محمد العبيدي لـ"إيكو وطن": "الغبار" توثيق بصري لسرقة التاريخ.. وطرابلس بوابة فنية جديدة

الرئيسية ثقافة / Ecco Watan

الكاتب : محرر الصفحة
Nov 27 25|01:46AM :نشر بتاريخ

ايكو وطن - طرابلس - روعة الرفاعي

 

في معرضه الفني "غبار"، أعاد الفنان التشكيلي العراقي محمد العبيدي إحياء واحدة من أفظع الجرائم الثقافية في العصر الحديث، وهي نهب المتحف العراقي عام 2003، عبر أعمال تحاكي الدمار والسرقة التي طالت هوية شعب وتاريخه.

العبيدي إختار معرض رشيد كرامي الدولي لعرض منحوتاته وعنها يقول: "من بين الغبار تولد الذاكرة من جديد، المنحوتات المحطمة هنا ليست نهاية، بل بقايا تحكي ما لا يقال، كل كسرة طين وكل أثر تراب هو شهادة على زمن نهب فيه التاريخ، لكن الفن يبقى - ينهض من الركام ليعيد للحجر صوته وللغبار معنى البقاء".

يضيف العبيدي لـ "إيكو وطن": "الغبار لغة صامتة. استنبطت موضوع المعرض من المكان نفسه، من الذاكرة التي تراكم فيها الغبار على ما تبقى من حضارة. هو استعادة بصرية لما جرى، حين تمّت سرقة نحو 15 ألف قطعة أثرية من المتحف خلال ثلاثة أيام، من دون أن يتحرك العالم أو يعبّر عن موقف".

ويتابع: "أردت أن أُذَكِّر بهذه الجريمة التي لم تُحاسب، جريمة سرقة هوية شعب وتاريخه وتراثه، حضارة بلاد ما بين النهرين، أول من دوّن الحرف والكتابة، مهد التدوين في التاريخ".

في قلب المعرض، يبرز تمثال الإله "نابو"، إله الحكمة والكتابة، الذي كان شاهداً على الدمار، إذ بقي في مكانه داخل المتحف لثقل وزنه (ثلاثة أمتار وربع المتر من الحجر) ما حال دون سرقته أو حتى تحريكه.

"نابو"، بحسب العبيدي، لم يكن تمثالاً عادياً بل المدون والملقن والمعلن، وسجّل في ذاكرته الخراب، فكان من الطبيعي أن يكون محور المعرض.

المعرض يحاكي صالة المتحف بعد النهب: تحف مكسّرة، غبار كثيف، رماد من وثائق أُحرقت، وكتب ضاعت، ومكان يُنبئ بالخراب. لقد كانت عملية نهب ممنهجة، نفذتها عصابات متخصصة، تعرف قيمة كل قطعة، وتفرّق بين الأصل والتقليد، فتحت الخزائن وسرقت الوثائق، ثم أحرقت الكتب، يقول العبيدي بأسى، مضيفاً: "المعرض ليس مجرد لوحات أو تماثيل، بل فعل تذكير وصرخة بوجه النسيان."

ويوضح العبيدي:  "كنتُ أسعى إلى خلق تواصل عميق مع المتلقي، فاعتمدت في أعمالي على الأشكال الفارغة التي تعكس الفراغ الوجودي الذي خلّفه النهب والدمار. استلهمت من فلسفة غاستون باشلار، الذي ركّز على الفراغ كمفهوم بعد الخراب، فالغبار هنا ليس فقط بقايا مادّية، بل لغة صامتة تعبّر عن التحوّل: كيف كان المكان، وكيف أصبح بعد السرقة."

ويتابع:  "كما تأثرت أيضاً بفلسفة جان بول سارتر حول الوجودية والعدمية. العدم الذي خُلق بعد الجريمة شكّل بداية لوجود جديد، وهو ما حاولت ترجمته بصرياً من خلال التمثال المنهوب، الذي لا يكتفي بسرد ما كان، بل يعكس ما أصبح عليه الواقع اليوم. في النهاية، اعتمدت على ذاكرة الإنسان ومرجعيته، لأعيد تشكيل القصة والصدمة من خلال عمل فني يحمل فلسفة ومعنى."

ويؤكد أن "المتحف والتاريخ هما أثمن ما نملك. حتى شريعة حمورابي لم تكن الأولى، بل سبقتها قوانين أورنامو بـ750 سنة، والتي تحدّثت حتى عن حقوق المرأة ومكانتها. وقد جسّدت ذلك في أعمال عن الأقدام التي ترمز إلى أثر الرجل والمرأة."

وحول إقامته في طرابلس، يقول: "اخترت لبنان لعمقه الثقافي، وطرابلس لاحتضانها الفن. أنظّم معارض ودورات وأعمل على تطوير مشهد الفن فيها، وأسعى لافتتاح صالة دائمة في معرض رشيد كرامي الدولي."

ويختم بشكر الإعلام على مواكبة أعماله، متمنياً مزيداً من الوعي الفني والثقافي في العالم العربي.

 

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan