البطريرك العبسي يختتم زيارته إلى لندن بقداس العنصرة ودعوة لتجديد الرجاء والوحدة
الرئيسية سياسة / Ecco Watan
الكاتب : المحرر السياسي
Jun 09 25|17:17PM :نشر بتاريخ
اختتم بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك، زيارته الى العاصمة البريطانية لندن بترؤسه الليتورجيا الالهية في كنيسة القديس يوحنا الذهبي الفم، بمشاركة الرعية وحشد من ابناء الجالية اللبنانية في بريطانيا، عاونه خادم الرعية الارشمندريت شفيق ابو زيد ورئيس الديوان البطريركي الاب رامي واكيم ولفيف من كهنة الرعايا.
وبعد الانجيل المقدس، ألقى العبسي عظة قال فيها: "فرحي كبير بأن أكون اليوم في ما بينكم. استقبالكم الحارّ البنويّ ومشاركتكم النابعة من القلب في هذه الليتورجيّا الإلهيّة هما مصدر تعزية وقوّة لي أنا شخصيًّا ولكنيستنا عامّة. بالرغم من أنّنا بعيدون عن أرض آبائنا جغرافيًّا إلّا أنّنا متّحدون بالروح القدس الواحد، في الإيمان الواحد وحول المذبح الواحد. أشكركم على التزامكم وعلى إيمانكم وعلى شهادتكم الإنجيليّة هنا في لندن. أنتم حضور كنيستنا الحيّ في هذه المدينة وإيمانكم يعطي حياةً وتشجيعاً لجسد المسيح بأكمله".
اضاف: "في هذا اليوم، نحتفل بواحد من أهمّ أعيادنا الكنسيّة، نحتفل بعيد العنصرة، عيد حلول الروح القدس على الرسل وعيد تجلّي الكنيسة في العالم. في هذا اليوم، نصل إلى تمام وعد السيّد المسيح لنا الذي قال: "سوف تنالون قوّة بحلول الروح القدس عليكم وسوف تكونون لي شهوداً". هذا الوعد لم يكن للرسل وحدهم، هذا الوعد يمتدّ إلى جميع الأجيال، إلى جميع المؤمنين، ويمتدّ بالطبع إلى كلّ واحد منّا نحن المجتمعين اليوم. إنّ الروح القدس، حبّ الله المسكوب في قلوبنا، ليس قوّة غير شخصيّة، إنّه الله نفسه، الربّ المانح الحياة، كما نعلن في قانون إيماننا. إنّه الروح الذي خيّم ورفرف فوق المياه عند الخليقة، إنّه الروح الذي نطق بالأنبياء، إنّه الروح القدس الذي ظلّل العذراء مريم، إنّه الروح القدس الذي أقام السيّد المسيح من بين الأموات. إنّ هذا الروح عينه هو الذي ينفخ الحياة في الكنيسة اليوم مرشدًا إيّاها إلى الحقيقة ومقدّسًا أعضاءها".
وتابع:"إنّ آباء الكنيسة يصفون حلول الروح القدس أو العنصرة وكأنّها الوجه الثاني لبابل. في بابل قاد التكبّر البشريّ الناس إلى الانقسام والفوضى، لكن في العنصرة فإنّ تواضع الرسل المجتمعين في الصلاة مع والدة الإله أنزل عليهم نار الوحدة. لم تلغَ لغات الأمم لكنّها تحوّلت. بقي التنوع لكنّه لم يعد من بعد مصدر خلاف أو خصومة بل صار غنًى. هذا هو سرّ الكنيسة: جسد واحد وأعضاء كثر. إيمان واحد معبّر عنه بعدّة لغات وحضارات. وروح واحد يحيي ويحرّك الكلّ".
وقال: "يدعونا هذا العيد، عيد العنصرة، إلى أن نكتشف حقيقة طبيعة الكنيسة. ليست الكنيسة مبنيّة بجهد بشريّ فقط. ليست مجرّد مؤسّسة أو تراث ثقافي. إنّها جسد يسوع المسيح يحييه الروح القدس. من دون الروح القدس تصير الكنيسة بنيانًا من دون حياة. مع الروح القدس، تصير الكنيسة حضور السيّد المسيح في العالم. الأسرار، الكتاب المقدّس، المجامع، القدّيسون، كلّهم ثمرة عمل الروح القدس في التاريخ. في حياة كلّ مسيحيّ يعمل الروح القدس عملَ الله الحاضر فيها: يعلّم يعزّي يؤدّب ويقدّس. إنّه الروح الذي يؤهّلنا للصلاة والذي يعطينا الكلمات عندما لا نعرف كيف نتكلّم. إنّه ختم المعموديّة، نار الميرون، إنّه النور الداخلي الذي يجعلنا نصرخ من أعماق قلوبنا أبّا أيّها الآب. لا يُعطى لنا الروح القدس كهديّة شخصيّة إنّما يعطى لنا ليضمّنا كلّنا معًا إلى شركة الكنيسة. هديّته الأولى هي الوحدة. حيث الروح القدس لا مكان لليأس أو للانقسام أو للامبالاة. حضور الروح فيما بيننا يدعونا إلى المصالحة والتواضع والخدمة المتبادلة. هو يفتح قلوبنا لنحبّ بعضنا بعضًا ليس فقط بالكلمات إنّما بالعمل والحقّ".
واضاف:"إنّ هذه الرسالة مهمّة بالنسبة إلينا نحن الروم الملكيّين الكاثوليك العائشين في الاغتراب. أنتم بعيدون عن الشرق الأوسط إلّا أنّكم تبقون أبناء أنطاكية تحملون معكم كنوز ليترجيّتنا ولاهوتنا وتقليدنا الروحيّ. وجودكم هنا ليس مجرّد اغتراب بل رسالة. لقد قادكم الروح القدس إلى هذه الأرض ليس فقط لتستمرّوا في الحياة إنّما أيضًا لتكونوا شهوداً، لتكونوا خميرة، ملحًا ونورًا. لا تدعوا إرثكم الكنسيّ يتحوّل إلى ذكرى. إجعلوه قوّة حيّة في عائلاتكم وفي رعيّتكم وفي حياتكم اليوميّة".
واردف: "في هذا العامّ 2025، ينقضي الف وسبعمئة سنة سنة على المجمع الذي انعقد عام ثلاثمة وخمسة وعشرين في مدينة نيقيا، في تركيا الحاليّة. إنّها ذكرى خاصّة مميّزة للمجمع المسكوني الأوّل الذي فيه أعلنت الكنيسة، بهدي الروح القدس، الإيمان الواحد الذي لا يزال يوحدّنا إلى اليوم، الإيمان بربّ واحد يسوع المسيح، إله حقّ من إله حقّ، كما نعلن في قانون إيماننا اليوم. هذا التذكار الذي ندعوه في القاموس الكنسي يوبيلًا، ليس فقط للتذكّر إنّما للدعوة إلى العمل. إنّه فرصة لتجديد صلواتنا وجهودنا من أجل وحدة الكنيسة. نسأل الله أن يعطينا الشجاعة والتواضع والحكمة لكي نحثّ الخطى في السير نحو الوحدة. ليست الوحدة مشروعًا بشريًّا وحسب بل إنّها دعوة إلهيّة والذي يجعلها ممكنة هو الروح القدس. في خضمّ الهموم التي تشغلنا في العالم وفي الكنيسة لا ينبغي أن نفقد شعلة الرجاء. البابا فرنسيس في سنواته الأخيرة أعلن 2025 سنة يوبيل الرجاء داعيًا الكنيسة جمعاء إلى تجديد ثقتها بمواعيد الله. ونحن كملكيّين شاركنا في هذا الاحتفال من خلال حجّ قمنا به إلى روما حيث احتفلنا بالليترجيّا الإلهيّة في بازيليك القدّيس بطرس، في قلب الشركة الكاثوليكيّة. كان ذلك علامة لوحدتنا ولثقتنا بأنّ الروح القدس، بإزاء الصعوبات والشرذمة، لا يزال يقود الكنيسة. الرجاء ليس ثمرة اليقين، على العكس إنّه القوّة التي تنهض في وسط عدم اليقين. لا نرجو لأنّ كلّ شيء واضح، بل نرجو لأنّنا نؤمن بالواحد الأحد الذي هو صادق وأمين. يعلّمنا الروح أن ننتظر وأن نثق وأن نبقى صامدين ولو كان الطريق مغلقًا أمامنا. هذا الرجاء ليس وهمًا إنّه مرساة الروح الراسخة والأمينة. إلّا أنّنا لا يسعنا أن ننسى مع ذلك الآلام الكثيرة التي تتحمّلها كنيستنا في بلادنا: الحرب، عدم الاستقرار، الهجرة، الفقر، كلّ هذه لا تزال تضرب المؤمنين في سوريا ولبنان والعراق والأرض المقدّسة. إلّا أن الروح القدس يبقى حاضراً وهو الذي يقوّي البقيّة الباقية ويساعد إكليرسنا وشعبنا المؤمن على المثابرة، وهو يذكّرنا بأنّ الله لا يهمل شعبه. علينا أن نبقى متّحدين في الصلاة والتضامن مع إخوتنا وأخواتنا الذين في الشرق. إنّ شهادتهم ثمينة وإيمانهم بطوليّ وإنّ مثابرتهم علامة على أنّ الروح القدس يعمل حتّى ولو في ظلّ الصليب".
وقال:"تقوم الحياة المسيحيّة على الشركة مع الروح القدس. وكما يعلّم القديس باسيليوس الكبير، نحن بالروح نُعاد إلى الفردوس، ونُرفع إلى الملكوت، ونُصبح أبناءً لله. كلّ ما في الكنيسة، صلواتنا، أسرارنا، تقاليدنا، هي كلّها لتقودنا إلى هذه العلاقة الحيّة مع الروح. فهو الذي يُصوّر المسيح فينا، ويُنير عقولنا، ويُطهّر قلوبنا. الروح لا يُعطى فقط للتعزية، بل للتحوّل. به نتحوّل تدريجيًا إلى صورة الابن، ونصير شركاء في الطبيعة الإلهيّة. هذا هو سرّ التألّه، الغاية القصوى من وجودنا يعني لا أن نؤمن بالله فحسب، بل أن نتّحد به حقاً، في المحبّة والحياة. وهذا ليس فكرة مجرّدة، بل حقيقة ملموسة تبدأ الآن بالنعمة، وتكتمل بالمجد".
وتابع:"فلنطلب اليوم، بثقة وتواضع، أن يأتي الروح القدس من جديد إلى قلوبنا وبيوتنا وكنيستنا، ليُجدّد وجه الأرض، وقبل كلّ شيء، ليُجدّدنا نحن. فلنَكُفّ عن إطفاء الروح، ولا نُحزنه بخطايانا. فلنسلك بالروح، لكي نحيا في الروح".
وختم ابراهيم: "أودّ أن أعبّر عن تقديري ومحبّتي للأب الأرشمندريت شفيق أبو زيد، خادم هذه الرعيّة، الذي يخدمها بتفانٍ وغيرة وإخلاص والذي يجمعها ويوحّدها حول السيّد المسيح وحده جاعلًا منها جماعة متضامنة متحابّة متعاونة شاهدة للإنجيل في محيطها. أشكر كذلك جميع الذين أسهموا في التحضير لزيارتي ولهذه الليتورجيا التي نحتفل بها معطين من وقتهم وتعبهم بسخاء ومحبّة. أشكر أيضًا رئيس أساقفة وستمنستر للكنيسة الكاثوليكية اللاتينيّة، الكاردينال فنسنت نيكولز، على عنايته واهتمامه برعيّتنا وجماعتنا الملكيّة. أشكر بنوع خاصّ كلّ واحد منكم على اهتمامه ومشاركته في هذه الليتورجيّا. ومعكم جميعًا، نشكر الله تعالى على هذا اللقاء الروحيّ ونشكره بنوع خاصّ على انتخاب قداسة البابا الجديد لاوون الرابع عشر، مصلّين بصوت واحد وقلب واحد من أجل أن تؤتي خدمته ثمارًا روحيّة للكنيسة وللعالم أجمع ومسلّمين حبريّته إلى شفاعة والدة الإله، الرفيقة الصامتة والأمينة ليوم العنصرة. حيث أمّنا العذراء حاضرة، يحلّ الروح؛ وحيث ترفع صلاتها، تصير الكنيسة مثمرة. معها، فلننتظر ولنستقبل الروح القدس ممجّدين الله الآب وابنه وروحه القدّوس، الآن وكلّ أوان وإلى دهر الداهرين، آمين".
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا