محاضرة في رابطة الجامعيين في طرابلس تحت عنوان "أزمة أخلاق لا أزمة قوانين"
الرئيسية ثقافة / Ecco Watan
الكاتب : محرر الصفحة
Dec 09 25|14:53PM :نشر بتاريخ
ايكو وطن- طرابلس- روعة الرفاعي
إستضافت "رابطة الجامعيين في الشمال" في مقرها بطرابلس الشيخ الدكتور ماجد الدرويش في ندوة بعنوان "أزمة أخلاق لا أزمة قوانين – الأخلاق لغة العالم المتحضر" بحضور حشد من المهتمين وممثلي الهيئات التربوية والمجتمع المدني.
وإستهل اللقاء بالنشيد الوطني اللبناني وبكلمة من رئيس الرابطة الأستاذ غسان الحسامي قال فيها: "نلتقي اليوم بحضوركم المحبب لنؤكد بكل إصرار وتصميم رسالة رابطتنا بعامها الثاني والستين ودورها من خلال منبرها الحر والمستقل... أن تبقى هادفة إلى التفاعل مع المجتمع المحلي في إطار تعزيز الحركة الثقافية والأدبية، وتغليب لغة الحوار والمعرفة".
أضاف: "ندوة اليوم هي الخامسة لهذا الموسم، وأهميتها أنها تتناول أزمة الأخلاق التي بلغت في مجتمعنا دركا غير مسبوق وتدهورا شاملا غير مقبول متمنيا أن تكون ندوة اليوم مناشدة لكافة المعنيين للإصلاح والعودة إلى سلوك الأخلاق والتمسك بتطبيق القوانين وإنتصاب ميزان الحق والعدالة".
الدرويش
ثم تحدث الدكتور الشيخ ماجد الدرويش "شاكراً الرابطة رئيسا وأعضاء على دعوتهم وتنظيمهم لهذه الندوة في هذا الصرح الثقافي المميز، والذي يعتبر جزءاً من هوية طرابلس الثقافية. في سنة 1947 سأل روجيه غارودي مالك بن نبي السؤال التالي: لماذا الحضارة الغربية مستمرة بينما الحضارة الإسلامية انتهت؟".
فأجابه بن نبي: لأن في ثقافة الغرب ثقبا ذا مساحة كبيرة تمُر به دون أن تدري، ولذلك أنت تحكم هذا الحكم. فأنت منذ طفولتك تدرس أن: الحضارة ابتدأت في أثينا، واستمرت ستة قرون إلى أن وصلت روما، وانتهت في القرن الخامس الميلادي. ولو وضعت هذا المقياس على محور التاريخ ترى أن هناك ثغرة ما بين (450) إلى (1453) هي تقريبًا ألف سنة، أنتم تعتبرونه فراغا في التاريخ، ولكنها هي بالضبط الحضارة الإسلامية، فلو عزلنا الحضارة الإسلامية أو الحضارات القديمة عن الحضارة الحديثة لا يمكن أن يكون لهذه الحضارة من أُسُس تقوم عليها إلا إذا كان بالإمكان أن تقوم الحضارة على العبث، ويضيف بن نبي: استحى غارودي من سؤاله حين أجبته، ومن بعدُ أقرَّ غارودي بوجود ذاك الثقب المعرفي في رأسه حتى وهو يحمل أعلى الدرجات العلمية. وقد جاء ذلك إقراره في وصيته الفلسفية التي كتبها، بعد ثمانية وثلاثين سنة من سؤاله لبن نبي (1985)، تحت مسمّى «مذكرات القرن العشرين» التي يقول في الفصل الأول منها: «أنهيت دراستي الفلسفية، وحصلت على كل الدرجات: ليسانس، الأستاذية، دكتوراه الدولة، مع بقائي في جهل مطبق بالفلسفات غير الغربية».
أضاف الدكتورالدرويش: "هذه هي مشكلتنا الأساس مع الغرب العلمي، ومع مجتمعنا الذي يقلد الغرب العلمي، إنه يقفز دائما من التاريخ القديم إلى التاريخ الحديث، متجاوزا العصر الوسيط، الذي كان الجسر الذي مرت عليه حضارة روما وأثينا إلى أوروبا الحديثة. وهو ما حدا بالمؤرخ الفرنسي «جوستاف لوبون Gustave Le Bon » ، أحد أشهر فلاسفة الغرب الذين أنصفوا الأمة العربية والحضارة الإسلامية، إلى القول في مقدمة كتابه «حضارة العرب»: «الغربُ وليد الشرق»".
وتابع الدرويش: "فأعطي مثالا على ذلك كلنا نسمع بالفلكيِّ والجغرافيِّ الإغريقي الشهير «بطليموس Ptolemy» صاحب كتاب (المِجسطي) الذي يعتبر العمدة في علم الفلك، هذا الكتاب ما كان لأوروبا أن تعرفه لولا ترجمةُ الحجاج بن يوسف بن مطر الكوفي له في زمن الخليفة المأمون العباسي في مطلع القرن الثالث هجري، التاسع ميلادي، وأسماه «الملكي» و«المأموني»، ووضع عليه تعليقات وشروح. ثم نُقل الكتاب من العربية إلى اللاتينية، ومعه دخل علم الفلك الرياضي إلى أوروبا في أعلى مستوياته. فلا غرو بعد ذلك أن يقال: إنَّ العرب والمسلمين هم من شكل «جسر عبور» لأوروبا إلى التراث اليوناني. على ما يذكره المؤرخ البلجيكي «جورج سارتُن George Sarton ».
وأردف الدرويش: "الأمر نفسه يقال في موضوع الأخلاق، لأننا عندما نتكلم عن الأخلاق فنحن نتكلم عن مناهج فلسفية، «وإن نظرةً سريعة نلقيها على مؤلفات علم الأخلاق العام -التي كتبها علماء غربيون- كافية لنلحظ فيها فراغًا هائلًا وعميقًا نشأ عن صمتهم المطلق عن علم الأخلاق القرآني».«والواقع أن هذه المؤلفات تذكر لنا باختصار،أو بإفاضة، المبادئ الأخلاقية، كما ارتأتها الوثنية الإغريقية، ثم أديان اليهودية والمسيحية. ولكنها حين تنتهي من عرض هذه المراحل الثلاثة، نجدها تنقلنا بغتة إلى العصور الحديثة، في أوروبا، مغفلة كل ما يمس الدستور الأخلاقي في الإسلام». تاركة وراءها تلك الفجوة التاريخية التي تمتد ألف عام تقريبا، وهي فجوة تاهت فيها مجتمعاتنا التي أخذت مناهج الغرب كما هي، فتغربت عن هويتها ونأت عن تاريخها. وغفلت عن حضارتها التي كانت بسببها خير أمة أخرجت للناس. والتي امتازت بقانون أخلاقي فريد لم تعرف البشرية له مثيلا".
وأضاف: "القانون الأخلاقي في القرآن الكريم له شقان: نظري وتطبيقي. وإن «دراستنا للنص القرآني .. كشفت لنا عن أن الصورة التي جاءت بها النصوص القرآنية بلغت درجة من الكمال لا يُبتغى وراءها شيء».«فالقرآن - من حيث كونُه حافظًا لما سبقه، واستمرارًا له - قد تميز عنه بذلك الامتداد الرحب الذي ضم فيه جوهر القانون الأخلاقي كلَّه، وهو الذي ظل متفرقًا في تعاليم القديسين والحكماء، من المؤسسين والمصلحين، الذين تباعد بعضهم عن بعض، زمانًا ومكانًا، وربما لم يترك بعضهم أثرًا من بعده يَحفظ تعاليمَه. ولعل هذا الجانب هو السمةُ البارزة من سمات القرآن، وإن لم تكن أثمن سماته، ولا أصلَها»".
ورأى الدرويش: "أن القرآن الكريم في قصصه عن الأمم السابقة جمع لنا تاريخا كبيرا من التعاليم الأخلاقية بعد صقلها وتخليصها مما علق بها من شوائب الفهم الخاطئ أو التحريف والتبديل، والإفراط والتفريط، فكان بذلك كتابًا جامعًا لكل محاسن الأخلاق في التاريخ والحاضر والمستقبل. فجمعت لنا نصوصُه تراث الأسلاف، ودعمَتْهُ، ثم وفَّقت بين الآراء المختلفة التي فَرَّقَتْ من جاء بعدهم، ثم ضَمَّت إليه فصولًا كاملةَ الجِدَةِ، رائعةَ التقدم، خَتَمَتْ إلى الأبد العمل الأخلاقي".
وتابع: "لقد كان منهجه غاية في البساطة، حين تخير لبيان قواعده أقوالًا ذات تأثير خاص، وهي أقوال تقف دائمًا في منتصف الطريق، بين المجرد: غامضه ومبهمه، وبين الحسي المفرط في الشكلية. وكذلك نجد أن الأطر التي يبنيها صارمة ومرنة في آن. وهذا ما يميزه عن الفلسفة التي هي عمل فكر منطقي، معتمد على مجرد ومضات الذهن الطبيعي، ينتقل فيه المفكر من حكم إلى آخر، بمنهج معين؛ للتوصل إلى إقرار نظام معين، قادر على تفسير الأشياء في عمومها، أو تفسير وضع معين لأحد هذه الأشياء".
وأردف: "فالقرآن الكريم لا يستخدم طرق الاكتساب الفلسفي، بالإضافة إلى أنه لا يتبع كذلك طرق التعليم التي يتبعها الفلاسفة، وهي طرائق المنهج العقلي، التي تقوم على: «التعريف، والتقسيم، والبرهنة، والاعتراضات، والإجابات»؛ وهي كلها أمور متلاحمة دون جدال، ولكنها لا تؤثر إلا على جانب واحد من النفس، وهو الجانب العقلي، على حين أن للقرآن منهجَهُ الذي يتوجه إلى النفس بأكملها؛ فهو يقدم إليها غذاءً كاملًا، يستمد منه العقلُ والقلبُ كلاهما نصيبًا متساويًا"..
وقال: "مهما تكن الفروق بينهما فإن للفلسفة في جانبها الأسمى، وللدين في جميع أشكاله، موضوعًا مزدوِجًا مشتركًا، هو: حل مشكلة الوجود؛ أصله ومصيره، وتحديد الطريقة الحكيمة والمثلى للسلوك، ولتحصيل السعادة".
فليس يكفي إذن أن نقول: "إن القرآن لا ينكر الفلسفة الحقة، وليدة التفكير الناضج، وعاشقة اليقين؛ ولا يكفي كذلك أن نقول: إنه يوافقها ويشجعها، وإنه يرتضي بحثها المنصف، بل ينبغي أن نضيف إلى ذلك: أنه يمدها بمادة غزيرة في الموضوعات، وفي الاستدلالات.فالقرآن مشتمل على جميع العناصر الأساسية للفلسفة الدينية: أصل الإنسان، ومصيره، وأصل العالم ومصيره، ومبادئ السبب والغاية، وأفكار عن النفس، وعن الله ... إلخ".
وأعقب ذلك نقاش شارك فيه الحضور وتضمن ردا من المحاضر حول موضوع الندوة.
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا