هجوم روسي أطبقت فيه "السماء على الأرض"!

الرئيسية دوليات / Ecco Watan

الكاتب : محرر الصفحة
Jun 04 25|09:43AM :نشر بتاريخ

انطلقت يوم الرابع من يونيو 1916 على الجبهة الجنوبية الغربية عملية عرفت باسم اختراق "لوتسك". هذا الهجوم الكاسح استمر حتى العاشر أغسطس، وكان الأكبر للجيش الروسي خلال الحرب العالمية الأولى.


يوصف اختراق "لوتسك" بأنه حدث في ساحات القتال غير إلى الأبد فنون الحرب وتكتيكاتها، ما دفع أحد الخبراء العسكريين إلى وصفه بأنه "سيمفونية حقيقية للعبقرية الاستراتيجية".

خطط ونفذ هذا "الاختراق التاريخي" الجنرال الروسي أليكسي بروسيلوف، ضد جيوش الإمبراطورية النمساوية المجرية.

بدلا من اتباع التكتيك التقليدي المتمثل في حشد كل قواته وضرب نقطة واحدة، وضع بروسيلوف خطة هجوم متزامن على كامل الجبهة. وجه الضربات إلى ثلاثة عشر قطاعا على طول خط النار في وقت واحد لحرمان العدو من فرصة المناورة بقوات الاحتياط.

كانت قوات الإمبراطورية النمساوية المجرية تحتمي خلف تحصينات منيعة تتكون من ثلاثة خطوط يصل عمقها إلى خمسة كيلومترات، وكانت مزودة بخنادق ومخابئ وأسلاك شائكة.

قائد هذا الهجوم الجنرال أليكسي بروسيلوف وكان عمره في ذلك الوقت ثلاثة وستينعاما، ينحدر من عائلة امتهنت الجندية، وكان يتحلى بتفكير استراتيجي ومرونة تكتيكية وصرامة مع الضباط واهتمام بالجنود ومهارة في القيادة وموهبة في ابتكار الأساليب الجديدة.


تفاصيل الاختراق الكاسح:

بدأت العملية الهجومية الساعة الرابعة فجرا والخنادق غارقة في الضباب، بقصف مدفعي مكثف على المواقع النمساوية المجرية واستمر حتى الظهر. المدفعية الروسية في هذا القصف التمهيدي استخدمت تكتيكا ذكيا. بعد الضربات الأولى توقف القصف ما استدرج العدو للخروج من مخابئه الحصينة، ثم استأنف الروس إطلاق النار بالمدفعية، ما تسبب في فوضى عارمة في صفوف القوات النمساوية.

المرحلة الثانية في هذا الهجوم بدأت الساعة الثانية عشر ظهرا، باندفاع صفوف من المشاة الروس في هجمات متتالية نجحت في اختراق التحصينات في ثلاثة عشر قطاعا من الجبهة بطول خمسة وثلاثين كيلو مترا.

كتب أحد الضباط النمساويين في وقت لاحق في وصف المشهد قائلا:" كان الأمر كما لو أن السماء أطبقت على الأرض"، وعلّق أحد قادة أركان الجيوش النمساوية منفعلا بقوله: "يبدو أن الروس أصيبوا بالجنون... إنهم يهاجمون في كل مكان".

وصفت الساعات الأولى من الاقتحام بانها "رقصة حقيقية مع الموت"، حيث ظهر الجنود الروس الذين أطلق عليهم النمساويون اسم "الاشباح الرمادية" بسبب لون معاطفهم، كما لو أنهم أتوا من العدم.


كانت التكتيكات القديمة تجري في مثل هذه الهجمات بسلاسل كثيفة من المهاجمين، لكن الجنرال بروسيلوف كسر هذا النمط أيضا، وجعل جنوده يتقدمون في مفارز صغيرة مستغلين التضاريس والفجوات التي حفرتها المدفعية في اسوار الاسلاك الشائكة.

تواصل زخم الهجوم لساعات وواصلت وحدات المشاة الروسية التقدم بوتيرة عالية، ما حرم القيادة النمساوية من إمكانية الرد بطريقة مناسبة على أوضاع متغيرة باضطراد.

بنهاية عملية الاختراق التي حملت فيما بعد لقب مبتكرها وأصبحت تسمى "اختراق بروسيلوف" فقد الجيش النمساوي أكثر من مليون ونصف المليون شخص بين قتيل وجريح وأسير، وتم الاستيلاء على مئات المدافع وآلاف البنادق الرشاشة وكميات هائلة من الذخائر ومستودعات التموين، كما جرى اختراق الجبهة على عمق مئة وعشرين كيلو مترا، وهو أمر غير مسبوق في الحرب العالمية الأولى.

هذه العملية الهجومية المبتكرة وجهت ضربة قاصمة للقوات النمساوية المجرية، وأجبرت ألمانيا على نقل قوات كبيرة من الجبهة الغربية ما خفف الضغط بشكل كبير على الفرنسيين في منطقة فردان.


دخل "اختراق بروسيلوف" المناهج في الأكاديميات العسكرية في أوروبا. ودُرست تكتيكاته الجديدة وقتها المتمثلة في الضربات المتزامنة على طول خط الجبهة، واستخدام الاستطلاع والتمهيد المدفعي القصير، واستخدام مجموعات المشاة في الهجوم، وأصبح كل ذلك من أسس الفنون العسكرية في القرن العشرين.

اللافت أيضا أن الألمان وقتها وكانوا أساتذة التخطيط العسكري، تبنوا العديد من عناصر "تكتيكات بروسيلوف"، حتى أن الجنرال ماكس هوفمان، وكان أحد أفضل القادة الالمان في الحرب العالمية الأولى كتب بعد الحرب يقول: "لو كنا أدركنا جوهر هذه الابتكارات في وقت سابق، لكانت نتيجة الحرب ربما مختلفة".

 

 

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : روسيا اليوم -RT