خاص ايكو وطن :الى متى مفاعيل استمرار انخفاض الدولار؟

الرئيسية مقالات / Ecco Watan

الكاتب : البروفسور جاسم عجاقة
May 29 22|15:12PM :نشر بتاريخ

لم يعد خفي على أحد أن تشخيص الأزمة الإقتصادية التي يعيشها لبنان تتمثل بـ (1) خلل إقتصادي يجعل الإقتصاد يستهلك دولارات أكثر مما ينتج، و(2) خلل مالي يجعل المالية العامة تستهلك دولارات لا تجنيها (مثال الكهرباء)، و(3) فساد مُسشتري يُفاقم الأزمة وعماده تجارة الدولار.

لم يعد يحتاج ضرب الإستقرار في أي بلد إلى حروب عسكرية، إذ يكفي إستهداف عملته لكي تعمّ الفوضى من الباب المعيشي خصوصًا أن الإندماج العامودي للإقتصادات (بالتحديد الصغيرة والهشّة منها) تجعلها طريدة سهلة لمن يُريد التلاعب بمصير الشعب! فما الحال إذا ما تزامن هذا الأمر مع أيدي داخلية ومافيات تُساعد في هذا المُخطّط سواء من باب المؤامرة أو من باب الربح المادي البحت؟

الأمن الغذائي هو من الأسس الجوهرية التي تعمل عليها الحكومات، وإذا لم يكن هناك من حدّ أدنى لهذا الأمن – سواء بحلول داخلية أو بإستعانة خارجية – فإن المواطن سيُعاني الأمرّين من باب حصوله على العملة الصعبة للإستيراد.

التطورات السياسية التي عصفت بلبنان منذ ما يزيد عن الخمسة أعوام ضربت الهيكلية المالية والمصرفية والنقدية للدولة اللبنانية (الهيكلية الإقتصادية مضروبة منذ عقود)، وبغياب الإصلاحات أصبح التعلّق بالعملة الصعبة يتجذّر أكثر فأكثر في الحياة الإقتصادية اللبنانية، وإزداد في نفس الوقت الضغط على موجودات المصرف المركزي بالعملة الصعبة التي تُستنزف على وتيرة متسارعة مع إرتفاع أسعار السلع والبضائع العالمية ومع نتائج الإنتخابات النيابية التي لم تُعطي أكثرية واضحة تسمح بإتخاذ قرارات إصلاحية.

عمليًا إستنزاف الدولار مُستمر مع قلّة دخول الدولارات إلى لبنان، وما يُباع على منصة صيرفة يوميًا يذهب إلى الإستيراد بشكل أساسي. إذًا موجودات مصرف لبنان من العملة الصعبة تضمحلّ وبالتالي فإن الكتلة النقدية بالدولار الأميركي تنقص يوميًا مُقابل الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية. من هذا المُنطلق أتى التعميم 161 ليمتصّ السيولة بالليرة اللبنانية من الأسواق – وبالتحديد الكاش من الليرة – لكي يُحافظ على توازن معيّن في سعر الصرف. من هنا نستنتج أن الإستقرار في سعر صرف الدولار مُقابل الليرة اللبنانية عن طريق مصرف لبنان هو إجراء مؤقّت ولا يُمكن أن يكون الحلّ لخلّل إقتصادي يستهلك فيه لبنان دولارات أكثر مما يُنتج.

وفي ظلّ التعقيدات التي قد تطال تشكيل الحكومة وقدرتها على تنفيذ الإصلاحات وهو ما يعني التأخّر في القيام بإصلاحات إقتصادية وفي القطاع العام وفي القطاع المصرفي وفي القضاء...، فإن أمام المصرف المركزي ثلاثة إستراتيجيات في ما يخص سعر الصرف:

أولًا – عدم ضخ دولارات في السوق وهو ما يعني إرتفاع سعر صرف الدولار الأميركي مُقابل الليرة اللبنانية وبالتالي إرتفاع الأسعار وإضمحلال القدرة الشرائية للمواطن وزيادة الفقر.

ثانيًا – ضخ دولارات في السوق وهو ما يعني إستنزاف موجودات المركزي من العملات الصعبة (هذا الأمر سيُضعف من القدرة الهيكلية لليرة اللبنانية لأن الإنفلات قد يكون عنيفًا). لكن هذا الأمر سيتم على حساب السيولة بالليرة اللبنانية، ونظرًا إلى أن التجار لا يقبلون الدفع بالبطاقات المصرفية (إلا بعمولة وصلت إلى 25% في أحد السوبرماركات!)، فإن هذا سيؤدّي إلى تفقير المواطن بشكل عنيف وسريع.

ثالثًا – ضخ دولارات بكمية معقولة ومؤاتيه وتستهدف قطاعات مُحدّدة (مثلًا أدوية السرطان) وفي محطّات زمنية مُعينة وهو ما سيستنزف الموجودات بالعملة الصعبة لكن بوتيرة أقلّ (على أمل أن تُشكّل الحكومة وتقوم بالإصلاحات اللازمة)، وفي نفس الوقت يلجم جشع التجار الذين يستغلون إرتفاع الدولار في السوق السوداء للتسعير مع العلم أن قسم من بضائعهم على سعر منصة صيرفة، ويُوجّه ضربات إلى مافيات تجّار العملة كما حصل في اليومين الماضيين.

مما تقدّم نرى أن الإجراءات التي يقوم بها المصرف المركزي هي إجراءات تدخل في إطار السياسة النقدية ولا يُمكن أن تحلّ محل السياسة المالية التي من المفروض على الحكومة القيام بها، والتي تطال الإصلاحات وجذب الإستثمارات ومُعالجة الدين العام وترشيد القطاع العام وضبط الفساد والهدر وغيرها من الإجراءات التي تذهب بإتجاه تدعيم الماكينة الإقتصادية وليس فقط توزيع الخسائر! لكن الظاهر من المُعطيات السياسية أن عملية تشكيل الحكومة قد تطول نظرًا إلى تصلّب الأفرقاء على مواقفهم وهو ما سينعكس على المواطن مباشرة.

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan