الجمهورية: إسرائيل تريد الحسم قبل نهاية 2025
الرئيسية صاحبة الجلالة / Ecco Watan
الكاتب : محرر الصفحة
Sep 20 25|08:35AM :نشر بتاريخ
في مشهد النار المندلعة في الشرق الأوسط، تتبلور ملامح مرحلة جديدة، فيها تسعى إسرائيل إلى فرض وقائع ميدانية سريعة، من طريق الحسم العسكري. من لبنان إلى سوريا فقطاع غزة والضفة الغربية، هي تعمل للتوسع وإقامة مناطق عازلة أو اقتصادية، تشكّل دروعاً واقية على حدودها لعشرات السنين. لذلك، هاجسها اليوم هو إنتاج حلول أمنية توفّر لها «أرباحاً صافية» لا تسويات سياسية تدفع ثمنها. وهذا يعني أنّ الكلام على سلام في الشرق الأوسط سيبقى مجرد كلام حتى إشعار آخر.
وفق ما هو معلن رسمياً، سوريا وإسرائيل تتقاربان أمنياً في شكل غير مسبوق. والتنسيق بينهما آخذ في التعمّق، من خلال اللقاءات المعلنة والبعيدة من الأضواء في باكو ولندن وسواهما. وأعلن مصدر في الخارجية السورية عن اتفاقات أمنية متتالية ستُبرم مع إسرائيل قبل نهاية العام الجاري. وقد تشهد دورة الأمم المتحدة في نيويورك لقاءات ذات مغزى بين الرئيس السوري أحمد الشرع وأركان حكومته مع أركان إدارة دونالد ترامب، ولو أنّ الظروف للقاء بين الشرع وبنيامين نتنياهو لم تنضج على الأرجح.
التصور الإسرائيلي واضح: تقسيم الجنوب السوري إلى مناطق ذات خصائص أمنية مختلفة، ما يضمن إقامة منطقة عازلة تؤمّن الحدود الإسرائيلية بفاعلية، ولسنوات طويلة. وهذا المسعى يتقاطع مع التطورات الجارية في الجنوب السوري، حيث تسعى إسرائيل إلى استمالة جزء من دروز السويداء. وهذه الخطوة تعكس محاولة إسرائيلية للاستفادة من الديناميات الداخلية في سوريا كي تدعم أمنها، من دون الحاجة إلى اتفاقيات سلام شاملة.
والنموذج السوري يجد صدى له في لبنان، حيث تسعى إسرائيل إلى توسيع المنطقة العازلة التي رسمتها بالنار في محاذاة الخط الأزرق، وهي اليوم دون عمق الـ5 كيلومترات، لتصل إلى خط الليطاني. وسيكون جزء من هذه المنطقة خالياً من السكان، فيما القسم الآخر مأهولاً لكنه محكوم بخصائص أمنية تمنح لبنان قدرات محدودة، تماماً هو الوضع في الجنوب السوري.
بل إنّ بعض المحللين يعتقد أنّ إسرائيل قد تطالب بترتيبات تتجاوز الليطاني وتمتد حتى نهر الأولي وتشمل الأجزاء الجنوبية من البقاع، أي تلك المحاذية للمنطقة الأمنية التي ستنشأ في سوريا، وتكون محكومة بخصائص عسكرية وأمنية محددة. وعند تحقيق ذلك، يصبح الجنوب اللبناني أيضاً موزعاً على 3 مناطق أمنية.
والأرجح أنّ هذا المخرج ستعمل مورغان أورتاغوس على تنفيذه، لأنّه في منظور الأميركيين يحقق الغاية الإسرائيلية بتوفير الأمن وإبعاد «حزب الله»، كما أنّه يحقق غاية لبنان بانسحاب إسرائيل الكامل من النقاط التي لا تزال تتمركز فيها ووقف عملياتها تماماً. ومن الواضح أنّ أورتاغوس سترتدي في جولتها الجديدة بزة العسكر وتواكب عمل «الميكانيزم» في الناقورة. وعن الجانب اللبناني ستتحدث كثيراً مع الجيش، ولكن لا مبرر للأحاديث مع السياسيين. فالهدف المباشر هو تنفيذ الجزء المتعلق بترتيبات جنوب الليطاني، كجزء من اتفاق تشرين الثاني. وهذه المهمّة تبدو مسهّلة لأنّ «حزب الله» يوافق عليها شرط عدم الضغط عليه للتخلّي عن سلاحه شمال الليطاني. وكذلك، تبدو إسرائيل، مرتاحة لها لأنّ «تنظيف» الجنوب حتى الليطاني هو أساس ضماناتها، وربما تطمح إلى ضمانات أخرى حتى الأولي. وأما سلاح «الحزب» المتبقي شمالاً في المستودعات، فهو تحت رقابتها الدائمة، ولم يعد يشكّل تهديداً حقيقياً لها. وتؤدي هذه الاستراتيجية إلى خلق منطقة أمنية جديدة في الجنوب اللبناني، يلاقيها الأميركيون باقتراح إقامة منطقة اقتصادية باسم دونالد ترامب في الجنوب أيضاً، ما يربط الأجندة الأمنية الإسرائيلية بالأجندة الاقتصادية الأميركية في شكل مثير للجدل.
والرغبة في الحسم العسكري لا تتوقف عند حدود لبنان وسوريا، بل تبلغ ذروتها في غزة، حيث تسعى إسرائيل إلى القضاء على أي دور لـ«حماس» بعد هزيمتها عسكرياً، وهو ما يترافق مع تهجير مئات الآلاف من سكان القطاع بسبب غياب الإرادة لإعادة الإعمار وتفاقم الأزمات الإنسانية. وهذا المشهد المأسوي يتماشى أيضاً مع اقتراح سابق لدونالد ترامب بجعل غزة منطقة اقتصادية. والضربة الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت قادة الحركة في الدوحة، كان يُراد منها قطع الطريق على التسوية السياسية للمضي في الحرب حتى بلوغ الأهداف المرسومة.
أما في الضفة الغربية، فمناخ الفوضى يوفر غطاءً لإسرائيل لكي تبتلع مزيداً من الأراضي. ويُخشى أن يتمّ استغلال أي عملية ضدّ إسرائيليين، كما حدث على جسر الملك حسين قبل يومين، لتحميل الفلسطينيين المسؤولية وتبرير التوسع الإسرائيلي. فضمّ غالبية أراضي الضفة هو هدف إسرائيلي معلن وقيد التنفيذ حالياً.
يعني هذا أنّ إسرائيل ليست مستعجلة لإنجاح الخيار السياسي حالياً، أي السلام الشامل، وأنّها تفضّل تثبيت المناطق التي تريد ابتلاعها، والمناطق الأمنية والعازلة في لبنان وسوريا وغزة والضفة، بدل الانطلاق في المسارات السياسية. فالسلام الحقيقي سيفرض عليها تنازلات محرجة، أبرزها الاعتراف بدولة فلسطينية ذات وجود جغرافي فعلي، لا مجرد عنوان وهمي على الورق. وهي ليست مستعدة لمواجهة الموقف العربي، ولاسيما موقف المملكة العربية السعودية، المتمسك بحل الدولتين شرطاً للسلام الشامل.
هذه الاستراتيجية الأمنية المكثفة، التي تريد إسرائيل تنفيذها خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، تبدو خطوة نحو إعادة رسم جذري لخريطة المنطقة. فإسرائيل ربما تقوم لاحقاً بمناورات تؤدي إلى ضمّ هذه المناطق، كما حدث مع الجولان. وما هو اليوم مناطق عازلة أمنية قد يتعرّض لاحقاً للضمّ والضياع. والمثير أن لا استراتيجية مقابِلة يعتمدها لبنان وسوريا والفلسطينيون. وعلى العكس، هناك تخبّط وانقسامات ومخاطر تقسيم وحروب أهلية في كل الأمكنة العربية.
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا