لقاء روحي ووطني جامع في ساحة الشهداء.. البابا: كونوا بناة سلام وواجهوا عدم التسامح
الرئيسية سياسة / Ecco Watan
الكاتب : المحرر السياسي
Dec 01 25|21:43PM :نشر بتاريخ
احتصنت ساحة الشهداء في وسط بيروت عند الرابعة من بعد ظهر اليوم اللقاء المسكوني والحواري بين الأديان الذي جمع البابا برؤساء الطوائف في لبنان ونحو 300 مدعو، والذي تضمن تسع كلمات للرؤساء الروحيين المسيحيين والمسلمين، اضافة الى حضور منشدين من جوقات: سيستاما بيروت ترنم، ودار الأيتام الاسلامية ومؤسسة الإمام الصدر.
وشارك في اللقاء كل من: البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، بطريرك إنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر اليازجي، بطريرك إنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية والقدس للروم الكاثوليك مار يوسف الأول العبسي، كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس لبيت كيليكيا الكاثوليكوس آرام الأول، بطريرك كيلّيكيا للأرمن الكاثوليك روفائيل بيدروس الحادي والعشرون مينيسيان، بطريرك السريان الارثوذكس مار اغناطيوس افرام الثاني، بطريرك السريان الكاثوليك الانطاكي مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، رئيس الطائفة الكلدانية في لبنان المطران ميشال قصارجي، النائب الرسولي للاتين في لبنان المطران سيزار أسايان، رئيس الطائفة الأشورية المطران مار مليس زيا، رئيس الطائفة القبطية في لبنان وسوريا القمص اندراوس الانطوني، رئيس المجمع الاعلى للطائفة الإنجيلية في لبنان وسوريا القس جوزف قصاب، مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب، المفتي الجعفري الممتاز أحمد عبد الأمير قبلان، شيخ العقل لطائفة الموحّدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى، رئيس المجلس الاسلامي العلوي الشيخ علي قدور، متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده، راعي أبرشية بيروت المارونية المطران بولس عبد الساتر، بطريرك الاسكندرية للأقباط الكاثوليك الأنبا إبراهيم إسحق سدراك، بطريرك الكلدان في العراق والعالم الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو، بطريرك القدس للاتين الكاردينال بيير بتيستا بيتسابالا .
كما حضر أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين، رئيس مجمع تعزيز الوحدة المسيحية الكاردينال كورت كوخ، رئيس مجمع الكنائس الشرقية الكاردينال كلاوديو غوجيروتي، رئيس مجمع الحوار بين الأديان الكاردينال جورج جاكوب كوفاكاد، سكرتير العلاقات مع الدول والمنظمات بول ريتشارد غالاغر، رئيس الاحتفالات الليتورجية البابوية المطران دييغو رافيللي، السفير البابوي في لبنان المطران باولو بورجيا، وحشد من الشخصيات الدينية والاجتماعية وعدد كبير من الاعلاميين.
ولدى وصول البابا الى ساحة الشهداء استقبله البطريرك الراعي، والبطريرك يونان، والمفتي دريان والشيخ الخطيب. وتوجه على وقع الهتافات والتصفيق الى المنصة التي صممت على شكل دائري رمزاً للوحدة وفي خلفيتها أشجار الزيتون .
يونان
وألقى البطريرك يونان كلمة ترحيبية قال فيها: "نجتمع اليوم في بيروت، المدينة التي دمّرها وأرهقها جراحاً الانفجار المروّع في مرفئها القريب، لنرحّب، باسم جميع طوائفنا الدينية ومكوّناتنا المجتمعية، بصاحب القداسة البابا لاوون الرابع عشر، الذي يزورنا بصفته الأب الروحي للكنيسة الكاثوليكية، وأخاً لنا جميعاً في الإنسانية، حاملاً بشارة الإنجيل طوبى لصانعي السلام."
أضاف: "نصلّي ونأمل، على الرغم من كل اليأس، أن تُساهم هذه الزيارة في ترسيخ السلام والاستقرار اللذين تتوق إليهما دول الشرق الأدنى، وفي مقدمتها لبنان، هذا البلد الصغير على الخريطة، والكبير في رسالته الديموقراطية وفسيفسائه الدينية والثقافية الاستثنائية؛ البلد الذي وصفه القدّيس البابا يوحنا بولس الثاني بأنه ليس وطناً فحسب، بل رسالة لمنطقتنا وللعالم بأسره".
وتابع: "تتزامن زيارتكم، يا صاحب القداسة، مع حدثين تاريخيين بالغَي الأهمية للإيمان المسيحي:
أولاً: إحياء الذكرى الـ1700 لانعقاد المجمع المسكوني الأول في نيقية (التي تُعرف اليوم بإزنيك، في تركيا). وقد نظّمت كنائسنا لقاءات مسكونية احتفالاً بهذه الذكرى العزيزة على جميع المسيحيين بمختلف طوائفهم: الكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت، توحّدهم الصلاة والإيمان المشترك.
ثانياً: مرور ستين عاماً على نداء الحوار بين الأديان الذي أطلقه المجمع الفاتيكاني الثاني من خلال إعلانه الشهير نوسترا آيتاتي (Nostra Aetate) في عصرنا.
وقد قرأت الكنيسة الكاثوليكية آنذاك علامات الأزمنة، ومن دون أن تتخلى عن إيمانها، اعترفت بالأديان غير المسيحية، ولا سيما اليهودية والإسلام، داعيةً إلى احترام رؤيتها للإيمان بالله الواحد، خالق الكون ومخلّصه. وقد أصبح هذا الإعلان أساساً للدراسات والحوارات بين الأديان، المبنيّة على قبول الآخر المختلف دينياً، والاحترام المتبادل في حوار الحياة، وتأكيد حرية الدين والضمير".
وتوجه الى صاحب القداسة، بالقول: "نشكركم على زيارتكم التي تأتي على خطى أسلافكم القديسين، الذين عبّروا عن تضامنهم مع شعوب الشرق الأوسط، مهد الديانات التوحيدية الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام. كما تشهد زيارتكم على التقدير العميق الذي تكنّه الكنيسة الجامعة للكنائس الشرقية، ذات التراث العريق الممتد إلى زمن الرسل".
وختم البطريرك يونان: "على أن شعوبنا تتوق قبل كل شيء إلى الاستقرار السياسي، والسلام البنّاء، والأخوّة الإنسانية الأصيلة بين جميع المواطنين. ونحن على يقين بأن زيارتكم ستشجعنا على تعزيز التزامنا الراسخ بالعيش المشترك، وبالحوار الديني الصادق، القائم على قول الحقيقة بمحبة واحترام متبادل، مع الثبات في جذورنا وأوطاننا. وبنعمة الله العلي، الآب السماوي بحسب إيماننا المسيحي، وبنعمة الله تعالى بحسب ما يؤمن به إخوتنا وأخواتنا المسلمون، نجدّد التزامنا بأن نسير معاً، مستلهمين دائماً الرجاء الذي لا يخيّب، كي نصبح بنّائي سلام حقيقي في لبنان وفي جميع بلدان الشرق الأوسط. وكما نردّد في صلواتنا بحسب الطقس السرياني الأنطاكي: لِنَضَعْ ثِقَتَنَا بِالله".
بعدها تلا الأب جان بيار فاضل فصلاً من الانجيل المقدس للقديس متى عن عظة يسوع على الجبل انشاداً بحسب الطقس البيزنطي.
ثم تلا الشيخ زياد الحاج أيات من القرآن الكريم.. فترنيمة سلام أنبياء الله.
وعرض وثائقي تحت عنوان: "طوبى لفاعلي السلام" تضمن شهادات عن العيش المشترك وتحدث فيه كل من المطرانين شارل مراد، يوسف سويف، الشيخ ربيع قبيسي، البروفسور ميشال عيسى، ميشلين ابي سمرا، الدكتورة نايلا طبارة، الشيخ محمد النقري، البطريرك الراعي.
يازجي
وألقى البطريرك يازجي كلمة قال فيها: "من الشرق نور ومن نور هذا الشرق نرحب بكم يا قداسة البابا. أهلاً بكم في لبنان البلد الذي ينمو صدّيق الرب كأرزه، يسرني ان ارحب بكم بلغة الضاد، باللغة التي عمّدها المسيحيون، ونحن في قلب هذا العالم العربي. اهلا بكم في الشرق، في الارض التي اقتبلت المسيح، طفلا مولودا، وفي الارض التي انغرس فيها صليبه واقتبلت اقدام تلاميذه ونقلت بشرى انجيل قيامته الى اقاصي الارض. اهلا بكم في كنيسة انطاكية حيث تسمى التلاميذ مسيحيين. كنيسة انطاكية بكل اطيافها، الكنيسة الاولى التي اسسها بطرس الرسول تعانق بشخصكم الكريم كنيسة روما، الكنيسة التي ارست جذور الايمان بالمسيح في اوروبا".
وأضاف: "أهلاً بكم في لبنان الوطن الرسالة لقباً اطلقه شارل مالك ابن كنيستنا الانطاكية الالمعي الذي كان له دوره الاساس في اقرار شرعة حقوق الإنسان، لقبا عاد واكده قداسة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني في زيارته لبنان. اهلا بكم في هذا البلد الفريد الذي يتنفس برئتيه الاسلامية والمسيحية. اهلا بكم في لبنان بلد العيش الواحد بلد المكونات التي تتكامل وتتشابه لا بل تنصهر لتكون لبنان. اهلا بكم في جوار سوريا وفي جوار فلسطين في هذا الشرق الاوسط الذي اخترتموه اولى محطة لزياراتكم الخارجية الرسولية وكأنكم تقولون ان مسيحيي الشرق هم في قلب اهتمام الكرسي الرسولي. وجودك ههنا بحد ذاته هو رسالة. نضع امامكم هذا البلد وهذه الارض بما ذكرنا من رمزية ونثق اننا في صلواتكم كما انكم في صلواتنا".
وختم يازجي: "اهلا بكم مجدداً في هذا الشرق ووجه المسيح المتمثل بحضور المسيحيين فيه المتآلف والمحب مع الاسلام المتسامح لن يغيب عن هذا الشرق. عشتم قداسة البابا. عشتم جميعا وعاش لبنان".
دريان
وألقى المفتي دريان كلمة استهلها بالقول: "بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ للهِ ربِ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على أنبياءِ ورسلِ اللهِ أجمعين، وعلى سيِّدِنا محمدٍ خاتمِ الأنبياءِ والمرسلين، وعلى آلهِ وأصحابِه أجمعين.
وبعد، فإنّه لَمِن دواعي سُرورِنا أن نكونَ في استقبالِ بابا الفاتيكان لاوُون الرابعَ عَشَر الذي يزورُ لبنان بلدَ التَّعايُش والتَّعَدُّدِ الطَّائفيّ المتنوُّعُ، وهو غِنىً وإثراءٌ لإنسانيةِ الإنسان، واعتبارُ المواطَنةِ أساساً في تحديدِ الحقوقِ والواجبات على حدٍّ سَوَاء، ومِن دونِ أيِّ تمييز. وفي لبنان نؤكِّدُ دائماً ثوابِتَنَا الوطنيةَ، في قِمَمِنا الرُّوحية، ونَحتَرِمُ الحُرِّيَّاتِ الدِّينيَّةَ وحقوقَ الإنسان، كأساسٍ للعيشِ المُشتركِ في مُجتمعِاتِنا المتنوِّعَةِ والمُتَعَدِّدة، ولا نِتدِخَّلُ في الخصوصِيَّات، فبلدُنا لبنان يَحمي دُستورُه حقَّ الطَّوائفِ في مُمارسةِ شرائعِها، مِصداقاً لقولِه تعالى: ﴿لكلٍّ جعَلْنا مِنكُمْ شِرعَةً وَمِنهاجاً﴾".
وأضاف: "الإسلامُ هو المَسِيرَةُ الإيمانيَّةُ بِاللهِ الوَاحِد، مِن آدمَ إلى نوحٍ وإبراهيم، إلى موسى وعيسى، وانتهاءً بمحمد، عليهم جميعاً صلواتُ اللهِ وسلامُه. وقد قال اللهُ تعالى في مُحكمِ تَنزِيلِه: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ، وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾. ونستذكر هنا ما أمرَ به رسولُ اللهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ الذينَ لا يَستطيعون الدِّفاعَ عَنْ أنفُسِهِمْ مِنَ المُؤمنين، بالهِجرةِ إلى الحَبَشَة، وقال لهم: (إنَّ فيها مَلِكاً لا يُظلَمُ عِندَهُ أَحَد). وخَشِيَتْ قُريشٌ أنْ تَنتَشِرَ الدَّعوَةُ بهذهِ الطَّريقةِ خارِجَ مَكّة، فأرسَلتْ رُسُلَهَا إلى النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الحَبَشةِ المَسِيحي، لِيَطرُدَ المُسْلِمينَ مِنْ عِندِه، وقد زَعَمَ رَسُولا قُريشٍ أنَّ هؤلاءِ اللاجئينَ عِندَه، والطَّالبينَ حِمَايَتَه، والعَيشَ مُؤَقَّتاً في جِوَارِه، هُمْ ضِدُّ دَعوةِ عيسى عليهِ السَّلام، فقرأَ جَعفرُ بْنُ أبي طَالِب، اِبْنُ عَمِّ النبيِّ على المَلِكِ صَدْرَاً مِنْ سُورةِ مريم، فتأثَّرَ النَّجَاشِيُّ وقال: (إنَّ هذا، ومَا أَتَى بِه عيسى، لَيَخرُجُ مِنْ مِشكاةٍ واحدة). وأبى أنْ يَطرُدَ الآتِينَ إليهِ، هَرَبَاً مِنَ الاضْطِهادِ بِسَبَبِ إيمانِهم، وأصبحَ المسيحيون في أرضِ الحبشةِ، أولَ أصدقاءِ الدَّعوةِ الجَدِيدَة، وأوَّلَ أصدقاءِ أهلِها. وإنَّ وَثيقةَ المدينةِ المُنوَّرة، التي قامَتْ على أَساسِهَا نَوَاةُ الدَّولةِ الأُولى في الإسلام، نَصَّتْ على أنَّ المؤمنين وغيرهم في المجتمعِ المَديني المتنوع، يُشَكِّلونَ مَعَ المسلمين (أُمَّةً وَاحِدَة)".
وتابع: "بهذِه الأُسُسٍ الإيمانِيَّة، أُرَحِّبُ بِضَيفِ لبنانَ الكبير، البابا لاوَون الرابعَ عَشَر، مُتمنِّياً له التَّوفِيقَ في قِيَادَةِ السَّفِينَةِ المَسِيحِيَّة، لِمَا فيه خَيرُ الإِنسانِيَّة، على النَّحوِ الذي تُجَسِّدُهُ وَثِيقَةُ الأُخُوَّةِ الإِنسانِيَّةِ، بَينَ إِمَامِ الأَزهَرِ الشَّرِيف، الشيخ أحمد الطيّب، والبابا الراحل فرنسيس".
وأكد دريان أن "لبنانَ هو أَرضُ هذِه الرِّسَالة، وهو رَافِعُ رَايَتِها، وَالعَامِلُ عليها ولها. ولذلك فإنَّنا، نَعُدُّ أَنْفُسَنا مُؤتَمَنِينَ، دِينِيّاً وأخلاقِيّاً ووطنِيّاً، على حَملِ مَشعَلِ هذِه الرِّسَالَة، حتَّى يَعُمَّ الأمنُ والسَّلامُ في العالَم، وحتَّى تَسُودَ المَحبَّةُ بينَ جَميعِ الأُمَمِ والشُّعُوب".
آرام الأول
ثم كانت كلمة الكاثوليكوس آرام الأول وقال فيها: "لبنان: بلد يُظهِر فيه التَّنَوُّع في جميع جوانب حياة أبنائه. إلّا أنّ تنوّعنا يتجلّى بوحدتنا، وحدةٌ تحفظ هذا التنوّع وتثريه، خدمةً للبنان موحّد، وسيّد، ومستقل. إنّ حضوركم بيننا، يا صاحب القداسة، هو تعبير قويّ عن تضامن الكرسي الرسولي مع لبنان، البلد الذي تُشكّل فيه العيشةُ الإسلامية-المسيحية المشتركة أساس الهوية اللبنانية وخصوصيتها، وفرادتها".
أضاف: "في الواقع، إنّ هذه الوحدة في التنوّع، وروح العيش المشترك، هما ما يجعل من لبنان جسراً بين الشرق والغرب. فكيف نحافظ على تنوّعنا القويّ، وعلى شراكتنا الإسلامية– المسيحية الراسخة، بينما نعمّق وحدتنا الوطنية ونجسّدها؟ هذا هو التحدّي الماثل أمام شعب لبنان".
وختم: "إنّ زيارتكم للبنان، يا صاحب القداسة، هي بالفعل شهادة حيّة على تضامن الفاتيكان الدائم مع هذا الوطن".
الخطيب
وقال الشيخ الخطيب في كلمته: "يسعدنا في هذا اللقاء أن نرحب بكم في لبنان، باسم المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى والطائفة الشيعية عامة، مقدرين زيارتكم لبلدنا، مثمنين مواقفكم في هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها وطننا. نحييكم بتحية الإسلام الذي يؤمن بالسيد المسيح عليه السلام، رسولا ونبيا ومبشرا وهاديا. وتحية طيبة لجنابكم من لبنان الجريح الذي لطالما اعتبره الكرسي الرسولي في الفاتيكان، رسالة وليس بلدا على هامش التاريخ. ومن هذا المنطلق أملنا كبير جدا، بأن تحمل زيارتكم لبلدنا كل فرص النجاح، وأن تُثمر في تعزيز الوحدة الوطنية المهتزة في هذا البلد المثخن بالجراح، نتيجة العدوان الإسرائيلي المستمر على أهله وأرضه".
وأضاف: "إن ثقافتنا الروحية مبنيّة على الأخوة الإنسانية، نستوحيها من مبادئ الإسلام الذي لا يفرق بين البشر، حيث يقول رسولنا الكريم محمد بن عبد الله (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى). كما نستمد هذه الثقافة من فكر خليفته الإمام علي بن أبي طالب الذي يرسم طبيعة العلاقة بين البشر بعبارته الإنسانية البالغة المعنى: الناس صنفان.. إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق".
وتابع: "نحن نعتبر أنفسنا أخوة في الايمان ونظراء في الخلق، لا نفرّق بين أبناء البشر إلا بالتقوى، وأن الاختلاف من طبيعة البشر، وأن العلاقة بين المختلفين محكومة بالحوار والتعارف والتعاون على البِر والتقوى، وأن التعايش السلمي بين اتباع الديانات المختلفة هو القاعدة والأساس، وأن ما يحصل من حروب مفتعلة باسم الأديان لا يعبرعن حقيقة الدين الذي يقوم اولا على اساس حرمة الانسان وكرامته. اننا مؤمنون بضرورة قيام الدولة، لكننا في غيابها اضطررنا للدفاع عن انفسنا في مقاومة الاحتلال الذي غزا ارضنا، ولسنا هواة حمل سلاح وتضحية بأبنائنا".
وأشار الى "أننا بناء على ما تقدم نضع قضية لبنان بين أيديكم بما تملكون من إمكانات دولية، لعل العالم يساعد بلدنا على الخلاص من أزماته المتراكمة، وفي طليعتها العدوان الإسرائيلي وما خلفه ويخلفه من تبعات على وطننا".
افرام
وألقى البطريرك أفرام الثاني كلمة ترحيبية بقداسة الحبر الأعظم قال فيها: "بفرح روحي وأمل كبير أرحب بزيارة قداستكم إلى أرض القداسة لبنان، قلب الله، مستذكراً قول اشعياء النبي: مَا أَجْمَلَ عَلَى الْجِبَالِ قَدَمَيِ الْمُبَشِّرِ، الْمُخْبِرِ بِالسَّلاَمِ، الْمُبَشِّرِ بِالْخَيْرِ (اشعياء 52: 7). أرحّب بكم باسم كرسي أنطاكية الذي يشترك مع كرسي روما في خدمة بطرس هامة الرسل وبولس رسول الأمم، وباسم جميع مسيحيي المشرق الذين شهدوا ويشهدون للسيد المسيح منذ بدء المسيحية، رغم الضيقات والاضطهادات التي عانوا منها عبر العصور، فقلّ عددهم بشكل فادح، وأصبح وجودهم في أرض آبائهم وأجدادهم مهدّداً. وفي السنين الأخيرة، أصبحت بلادنا، بمسلميها ومسيحيّيها، ضحية حملات تكفيرية إرهابية وحروب دامية، وكذلك عدوّ إسرائيلي شرس، ممّا سرّع في تهجير الكثيرين. وفي الوقت عينه، عززّت هذه التحدّيات الوجودية العمل المشترك بين مختلف كنائس مشرقنا وأدّت إلى ما سمّاه سلفكم الطيب الذكر البابا فرنسيس: مسكونية الدم".
أضاف: "صاحب القداسة، تأتي زيارتكم الرسولية هذه في وقت حسّاس من تاريخ هذه المنطقة، حيث نشهد اضطرابات كبيرة وتحولات جذرية، نأمل أن تنتج استقراراً وعدلاً وسلاماً لمنطقتنا لم تعرفه منذ زمن بعيد. فأبناء هذه الأرض توّاقون للسلام المبنيّ على العدالة، الذي يجب أن يؤدّي إلى صون كرامة الإنسان وحريّته، في ظل دولة يسودها حكم القانون وتقوم على المساواة في الحقوق والواجبات".
وأشار الى أن "المسيحيين والمسلمين يعيشون على هذه الأرض الطيبة منذ قرون، يتشاركون الآلام والآمال، ويتوقون إلى الاستمرار في العيش معاً، مستفيدين من تجارب آبائهم وأجدادهم. ومع أهمية الحوار الأكاديمي بين ممثلي الأديان، تبقى الخبرة المكتسبة من العيش الواحد العنصر الأهم في تعزيزه. فالمشرق ليس حدوداً تُرسَم على الخرائط، بل هو حياة تُعاش، وذاكرة تُصان، ونسيجُ علاقات إنسانية جمعت عبر القرون بين المسلمين والمسيحيين. وهنا تعلّمنا أن العيش المشترك ليس شعاراً، بل حوار حياة يقوم على اللقاء الصادق والاحترام المتبادل، وعلى مسؤولية يحملها الجميع تجاه الإنسان - كلّ إنسان - لأنه محور رسالتنا وغاية دعوتنا".
وتابع: "وفي هذا البلد الحبيب، لبنان، أدركنا أن الإنسان لا يكتمل إلا بأخيه، وأنّ تلاقي أبناء الأديان قادر أن يبني مجتمعاً متماسكاً يقف في وجه التعصّب والانقسام، ويبعثَ الرجاء في زمن أثقلته الصعاب. وكلما ارتفع صوت الظلم أو تعمّق جرح الانقسام، بقيت الكنيسة في لبنان والمشرق شاهدة للضمير الإنساني، تدعو إلى الحوار الصريح، واحترام الحرية الدينية، وحفظ كرامة كل إنسان خُلق على صورة الله ومثاله".
وأكد "أننا نعلم أنكم ستحملون في قلبكم معاناة هذا المشرق المتألم، وستعملون جاهدين على رفعها وضمان حياة حرة وكريمة لكل أبنائه، من خلال صلواتكم وعلاقاتكم وعملكم مع ذوي النوايا الحسنة".
وختم افرام: "فلنرفع معاً صلاتنا إلى الرب الإله، سائلينه أن يبارك هذا اللقاء، وأن يجعل من زيارة قداستكم إشراقة جديدة في مشرقنا المعذّب؛ إشراقة تبدّد الخوف من القلوب، وتوقظ الرجاء في النفوس، وتعيد إلى شعوب منطقتنا الثقة بوعد الرب القائل: أتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ، وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ (يوحنا 10:10)".
أبي المنى
وألقى الشيخ د. سامي أبي المنى كلمة استهلها بالقول: "باسم الخالق المبدع الذي نعبُدُه وكأننا نراه وهو يرانا، باسم الحقيقة المختزَنة في كتبِنا المقدّسة ورسالاتِنا السماويةِ الداعية جميعُها إلى حفظِ الإنسان وصونِ كرامتِه. يُسعدُنا أن نرحِّبَ بكم صاحبَ القداسة، مقدرينَ لفتَتكم الكريمة، ومُصلِّين معاً لخلاص لبنانَ والمنطقة، راجينَ أن نُطوِّقَ الألمَ بالأمل، والشقاءَ بالرجاء".
وأكد "أننا نلتقي في توحيدنا فنرتقي في وحدتِنا، متمسَكينَ بالشراكة الروحية والوطنية التي هي مظلّةُ عيشِنا الواحد المشترَك، ومصدرُ قوّتِنا، فلبنانُ يُمكنُ أن يكونَ النموذجَ الأرقى للتنوّع في الوحدة، اذا ما أحسنا فهمَه، واستفدنا من غنى مكوّناتِه، وإذا ما احترمنا خصوصياتِ بعضنا بعضاً. إنّه قويٌّ بدورِه، لا بمساحته وعددِ أبنائه، ومميَّزّ بانفتاحه وموقعِه، وما علينا إلّا أن نُحمِنَ أداءَ هذا الدور، وأن نستفيدَ من هذا الموقع ومن هذا الانفتاح"، مشدداً على "أننا على يقين بأنّ وطنَنا لا يُبنى إلّا على قاعدةٍ أخلاقيَة ذهبيّةِ ثابتة تقضي بأن تُحافظَ كلُّ عائلةٍ روحية على شريكتِها في الوطن، وبأنّ اجتماعَنا معاً، مسلمين ومسيحيين، قادرٌ على إحداث بارقةٍ أملٍ في هذا الجوّ القاتمِ من حولِنا، لكننا واثقون بأن الراعيَ صالحٌ، والرعيّةَ مؤمنة، وبأنّ الخيرَ سينتصرُ على الشرِّ، والنورَ سيطردُ الظلام".
وختم: "زيارتُكم صاحبَ القداسة تدعونا للارتقاء إلى ما هو أسمى، ولفتحِ أبوابِ المحبة والرحمة؛ المحبةِ المسيحية والرحمةِ الإسلامية، وإغلاقِ نوافذِ التعصُّبِ والتطرُّف، ليكونَ صوتُ السلامِ أقوى من أصواتِ الحروب، فالحربُ هزيمةً للجميع، والعنفُ لا يَجلّبُ السلام، كما جاء في رسالة سلفِكم قداسةِ البابا فرنسيس، ونحن ما كنًا سوى دُعاةِ خيرٍ ووئام، وحُماةِ وطنِ الرسالة، ولنا في اللّٰه عزَّ وجَلَّ خيرُ معين، وفي قداستِكم خيرُ صديقٍ مُبارِكِ ومُحبّ للبنان... عشتُم وعاش لبنان".
بعد ذلك، أنشدت جوقة بيروت ترنيمة طوبى للساعين الى السلام.
قصاب
وقال القس قصاب في كلمته: "أهلا بكم في لبنان... هذا الوطن الصغير الذي أنهكته الحروب والضغوط، لكنه لا يزال يحمل في جراحه توقاً عميقاً إلى السلام. جنتَ إلى أرض تعلّمت كثيراً من الألم، لكنها لم تفقد رجاءها، لأن الرجاء هنا جزء من هوية لناس، لا مجرَد فضيلة. نستقبلك اليوم، لا فقط كرأس للكنيسة الكاثوليكية، بل أيضاً كقائد لدولةٍ لا تحكمها الحسابات الاقتصادية ولا أطماع النفوذ، بل تحكمها روحٌ تعود إلى كلمات المسيح: سلاماً أترك لكم، سلامي أعطيكم. إن حضورك بيننا يذكّر لبنان بأن لا زال هناك دولاً تُبنى على قيم، لا على مصالح، وعلى كرامة الإنسان قبل كل شيء".
وأضاف: "باسم الكنائس البروتستانتية في لبنان، نرحَب بك ونثمن زيارتك الداعمة لشعب يتوق لالتقاط أنفاسه. نحن، كما تعلم، شركاء في الهمّ ذاته، وفي الرسالة ذاتها: أن يبقى لبنان مساحة حرّة للكرامة، وبيتأ يصون التعدد بدل أن يخشاه. قداستك، لقد تحدّثت الكنيسة الكاثوليكية في السنوات الأخيرة عن الـ -Synodality، السير معاً، والإصغاء لبعضنا البعض، وعن اكتشاف صوت الروح في تنوعنا. هذا المفهوم ليس شأناً كنسياً فحسب؛ إنه دعوةٌ يمكن أن يتبناها كله. لو سارت قيادات لبنان معاً... لو أصغينا لبعضنا بصدق، لسهل علينا أن نصغي أيضاً لوجع شعبنا، ولاكتشفنا أن الطريق إلى السلام ليست حلماً صعباً بل ممارسة يومية تبدأ بالثقة".
وأمل "أن تكون زيارتك مناسبةً لندعو جميع الطوائف في لبنان إلى Synodality وطنية: أن نسير معاً من أجل لبنان الرسالة، لبنان الذي لا يملك ترف الانقسام، بل يملك فرصة نادرة ليكون شاهداً على أن التعددية نعمة. حللت أهلا في بلد يريد ان يتعلم مجددا كيف يصنع السلام لا فقط كيف ينجو من الحرب. نصلي معك، ومن اجلك، ومن اجل لبنان الذي تحمله اليوم في صلاتك. مرحباً بكم بيننا".
قدور
أما الشيخ قدور فقال في كلمته: "يشرّفنا في المجلس الإسلامي العلوي أن نعبّر، ببالغ السرور والمحبّة، عن تقديرنا العميق لقداسة لحبر الأعظم البابا لاوون الرابع عشر، وأن نرفع إلى قداسته أسمى آيات الترحيب والتقدير بمناسبة زيارته المباركة إلى لبنان، هذا البلد الذي شاءت حكمة اللّٰه أن يكون ملتقى الأديان، وواحة للحوار، وجسراً بين الشرق والغرب، وحاضناً لتنوّع ثقافي وروحي يشكّل ثروةً إنسانية نفخر بها جميعًا، وفضاءً رحباً للتلاقي بين أبناء الديانات والثقافات، وهو بفضل هذه الخصائص استحقّ أن يكون لبنان الرسالة كما وصفه البابا يوحنا بولس الثاني، الذي قال عن لبنان انه: أكثر من وطن، إنه رسالة حرّية وعيش مشترك".
ورأى أن "حضور قداستكم بيننا اليوم ليس حدثاً بروتوكولياً أو زيارة ظرفية، بل نعتبرها رسالة رجاء إلى اللبنانيين جميعاً، ورسالة تأكيد أنّ لبنان، رغم ما يمرّ به من محن، ما زال قادراً على النهوض برسالته، وعلى استعادة دوره في إشعاع القيم الروحية والإنسانية التي تجمع ولا تفرّق، وتبني ولا تهدم. وإنّ المجلس الإسلامي العلوي، وهو جزء أصيل من النسيج الوطني اللبناني، يرى في هذه الزيارة دعماً لكل صوت يدعو إلى الإخاء، وإلى صون كرامة الإنسان، وإلى تجاوز الجراح والانقسامات لتي اثقلت وطننا وشعبنا. نحن نؤمن معاً، أن الإنسان هو القيمة العليا، وأن الأوطان تُبنى بالتلاقي لا بالتصادم، وبالشراكة لا بالإقصاء، وبالاحترام المتبادل لا بالنزاع".
وأضاف: "إذ نرحّب بقداستكم بين أبنائكم في لبنان، نعلن وقوفنا إلى جانب كل مبادرة تُعزّز الاستقرار، وتُحيي الأمل في القلوب، وتشجّع اللبنانيين على الحوار والتفاهم، وعلى تغليب المصلحة الوطنية العليا على أي اعتبار آخر. ان صوتكم، صوت الحق والخير، وإن صدى حضوركم يتجاوز حدود المكان ليبلغ كل إنسان تطلع إلى غدٍ افضل، وإلى وطن مستقرّ، وإلى شرق ينعم بالسلام".
وختم: "نتقدم من قداستكم بالشكر العميق على تخصيص لبنان بهذه الزيارة التاريخية سائلين الله ان تكون فاتحة خير وبركة ومحطة مضيئة تعيد الى لبنان دوره الذي استودعه الله اياه: دور الرسالة، ودور المحبة ودور الانسان، عشتم وعاش لبنان".
وأنشدت الجوقات مجتمعة ترنيمة أعطنا ربي قبل كل عطاء.
البابا لاوون
والختام كان مع كلمة البابا لاوون التي استهلها بالقول: "أيُّها الإخوةُ والأخواتُ الأعزّاء، بتأثّرٍ عميقٍ وامتنانٍ كبير، أقِفُ معكَم اليومَ هنا، في هذِه الأرضِ المبارَكَة، الأرضِ التي مجَّدَها أنبياءُ العهدِ القديم، الذين رأَوا في أرزها الشَّامِخِ رمزًا للنَّفسِ البارَةِ التي تُزهِرُ تحتَ نظرَةِ السّماءِ السَاهِرَة، والأرضِ التي لم يَنطَفِئ فيها صدَى الكلمةِ Logos قطّ، بل استمرَّ، جيلًا بعد جيل، ينادي كلَّ الرّاغبينَ لكي يَفتَحوا قلوبَهم للهِ الحَيّ. في الإرشادِ الرّسولي بعدَ السّينودس، الكنيسةُ في الشّرقِ الأوسط، الذي وقَعَه البابا بندكتس السّادس عشر هنا في بيروتَ سنة 2012، شدَّدَ قداسَتُه على أنَّ طبيعةَ الكنيسةِ ودعوتَها الجامِعَة تَقتَضِيانِ منها أن تفتحَ الحوارَ مع أعضاءٍ سائرِ الدّيانات. يَرتكِزُ هذا الحوارُ في الشَّرقِ الأوسطِ على الرّوابِطِ الرّوحيَةِ والتّاريخيّةِ التي تَجمَعُ المسيحيِّينَ مع اليهودِ والمسلمين. هذا الحوارُ لا تُملِيه أوّلًا اعتباراتٌ براغماتيّةٌ سياسيَةٌ أو اجتماعيّة، بل يستندُ، قبلَ كلِّ شيء، إلى أُسّسٍ لاهوتيَةٍ مرتبطةٍ بالإيمان (رقم 19)".
أضاف: "الأصدقاء الأعزّاء، إنَّ حضورَكم هنا اليوم، في هذا المكانِ الفريد، حيث تَقِفُ المآذنُ وأجراسُ الكنائس جنبًا إلى جنب، مرتفعةً نحو السّماء، يَشهَدُ على إيمانِ هذِه الأرضِ الرّاسخِ وعلى إخلاص شعبِها المَتينِ للإلهِ الواحِد. هنا، في هذِه الأرضِ الحبيبة، لِيَتَّحِدْ كلُّ جَرَسٍ يُقرَع، وكلُّ آذان، وكلُّ دعوةٍ إلى الصّلاةِ في نشيدٍ واحدٍ وسامٍ، ليس فقط لتمجيدِ الخالِقِ الرّحيم، خالِقِ السّماءِ والأرض، بل أيضًا لِرَفعِ ابتهالٍ حارّ من أجلِ عطيَةِ السّلامِ الإلهيّة".
وتابع: "منذ سنواتٍ عديدة، ولا سيِّما في هذه الأيّام، توجَّهت أنظارُ العالَمِ إلى الشّرقِ الأوسط، مَهد الدّياناتِ الإبراهيميّة، تَنظُرُ إلى المسيرةِ الشَّاقَةِ والسّعِي الدَائِمِ لعطيّةِ السَّلام. أحيانًا تَنظُرُ الإنسانيّةُ إلى الشَّرقِ الأوسطِ بقلقٍ وإحباطِ أمامَ صراعاتٍ مُعَقَّدَةٍ ومُتَجَذِرَةٍ عبرَ الزّمن. مع ذلك، وسطَ هذه التّحدَيات، يمكِنُنا أن نَجِدَ معنّى للرّجاءِ والعزاءِ عندما نُرَكِّزُ على ما يَجمَعُنا: أي على إنسانيَتِنا المشتركة، وإيمانِنا بإلَهِ المحبّةِ والرّحمة. في زمنٍ يبدو فيه العيشُ معًا حُلُمًا بعيدِ المنال، يبقَى شعبُ لبنان، بدياناتِه المُختَلِفَة، مذَكِّرًا بقوّةٍ بأنّ الخوف، وانعدامَ الثَّقةِ والأحكامَ المُسبَقَةِ ليست لها الكلمةُ الأخيرة، وأنّ الوَحدة والشّركة، والمصالحةَ والسَلامَ أمرٌ مُمكِن. إنّها رسالةً لم تتغيَّرْ عبرَ تاريخ هذه الأرضِ الحبيبة: الشَّهادةُ للحقيقةِ الدَائمةِ بأنّ المسيحيِّينَ والمسلمينَ والدَروزَ وغيرَهم كثيرين، يُمكِنُهُم أن يَعيشُوا معًا ويَبنُوا معًا وطنًا يَتَّحِدُ بالاحترام والحوار".
وأشار الى أن "المجمعُ الفاتيكانيّ الثَّاني، فتح قبل ستين سنة، بإعلانِه وثيقةِ في عصرنا -Nostra aetate، أُفْقًا جديدًا للّقاءِ والاحترامِ المتبادلِ بين الكاثوليكِ وأبناءِ الدّياناتِ المختلفة، وأَكِّدَ أنَّ الحوارَ الحقيقيّ والتّعاوُنَ الصَّادِقَ مُتَجَذِّرانِ في المحبّة، الأساسِ الوحيدِ للسّلامِ والعدلِ والمصالحة. هذا الحوار، الذي يَستَمِدُّ إلهامَهُ من المحبّةِ الإلهيّة، يجبُ أن يُعانِقَ كلَّ أصحاب النّوايا الحسنة، ويَرفُضَ التّحيّزَ والتَّفرِقَةَ والاضطهاد، ويُؤكِّدَ على مساواةِ كرامةِ كلِّ إنسان. تمَّت خدمةُ يسوعَ العلنيّةِ بشكلٍ رئيسيّ في الجليلِ واليهوديّة، إلّا أنّ الأناجيلَ تَروِي أيضًا أحداثَ زيارتِهِ لمنطقةِ المدنِ العشر، وأيضًا لنواحي صُورَ وصيدا، حيث التّقَى المرأةَ السّريانيّةَ الفينيقيّةَ التي دَفَعَه إيمانُها الرّاسِخُ لِيَشفِيَ ابنتَها (راجع مرقس 24-30 ،7). هنا، صارَت الأرضُ نفسُها أكثرَ من مجرّدِ مكانٍ لقاءِ بين يسوعَ وأمِّ تَبتَّهِلُ إليه، بل صارَت مكانًا يتخطَّى فيه التّواضعُ والثّقةُ والمثابرةُ كلَّ الحواجز، وتَلتَقِي بمحبّةِ الله اللامتناهيةِ التي تُعانِقُ كلَّ قلبِ بشر. في الواقع، هذا هو "جوهرُ الحوارِ بينَ الأديان: اكتشافُ حضورِ اللهِ الذي يتجاوزُ كلَّ الحدود، والدّعوةُ إلى أن نبحثَ عنه معًا باحترام وتواضعا".
وتابع: "وإن كانَ لبنانُ مشهورًا بأرزِه الشَّامِخ، فإنَّ شجرةَ الزّيتونِ أيضًا تُشَكِّلُ حجرًا أساسيًّا في تراثِه. وشجرةُ الزّيتون، لا تُزَيِّنُ فقط المكانَ الذي نحن مُجتَمِعُونَ فيه اليوم، بل هي مُكَرَّمَةٌ في النّصوص المقدّسةِ في المسيحيّةِ واليهوديّةِ والإسلام، وتُشَكِّلُ رمزًا خالدًا للمصالحةِ والسّلام. عُمرُها الطّويلُ وقُدرَتُها الفريدةُ على الازدِهار، حتّى في أشدِّ البيئاتِ قَساوةً، يرمزانِ إلى البقاءِ والرّجاء، ويَعكِسانِ التزامَها وصُمودَها لتنميةِ العيشِ معًا. من هذه الشَّجرةِ يَتَدَفَقُ زيتٌ يَشفِي، وهو بَلسَمٌ لجِراحِ الجسدِ والرّوح، يُظهِرُ رحمةَ اللهِ اللامحدودةِ لكلِّ المتألِمين، وزيتٌ يوفِّرُ النّورَ أيضًا، ويُذَكِّرُنا بالدّعوةِ إلى أن نُنيرَ قلبَنا بالإيمان والمحبّةٍ والتّواضع".
ولفت الى أن "جذور الأرز والزّيتونِ كما تمتد عميقًا وتَنتَشِرُ في الأرض، كذلك أيضًا يَنتَشِرُ الشَّعبُ اللبنانيّ في العالَم، لكنَّه يَبقَى مُتَّحِدًا بقوَّةِ وطنِهِ الدّائمةِ وتراثِه العريق. حضورُكم هنا وفي العالَمِ كلِّه يُغنِي الكَوكَبَ بإرثِكُم الذي يَرجِعُ إلى آلافِ السّنين، وهو أيضًا دَعوَة. ففي عالَمٍ يزدادُ ترابُطًا، أنتم مدعُوُونَ إلى أن تكونوا بُناةً سلام: وأن تُواجِهُوا عدمَ التَّسامُحِ، وتَتَغَاَّبُوا على العُنف، وتَرفُضُوا الإقصاء، وتُنِيرُوا الطَريقَ نحوَ العدلِ والوئامِ لِلجَمِيع، بشهادَةِ إيمانِكُم".
وختم البابا لاوون: "أيُّها الإخوةُ والأخواتُ الأعزَاء، إنّ الخامِسَ والعشرينَ مِن آذارِ/مارس مِن كلّ سنة، هو عيدٌ وطنيِّ تَحتَفِلونَ بِه في بلدكم، وتُكَرِّمُون معًا مريم، سيِّدةَ لبنان، المُكَرَّمَةَ في مزارِها في حريصا، الذي يُزَيِّنُهُ تمثالٌ مهيبٌ للعذراءِ وذِراعَاها مَفتُوحَتانٍ لَكَي تُعانِقَ كلَّ الشَّعبِ اللبنانيّ. لِيَكُنْ هذا العِناقُ الوالِدِيّ والمُحِبُّ مِن مريمَ العذراء، أمِّ يسوعَ وملكةِ السّلام، هِدايةً لكلِ واحدٍ منكم، حتّى تَفيضَ في وطنِكم، وفي كلِّ الشَّرقِ الأوسط، وفي العالَمِ أجمع، عطيّةُ المصالَحَةِ والعيشِ السّلميّ "مثلَ الأنهارِ التي تَجري مِن لبنان (راجع نشيد الأناشيد 15 ،4)، وتَحمِلَ الرّجاءَ والوَحدةَ والشّركةَ للجميع".
وفي الختام غرس البابا مع البطريرك اليازجي وشيخ العقل غرسة زيتون قدمها له طفلان، على وقع ترانيم في مساء الورد يا مريم ونشيد المخلوقات، ثم التقطت صورة تذكارية بالمناسبة، وصافح البابا في نهاية اللقاء عدداً من الحاضرين، وغادر على وقع التصفيق.
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا