شيخ عقل الدروز ووزير الثقافة والمكتبة الوطنية في بعقلين كرموا الاديب الازهري شوقي حمادة
الرئيسية ثقافة / Ecco Watan
الكاتب : محرر الصفحة
Oct 24 22|21:33PM :نشر بتاريخ
اقامت مكتبة بعقلين الوطنية احتفالا تكريميا للأديب شوقي اليوسف حمادة برعاية وحضور وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى ومشاركة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الدكتور سامي ابي المنى والنائب مروان حمادة وعدد كبير من الادباء والشعراء والمفكرين ورئيس مؤسسة العرفان التوحيدية الشيخ نزيه رافع ومديرة الكونسرفتوار الوطني هبة قوّاص ومدير المكتبة غازي صعب وحشد من الاهالي.
وبعد كلمة من الاديب ميشال كعدي باسم اصدقاء المكّرم، منوّها بمسيرته الثقافية والادبية على مدى خمسين عاما من نشر الفكر على المنابر والمنتديات”، وبأبيات شعرية ضمن قصيدة معبّرة، كانت كلمة لسماحة شيخ العقل جاء فيها:
“قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ”. صدق اللهُ العظيم
صاحبَ المعالي، الأخُ المكرَّم، أيُّها الأُخوةُ والأحبّة،
نلتقي اليومَ لتكريم الأستاذ الألمعيّ شوقي حمادة، وتكريمُه تكريمٌ لأهلِ الأدب الصحيح واللسان العربيِّ الفصيح، كيف لا؟ وهُو مَن أُعطيَ العلمَ فقدَّر، ووُهِبَ الفضلَ فشكر، وهُو اللائذُ منذ البدء في حِمى الإسلام والتوحيد، والعارفُ بصدقٍ أن ربَّه غنيٌّ كريم، لعلَّنا في هذا اللقاء نبتعدُ معاً، ولو قليلاً، عمَّا نشهدُه في بلدِنا من فسادٍ ويأسٍ وانهيارٍ سياسيٍّ وأخلاقيٍّ واجتماعيٍّ واقتصاديّ، فنعيشُ لحظةً من الأمل والرجاء وحالةً من الصفاء والارتقاء.
أمَّا حضورُنا في مكتبة بعقلينَ الوطنية معَ نخبة أهل الأدب والثقافة فأمرٌ طبيعيٌّ وواجبٌ أخلاقيّ، من أيِّ موقعٍ أتينا، أكان من موقع شخصيّ، أم من موقعٍ تربويٍّ عرفانيّ، أم من موقعٍ ثقافيٍّ أدبيٍّ، أم من موقعٍ دينيٍّ وحواريّ، أم من موقعِ اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي، أم من موقع مشيخة العقل التي تحتضنُ كلَّ ذلك الإرثِ وتحتضنُ كلَّ ذلك التكريمِ وكلَّ تلك المواقع، فالثقافةُ عنوانٌ أساسيٌّ في مهمّتِنا والمكتبةُ جزءٌ عزيزٌ من مسيرتِنا.
في مكتبةِ بعقلين الوطنيةِ نجدُ ضالَّتَنا الثقافيّة، وفي بعقلين نرى عمقَنا الروحيَّ مُستمَدَّا من تاريخِها التوحيديِّ والوطنيّ ومن مَعينِ شيخِنا الجواد والمشايخِ الأجلَّاء، وقد رافقنا حدَثَ افتتاح المكتبة باندفاعٍ وعنفوان منذ أن تحوَّلَ المكانُ من سجنٍ مُغلَقٍ إلى مِنبرٍ ثقافي، فكنَّا دائماً من المعتزِّين بافتتاحِه والمساهمين في انفتاحِه، ولم نكن يوماً بعيدين عن إدارة المكتبة وعن مناسباتِها وعن كتبِها، وهي التي شكَّلت لنا واحةً للعلم والمعرفة والثقافة، وكانت المتنفَّسَ الروحيَّ والفكريَّ والنفسيَّ لأبناء الجبل المتعطِّشينَ للمعرفة، ولغيرِهم من الطلاب والباحثينَ الذين ارتادوا قاعاتِها وتفاعلوا معَ نشاطاتِها على مدى عشرات السنين، والتي عادت لتنطلقَ اليومَ من جديد، لا سيَّما في ظلِّ وزارةٍ راعية ساهرة ووزيرٍ متميِّزٍ برؤيتِه واندفاعه واحتضانه للحركة الثقافية على امتداد الوطن، ودائماً وأبداً بدعمٍ ومساندة أبوية رؤيويّةٍ من ربِّ البيت وصاحبِ الدار الأستاذ وليد بك جنبلاط.
في مكتبة بعقلينَ الوطنية نختتمُ جولةَ اليومِ الثقافيةَ في منطقة الشوف، بعد أن تعذَّر علينا للأسف بدؤُها منذ أيام بزيارة متحفَي العرفان وكهف الفنون كما كان مقرَّراً، واللذَين يعنيانِ لنا الكثيرَ بما يحتويانِ من كنوزٍ تراثيَّةٍ فنيَّةٍ رائعة؛ هذه الجولةَ التي نظَّمتْها لنا اليومَ إدارةُ المكتبة واللجنةُ الثقافية في المجلس المذهبي مشكورتَين، وكان لنا الحظُّ والشرفُ بمتابعتِها ومعالي وزير الثقافة، ليكونَ مسكُ ختامِها رعايةَ وتكريمَ أديبٍ من أدبائنا، ولغويِّ من جهابذة اللغة عندنا، وباحثٍ متعمِّقٍ في العلوم اللغوية والإسلامية، وكاتبٍ دقيقٍ رقيق، وخطيبٍ مُفوَّهٍ بارع، رصينِ العبارة، عذبِ اللفظِ والنُطق، معروفٍ بفصاحته وبلاغته وخطِّه اليدويِّ المنسَّقِ الجميل الذي أتحفني به مرَّاتٍ عدَّة، كما أتحف به العديدَ من أصدقائه عبر رسائلَ قصيرةٍ معبِّرة مضموناً وأسلوباً ومظهراً، وبكثيرٍ من الأدب والتهذيب والدقَّة والإيجاز، وهو القائلُ لنا مراراً، تذكَّروا أُخوتي دائماً أنَّ “الإعجازَ في الإيجاز”.
الأستاذ شوقي اليوسف حمادة، لمعَ اسمُه باكراً، وعرفناه أوَّلَ ما عرفناه في مطلعِ فتوَّتِنا وشبابِنا على صفحات مجلّة الضُّحى يوم كان أميناً على بعض صفحاتِها ومؤتَمناً ومستشاراً لدى علمٍ من أعلام الموحدينَ الدروز المرحومِ الشيخ محمد أبو شقرا شيخِ العقل الأرفع للطائفة آنذاك، والذي أدرك ما يختزنه ذلك الشابُ القادمُ من جامعة الأزهرِ في القاهرة من نبوغٍ وثقافةٍ عالية، والمتقدِّمُ على سواه ممَّن تخرَّجوا وتخصَّصوا في اللغة والفقه والأدب، فاحتفى الشيخُ الوَقورُ بالشابّ الأزهريِّ الواعد، واغتنى الشابُّ الرزينُ المتحدِّرُ من عائلةٍ معروفيّةٍ عريقةٍ بحكمة الشيخ وصدق حَدسِه وحُسن رعايتِه.
شوقي حمادة لا أنسى أنَّك شجّعتنا في البدايات، وشددتَ على أيدينا، وزوّدتنا عند الحاجة بمعلومات مفيدة من لدنك، شعراً ونثراً، أدباً وتاريخاً، لذا أحببتُ أن أكونَ معك وإلى جانبِك في حفل تكريمِك، وأن أكونَ إلى جانب أحبَّائي في بعقلينَ والشوف، لأكثرَ من سببٍ ودافع، ليس بدافع المحبة منّي شخصياً وحسب، ولا بدافع التقدير والوفاء من مشيخة العقل فقط، ولا حصراً بدافع حضورِ معالي وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى ورعايتِه الكريمة، وهو الواسعُ الأُفُقِ والمعرفة والثقافة، ولا بما تَعنيه لي مكتبةُ بعقلينَ الوطنيةُ من رمزيّةٍ ومكانة، بل لكلّ هذه الدوافعِ والأسباب وأكثر، حملتُ حبِّي وتقديري، مرتدياً عباءتي الروحية، وأتيتُ إليكم لأقفَ معكم شاهداً على تكريمٍ مستحَقٍّ لرجلٍ مستحِقّ، ولَعمري فإنَّ في ذلك بعضَ الوفاء ونفحَاً من رسالةٍ أحملُها في مشيخة العقل ونحملُها في اللجنة الثقافية وفي المجلس المذهبي، رسالةِ انفتاح الدين على المعارف والعلوم، ورسالةِ الارتقاء بالثقافة إلى أن تكون سبيلاً لتحقيق عالَمٍ أكثرَ إنسانية، وفي ذلك تلتقي الرسالتان؛ رسالةُ العلم والثقافة ورسالةُ الدين والتوحيد”.
وختم سماحته: “شكراً لك معالي الوزير على رعايتِك والتفاتتِك الكريمة، شكراً لك حضرةَ مدير المكتبة، شكراً لكم إخوتي في اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي، ومبارَكٌ التكريم لنا ولكم جميعاً ولبعقلينَ العزيزةِ، ولابن بعقلين البار الذي أراه مكرَّماً بما هو كامنٌ فيه من صفات، لا بما نُضفي عليه من مواصفات، ولذا أسمح لنفسي أن أُهديَه بيتينِ من الشعر ختاماً، فأقول:
شوقي لشوقي كشوقِ العينِ للهُدُبِ،
شوقي كتابٌ، وبي شوقٌ إلى الكُتُبِ
شوقي كجمرٍ تراهُ كامناً، فإذا نفختَ فيهِ تجلَّتْ روعةُ اللَّهَـبِ
تحيةً لكم، والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه.
ثم القى صاحب الوزير القاضي المرتضى كلمة جاء فيها: “للباحثين أن يتحيروا ما شاءوا في معنى اسم بعقلين، وأن يختلفوا في نِسبة جَذْرِهِ إلى السُّريانيةِ أو العربية أو سواهما، وأن يتأوَّلوا تاريخَها وأخبارَها على النحوِ الذي يريدون؛ أما بالنسبة لي أنا، كوزير للثقافة في الجمهورية اللبنانية، فتكفيني منها صفاتٌ ثلاثٌ، لا أظنُّها اجتمعَت في أيِّ مدينةٍ أو بلدةٍ أو دَسْكَرَةٍ أخرى من أرض لبنان.
أولُها أن بعقلين “مدينةُ التواصل الثقافي”، سُمِّيَت هكذا بموافقةٍ رسمية من وزارة الثقافة، منذ عشرين عامًا بالتمام والكمال. وأن هذه التسمية، كما نقول في علم القانون، ذاتُ مفعول إعلانيٍّ لا إنشائي، أي أنها جاءت وصفًا لواقع الحال الذي وَسَمَ حَراكَها الثقافيَّ على امتدادِ سنين، في مجالات كثيرة أَخُصُّ منها، وفقط، في معرِضِ مناسبة هذا اليوم، مجالَ الأدبِ العربيّ شعرًا ونثرًا وعلومَ لغة، منذ أيام الشيخ أحمد تقي الدين شاعر القضاة وقاضي الشعراء، بل قبله، مرورًا بكبارٍ تضيق الدنيا بسَعَةِ أسمائهم، وصولًا إلى شوقي حمادة الجالس سعيدًا على أريكةِ الضاد.
وأما الصفةُ الثانيةُ فهي أن بعقلين في هذا الشرق المصفَّدِ بقيودِه الكثيرة، هي الموضع الأول، والوحيد على ما أعلم، الذي تحول فيه السجن إلى مكتبة. “افتَحْ مدرسةً تغلقْ سجنًا” شعارٌ عكستْه مدينةُ العقل، مفرَدًا ومثنًّى وجمعًا، ثم جسَّدَتْه حقيقةً تدركُها الحواس. هل لحجارة هذا الصرح أن تحكي لنا عن أثر انتقالِها من الضوضاء إلى السكينة، ومن العقابِ إلى الكتاب، ومن المـَحاضِرِ إلى المـُحاضِر؟؟
تبقى الصفة الثالثة التي يتمتع بها، بالاشتراك مع بعقلين، بنو معروفٍ كلُّهم، إرثًا نقيًّا يتناقلونَه حنجرةً عن حنجرة، هي هذه القافُ القوية العميقة التي تقرعُ أقوالَهم، فتعيدُنا عندما نسمعُها إلى فخامة العربية وأُبَّهةِ النطقِ بها، وهذا هو بالضبط الهمُّ الذي كابدَه عيشًا وكتابة ودراسةً، من اجتمعْنا اليومَ لتكريمه، عاشقُ لغتِنا الأمِّ الأديبُ الأستاذ شوقي حمادة.
ولعله من نافل القول أن أعيد عليكم الآن ما تعرفونه يقينًا من سيرته الذاتية، منذ طفولته فصِباه، فشبابِه المتجدد على الدوام، لأنه محسوبٌ بإيقاعِ الحبر على السطور والصفحات والكتب، لا بإيقاع الثواني على الساعات والأيام والسنوات. ولا أريدُ أيضًا أن أكرر على مسامعكم إسهاماته الوظيفية والتعليمية والثقافية التي يحفظُها أهل ها الجبل الأشمّ، وإخوانُنا الموحدون الدروز، وسائرُ المواطنين والعرب المشتغلين بالشأن الثقافي. ما أودُّ أن أتناولَ في خطابي، مسألةٌ واحدةٌ فقط، هي علاقةُ شوقي حمادة باللغة العربية. فإنه لم يكن يرى فيها أداةَ تخاطبٍ بين الناطقين بها، ولم يقف عند بعدِها الدينيِّ فحسب، برغم أنها من أكثرِ لغات الأرضِ التصاقًا بالمحتوى الإيماني، ولم تكن عنده معلمًا من معالم الهوية القومية وكفى، وهي التي يجتمع إليها الماءُ مع الماء، على مساحة بلاد العرب… هي عندَه هذا كله بالتأكيد، مع إضافةٍ بسيطة وجوهرية أنَّه عرَفَ اللغةَ قضيةَ وجود. ذلك أنه آمن بأن لسان الأمةِ عنوانُ مجدِها وانتصارِها الحضاري، وأن ذلك لا يكون لها إلا إذا تطهَّرَ هذا اللسانُ من عِوَجٍ وتبرَّأَ من لحْنٍ، والتزم الأصالةَ التي نَخَلَتْها العصورُ والعقول يوم كان الألق العربي يسطع على العالم كلِه. بل لعله في قرارة نفسه كان يشعر بأن ضياع الأرض والحقوق، واستشراءَ التعصب والاستبداد، والتخلفَ عن القدرةِ على صناعة مستقبلِنا بأيدينا، إنما تعود هذه كلها إلى اتساع الهوة المعرفية بين الناشئة واللغة؛ لذلك انبرى للدفاع عنها والسعيِ إلى كشف الإمكانات الهائلة التي تختزنُها، جذورًا واشتقاقاتٍ وصِيَغَ بيان، والتي يمكنها بها أن تستوعبَ كلَّ معطيات الحداثة وتفرضَ حيويتَها على الحاضر والمستقبل. ولأن هذه المسألةَ من أكثر المسائل التربوية تعقيدًا على الصعيد العملي، لم يوفر شوقي حمادة مناسبةً أو جهدًا، في لبنان والخارج إلا واستغلَّها في نشر المقالات وإقامة المحاضرات واتقديم الدروسِ الجامعية، فقدم عبرَها إسهاماتٍ مضيئةً حول الحلول الواجب اعتمادُها لتكريس نهضة اللغة وتطويرها.
هذا البعدُ اللغويُّ، كان له تأثيره الكبير على تكوينه وشخصيته، فلم يُعرف عنه خروجٌ على القواعد الأخلاقية الصارمة التي تنضح من وجهه وتصرفاته، وأخصُّها التواضع؛ كما لم يخرجْ خطابُه مرة على فصاحة اللغة وسلامة قواعدِها. من هنا كان عمله الوظيفي في دار الطائفة الدرزية سنواتٍ طويلةً، موازيًا لاهتمامه الدائم بالقضايا الأدبية واللغوية، كأنهما عنده صفحتان من ورقة واحدة، هي حياته الخصيبة.
شوقي حمادة، يا ايها الفارس الازهري، هذه درعُ وزارة الثقافة أقدمها إليك، وإنك لمستحق مستحق.
وبتصرف نختم:
إذا ما روضة الآداب باهت
بعالي الدوح باهينا بشوقي
وختاما القى المحتفى به الاديب شوقي حمادة كلمة شكر فيها سماحة شيخ العقل على المشاركة والوزير المرتضى ومكتبة بعقلين على المبادرة بالتكريم، مقدّما معانٍ فكرية وثقافية واجتماعية تواضعية بشخصه. ليتسلّم بعد ذلك درع وزارة الثقافة التقديرية.
وقدم الاحتفال التكريمي الاستاذ مكرم الغصيني
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا