كتب فادي عبود في إيكو وطن: في التفاصيل يختبئ الشيطان والحكومة في وادٍ آخر

الرئيسية اقتصاد / Ecco Watan

الكاتب : فادي عبود
Jul 04 25|15:11PM :نشر بتاريخ

في لبنان، بات من المعتاد أن نتحدث عن "الخروج من الأزمة"، و"خارطة طريق للإصلاح"، و"استراتيجيات للنمو"؛ مصطلحات جذّابة تتكرّر في بيانات رسمية وخطط دولية، لكنها تتهاوى عند أول معاملة إدارية، أو محاولة شاب لبناني إنشاء مشروع صغير.
هنا، كل شيء في التفاصيل، والتفاصيل جحيم.
اتحدث كثيرا عن عدة العمل في تحقيق النمو الاقتصادي وامتلاك "المعلمية " ، واهمية الغوص في التفاصيل، وان يكون المسؤول ممن يدفع معاشات آخر الشهر ، لانه  اذا لم يتمكّن لبنان من تحقيق زيادة النمو وتشجيع التصدير والعمل على تنمية الابداع وتسهيل تأسيس الشركات، والهم الأهمّ خلق فرَص إنتاج (عمل)، فنحن مقبلون على كارثة حقيقية. وحتى اليوم لم ار نية او تغيير في الاداء يمكننا من الوصول الى ذلك

إنّ أيّ قرارات اقتصادية  يجب أن تأخذ في الاعتبار التفاصيل وإلّا تحوّلت الى هدر جديد للوقت والاموال والطاقات، والأهمّ ان نكون صريحين بتقويم واقعنا وأدائنا بكل شفافية. فيجب ألّا نخفي مثلاً أننا ما زلنا نستعمل الطابع الأميري على رغم أننا بدأنا بتطبيق ضريبة القيمة المضافة، وكأنّنا في بلد من القرون الوسطى.

فكيف لم نع بعد ان كل المشاريع التي يعمل عليها البنك المركزي لرد الودائع يجب ان تكون مرتبطة بتحقيق النمو وليس بمحاولة تحصيل من هنا وهناك ، فتحقيق النمو هو الكفيل بارجاع الحقوق لاصحابها  واي خطة لا تضع في اهدافها تحقيق النمو غير فعالة وسيتحول الموضوع الى تشليح من هنا وهناك  لاعادة الودائع . 

والسؤال يحولنا الى نقطة اخرى كيف بلد يسعى الى تحقيق النمو يقوم بفرض ضريبة مباشرة على المازوت مئة دولار على كل طن  ، والمازوت تحديدا لانه مرتبط بكل عمل للقطاعات المنتجة ، الصناعية والزراعية ، فالبلد الذي يفرض على المازوت ضريبة اكثر من تلك المفروضة على البنزين يعبر عن طريقة تفكيره في الانتاج ورفع النمو ، ويفرض الزيادة كضريبة وليس كضريبة على القيمة المضافة . 

وكيف لم يبدأ احد بعد بالتفكير  بأنّ كلفة مرفأ بيروت وتصديق فواتير خارجية لوضع مستوعب أربعين قدماً على ظهر الباخرة يكلّف ثمانئمة دولار، وكيف ندفع رسوم مرفأ للجنة بقيت ثلاثين عاماً بحكم الموقتة، وكيف سندفع مبلغاً آخر على كل مستوعب نستورده مع الزيادات الجديدة، واذا كان الرسم مقابل خدمة كيف ندفع للجنة حسب نوع البضائع، وهذه كما يعلم الجميع ضرائب سيادية تذهب الى غير مكانها، الذي هو حصراً مالية الدولة.

وأن نُصوّر المعوقات المكلفة امام كلّ صناعي يريد ان يستورد قطعة غيار لأنّ المصنع متوقف عن العمل من خلال البريد السريع، فيدفع الجمرك والضريبة على القيمة المضافة إضافة الى أجور تخليص خمسة أضعاف الضرائب لشركة البريد السريع لتخليص الطرد!

وأنه إذا أراد أن يصلح لوحة إلكترونية وإرسالها الى خارج لبنان للتصليح، فمعاملة التصدير وإعادة الاستيراد تحتاج الى ثلاثة ايام قبل التصدير وكلفة تتعدّى المئات من الدولارات بتعقيد لا مثيل له، ممّا يضطرّه الى إرسالها واستعادة استيرادها على انها جديدة والكلفة ايضاً وايضاً مئات الدولارات.

وكيف يستورد الصناعي أو التاجر ويتكلّف لقاء مَساطر لبعض البضائع التي يودّ استيرادها عشرات الدولارات لمعاملة تخليص لمَساطر، وهي معاملة يجب ألّا تكلف بضعة سنتات. وتكاليف معقّب المعاملات «ترانزيتير»، وهي من دون شك الاغلى في العالم.

يجب ان نبرز أنّ كلفة الاتصالات في لبنان هي عشرة أضعاف ما هي عليه في اوروبا. ولماذا لا ننتج كهرباء كافية منذ ثلاثين عاماً وعدم قدرتنا حتى الآن على إنتاج كهرباء بأسعار معقولة؟ وكيف نسجّل عقاراً او مركبة آلية او الرخص المرتبطة بالمركبة الآلية؟ وكيف يتمّ حجز فان للتوزيع لأنّ اسم الشركة مكتوب على الفان بلا ترخيص؟

وكيف لا يزعجنا  أسباب ارتفاع اسعار بطاقات السفر مقارنة بالبلدان العدوة والصديقة، وسبب امتناعنا حتى اليوم من تطبيق سياسة الاجواء المفتوحة. ونحن نعرف ان ارتفاع اسعار تذاكر السفر هي عائق اساسي امام النمو السياحي وربط البلد بالمغتربين والمهاجرين . 

وكيف لم نفتح حواراً مباشراً ومفتوحاً مع سوريا بعد تحويل رسوم الترانزيت لتنشيط النقل البري في كلا البلدين |،| وهو حوار كان ممنوع سابقا ولكن مغ تغيّر الظروق يجب ان يكون هذا المطلب على قائمة الاولويات الملحة .  ونسعى لحالة من التكامل بين البلدبن مع الغاء كافة الرسوم . 

وكيف لا نكون  صريحين مع أنفسنا بأنّ كل معاملة تتصل بالدولة بشكل او بآخر، مهما كانت، لا تمر إلّا من خلال الرشاوى، وكيف أنّ شركة صغيرة الحجم بالنسبة الى أحجام الشركات في العالم وتعتبر في لبنان من كبار المكلفين إذا كان حجم اعمالها 1عشرة ملايين دولار سنوياً، تنفق من هذا المبلغ اكثر من عشرةفي المئة رشاوًى وفساداّ وأسعاراً مرتفعة بسبب الاحتكارات.

وأنّ لبنان قد يكون البلد الوحيد في العالم الذي لا توجد فيه محرقة للنفايات الطبية متوافرة للمستشفيات غير المجهزة، والاهم أنّ الوزارة المسؤولة لا توضح للمستثمر الشروط التقنية! وعليك ان تقوم بدراسة أثر بيئي من دون ان تعرف ما هي التقنيات المسموحة وحدودها فيأتيك الجواب: «إتّكل على الله».

من لا يرى التفاصيل، لا يصل إلى الحلول
لن يُصلح الاقتصاد وزير لا يعرف الفارق بين الطابع المالي والطابع البريدي.
لن تجذب الاستثمارات حكومة تُغيّب كل معايير الشفافية.
ولن نستعيد النمو طالما الإصلاح يبدأ من الأعلى، ويُدفن في دهاليز الإدارة.
أي خطة إصلاحية لا تبدأ من تفكيك هذا النظام القاتل للتفاصيل، تبقى مجرّد ورقة عمل تُضاف إلى الأرشيف

 

فادي عبود: وزير السياحة الأسبق والرئيس الأسبق لجمعية الصناعيين اللبنانيين

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan