عون يلقي كلمة لبنان في الأمم المتحدة: نطالب وقف الاعتداءات الإسرائيلية فوراً وانسحاب الاحتلال وإطلاق أسرانا

الرئيسية سياسة / Ecco Watan

الكاتب : المحرر السياسي
Sep 24 25|10:21AM :نشر بتاريخ

أكد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ان "لبنان حسم خياره بأن يكون أرض حياة وفرح، ومنصة لهما إلى منطقته والعالم، لا ان يكون بؤرة موت ومستنقع حروب، ومنطلقا لتفشيهما في كل جواره". 
وشدد على المطالبة بوقف الاعتداءات الاسرائيلية فورا و"انسحاب الاحتلال من كامل أرضنا وإطلاق أسرانا، الذين لن ننساهم ولن نتركهم، وتطبيق القرار 1701 كاملا. وذلك باستمرار تفويض قوات اليونيفيل في إطار شراكتها مع الجيش اللبناني، لفرض الأمن والاستقرار، لمرحلة انتقالية."
وخلال القائه كلمة لبنان في الجمعية العامة للامم المتحدة، شدد الرئيس عون على فرادة لبنان وقال: "هناك واجب إنساني في الحفاظ على لبنان. لأنه إذا سقط هذا النموذج في العيش بين جماعتين مختلفتين دينيا ومتساويتين كليا، فما من مكان آخر على الأرض، يصلح لتكرار تلك التجربة. فإذا زال المسيحي في لبنان، سقطت تلك المعادلة، وسقطت عدالتها. وإذا سقط المسلم في لبنان، انتكست هذه المعادلة أيضا، وانتكس اعتدالها. وإذا سقط لبنان بسقوط أي من الاثنين، سيكون البديل حتما، خطوط تماس "شرقية غربية"، في منطقتنا والعالم، بين شتى أنواع التطرف والعنف الفكري والمادي وحتى الدموي".
واكد أن لبنان لا يطلب امتيازا. بل  مسؤولية دولية عادلة منصفة، تعيده إلى رسالته، مستقرا للحرية والتعددية معا، واعلن إعادة إحياء "اكاديمية الانسان للتلاقي والحوار"، "كي نؤكد لأنفسنا وللعالم أجمع، أن لبنان قد عاد إلى مكانه تحت شمس الأمم، وإلى مكانته في الأمم المتحدة، منبرا لقيم الإنسان والإنسانية."
ودعا الرئيس عون العالم الى عدم ترك لبنان. 
كلمة الرئيس عون
وفي ما يلي نص الكلمة التي القاها الرئيس عون باسم لبنان:
أقف الآن أمامكم متحدثا عن السلام والتنمية وحقوق الإنسان، فيما بعض أهلي يقتلون. ومناطق من أرضي محتلة. ووطني وشعبي معلقان بين الحياة والموت. تعيدني هذه الدوامة سبعة وسبعين عاما في الزمن، إلى لجنة صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948. في ذات نقاش، تدخلت الراحلة الكبيرة إليانور روزفلت مؤيدة لرأي أحد الأعضاء، "كي لا يظل وحيدا"، كما قالت للحاضرين. أجابها صاحب الرأي المخالف باحترام: "سيدتي الجليلة، صدقيني إن ما يهمني، ليس أن يكون رأيي متوافقا مع أكثرية أو أقلية. بل أن يكون متطابقا مع الحقيقة". 
صاحب هذا القول لم يكن غير شارل مالك الفيلسوف اللبناني الذي ساهم مع كبار الفكر الحقوقي الإنساني يومها، في إعطاء البشرية ذلك الإعلان الخالد، والذي أعطي شرف رئاسة هذه الجمعية الموقرة بين عامي 1958 و 1959، ممثلا لبلدي لبنان. 
أستذكر هذه الواقعة اليوم، أولا لأعبر عن إحساسي بالشرف الكبير، وبالمسؤولية الأكبر، وأنا أقف أمامكم للمرة الأولى، رئيسا للبنان، وفي السنة الثمانين من تاريخ هذه المنظمة العظيمة.  وثانيا، لأن دورتنا هذه، مخصصة للبحث في العلاقة المتلازمة بين ثلاث فضائل بشرية: السلام والتنمية وحقوق الإنسان... وبينها كلها، وطني لبنان. 
فلقد علمتني التجربة اللبنانية، كما تجارب منطقتنا والعالم، بأن لا تنمية بلا سلام. فلا نمو في الفوضى. ولا ازدهار وسط الصراعات والحروب. فالسلام هو التربة الوحيدة الصالحة لثمار التنمية.  وعلمتنا التجارب نفسها، بأنه كما لا تنمية بلا سلام، أيضا لا سلام بلا عدالة. ولا عدالة بلا حقوق الإنسان. وفي طليعتها الحق في الحياة بكرامة.  فبلا كرامة، لا شيء في الأرض إلا سلام القبور. ولا نمو إلا للفقر والتخلف والعنف والدم. 
فمنذ قيام هذه المنظمة العظيمة، نص ميثاقها، والذي كان لبنان من موقعيه  الأوائل سنة 1945، على ضرورة "أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب". و"أن نعيش معا في سلام وحسن جوار، وأن نستخدم الأداة الدولية في ترقية الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للشعوب جميعها"...  مبادئ سامية ظلت ثمانين عاما على أوراق منظمتنا.  فيما ظلت دماء شعوبنا على أرض الواقع.  وقد تكون أسباب ذلك كثيرة: طبيعة الإنسان السلطوية. وطبيعة العلاقات بين الدول، القائمة على صراعات النفوذ والهيمنة ومراكمة عناصر القوة في كل مجال...  
لكن سببا آخر أجج تلك المأساة، منذ ثلاثين سنة على الأقل. وتحديدا منذ انطلق الكلام من هنا، عن نظام دولي جديد. إنه السبب المتمثل في إشكالية الهوية والتعددية، داخل أي مجتمع. أو بين المجتمعات والدول. خصوصا مع زمن العولمة. فبين حاجة الإنسان إلى الآخر المختلف عنه، وبين خوفه منه على هويته، ولدت جدلية  جديدة، أعادت التاريخ البشري إلى مسار النزاعات. ولنعترف هنا، بأن أكثر التمييزات فاعلية في تحديد هويات الجماعات البشرية على أرضنا اليوم، ما زالت الهوية الدينية. باسمها شهدت دول عدة انفجارات مع جوارها، وعانت دول أخرى من انهيارات في داخلها. وباسمها، ارتسم عالم جديد قاتم بين غرب مهجوس بالإسلاموفوبيا ورهاب الآخر، وبين شرق مسكون بذاكرة الاستعمار ورواسب الحروب الدينية البائدة. حتى بدا كوكبنا، وكأنه يعيش الآن بالذات، مع كل تطوره العلمي، في زمن سحيق بائد.
في قلب هذه المعضلة، يبرز دور لبنان، وعلة وجوده، وضرورته لمنطقته، ورسالته للعالم. فوسط صراعات الهويات الدينية العالمية، هناك بلد واحد اسمه لبنان، يعيش فيه مسيحيون ومسلمون، مختلفين، لكن متساوين.  في نظام دستوري، يضمن إعطاء نصف عدد النواب والوزراء للمسيحيين، ونصفه الآخر للمسلمين. تحت سقف المواطنة الكاملة لكل شخص إنساني. مواطنة منفتحة على كل تطور مستقبلي لهذا النظام بالذات. 
هو نظام انتقده البعض، لكنه نظام فريد، لخص جوهره الأساسي، البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، بالقول: "إنه أكثر من بلد. إنه رسالة في الحرية والتعددية معا،  للغرب كما للشرق". انتهى اقتباس البابا القديس. وأنا أكرر وأشدد: في الحرية والتعددية معا. ففي منطقة يقتل فيها الناس، أو يقتلون، بسبب معتقدهم الديني، أو حتى بسبب رمز إيماني يحملونه أو يرتدونه ...  وفي عالم قلق، عالق بين من يريد فرض هذا المظهر الديني، وبين من يريد حظره... يظهر لبنان نموذجا فريدا لا مثيل له ولا بديل عنه، نموذج يستحق الحياة. لا بل هو واجب الوجود، من أجل منطقته ومن أجل العالم كله. نموذج سمح لي أنا اللبناني العربي، بأن أكون رئيس الدولة المسيحي الوحيد، من أقصى آسيا حتى شواطئ أوروبا.  وأن يكون وطني، لبنان، بلد العلمانية الإنسانية، المدنية والمؤمنة في آن معا، بلا عقد من أي نوع، ولا فرض أو حظر من أي صنف. نموذج يوجب على كل ملتزم بمستقبل أفضل للبشرية، أن يطرح سؤالين اثنين حياله: 
أولا، لماذا هناك واجب دولي وأممي في الحفاظ على هذا اللبنان؟ وثانيا، كيف يمكن تحقيق ذلك؟ 
أولا، نعم هناك واجب إنساني في الحفاظ على لبنان. لأنه إذا سقط هذا النموذج في العيش بين جماعتين مختلفتين دينيا ومتساويتين كليا، فما من مكان آخر على الأرض، يصلح لتكرار تلك التجربة. فإذا زال المسيحي في لبنان، سقطت تلك المعادلة، وسقطت عدالتها. وإذا سقط المسلم في لبنان، انتكست هذه المعادلة أيضا، وانتكس اعتدالها. وإذا سقط لبنان بسقوط أي من الاثنين، سيكون البديل حتما، خطوط تماس "شرقية غربية"، في منطقتنا والعالم، بين شتى أنواع التطرف والعنف الفكري والمادي وحتى الدموي. 
لا بل يمكنني الجزم الآن، بأن الكثير من أسباب الحروب المخفية على وطني لبنان، والكثير من أغراضها الخبيثة، كانت لضرب هذا النموذج. ولتبرير شرق مفروز الهويات، مزروع بالعنصريات، ومندلع الحروب أبدا. وإذا كانت للبعض مصلحة في ذلك، فإن مصلحة العالم والبشرية، في سلام دولي، تكمن في العكس تماما. فنجاح لبنان، يجعل تجربته الحياتية نموذجا للجميع، وهذه التجربة – النموذج، ها هي اليوم تنبض صمودا وطاقة على الحياة ورفض الموت...  أما المطلوب لإنقاذه، فهو بكل بساطة، موقف واضح داعم عمليا وميدانيا، لتحرير أرضه، ولفرض سيادة دولته وحدها فوقها، بقواه الشرعية حصرا  ودون سواها. وهذا ما أجمع عليه اللبنانيون، منذ إعلان 27  تشرين الثاني (نوفمبر) 2024، والذي أقر برعاية مشكورة من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وهذه المنظمة بالذات، كآلية تنفيذية لتطبيق قرار مجلس الأمن 1701. وهو ما أكدنا عليه، في خطاب قسمي الدستوري عند انتخابي رئيسا في كانون الثاني (يناير) الماضي. ثم في البيان الوزاري للحكومة اللبنانية في شباط (فبراير) الفائت. وصولا إلى مفاوضاتنا مع موفد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، السفير طوم باراك، والتي انتهت إلى وضع ورقة لضمان الاستقرار الكامل على أرضنا. ما زلنا نلتزم بأهدافها، ونأمل أن يلتزم المعنيون بها، على حدودنا. هذا كل ما يطلبه لبنان، أما الباقي، فدعوني أصارحكم به أكثر، واسمحوا لي أن أفتخر بعض الشيء ببلدي وشعبي ... فهما مستحقان.
فنحن أيها السيدات والسادة، بلد استثنائي فعلا، وبكل المقاييس. نحن بلد يستقبل سنويا، من أبنائه المنتشرين حول العالم، أكثر من ثلث مقيميه. ما يجزم بأن اللبنانيين لن يتركوا وطنهم أبدا.  
نحن بلد، ما من مشروع كبير في أي من بلدان منطقتنا، إلا وخلفه توقيع لبناني. وما من حدث ثقافي أو فني أو معرفي في منطقتنا، إلا ويحمل بصمة لبناني. وأكاد أجزم، بأن ما من بلد من بلدان هذه المنظمة الكريمة، إلا وفيها لبناني مبدع، أو جالية لبنانية، فاعلة متفاعلة مع مجتمعها الجديد، مندمجة مع أنظمته ومنسجمة مع قوانينه، منتجة خلاقة، وفية لبلدها المضيف، كما لبلدها الأصلي. 
ونحن سيداتي سادتي، بلد قادر على مواكبة العصر. وقد انطلقنا في ذلك فعليا. فبدأنا تنفيذ برنامج متدرج للتعافي النقدي والاقتصادي، يشمل تدقيقا ماليا شفافا، وإعادة هيكلة مصرفية عادلة، وتحديث الإدارة، ومحاربة الفساد والجريمة المنظمة على أنواعها، بما يعيد ثقة اللبنانيين بدولتهم وثقة العالم بلبنان. كما أطلقنا مسار تحديث تشريعي، يرسخ استقلالية الهيئات الناظمة للقطاعات المنتجة في الدولة، ويحصن استقلالية السلطة القضائية، ويعزز الامتثال للمعايير الدولية في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وقد أقرت حكومتنا أخيرا انضمام لبنان إلى اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي، أو "معاهدة المحيطات"، ضمن تقليد تاريخي من انسجام لبنان مع منظومة الشرعية الدولية.  
كما نعمل بالتزامن، على تعزيز الحريات العامة كافة، ومكافحة خطاب الكراهية، وتمكين الشباب والنساء في صنع القرار. فأوطاننا لا تزدهر إلا بقدر ما تتسع لكرامة مواطنيها جميعا.
سيداتي سادتي، نحن بلد متجذر في الاستثمار في التعليم النوعي، وهو اليوم يوسع استثماره هذا إلى اقتصادات المعرفة كافة. بلد ستكتشف كل مشاريع الممرات التجارية الدولية، أنه ممر إلزامي لها، وأن إنسانه ضرورة وشرط لها. نقوم بكل ما سبق، فيما لبنان يواصل تحمل أعباء جمة، نواجهها بجدية وبلا مكابرة ولا حالات إنكار. أولها، استمرار وضع غير مستقر على حدودنا الجنوبية. حيث نطلب وقف الاعتداءات الاسرائيلية فورا وانسحاب الاحتلال من كامل أرضنا، وإطلاق أسرانا، الذين لن ننساهم ولن نتركهم، وتطبيق القرار 1701 كاملا. وذلك باستمرار تفويض قوات اليونيفيل في إطار شراكتها مع الجيش اللبناني، لفرض الأمن والاستقرار، لمرحلة انتقالية. وفي هذا السياق أجدد الشكر لأعضاء مجلس الأمن على تبنيهم قرار التجديد لتلك القوات، لمساعدتنا على استعادة الأمن والسلم الدوليين. 
لكن الأسباب العميقة لأزمتنا تلك، تتخطى تلك الحدود. لذلك أقول أن واجبنا الإنساني والأخلاقي والسياسي، يوجب الدعوة إلى وقف فوري للمآسي المرتكبة في غزة، وإحياء مسار سياسي جاد، يفضي إلى حل دائم وعادل للقضية الفلسطينية،على قاعدة قرارات الشرعية الدولية، ومبدأ حل الدولتين، وحق الدولتين، في الوجود المتزامن الآمن وكرامة الحياة. تماما كما أقرت جمعيتكم العمومية أخيرا، بغالبية 142 دولة من أصل 164، عبر إعلان نيويورك. 
ثاني الأعباء التي يتحملها لبنان راهنا، حالة نزوح على أرضه هي الأكبر في التاريخ، نسبة إلى عدد السكان. ورهاننا هنا، على شراكتنا مع الأمم المتحدة ووكالاتها المختصة، وعلى الإخوة في سوريا، في مفاوضاتنا معهم، مباشرة، كما برعاية مشكورة من المملكة العربية السعودية، للتوصل إلى اتفاقات وتفاهمات في مختلف مجالات علاقاتنا الثنائية، تؤدي إلى استعادة سوريا لمواطنيها أعزاء آمنين، واستعادة لبنان وسوريا لعلاقات مميزة وحسن جوار وتعاون متكامل في شتى المجالات. بما يتخطى التباسات كل الماضي ويمحوها. يبقى عبء ثالث، هو إعادة إعمار ما هدمه العدوان الاسرائيلي على لبنان. من بنى تحتية ضرورية لعودة الدولة اللبنانية إلى المناطق الحدودية. ومن منازل وقرى جرفها العدوان، ولا استقرار بلا عودتها بهية أبية. إضافة إلى توفير المقدرات اللازمة لقواتنا المسلحة الشرعية، للقيام بمهامها في الدفاع الحصري عن أرضنا. وهو ما نعول لتأمينه، على المبادرات والتعهدات المعلنة، لتنظيم مؤتمرات دولية مخصصة لذلك. 
سيداتي سادتي، في كل ما سبق، أؤكد لكم أن لبنان لا يطلب امتيازا. بل  مسؤولية دولية عادلة منصفة، تعيده إلى رسالته، مستقرا للحرية والتعددية معا. وهو ما جعل جمعيتكم الموقرة تتبنى في 16 أيلول 2019، طلب لبنان إقامة "أكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار" على أرضه. قرار غيبته سلسلة أزمات الأعوام الماضية. لكننا قررنا إعادة إحيائه، كي نؤكد لأنفسنا وللعالم أجمع، أن لبنان قد عاد إلى مكانه تحت شمس الأمم، وإلى مكانته في الأمم المتحدة، منبرا لقيم الإنسان والإنسانية. 
سيداتي سادتي، أعود ختاما إلى بداية كلمتي، فأنا أحدثكم الآن عن السلام، 
فيما بعض أهلي يقتلون. وبعض أرضي يدمر. فالصراع ما زال شرسا بين أن يكون لبنان أرض حياة وفرح، ومنصة لهما إلى منطقته والعالم. وبين أن يكون بؤرة موت ومستنقع حروب، ومنطلقا لتفشيهما في كل جواره. نحن حسمنا قرارنا، وسنجسد الخيار الأول وننفذه. 
ندائي لكم: من أجل السلام في منطقتنا، من أجل خير الإنسان،  كونوا معنا، لا تتركوا لبنان".

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan