن الحوزة قد تفاعلت مع الإنجاز العظيم بإقامة الحكومة الإسلامية في إيران الإسلام، وبفضل عبقرية القائدين الكبيرين السيد الخميني  والسيد الخامنئي منحت الحوزة حرية البحث العلمي على طريقة "الفقه الجواهري" كما عبر الإمام الخميني في وصيته، ولكنه أوصى أيضا بزيادة الأبحاث وفتح النوافذ الجديدة في هذه المدرسة المباركة.

وبالفعل نهضت الحوزة وجامعة المدرسين فيها مدركة لأهمية الفسحة التي أتاحتها الثورة الإسلامية الأعظم في القرن العشرين، وتغيرت واجبات ومهام جماعة المدرسين، حيث تحولت من مناضلة ضد النظام الجائر إلی مشاركة في تأسیس وتثبیت الحكومة الإسلامية وفي مجالات شتى  أهمها التصدي لتحديات الدولة العادلة ومسؤولياتها.

3_ اقتراحات:

كمراقب محب وحريص أظن أن الإخوة القيمين على عمل الحوزة المباركة يدركون حجم التحديات التي تواجه الجمهورية الإسلامية المباركة من الداخل والخارج، كما يعرفون بلا شك أن كل مؤمرات العالم لن تفلح في إجهاض هذه التجربة المباركة إذا كان المجتمع الإيراني داعما لها وملتفاً حولها. ومن جهة أخرى لا يمكن إنكار التحدي الذي يشكله التقدم التقني في مجال الضلال والإضلال ومن هنا فإنني أتقدم بهذه الإقتراحات كبضاعة مزجاة فأنا طالب من طلاب هذه الحوزة فما أقوله منكم وإليكم:

أولاً: لا بد من تطوير أساليب التبليغ بحيث تصبح منصات التواصل ساحة صراع مع المحتوى الهابط السائد فيها .فقد قال السيد شرف الدين قدس سره مرة : "لا ينتشر الهدى إلا من حيث انتشر الضلال"، وعلى اساس هذه القاعدة كان تأسيسه للكلية الجعفرية في صور سنة 1936. فليكن لنا محركات البحث البديلة عن غوغل كما فعلت الصين، وليكن لنا التطبيقات التي تتحدى التيك توك والإنستاغرام، ولنعمل على تدريب وتهيئة دعاة العصر من كافة شرائح المجتمع ، نشرح بلغة ذكية أهمية وفائدة الإلتزام بالأحكام والتعاليم والمفاهيم كما تقدمها مدرسة الإسلام المحمدي الأصيل، فما عادت المبادرات الفردية كافية لتلبية الحاجة في عصر الأجهزة المزودة بالذكاء الإصطناعي وجيوش المضللين سواء من الغرب أو من المتغربين في الشرق.

ثانياً: لنعتمد أساليب البحث العلمي الإحصائي الحديثة في دراسة التحولات الإجتماعية مع الإسلام أو بعيداً عنه، ولنضع نتيجة معطيات هذه الأبحاث مؤشرات الأداء التي تحدد الشرائح المستهدفة في المجتمع التي ينهشها سرطان التغريب والثقافة الإستهلاكية التي تزيد من تأثير الحصار الإقتصادي على الحياة اليومية للمواطن الإيراني.

ثالثاً: لنبدع في التوفيق بين الاصالة والانفتاح في كتابة الفقه بلغة القانون وتبسيط المطالب وتقديمها للحياة مرجعا لحكم القضاة وسلوك الأفراد.

رابعا: إيلاء البحث العلمي في الإقتصاد أهميته التي يستحقها في عصر استخدام الإقتصاد كسلاح لحصار الجمهورية الإسلامية وتحريض الشعوب للعودة إلى بيت الطاعة الغربي والأميركي، وتفعيل طرق الإنفاق الإسلامية التي تحول المال إلى دورة دموية للإقتصاد الوطني أو نهر جار يسقي كل شرائح المجتمع ويحمي الطبقة الوسطى ويكافح الفقر، في مقابل احتكاره من قبل النظام الربوي والتحكم بالناس من خلال افتعال ندرة المال وتحويله إلى دولة بين الأغنياء في النظام الرأسمالي المعاصر.

خامسا: إن حوزة قم جامعة عالمية تحتوي اليوم على طلبة من تسعين دولة في العالم ، فكيف نستفيد من عقول العالم للتفاعل مع العالم؟ هذا سؤال كبير.  فقد رأينا كيف يحكم الأميركي والأوروبي الأدمغة ويصفي المتمردة منها ليتمكن من أن يبقى مسيطرا على الإنسانية بعقول النوابغ منها... وهو عنصري لا يحترم الآخر فكيف والإسلام عالمي بطبيعته يحترم الإنسان أينما كان ويعزز فطرته السليمة ويدافع عنها، وقد أريد له اليوم أن يظهر بأبشع صور التكفير والإرهاب ويغترب حتى عن نفسه.

وأخيراً: لديكم في لبنان مؤسسة ولدت على يد فقيه من فقهاء قم، وهو الإمام السيد موسى الصدر ، وأتشرف اليوم بتمثيلها في مؤتمركم هذا، ومن البداية كانت  هذه المؤسسة جسرا بين جبل عامل وشيعة لبنان من جهة والثورة الإسلامية الإيرانية وهي بعد في بداياتها، ولا نزال بكل تواضع على العهد نتصدى لأكبر حملة همجية يتعرض لها لبنان وشيعة لبنان ، وأنتهز هذه الفرصة الثمينة لأجدد العهد بين المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان والحوزة المباركة في قم طالبا المزيد من التعاون والعناية بلبنان الجريح الذي فقد نخبة من مجاهديه في العدوان الأخير، وعلى رأسهم سماحة سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله".

ختم:"أطمئنكم رغم كل الجراحات أننا مع الثنائي الوطني في لبنان، حزب الله وحركة أمل، لا نزال جبهة متماسكة متراصة مؤمنة بحتمية النصر ولو بعد حين. والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين (العنكبوت، 69)".

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan