الشراكة بين القطاعين العام والخاص: أداة لتحفيز النمو وتطوير البنية التحتية في لبنان

الرئيسية مقالات / Ecco Watan

الكاتب : ميلاد رفقة
May 15 25|20:53PM :نشر بتاريخ

كتب ميلاد رفقة في ايكو وطن:


تعد الشراكة بين القطاعين العام والخاص نموذجًا اقتصاديًا حيويًا يتيح توظيف خبرات الشركات الخاصة وتمويلها لتحسين وتطوير البنية التحتية والخدمات العامة في الدول. تتسم هذه الشراكة بالتنافسية بين شركات القطاع الخاص، وتقاسم المخاطر بين الطرفين، بالإضافة إلى استخدام الأموال والخبرات الخاصة لتحقيق التنمية المستدامة. في لبنان، تعتبر الشراكة بين القطاعين العام والخاص أداة أساسية للتغلب على التحديات الهيكلية والمالية التي يعاني منها الاقتصاد اللبناني، في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية المستمرة.

أنواع الشراكة بين القطاعين العام والخاص

تتعدد أشكال الشراكة بين القطاعين العام والخاص وفقًا للهيكلية القانونية والمالية للمشاريع، ومنها عقود "بناء-تشغيل-نقل (BOT)"، "بناء-تملك-تشغيل-نقل (BOOT)"، "بناء-تأجير-نقل (BLT)"، و"إعادة تأهيل-تشغيل-نقل (ROT)"، وغيرها من الأنماط التي تتيح تقاسمًا متوازنًا للمخاطر والمنافع بين القطاعين العام والخاص. يعتمد اختيار النموذج الأمثل على طبيعة المشروع، احتياجات التمويل، التوزيع الصحيح للمخاطر، بالإضافة إلى البيئة القانونية والتنظيمية التي تحكم تنفيذ المشاريع.

الإطار القانوني في لبنان: الفرص والتحديات

في لبنان، تم تنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص عبر القانون رقم 48/2017 الذي يحدد الإطار التشريعي لتنفيذ هذه المشاريع ويكلف المجلس الأعلى للخصخصة بإدارة المشاريع. ورغم وجود هذا الإطار القانوني، فإن العديد من المحاولات السابقة لتطبيق الشراكة بين القطاعين العام والخاص في لبنان لم تكلل بالنجاح بسبب عدة عوامل، أبرزها غياب الاستقرار السياسي، تفشي الفساد، وعدم وضوح توزيع المخاطر بين الأطراف المتعاقدة. ومع ذلك، تبقى الشراكة بين القطاعين العام والخاص الخيار الأمثل لتطوير البنية التحتية في لبنان، خصوصًا في ظل الأزمات الاقتصادية المستمرة.

نماذج الشراكة الأمثل للبنان في ظل الأزمات

في الوقت الراهن، ومع استمرار التحديات الاقتصادية والسياسية، تبرز عقود "إعادة تأهيل-تشغيل-نقل (ROT)" كأنسب خيار لتنفيذ مشاريع البنية التحتية في لبنان. هذه العقود لا تقتصر على تجديد المرافق العامة فحسب، بل تعزز أيضًا الكفاءة التشغيلية من خلال إشراك القطاع الخاص في إدارة هذه المشاريع بشكل مؤقت. وعلاوة على ذلك، فإن عقود "بناء-تشغيل-نقل (BOT)" تعد مناسبة بشكل خاص لمشاريع ذات إيرادات ثابتة مثل توسيع مطار بيروت أو مشاريع الاتصالات، حيث تضمن تحقيق الأرباح على المدى الطويل.

من ناحية أخرى، فإن عقود الإدارة والإيجار تُعد خيارًا مواتيًا لمشاريع الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء، حيث يمكن للقطاع الخاص تحسين كفاءة هذه الخدمات دون أن يتطلب الأمر نقل ملكية الأصول أو تحمل القطاع الخاص مخاطر مالية كبيرة.

 دور الشراكة في تحفيز الاقتصاد اللبناني

يمكن للشراكة بين القطاعين العام والخاص أن تساهم بشكل كبير في تحفيز النشاط الاقتصادي في لبنان عبر عدة محاور. أولًا، تتيح هذه الشراكات جذب استثمارات خاصة ضخمة لتطوير البنية التحتية دون تحميل الحكومة عبئًا ماليًا إضافيًا. ثانيًا، تساهم في تحسين الكفاءة التشغيلية والخدمية في مختلف القطاعات، مما يقلل من التكاليف ويحسن جودة الخدمات المقدمة للمواطنين. ثالثًا، يمكن أن تؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة، ما يعزز الإيرادات الضريبية في المستقبل.

تقييم الاستفادة المالية والاقتصادية

لنفهم أكثر الجدوى الاقتصادية من تطبيق الشراكة بين القطاعين العام والخاص في لبنان، يمكننا استعراض بعض المشاريع المحتملة مثل توسيع مطار بيروت، إنشاء محطات طاقة شمسية، إعادة تأهيل مرفأ بيروت، وتحديث شبكة الكهرباء. من خلال الحسابات المالية التي أُجريت على هذه المشاريع، تبين أن جميعها قابلة للتنفيذ بشكل مربح مع عوائد إيجابية على المدى الطويل. المشاريع مثل مرفأ بيروت و*قطاع الكهرباء* يمكن أن تحقق فوائد مالية ضخمة، وهو ما يظهر في الحسابات التي توضح إجمالي القيمة الحالية الصافية (NPV) لكل مشروع.

التحديات والفرص المستقبلية

رغم هذه الفوائد المحتملة، يبقى نجاح تنفيذ الشراكات في لبنان مرهونًا بعدة عوامل رئيسية، أبرزها *الاستقرار السياسي* و*الشفافية* في العمليات. يجب أن يتمتع لبنان بإطار تنظيمي مستقل، ويجب رفع يد القوى السياسية عن المجلس الأعلى للخصخصة لضمان الشفافية والمصداقية في التعاقدات. كما يتعين على الحكومة أن تبادر إلى مكافحة الفساد وتعزيز الحوكمة لضمان التنفيذ الفعّال لهذه الشراكات.

من الأهمية بمكان أن يرافق أي تحسين في البنية التحتية سياسات اجتماعية تضمن الحماية للعمال والأسر المتضررة من هذه التحولات، وهو ما يتطلب دعمًا ماديًا من المجتمع الدولي، سواء عبر القروض الميسرة أو المنح المالية.

 الخاتمة

في الختام، تمثل الشراكة بين القطاعين العام والخاص في لبنان أداة استراتيجية لتحفيز النمو الاقتصادي وتحسين جودة الخدمات العامة في ظل الأزمات المستمرة. من خلال تنفيذ مشاريع بنية تحتية حيوية مثل توسيع المرافق العامة والطاقة المتجددة، يمكن للبنان أن يستفيد من العوائد المالية الضخمة التي تساهم في رفع مستوى الكفاءة وتطوير الاقتصاد بشكل مستدام. ولكن، تبقى هذه الاستفادة رهينةً بتنفيذ الإصلاحات الجذرية، تعزيز الاستقرار السياسي، وتعزيز التعاون مع القطاع الخاص بطرق شفافة.

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan