في ذكرى ميلاده ندوة بعنوان "شارل مالك المعلم، الفيلسوف والمؤمن ، فسحة للأمل والتفكير في صخب العالم"
الرئيسية سياسة / Ecco Watan
الكاتب : المحرر السياسي
Feb 11 23|21:23PM :نشر بتاريخ
نظمت مصلحة المهن القانونية في حزب "القوات اللبنانية" ندوة بعنوان "شارل مالك المعلم، الفيلسوف والمؤمن، فسحة للأمل والتفكير في صخب العالم"، في ذكرى ميلاد مالك، في حضور أعضاء تكتل "الجمهورية القوية" النواب: فادي كرم، غياث يزبك والنائب السابق وهبه قاطيشا، وأمين سر التكتل سعيد مالك، نجل المفكر شارل مالك حبيب، ممثل المفوضية العليا للأمم المتحدة في لبنان علاء قاوود، نقيب المهندسين في الشمال بهاء حرب، ممثل نقيب المحامين في بيروت سعد الدين الخطيب، الأمين المساعد لشؤون المصالح في "القوات" نبيل أبو جودة، إضافة الى رئيس جمعية "عدل ورحمة" الأب نجيب بعقليني، مدير جامعة الـLAU في الكورة الأب فرانسوا عقل، ممثلة عن رئيسة جامعة الحكمة الدكتورة جومانا الدبس، مدير كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية الدكتور أمين لبس، رؤساء مصالح المحامين في حزب الكتائب موريس الجميل، مفوض العدل في الحزب التقدمي الاشتراكي سوزان إسماعيل، ممثل المحامين في حزب "الوطنيين الأحرار" جان أبي زيد ضو، وبعض من أعضاء الجبهة السيادية، ولفيف من رجال الدين، حشد من مسؤولي القوات والشخصيات الفكرية والإعلامية والاقتصادية وعدد كبير من المحامين.
استهل جعجع كلمته، بشكر الحضور فردا فردا على قدومهم الى هذه الندوة التي يعتبرها البعض أنها "ناشفة لكنها مهمة جدا بالنسبة للبقية وأنا منهم"، توجه جعجع بتهنئة مصلحة المهن القانونية في القوات لإنجاح هذه المناسبة المهمة بالتنسيق مع كل الدوائر والأجهزة في القوات. وقال: "كان لي حظ كبير أن أعايش شارل مالك لحظات قليلة، وكنت أسرق الأوقات أثناء الأحداث وأسير معه في حديقته أمام منزله في الرابية، وبعد تطور علاقتنا به، بات مالك عند كل حدث أمني يتوجه الى المجلس الحربي، ويتصرف كالصحافي ويبدأ بطرح الأسئلة عما يجري مع تدقيق بالتفاصيل".
وتابع: "إن ننسى لا ننسى، ليس فقط الذين استشهدوا كي نبقى نحن، (هذه العبارة لا أشبع منها حتى لو سمعتها كل يوم وكل دقيقة، خصوصا بصوت شارل مالك وتحديدا عبر أثير إذاعة لبنان الحر) إنما أيضا وأيضا الذين أفنوا حياتهم على دروب العلم الغزير، والفكر، والكلمة الحرة، والكتابة بإيمان الرسل والمبشرين، والكلام ببصيرة الرؤيويين، كي نبقى نحن، وتبقى الحرية، ويبقى الإنسان، ويبقى لبنان... وفي طليعة هؤلاء الرجالات العظام، العملاق الفكري الكبير شارل مالك".
وأشار الى "أننا لا نحيي اليوم فقط ذكرى ولادة شارل مالك الذي توفي بالجسد، لكن فكره يحيا حتى انقضاء الدهور، بل نحيي معها أيضا ذكرى الأسس الفكرية والمرتكزات الأخلاقية والثوابت التاريخية للمقاومة اللبنانية الحقة، وللكيانية اللبنانية على حد سواء، فهنيئا لنا بهذا اليوم المجيد".
واعتبر أن "مالك اسم يجسد بفكره مسيرة شعب لبناني معاند في تمسكه بالحرية وتوقه الدائم للانعتاق والتطور والتغيير طوال مئات السنين، وتاريخ بلاد أرز من بدايات كينونتها الوعرة في موئل الجبة ووادي قنوبين، حتى تكريس نهائية كيانيتها في دولة لبنان الكبير، وإيمان وعنفوان وصمود مقاومة حقة، لبنانية كيانية متواصلة، من تصديها للمشاريع الانصهارية، مرورا بإسقاط دولة التوطين، وصولا لإخراج الاحتلال، واستمرارا حتى إفشال كل محاولات الترويض والتيئيس والتركيع بغية تغيير الهوية، وما زالت مقاومة شعبنا هذه تتوالى فصولا كل يوم حتى التخلص من التركيبة السلطوية المهترئة ومن وراءها، وانتصار لبنان شارل مالك من جديد".
كما أكد انه "فكر يكاد يختصر سيرورة إنسانية كاملة، في مراحل تفاعلها الحضاري وتطورها الفكري واختمارها الثقافي والقيمي، حتى بلوغها الغاية الأسمى في الخير والحق والحرية والعدالة والعيش الكريم، على كل المستويات، عاملا على التوفيق بين الإيمان والتفكير العقلاني المجرد، مبتدعا صيغة فلسفية تتماهى فيها قيم الأرض مع طبيعة السماء، جامعا مجد الحضور الإنساني من طرفيه المادي والروحاني، جاعلا الأرض مرآة صافية للسماء حتى يتم المعنى الحقيقي لرسالة الإنسان فيها، وحتى يكون كما في السماء كذلك على الأرض".
وإذ شدد على انه "بين القضية اللبنانية وشارل مالك، الفيلسوف المسيحي المؤمن، ينبوع من العطاء المتبادل الذي لا ينضب وهو الأسمى والأعمق والأنبل"، قال جعجع: "القضية اللبنانية" أعطت مالك النموذج التطبيقي الصارخ حول تجلي فكرة الحرية في بقعة جغرافية محاطة بالأخطار الوجودية والأفكار الإلغائية، ومأسستها على شكل دولة ذات سيادة وطنية، وتحول فكرة الحرية هذه إلى نبراس إيمان شعب قدم، طوال قرون، أمثولات في مقاومة الاحتلال والظلم والباطل والعبثية، مما أيقظ بداخله الوعي والتصورات حول أحقية كل المضطهدين والمقهورين في الشرق والعالم، بالتمتع بالأمن والحرية، والأمان، والعيش الكريم، والمساواة، والحق بالاختلاف، والتعددية".
وأضاف: "هو بالمقابل أعطاها زهرة شبابه وزبدة تفكيره وعصارة خلاصاته، مترجما نماذجها التطبيقية إلى أفكار وطروحات نظرية وفلسفية تتكامل مع الوقائع العملية، محولا نفسه رسولا ومبشرا ومنظرا لها في الندوات اللبنانية والمحافل العربية والدولية، محلقا بها بأجنحة عقله الراجح وإيمانه العميق واستنارة فكره، نحو أعلى قمم الإنسانية، مانحا إياها أبعادها الإنسانية والعالمية والحقوقية، موفرا لها بكتاباته مرتكزاتها الفكرية وثوابتها الوطنية والسياسية والأخلاقية، والتي تحولت هي نفسها ثوابت ومرتكزات المقاومة اللبنانية الحقة، متخذا من هذه التجربة اللبنانية الرائدة منطلقا لتعميمها على مستوى الفكر الإنساني أجمع، عبر تظهيرها وتأطيرها بنودا وفقرات من خلال دوره الفاعل في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان".
وأردف: "تحت مصالحهم الشخصية، ترك البعض بلادهم، وعائلاتهم، وشعبهم، تحت شعار أنهم يرفضون أن يتلطخ يدهم بالدم، فهؤلاء المسؤولون الذين غادروا الى الخارج هم أكثر أناس تلطخت يدهم بالدم".
ولفت رئيس "القوات" الى انه "مثلما هب شبان وشابات "المقاومة اللبنانية" الحقة للاستشهاد في سبيل هذه القضية عندما تهددتها الأخطار الوجودية، تجند مالك للدفاع عنها بكل طاقاته وإمكاناته وعلاقاته العربية والدولية، ولم يفكر لحظة واحدة بمغادرة لبنان والنأي بنفسه عن الأخطار الشخصية، متمتعا بامتيازات جنسيته الأميركية وترحيب دول العالم الحر به في ربوعها، انطلاقا من إسهاماته الإنسانية وهامته العالمية، بل فضل العودة الى جذور وعيه وتصوراته ومنطلقاته الفكرية والإيمانية الأولية، الصافية، الأساسية، وعيش الأخطار المباشرة مع شعبه بجانب المسيح الحي، على العيش بأمان بعيدا عنهما في أي مكان، مساهما في تأسيس إطار سياسي جامع للدفاع عن القضية اللبنانية والحقوق الأساسية للمجموعات الحضارية اللبنانية، عرف باسم جبهة الحرية والإنسان ولاحقا الجبهة اللبنانية".
وأردف: "وضع خبراته ورؤيويته وأطروحاته الفلسفية والسياسية حول لبنان والإنسان، والحرية، والتعددية، بتصرف قيادات المقاومة اللبنانية، خدمة للقضية اللبنانية، فكان نقطة ارتكاز خلفيتها الفكرية، والمعلم لأجيال المقاومة، والمرجعية، بحيث كان لي شخصيا شرف أن أكون واحدا من هؤلاء".
ورأى انه "على الرغم من مكانة مالك العالمية وثقافته الموسوعية، إلا أن الغرور والتعالي والكبرياء والتعامي عن الوقائع الحقيقية واتباع الكلام الدبلوماسي والسياسة الرمادية، لم يجدوا إلى عقل شارل مالك وفكره وحديثه سبيلا، بل كان "رجلا شاملا"، متصالحا مع نفسه، صادقا، حقيقيا، متجردا وموضوعيا، مؤمنا إيمانا عميقا بأن مملكته الفعلية ليست من هذا العالم، فكان سجين مثاليته وأفكاره المبدئية، وأسير التزاماته الأخلاقية تجاه شعبه أولا وتجاه كل الإنسانية على حساب أي مصالح مادية وشخصية، معيدا ربط الأخلاق بالسياسة".
وتابع: "كبرت الجبهة اللبنانية به، مثلما كبرت به كل البشرية، من دون أن يشعره حضوره ضمن حيزها السياسي المحدد مسيحيا والمحدود لبنانيا، والمحاصر داخليا وإقليميا، بأي خدش لكبريائه أو انتقاص من هالته المعنوية ومكانته العالمية أو الحد من رؤيويته الشاملة الشمولية، بل كلما كان الخطر يدنو من لبنان وشعبه أكثر، كلما كان يفعل محركات حضوره داخل الجبهة أكثر فأكثر، مسخرا شمولية فكره واتساعه لاجتراح أي صيغة سياسية ممكنة أو أي تركيبة دستورية متاحة لفك الحصار عن لبنان واللبنانيين، واختراق الأفق الوطني المسدود مما هو فيه من عوائق وصعوبات وأخطار أمنية واجتماعية واقتصادية ووجودية، نحو واقع سياسي واجتماعي واقتصادي وأمني ودستوري جديد، يضمن لهذا المجتمع ولكل المجموعات الحضارية فيه، الأمن والكرامة والازدهار والحرية، مضاعفا بالتوازي من التزامه بقضية الإنسان في لبنان، حيث تتقزم وتختفي أمامها كل اعتبارات ثانية، وتصبح بلا أي قيمة فعلية".
واعتبر أن "الإنسان في فكر شارل مالك، وفي كل فكر إنساني وفلسفي راق، هو القيمة الأولى في هذا الوجود: حريته، كرامته، وجوده، حقوقه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وكل ما عدا ذلك وجد بالأساس في خدمة هذا الإنسان، وليس العكس"، مشيرا الى انه "عندما تسلب أي وضعية سياسية أو أي تركيبة سلطوية وجدت بالأساس لخدمة الإنسان، حرية هذا الإنسان، وكرامته، وحقوقه الأساسية، تفقد هذه التركيبة مبرر وجودها بالأساس، ويصبح البحث عن تركيبة جديدة لتصويب هذا الاختلال البنيوي، وإعادة تأمين هذه الحقوق الأساسية وضمانها من جديد، أمرا ملحا، ومشروعا، وضروريا، وإنسانيا، وحتى شرعيا ودستوريا".
وأكد جعجع أن "ما نشهده في لبنان على يد تركيبة سلطوية فاسدة ومستبدة ومستقوية بسلاح غير شرعي، ومع ذلك تنتحل صفة الشرعية والدستورية، لجهة انتهاكها الصارخ والمتمادي لأبسط مضامين الكرامة الإنسانية، من عيش لائق ووجود كريم، وسدها كل آفاق التغيير الطبيعي المشروع أمام اللبنانيين من ضمن ما هو قائم سياسيا ودستوريا وحتى تعطيل إجراء انتخابات رئاسية في مواعيدها الدستورية، وصولا إلى إخراجها لبنان من الجمعية العامة للأمم المتحدة وإعلانه دولة فاشلة وساقطة"، مشددا على أن "ذلك كله يشكل اغتيالا للبنان شارل مالك، وطعنا لإنسانه عن سابق تصور وتصميم، وهذا ما يحدونا، ويحدو كل اللبنانيين الأحرار، إلى البحث عن تركيبة جديدة تعيد لبنان إلى ثوابت شارل مالك، تخلصنا من كل ما يقوي ويسعر الشعور والتعصب الطائفي، وتعيد الاعتبار للإنسان في لبنان بوصفه القيمة الأولى في هذا الوجود، كما يريد شارل مالك".
أضاف: "لو أن شارل مالك بيننا اليوم، ورأى ما حل بالإنسان في لبنان، بفعل تركيبة سلطوية مماثلة، لما تردد لحظة واحدة في التصديق بالعشرة على هذا الكلام، لا بل كان هو من يتقدم الصفوف ويأخذ كل الكلام، ونحن أكثر المنصتين، وأول المصفقين".
وختم جعجع: "إذا كان "ليس لنبي كرامة في وطنه" (يوحنا، الفصل الرابع، الآية 44) غير أن شارل مالك قد شذ عن هذه القاعدة، فصمود شعبه اللبناني في أرضه، وإيمان هذا الشعب بالحرية، وسعيه الدؤوب في سبيل استعادة كرامته الشخصية والوطنية، ونضاله الشرس للخروج من دوامة هذه التركيبة السلطوية المهترئة باتجاه واقع أفضل وغد جديد، هو فعل تكريمي يومي مستمر لشارل مالك، وما من تكريم يليق به أعظم من هكذا تكريم".
كرم
بدوره أوضح النائب كرم، أنه "حين تداول مالك السياسة اللبنانية لم يتناولها من منطلقات تقليدية آنية ومرحلية، بل كان بحثه في عمق معانيها الوجودية والثقافية وفي ثوابت هوية وطن الأرز، التي من دونها يزول لبنان، كما حدد ركائز وشروط استمرار هذا الوطن المميز وأشار في الوقت ذاته الى حاجته لثورة تسعى الى تحقيق وتثبيت "الحرية الكيانية والشخصية الأصيلة" وتؤكد على "حس المسؤولية أمام الضمير وأمام المجتمع وأمام التاريخ وأمام الله" وكم كان للضمير من مكانة في فكر شارل مالك السياسي، الذي نظر الى العمل السياسي الحقيقي كشأن نبيل لا يجب أن يحمله إلا من كان جديا ورؤيويا وصاحب ضمير".
وأضاف: "أيد شارل مالك في مقالاته النظام السياسي الاجتماعي القائم في لبنان ولكنه وضح انه ضده في آن واحد، فهو مع النظام بقدر ما يؤمن الحريات السياسية ولا يتعرض الى جوهر المؤسسات الدينية والاقتصادية الحافظة للكينونة وللاتجاه الحضاري، وبقدر ما يحافظ على التوازن والعلاقة والشراكة بين الفئات اللبنانية، وهو في الوقت ذاته ضده بقدر ما هذا النظام يقصر في تحقيق هذه الموجبات والركائز".
وأشار كرم إلى أن "شارل مالك السياسي فهم وأفهم معنى الوجودية للبنان الوطن، وتبقى طروحاته أساسا قويا للنقاشات والحوارات والصراعات السياسية الدائرة حاليا، وتتمثل بمواقفنا وبتموضعنا الوطني الذي نؤكده بشكل دائم، فنحن بقدر ما نعمل للبنان الوطن الجامع على أسس الشراكة والتوازن والانتماء الصافي والدولة العميقة، بقدر ما نحن متمسكون بهويتنا الثقافية ووجودنا الحر وإرثنا الحضاري وتاريخنا المشرف وشهدائنا الأبطال ونضالاتنا المستمرة، ولن نتوانى لحظة عن الدفاع عنها كلها".
وأكد "أن ننسى فلن ننسى شهداءنا الذين استشهدوا كي نبقى نحن، أن ننساهم إنها الخطيئة المميتة، وأن ننساهم يعني أننا نحن نستحق النسيان" ولذلك ولأننا لم ننسهم ولن ننساهم يوما، فقضيتهم، أي قضيتنا تعيش معنا لحظة بلحظة، وفي كل قراراتنا السياسية، ولأننا مستعدون للدفاع عنها، فلن تكون في النسيان أبدا".
وأردف: "عرف شارل مالك في زمنه الصراع السياسي أنه بين هؤلاء الذين يؤمنون بالشفافية والصدق والجدية والحريات وهؤلاء الذين ينعمون بالحماية من السلطة لاستخدامها ضد الآخرين. وما زال الصراع ذاته يدور في زمننا هذا، والخط الفاصل بين المحورين، لا مكان معه لأنصاف الحلول ولأماكن الظل، فإما الوطن الذي أراده شارل مالك ونصح به وإما السقوط في شباك الأنظمة المتخلفة".
وتابع: "بئس الزمن الذي وصل فيه وطن شارل مالك الى أن تكون عضويته في المؤسسة الأممية مهددة، حين كان لشارل مالك الدور الأساسي لوضع شرعتها لحقوق الانسان، وبئس الزمن الذي تعرضت فيه عاصمة وطن شارل مالك لأكبر انفجار في العصر، وتعرقل العدالة من قبل حكامه للوصول الى الحقيقة، ولكن "لا يصح إلا الصحيح" طالما قررنا نحن، الصمود".
مالك
أما نجل شارل مالك، حبيب فقال: "باسمي وباسم عائلتي أتوجه بالشكر من القلب لمصلحة المهن القانونية في القوات اللبنانية، وأعضاء تكتل الجمهورية القوية ولجميع الذين شاركوا في هذه الندوة، والشكر الأكبر لرئيس الحزب، الدكتور جعجع، بحيث إنها المرة الأولى التي يستذكر فيها مالك في عيد مولده، أنا فخور جدا بوجودي اليوم معكم، فالقوات اللبنانية تستذكر والدي في كل مرحلة من تاريخ لبنان، وأنا أشعر أنني بين أهل بيتي".
كما أعرب مالك عن فخره " للتقدير العميق لفكر والدي السياسي، وتاريخ القوات النضالي لحماية لبنان الكيان الحر، والذي يجعلها الركن الصلب للمحافظة على لبنان الذي يشبهنا".
وسأل: "أليست كل المحاولات المستمرة لتغيير هوية لبنان الانفتاح والازدهار، والتعددية، لبنان الحر المنفتح ذو الهوية المزدوجة الغربية والعربية، إستهدافات مباشرة للبنان شارل مالك؟".
وإذ شدد مالك على أن "ما يشهده لبنان يتطلب رص الصفوف والوحدة في القرار إضافة الى المقاومة الحقيقية للمحافظة على البقاء الحر"، رأى مالك أن "في تجنب لبنان الزلزال الأخير، هناك يد العناية الإلهية فالله يريد أن يبقى لبنان ليزدهر".
وافتتح الندوة رئيس مصلحة "المهن القانونية" المحامي ألبير يمين الذي قال: "إنها فسحة للأمل والتفكير في ذكرى مولد شارل مالك المعلم، والفيلسوف، والمؤمن. فسحة للأمل والتفكير من قلب صخب العالم، من قلب هذا الضغط النفسي، والسياسي، والاقتصادي، والاجتماعي المتزايد يوما بعد يوم، من قلب هذا الفساد، والاهتراء، والفوضى، والتفكك المستمر لأوصال الدولة، من قلب هذا التلوث الفكري العبثي الذي يقض مضجعنا كل يوم ليس فقط كجماعات حزبية، أو حقوقية، أو ثقافية، أو أكاديمية، أو دينية، لا بل كمواطنين، لا بل كأشخاص".
واستطرد "لقد قرأ مالك قبل غيره الأخطار المطلة على لبنان، وأيقن أن الهجمة من بعض الشرق على قيم الغرب التي يجسدها لبنان ليست فقط بمن سيحكم لبنان، بل بمن سيملك لبنان، كما أيقن أنها هجمة لأضعاف كل ما هو شخصي، عنينا، العقل، والحرية والإنسان. أقتل الحرية الشخصية، تقتل أهم ما في الوجود، تقتل النور والحقيقة. إن أعداءنا، وأصدقاء أعدائنا، وأصدقاء أصدقاء أعدائنا، يريدون أن يرثوا لبنان، وفاتهم أنه "من يرث لبنان عليه أن يتعشق الحرية".
وتحدث في الجلسة الأولى من المحور الأول الذي حمل عنوان "شارل مالك بين الفلسفة والإيمان"، د. طوني نصرالله حيث تناول سيرة شارل مالك، ابتداء من ولادته في بطرام ـ الكورة مرورا بطفولته ومدارسه الابتدائية والثانوية والأكاديمية والديبلوماسية التي تبدأ مع تأسيس الأمم المتحدة، إذ وقع على ميثاقها باسم لبنان وترأس عدة لجان فيها مثل الجمعية العمومية ومجلس الأمن. وكان لمالك دورا محوريا في كتابة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وصياغته".
وقسم سيرة ملك السياسية في لبنان على مرحلتين: الأولى في خمسينيات القرن المنصرم كوزير خارجية لبنان لسنتين مفصليتين فيهما اندلعت "ثورة 1958". والثانية أبان الحرب اللبنانية كمؤسس ل "جبهة الحرية والإنسان"، كما أسماها هو، قبل أن يتغير اسمها رسميا في وقت لاحق لتصير "الجبهة اللبنانية". وكان مالك مقربا من بشير الجميل، مؤسس القوات اللبنانية.
وفي الجلسة الثانية التي حملت عنوان، "شارل مالك الفيلسوف المؤمن"، تحدث د. جورج صبرا في محاضرته عن بداية علاقة شارل مالك بالفلسفة ومسيرة دراسة مالك للفلسفة وتدريسه إياها. ثم شرح مكونات فكره وأهم مبادئه الفلسفية ـ العقل والتراث الحضاري المتراكم والحقيقة والحرية والإنسان. وربط ذلك كله بإيمان مالك المسيحي الذي كان إيمانا مسكونيا حقا. غرف من جميع التراثات المسيحية الحية ـ الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية.
وشدد صبرا أخيرا على كون فلسفة مالك تجسدت في كتاباته واهتماماته المتنوعة، أي في مواقفه الفكرية والثقافية والسياسية، وفي عمله الدبلوماسي ومقارعته الشيوعية الدولية ومساهمته في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأيضا في لبنانياته.
وفي المحور الثاني الذي حمل عنوان "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، تحدث في الجلسة الأولى بعنوان "شارل مالك والمبادئ الأربعة"، الدكتور وائل خير، متوجها في بداية حديثه إلى رئيس مصلحة "المهن القانونية، قائلا، عزيزي الدكتور البير يمين، شكري لك ولهيئة تنظيم اللقاء لاختياري لاعتلاء منصتكم. رجائي ألا تخيب كلمتي توقعاتكم.
وقسم كلمته إلى جزءين: القسم الأول: المبادئ الأربعة كما وردت في محاضر لجنة صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بتاريخ 4 شباط من العام 1947. كلمة مالك ورفضها من بعض الوفود وتردد البقية في قبولها. تبدل في موقف الولايات المتحدة في 5 شباط وإقرار المبادئ وتعليق مالك على كلمة اليانور روزفلت.
أما القسم الثاني فتناول الخلفيات المتعلقة بشارل مالك، من الحضارة الغربية واعترافها بأهمية الإنسان ووضع نظام قانوني لحماية هذه الحقوق، الى مسيحيي الشرق وهم يتماهون مع هذه الحضارة وكانوا أداة إدخالها الشرق والترويج لها وحمايتها (في لبنان)، تطور البنى الثقافية لمسيحيي لبنان في القرون الحديثة ودور جامعاتهم ابتداء من القرن التاسع عشر، فضلا عن دور "الزمن الماروني" في جعل إنجاز شارل مالك ممكنا".
وفي المحور الثالث الذي حمل عنوان، "شارل مالك والحرية"، ألقى د. ميشال الشماعي، كلمة تحت عنوان "جوهر القضية اللبنانية في فكر الدكتور شارل مالك"، قائلا، "يعتبر الإيمان جوهر وجود أي قضية في العالم. ويلي الإيمان عنصر الالتزام بهذا الإيمان الذي قد يؤدي بصاحبه إلى الشهادة لقضيته، وهذه الشهادة قد تصل أحيانا الى حد الاستشهاد، فخير شاهد هو الشهيد. والتلازم بين الإيمان الديني والإيمان بالقضية هو جوهري لأن كليهما يؤمن سيرورة الاستمرار في كنف الحرية الشخصية الكيانية التي وحدها تضبط إيقاع الوجود الإنساني ـ الإنساني".
وأضاف: "من هنا، تتجلى مفاهيم القضية اللبنانية التي تتوج بالوجود الإنساني الحر في لبنان، معطوفا على الإيمان الكياني أولا والديني ثانيا. ونحن نستمد بعدنا الكياني من تجذرنا المسيحي في أرضنا هذه، ومن قدرتنا على التواصل مع الآخر المختلف عنا. وترتبط القضية اللبنانية بشكل لا يقبل التجزئة بالحرية والكرامة الإنسانية في كل زمان وفي كل مكان. كي لا يتحول الحضور الفاعل إلى مجرد وجود رقمي يذوب في العامل الديموغرافي متى تبدلت الظروف. لأن الوجود فعل، والحضور تفاعل. الوجود هيئة، الحضور هيبة. الوجود جدلي، الحضور ديناميكي."( ) وما بين الحضور والوجود يجب أن نعيش حريتنا في لبنان".
في ذكرى ميلاده ندوة بعنوان "شارل مالك المعلم، الفيلسوف والمؤمن ، فسحة للأمل والتفكير في صخب العالم"
نظمت مصلحة المهن القانونية في حزب "القوات اللبنانية" ندوة بعنوان "شارل مالك المعلم، الفيلسوف والمؤمن، فسحة للأمل والتفكير في صخب العالم"، في ذكرى ميلاد مالك، في حضور أعضاء تكتل "الجمهورية القوية" النواب: فادي كرم، غياث يزبك والنائب السابق وهبه قاطيشا، وأمين سر التكتل سعيد مالك، نجل المفكر شارل مالك حبيب، ممثل المفوضية العليا للأمم المتحدة في لبنان علاء قاوود، نقيب المهندسين في الشمال بهاء حرب، ممثل نقيب المحامين في بيروت سعد الدين الخطيب، الأمين المساعد لشؤون المصالح في "القوات" نبيل أبو جودة، إضافة الى رئيس جمعية "عدل ورحمة" الأب نجيب بعقليني، مدير جامعة الـLAU في الكورة الأب فرانسوا عقل، ممثلة عن رئيسة جامعة الحكمة الدكتورة جومانا الدبس، مدير كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية الدكتور أمين لبس، رؤساء مصالح المحامين في حزب الكتائب موريس الجميل، مفوض العدل في الحزب التقدمي الاشتراكي سوزان إسماعيل، ممثل المحامين في حزب "الوطنيين الأحرار" جان أبي زيد ضو، وبعض من أعضاء الجبهة السيادية، ولفيف من رجال الدين، حشد من مسؤولي القوات والشخصيات الفكرية والإعلامية والاقتصادية وعدد كبير من المحامين.
استهل جعجع كلمته، بشكر الحضور فردا فردا على قدومهم الى هذه الندوة التي يعتبرها البعض أنها "ناشفة لكنها مهمة جدا بالنسبة للبقية وأنا منهم"، توجه جعجع بتهنئة مصلحة المهن القانونية في القوات لإنجاح هذه المناسبة المهمة بالتنسيق مع كل الدوائر والأجهزة في القوات. وقال: "كان لي حظ كبير أن أعايش شارل مالك لحظات قليلة، وكنت أسرق الأوقات أثناء الأحداث وأسير معه في حديقته أمام منزله في الرابية، وبعد تطور علاقتنا به، بات مالك عند كل حدث أمني يتوجه الى المجلس الحربي، ويتصرف كالصحافي ويبدأ بطرح الأسئلة عما يجري مع تدقيق بالتفاصيل".
وتابع: "إن ننسى لا ننسى، ليس فقط الذين استشهدوا كي نبقى نحن، (هذه العبارة لا أشبع منها حتى لو سمعتها كل يوم وكل دقيقة، خصوصا بصوت شارل مالك وتحديدا عبر أثير إذاعة لبنان الحر) إنما أيضا وأيضا الذين أفنوا حياتهم على دروب العلم الغزير، والفكر، والكلمة الحرة، والكتابة بإيمان الرسل والمبشرين، والكلام ببصيرة الرؤيويين، كي نبقى نحن، وتبقى الحرية، ويبقى الإنسان، ويبقى لبنان... وفي طليعة هؤلاء الرجالات العظام، العملاق الفكري الكبير شارل مالك".
وأشار الى "أننا لا نحيي اليوم فقط ذكرى ولادة شارل مالك الذي توفي بالجسد، لكن فكره يحيا حتى انقضاء الدهور، بل نحيي معها أيضا ذكرى الأسس الفكرية والمرتكزات الأخلاقية والثوابت التاريخية للمقاومة اللبنانية الحقة، وللكيانية اللبنانية على حد سواء، فهنيئا لنا بهذا اليوم المجيد".
واعتبر أن "مالك اسم يجسد بفكره مسيرة شعب لبناني معاند في تمسكه بالحرية وتوقه الدائم للانعتاق والتطور والتغيير طوال مئات السنين، وتاريخ بلاد أرز من بدايات كينونتها الوعرة في موئل الجبة ووادي قنوبين، حتى تكريس نهائية كيانيتها في دولة لبنان الكبير، وإيمان وعنفوان وصمود مقاومة حقة، لبنانية كيانية متواصلة، من تصديها للمشاريع الانصهارية، مرورا بإسقاط دولة التوطين، وصولا لإخراج الاحتلال، واستمرارا حتى إفشال كل محاولات الترويض والتيئيس والتركيع بغية تغيير الهوية، وما زالت مقاومة شعبنا هذه تتوالى فصولا كل يوم حتى التخلص من التركيبة السلطوية المهترئة ومن وراءها، وانتصار لبنان شارل مالك من جديد".
كما أكد انه "فكر يكاد يختصر سيرورة إنسانية كاملة، في مراحل تفاعلها الحضاري وتطورها الفكري واختمارها الثقافي والقيمي، حتى بلوغها الغاية الأسمى في الخير والحق والحرية والعدالة والعيش الكريم، على كل المستويات، عاملا على التوفيق بين الإيمان والتفكير العقلاني المجرد، مبتدعا صيغة فلسفية تتماهى فيها قيم الأرض مع طبيعة السماء، جامعا مجد الحضور الإنساني من طرفيه المادي والروحاني، جاعلا الأرض مرآة صافية للسماء حتى يتم المعنى الحقيقي لرسالة الإنسان فيها، وحتى يكون كما في السماء كذلك على الأرض".
وإذ شدد على انه "بين القضية اللبنانية وشارل مالك، الفيلسوف المسيحي المؤمن، ينبوع من العطاء المتبادل الذي لا ينضب وهو الأسمى والأعمق والأنبل"، قال جعجع: "القضية اللبنانية" أعطت مالك النموذج التطبيقي الصارخ حول تجلي فكرة الحرية في بقعة جغرافية محاطة بالأخطار الوجودية والأفكار الإلغائية، ومأسستها على شكل دولة ذات سيادة وطنية، وتحول فكرة الحرية هذه إلى نبراس إيمان شعب قدم، طوال قرون، أمثولات في مقاومة الاحتلال والظلم والباطل والعبثية، مما أيقظ بداخله الوعي والتصورات حول أحقية كل المضطهدين والمقهورين في الشرق والعالم، بالتمتع بالأمن والحرية، والأمان، والعيش الكريم، والمساواة، والحق بالاختلاف، والتعددية".
وأضاف: "هو بالمقابل أعطاها زهرة شبابه وزبدة تفكيره وعصارة خلاصاته، مترجما نماذجها التطبيقية إلى أفكار وطروحات نظرية وفلسفية تتكامل مع الوقائع العملية، محولا نفسه رسولا ومبشرا ومنظرا لها في الندوات اللبنانية والمحافل العربية والدولية، محلقا بها بأجنحة عقله الراجح وإيمانه العميق واستنارة فكره، نحو أعلى قمم الإنسانية، مانحا إياها أبعادها الإنسانية والعالمية والحقوقية، موفرا لها بكتاباته مرتكزاتها الفكرية وثوابتها الوطنية والسياسية والأخلاقية، والتي تحولت هي نفسها ثوابت ومرتكزات المقاومة اللبنانية الحقة، متخذا من هذه التجربة اللبنانية الرائدة منطلقا لتعميمها على مستوى الفكر الإنساني أجمع، عبر تظهيرها وتأطيرها بنودا وفقرات من خلال دوره الفاعل في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان".
وأردف: "تحت مصالحهم الشخصية، ترك البعض بلادهم، وعائلاتهم، وشعبهم، تحت شعار أنهم يرفضون أن يتلطخ يدهم بالدم، فهؤلاء المسؤولون الذين غادروا الى الخارج هم أكثر أناس تلطخت يدهم بالدم".
ولفت رئيس "القوات" الى انه "مثلما هب شبان وشابات "المقاومة اللبنانية" الحقة للاستشهاد في سبيل هذه القضية عندما تهددتها الأخطار الوجودية، تجند مالك للدفاع عنها بكل طاقاته وإمكاناته وعلاقاته العربية والدولية، ولم يفكر لحظة واحدة بمغادرة لبنان والنأي بنفسه عن الأخطار الشخصية، متمتعا بامتيازات جنسيته الأميركية وترحيب دول العالم الحر به في ربوعها، انطلاقا من إسهاماته الإنسانية وهامته العالمية، بل فضل العودة الى جذور وعيه وتصوراته ومنطلقاته الفكرية والإيمانية الأولية، الصافية، الأساسية، وعيش الأخطار المباشرة مع شعبه بجانب المسيح الحي، على العيش بأمان بعيدا عنهما في أي مكان، مساهما في تأسيس إطار سياسي جامع للدفاع عن القضية اللبنانية والحقوق الأساسية للمجموعات الحضارية اللبنانية، عرف باسم جبهة الحرية والإنسان ولاحقا الجبهة اللبنانية".
وأردف: "وضع خبراته ورؤيويته وأطروحاته الفلسفية والسياسية حول لبنان والإنسان، والحرية، والتعددية، بتصرف قيادات المقاومة اللبنانية، خدمة للقضية اللبنانية، فكان نقطة ارتكاز خلفيتها الفكرية، والمعلم لأجيال المقاومة، والمرجعية، بحيث كان لي شخصيا شرف أن أكون واحدا من هؤلاء".
ورأى انه "على الرغم من مكانة مالك العالمية وثقافته الموسوعية، إلا أن الغرور والتعالي والكبرياء والتعامي عن الوقائع الحقيقية واتباع الكلام الدبلوماسي والسياسة الرمادية، لم يجدوا إلى عقل شارل مالك وفكره وحديثه سبيلا، بل كان "رجلا شاملا"، متصالحا مع نفسه، صادقا، حقيقيا، متجردا وموضوعيا، مؤمنا إيمانا عميقا بأن مملكته الفعلية ليست من هذا العالم، فكان سجين مثاليته وأفكاره المبدئية، وأسير التزاماته الأخلاقية تجاه شعبه أولا وتجاه كل الإنسانية على حساب أي مصالح مادية وشخصية، معيدا ربط الأخلاق بالسياسة".
وتابع: "كبرت الجبهة اللبنانية به، مثلما كبرت به كل البشرية، من دون أن يشعره حضوره ضمن حيزها السياسي المحدد مسيحيا والمحدود لبنانيا، والمحاصر داخليا وإقليميا، بأي خدش لكبريائه أو انتقاص من هالته المعنوية ومكانته العالمية أو الحد من رؤيويته الشاملة الشمولية، بل كلما كان الخطر يدنو من لبنان وشعبه أكثر، كلما كان يفعل محركات حضوره داخل الجبهة أكثر فأكثر، مسخرا شمولية فكره واتساعه لاجتراح أي صيغة سياسية ممكنة أو أي تركيبة دستورية متاحة لفك الحصار عن لبنان واللبنانيين، واختراق الأفق الوطني المسدود مما هو فيه من عوائق وصعوبات وأخطار أمنية واجتماعية واقتصادية ووجودية، نحو واقع سياسي واجتماعي واقتصادي وأمني ودستوري جديد، يضمن لهذا المجتمع ولكل المجموعات الحضارية فيه، الأمن والكرامة والازدهار والحرية، مضاعفا بالتوازي من التزامه بقضية الإنسان في لبنان، حيث تتقزم وتختفي أمامها كل اعتبارات ثانية، وتصبح بلا أي قيمة فعلية".
واعتبر أن "الإنسان في فكر شارل مالك، وفي كل فكر إنساني وفلسفي راق، هو القيمة الأولى في هذا الوجود: حريته، كرامته، وجوده، حقوقه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وكل ما عدا ذلك وجد بالأساس في خدمة هذا الإنسان، وليس العكس"، مشيرا الى انه "عندما تسلب أي وضعية سياسية أو أي تركيبة سلطوية وجدت بالأساس لخدمة الإنسان، حرية هذا الإنسان، وكرامته، وحقوقه الأساسية، تفقد هذه التركيبة مبرر وجودها بالأساس، ويصبح البحث عن تركيبة جديدة لتصويب هذا الاختلال البنيوي، وإعادة تأمين هذه الحقوق الأساسية وضمانها من جديد، أمرا ملحا، ومشروعا، وضروريا، وإنسانيا، وحتى شرعيا ودستوريا".
وأكد جعجع أن "ما نشهده في لبنان على يد تركيبة سلطوية فاسدة ومستبدة ومستقوية بسلاح غير شرعي، ومع ذلك تنتحل صفة الشرعية والدستورية، لجهة انتهاكها الصارخ والمتمادي لأبسط مضامين الكرامة الإنسانية، من عيش لائق ووجود كريم، وسدها كل آفاق التغيير الطبيعي المشروع أمام اللبنانيين من ضمن ما هو قائم سياسيا ودستوريا وحتى تعطيل إجراء انتخابات رئاسية في مواعيدها الدستورية، وصولا إلى إخراجها لبنان من الجمعية العامة للأمم المتحدة وإعلانه دولة فاشلة وساقطة"، مشددا على أن "ذلك كله يشكل اغتيالا للبنان شارل مالك، وطعنا لإنسانه عن سابق تصور وتصميم، وهذا ما يحدونا، ويحدو كل اللبنانيين الأحرار، إلى البحث عن تركيبة جديدة تعيد لبنان إلى ثوابت شارل مالك، تخلصنا من كل ما يقوي ويسعر الشعور والتعصب الطائفي، وتعيد الاعتبار للإنسان في لبنان بوصفه القيمة الأولى في هذا الوجود، كما يريد شارل مالك".
أضاف: "لو أن شارل مالك بيننا اليوم، ورأى ما حل بالإنسان في لبنان، بفعل تركيبة سلطوية مماثلة، لما تردد لحظة واحدة في التصديق بالعشرة على هذا الكلام، لا بل كان هو من يتقدم الصفوف ويأخذ كل الكلام، ونحن أكثر المنصتين، وأول المصفقين".
وختم جعجع: "إذا كان "ليس لنبي كرامة في وطنه" (يوحنا، الفصل الرابع، الآية 44) غير أن شارل مالك قد شذ عن هذه القاعدة، فصمود شعبه اللبناني في أرضه، وإيمان هذا الشعب بالحرية، وسعيه الدؤوب في سبيل استعادة كرامته الشخصية والوطنية، ونضاله الشرس للخروج من دوامة هذه التركيبة السلطوية المهترئة باتجاه واقع أفضل وغد جديد، هو فعل تكريمي يومي مستمر لشارل مالك، وما من تكريم يليق به أعظم من هكذا تكريم".
كرم
بدوره أوضح النائب كرم، أنه "حين تداول مالك السياسة اللبنانية لم يتناولها من منطلقات تقليدية آنية ومرحلية، بل كان بحثه في عمق معانيها الوجودية والثقافية وفي ثوابت هوية وطن الأرز، التي من دونها يزول لبنان، كما حدد ركائز وشروط استمرار هذا الوطن المميز وأشار في الوقت ذاته الى حاجته لثورة تسعى الى تحقيق وتثبيت "الحرية الكيانية والشخصية الأصيلة" وتؤكد على "حس المسؤولية أمام الضمير وأمام المجتمع وأمام التاريخ وأمام الله" وكم كان للضمير من مكانة في فكر شارل مالك السياسي، الذي نظر الى العمل السياسي الحقيقي كشأن نبيل لا يجب أن يحمله إلا من كان جديا ورؤيويا وصاحب ضمير".
وأضاف: "أيد شارل مالك في مقالاته النظام السياسي الاجتماعي القائم في لبنان ولكنه وضح انه ضده في آن واحد، فهو مع النظام بقدر ما يؤمن الحريات السياسية ولا يتعرض الى جوهر المؤسسات الدينية والاقتصادية الحافظة للكينونة وللاتجاه الحضاري، وبقدر ما يحافظ على التوازن والعلاقة والشراكة بين الفئات اللبنانية، وهو في الوقت ذاته ضده بقدر ما هذا النظام يقصر في تحقيق هذه الموجبات والركائز".
وأشار كرم إلى أن "شارل مالك السياسي فهم وأفهم معنى الوجودية للبنان الوطن، وتبقى طروحاته أساسا قويا للنقاشات والحوارات والصراعات السياسية الدائرة حاليا، وتتمثل بمواقفنا وبتموضعنا الوطني الذي نؤكده بشكل دائم، فنحن بقدر ما نعمل للبنان الوطن الجامع على أسس الشراكة والتوازن والانتماء الصافي والدولة العميقة، بقدر ما نحن متمسكون بهويتنا الثقافية ووجودنا الحر وإرثنا الحضاري وتاريخنا المشرف وشهدائنا الأبطال ونضالاتنا المستمرة، ولن نتوانى لحظة عن الدفاع عنها كلها".
وأكد "أن ننسى فلن ننسى شهداءنا الذين استشهدوا كي نبقى نحن، أن ننساهم إنها الخطيئة المميتة، وأن ننساهم يعني أننا نحن نستحق النسيان" ولذلك ولأننا لم ننسهم ولن ننساهم يوما، فقضيتهم، أي قضيتنا تعيش معنا لحظة بلحظة، وفي كل قراراتنا السياسية، ولأننا مستعدون للدفاع عنها، فلن تكون في النسيان أبدا".
وأردف: "عرف شارل مالك في زمنه الصراع السياسي أنه بين هؤلاء الذين يؤمنون بالشفافية والصدق والجدية والحريات وهؤلاء الذين ينعمون بالحماية من السلطة لاستخدامها ضد الآخرين. وما زال الصراع ذاته يدور في زمننا هذا، والخط الفاصل بين المحورين، لا مكان معه لأنصاف الحلول ولأماكن الظل، فإما الوطن الذي أراده شارل مالك ونصح به وإما السقوط في شباك الأنظمة المتخلفة".
وتابع: "بئس الزمن الذي وصل فيه وطن شارل مالك الى أن تكون عضويته في المؤسسة الأممية مهددة، حين كان لشارل مالك الدور الأساسي لوضع شرعتها لحقوق الانسان، وبئس الزمن الذي تعرضت فيه عاصمة وطن شارل مالك لأكبر انفجار في العصر، وتعرقل العدالة من قبل حكامه للوصول الى الحقيقة، ولكن "لا يصح إلا الصحيح" طالما قررنا نحن، الصمود".
مالك
أما نجل شارل مالك، حبيب فقال: "باسمي وباسم عائلتي أتوجه بالشكر من القلب لمصلحة المهن القانونية في القوات اللبنانية، وأعضاء تكتل الجمهورية القوية ولجميع الذين شاركوا في هذه الندوة، والشكر الأكبر لرئيس الحزب، الدكتور جعجع، بحيث إنها المرة الأولى التي يستذكر فيها مالك في عيد مولده، أنا فخور جدا بوجودي اليوم معكم، فالقوات اللبنانية تستذكر والدي في كل مرحلة من تاريخ لبنان، وأنا أشعر أنني بين أهل بيتي".
كما أعرب مالك عن فخره " للتقدير العميق لفكر والدي السياسي، وتاريخ القوات النضالي لحماية لبنان الكيان الحر، والذي يجعلها الركن الصلب للمحافظة على لبنان الذي يشبهنا".
وسأل: "أليست كل المحاولات المستمرة لتغيير هوية لبنان الانفتاح والازدهار، والتعددية، لبنان الحر المنفتح ذو الهوية المزدوجة الغربية والعربية، إستهدافات مباشرة للبنان شارل مالك؟".
وإذ شدد مالك على أن "ما يشهده لبنان يتطلب رص الصفوف والوحدة في القرار إضافة الى المقاومة الحقيقية للمحافظة على البقاء الحر"، رأى مالك أن "في تجنب لبنان الزلزال الأخير، هناك يد العناية الإلهية فالله يريد أن يبقى لبنان ليزدهر".
وافتتح الندوة رئيس مصلحة "المهن القانونية" المحامي ألبير يمين الذي قال: "إنها فسحة للأمل والتفكير في ذكرى مولد شارل مالك المعلم، والفيلسوف، والمؤمن. فسحة للأمل والتفكير من قلب صخب العالم، من قلب هذا الضغط النفسي، والسياسي، والاقتصادي، والاجتماعي المتزايد يوما بعد يوم، من قلب هذا الفساد، والاهتراء، والفوضى، والتفكك المستمر لأوصال الدولة، من قلب هذا التلوث الفكري العبثي الذي يقض مضجعنا كل يوم ليس فقط كجماعات حزبية، أو حقوقية، أو ثقافية، أو أكاديمية، أو دينية، لا بل كمواطنين، لا بل كأشخاص".
واستطرد "لقد قرأ مالك قبل غيره الأخطار المطلة على لبنان، وأيقن أن الهجمة من بعض الشرق على قيم الغرب التي يجسدها لبنان ليست فقط بمن سيحكم لبنان، بل بمن سيملك لبنان، كما أيقن أنها هجمة لأضعاف كل ما هو شخصي، عنينا، العقل، والحرية والإنسان. أقتل الحرية الشخصية، تقتل أهم ما في الوجود، تقتل النور والحقيقة. إن أعداءنا، وأصدقاء أعدائنا، وأصدقاء أصدقاء أعدائنا، يريدون أن يرثوا لبنان، وفاتهم أنه "من يرث لبنان عليه أن يتعشق الحرية".
وتحدث في الجلسة الأولى من المحور الأول الذي حمل عنوان "شارل مالك بين الفلسفة والإيمان"، د. طوني نصرالله حيث تناول سيرة شارل مالك، ابتداء من ولادته في بطرام ـ الكورة مرورا بطفولته ومدارسه الابتدائية والثانوية والأكاديمية والديبلوماسية التي تبدأ مع تأسيس الأمم المتحدة، إذ وقع على ميثاقها باسم لبنان وترأس عدة لجان فيها مثل الجمعية العمومية ومجلس الأمن. وكان لمالك دورا محوريا في كتابة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وصياغته".
وقسم سيرة ملك السياسية في لبنان على مرحلتين: الأولى في خمسينيات القرن المنصرم كوزير خارجية لبنان لسنتين مفصليتين فيهما اندلعت "ثورة 1958". والثانية أبان الحرب اللبنانية كمؤسس ل "جبهة الحرية والإنسان"، كما أسماها هو، قبل أن يتغير اسمها رسميا في وقت لاحق لتصير "الجبهة اللبنانية". وكان مالك مقربا من بشير الجميل، مؤسس القوات اللبنانية.
وفي الجلسة الثانية التي حملت عنوان، "شارل مالك الفيلسوف المؤمن"، تحدث د. جورج صبرا في محاضرته عن بداية علاقة شارل مالك بالفلسفة ومسيرة دراسة مالك للفلسفة وتدريسه إياها. ثم شرح مكونات فكره وأهم مبادئه الفلسفية ـ العقل والتراث الحضاري المتراكم والحقيقة والحرية والإنسان. وربط ذلك كله بإيمان مالك المسيحي الذي كان إيمانا مسكونيا حقا. غرف من جميع التراثات المسيحية الحية ـ الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية.
وشدد صبرا أخيرا على كون فلسفة مالك تجسدت في كتاباته واهتماماته المتنوعة، أي في مواقفه الفكرية والثقافية والسياسية، وفي عمله الدبلوماسي ومقارعته الشيوعية الدولية ومساهمته في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأيضا في لبنانياته.
وفي المحور الثاني الذي حمل عنوان "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، تحدث في الجلسة الأولى بعنوان "شارل مالك والمبادئ الأربعة"، الدكتور وائل خير، متوجها في بداية حديثه إلى رئيس مصلحة "المهن القانونية، قائلا، عزيزي الدكتور البير يمين، شكري لك ولهيئة تنظيم اللقاء لاختياري لاعتلاء منصتكم. رجائي ألا تخيب كلمتي توقعاتكم.
وقسم كلمته إلى جزءين: القسم الأول: المبادئ الأربعة كما وردت في محاضر لجنة صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بتاريخ 4 شباط من العام 1947. كلمة مالك ورفضها من بعض الوفود وتردد البقية في قبولها. تبدل في موقف الولايات المتحدة في 5 شباط وإقرار المبادئ وتعليق مالك على كلمة اليانور روزفلت.
أما القسم الثاني فتناول الخلفيات المتعلقة بشارل مالك، من الحضارة الغربية واعترافها بأهمية الإنسان ووضع نظام قانوني لحماية هذه الحقوق، الى مسيحيي الشرق وهم يتماهون مع هذه الحضارة وكانوا أداة إدخالها الشرق والترويج لها وحمايتها (في لبنان)، تطور البنى الثقافية لمسيحيي لبنان في القرون الحديثة ودور جامعاتهم ابتداء من القرن التاسع عشر، فضلا عن دور "الزمن الماروني" في جعل إنجاز شارل مالك ممكنا".
وفي المحور الثالث الذي حمل عنوان، "شارل مالك والحرية"، ألقى د. ميشال الشماعي، كلمة تحت عنوان "جوهر القضية اللبنانية في فكر الدكتور شارل مالك"، قائلا، "يعتبر الإيمان جوهر وجود أي قضية في العالم. ويلي الإيمان عنصر الالتزام بهذا الإيمان الذي قد يؤدي بصاحبه إلى الشهادة لقضيته، وهذه الشهادة قد تصل أحيانا الى حد الاستشهاد، فخير شاهد هو الشهيد. والتلازم بين الإيمان الديني والإيمان بالقضية هو جوهري لأن كليهما يؤمن سيرورة الاستمرار في كنف الحرية الشخصية الكيانية التي وحدها تضبط إيقاع الوجود الإنساني ـ الإنساني".
وأضاف: "من هنا، تتجلى مفاهيم القضية اللبنانية التي تتوج بالوجود الإنساني الحر في لبنان، معطوفا على الإيمان الكياني أولا والديني ثانيا. ونحن نستمد بعدنا الكياني من تجذرنا المسيحي في أرضنا هذه، ومن قدرتنا على التواصل مع الآخر المختلف عنا. وترتبط القضية اللبنانية بشكل لا يقبل التجزئة بالحرية والكرامة الإنسانية في كل زمان وفي كل مكان. كي لا يتحول الحضور الفاعل إلى مجرد وجود رقمي يذوب في العامل الديموغرافي متى تبدلت الظروف. لأن الوجود فعل، والحضور تفاعل. الوجود هيئة، الحضور هيبة. الوجود جدلي، الحضور ديناميكي."( ) وما بين الحضور والوجود يجب أن نعيش حريتنا في لبنان".
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا