عودة يدعو الى تقبل الآخر: خلاصنا مرتبط بخيارنا وحريتنا

الرئيسية سياسة / Ecco Watan

الكاتب : المحرر السياسي
Sep 21 25|12:25PM :نشر بتاريخ

ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة خدمة القداس الإلهي في كاتدرائية القديس جاورجيوس. وبعد قراءة الإنجيل ألقى عظة قال فيها: "يتحدث الرسول بولس في الرسالة التي تليت على مسامعنا اليوم عن التبرير بالإيمان بيسوع المسيح على أنه أمر صار معروفا لدى مسيحيي غلاطية، سواء كان أصلهم يهوديا أو أمميا. فالبار، من الجهة الحقوقية المرتبطة بالقضاء والعدالة، هو من يظهر ذا حق. أما من المنظور الإيماني فهو السالك بحسب وصايا الله، ويكون بلا لوم عند المحاكمة. بالنسبة إلى الرسول بولس، لا يمكن أن يتبرر أحد من ذوي الجسد بأعمال الناموس (2: 16). فاليهودي الذي يعتقد أنه يتبرر بأعمال الناموس فقط، يعتبر أن الإيمان بالمسيح غير ضروري، بل عليه أن يطبق ما جاء في الناموس (3: 10)، الأمر الذي يصعب على الإنسان تحقيقه بالكامل، فيقع تحت لعنة الناموس. لذلك، على اليهود أيضا، وليس فقط الأمميين، أن يؤمنوا بالمسيح ليتبرروا. لكن، عندما يلتصق اليهودي بالمسيح يدرك أن إيمانه به ليس ضروريا للتبرير فقط، بل هو كاف بذاته ولا حاجة بعد إلى الناموس. سمعنا بولس الرسول يقول: «إذ نعلم أن الإنسان لا يبرر بأعمال الناموس، بل إنما بالإيمان بيسوع المسيح، آمنا نحن أيضا بيسوع المسيح لكي نبرر بالإيمان بالمسيح، لا بأعمال الناموس، إذ لا يبرر بأعمال الناموس أحد من ذوي الجسد». هذا ما سيرفضه معارضو الرسول بولس من اليهود، إذ يعتبرون الأمميين خطأة (2: 15) لأنهم بلا ناموس، تاليا فإن من يتخلى عن الناموس سيكون بمثابة الأمميين الخطأة، وسيظهر المسيح كخادم للخطيئة (2: 17)، الأمر الذي لا يمكن حدوثه. يقول الرسول بولس: «لأنكم جميعا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع... ليس يهودي ولا يوناني... لأنكم جميعا واحد في المسيح يسوع، فإن كنتم للمسيح فأنتم إذا نسل إبراهيم وحسب الموعد ورثة» (غل 3: 26-29)؛ ويقول أيضا: «لأنه في المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئا ولا الغرلة بل الإيمان العامل بالمحبة» (5: 6). إذا، تقوم الخطيئة، في المنظور المسيحي، على عدم إتمام ناموس المسيح، أي المحبة (6: 2)."

أضاف: "في المسيح أبطلت سلطة الناموس، لإن الناموس كان «مؤدبنا إلى المسيح لكي نتبرر بالإيمان، ولكن بعدما جاء الإيمان لسنا بعد تحت مؤدب» (غل 3: 24-25)، فإذا أعاد الرسول بولس للناموس سلطته التي كان قد هدمها، يجعل نفسه متعديا لناموس المسيح (2: 18) القائم على المحبة التي هي كمال الناموس الموسوي (5: 14). عندما قبل الرسول بولس المسيح يسوع ربا ومخلصا، عرف أن الناموس الموسوي لم يعد معيار التبرير، أي إن الإنسان المسيحي لم يعد بحاجة إلى هذا الناموس ليقف أمام الله بلا لوم، لكنه بحاجة للخضوع لناموس المسيح، أي المحبة، التي هي في الحقيقة «تكميل الناموس» (رو 13: 10). كذلك فإن الإنسان المسيحي، بموته مع المسيح (6: 4) لم يعد خاضعا للناموس الموسوي لأن «الناموس يسود على الإنسان ما دام حيا» (7: 1). هذا الموت تقابله حياة لله، لذا يقول الرسول: «لأني بالناموس مت للناموس لكي أحيا لله» (غلا 2: 19)، ويضيف: «مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا في» (غلا 2: 20)."

وتابع: "هذه الحياة الجديدة لا تعني أن يكون المسيحي آلة يحركها المسيح، من دون أن تكون له إرادة ومسؤولية في تحقيقها. سمعنا في الإنجيل «من أراد أن يتبعني فليكفر بنفسه ويحمل صليبه ويتبعني، لأن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها، ومن أهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل يخلصها». خلاصنا إذا مرتبط بخيارنا وحريتنا. المسيح فتح لنا الطريق ودعانا، تاركا لنا حرية الإختيار. المسيرة صعبة لأنها تتطلب تواضعا وتضحية وإنكارا للنفس وحملا للصليب، وهذا يتجلى في كل موقف يختار فيه الإنسان أن يضع مشيئة الله فوق مشيئته، وأن يشهد للحق في عالم يسوده الكذب والرياء، وأن يكون محبا في مجتمع قائم على الحسد والحقد، وأن يبقى أمينا لإيمانه ومبادئه بين أناس يقدمون المصلحة على الأخلاق، ويؤمنون أن الغاية تبرر الوسيلة، وهذا قمة الأنانية واللاإنسانية. سمعنا الرب يسوع يقول في إنجيل اليوم « من يستحي بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطئ، يستحي به ابن البشر متى أتى في مجد أبيه». في هذا الزمن الشرير، وفيما العالم أعمى عما يحدث، أخرس عن التعبير عن رفض همجية الإنسان والشر الذي يقترفه، المسيحي مدعو للشهادة لإيمانه وحمل صليب المحبة والوداعة والنقاوة والشهادة للحق في وجه الظلم والقتل والتجويع والتهجير والإبادة، مدعو للثورة على انعدام الإنسانية وتدهور الأخلاق وسيادة المصلحة. مسيرة الخلاص صعبة لكنها تقود إلى التحرر من أسر الخطيئة ونير الإستعباد للشر، تقود إلى الإتحاد بالله وإلى القيامة والفرح السماوي".

وختم: "لم تبدأ علاقة الرب يسوع بنا مع قرارنا بالإيمان به، بل مع الحدث التاريخي ببذله نفسه على الصليب، وهذا البذل دليل محبته لنا، التي هي أساس كل ما يجلب لنا الخلاص. أما محبتنا فهي أقل ما يمكننا فعله للدلالة على أننا تلقينا فعلا عطية الله في المسيح. الإيمان الذي هو جوابنا على عطية الله لا يؤمن لنا الخلاص، ولا يمكن أن يكون برهانا على أنه إيمان حقيقي بابن الله الذي أحبنا، إن لم يمر بامتحان المحبة اليومي، الذي لا ينتهي إلا بموتنا. لذا، دعوتنا اليوم أن نتعلم كيف نحب الآخر ونتقبله، كائنا من كان، من دون أن نذوب فيه أو نتعلق به أو نتأثر بأفكاره وإيمانه، بل أن نثبت على صخرة المسيح، إيمانيا وجسديا، فتصبح محبتنا تلقائية تجاه كل إنسان، لأن الله خلق الإنسان على صورته ومثاله، دون أن يذكر لونا أو دينا أو طائفة أو جنسا. فأحبوا الجميع محبتكم للمسيح".

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan