شركات التكنولوجيا تخنق فلسطين

الرئيسية مقالات / Ecco Watan

الكاتب : محرر الصفحة
Dec 15 23|19:33PM :نشر بتاريخ

كتب اياد سلامة في ايكو وطن :

لم يكن قد مرّ أسبوع على بدء عدوان إسرائيل على غزة، عندما اكتشفت مؤسسات دراسات أميركية أن الرأي العام الأميركي منقسم بشكل كبير إزاء الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لم يكن ذلك أمرا مفاجئاً  للخبراء ولا للإعلاميين والطبقة السياسية الأميركية، فهذه المرة الثانية التي يحدث فيها هذا الانقسام بين الأجيال في الولايات المتحدة إزاء القضية الفلسطينية بعد معركة سيف القدس. والسبب بات واضحا جدا، فجيل الشباب لا يشاهد قنوات "سي أن أن" و"فوكس نيوز" و"أي بي سي" وغيرها، بل يعتمدون منصات التواصل للحصول على المعلومات والأخبار، وعلى رأسها تيك توك الصينية. أما الفئات العمرية الأكبر سنا ممن يناصرون بشكل أو بآخر إسرائيل، فيحصلون على المعلومات المتعلقة بالحرب على غزة من محطات التلفزة الأميركية بشكل رئيسي. 
هكذا وبكل بساطة، انقسم الشارع الأميركي حول قضية غزة، وزادت حدة الانقسام مع كل مجزرة ترتكبها إسرائيل، حتى وصل الأمر بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب للقول: "بصراحة، أعتقد أن على إسرائيل القيام بعمل أفضل في مجال العلاقات العامة، لأن الجانب الآخر يلقنهم درسا على هذه الجبهة". لم يكن ترامب يُجانب الحقيقة، فالأرقام صارخة وباتت تهدّد السردية الإسرائيلية حول العالم. وبحسب أحد الباحثين في معهد الدراسات المشتركة بين الكليات في ويلمنغتون بولاية نورث كارولينا الأميركية، فإن استطلاعات الرأي والوسوم وقصص "إنستاغرام" والمظاهرات الجامعية تُظهر أن جيل ما بعد الألفية أي الجيل "زد" Z، "أكثر ريبة تجاه إسرائيل من الأميركيين الأكبر سنا".       

مجتمع التكنولوجيا الأميركي: هجوم معاكس 
لكن أصدقاء إسرائيل في مجتمع شركات التكنولوجيا الأميركي لم يستسلم لهذه النتائج، وبادر إلى هجوم معاكس على ثلاثة محاور لدعم إسرائيل. على المحور الأول، بدأت منصات التواصل وعلى رأسها "فايسبوك" وشركاتها (ثريدز، إنستاغرام، ماسنجر) إضافة إلى "الفابت" التي تملك "يوتيوب" و"غوغل" وغيرها من المنصات، بـ "خنق" الأصوات الداعمة لفلسطين وأهل غزة. واعتمدت "فايسبوك" في مساعيها على حجب التعليقات والمنشورات التي تذكر مفردات مثل إبادة غزة، فلسطين، حماس، فلسطين حرة وغيرها من المفردات المماثلة. ولم تكتف "فايسبوك" بهذه الخطوة، إذ بدأت بإجراء إيقاف مؤقت أو دائم لحسابات الأشخاص الذين يدعمون الفلسطينيين. وعندما تبيّن لإدارة الشركة أن هذه الخطوات غير كافية، بادرت إلى عزل الناس المناصرين لفلسطين عن بعضهم وخلق جزر تضم مجموعات متجانسة من الأفراد لديهم آراء متطابقة، بهدف منع تمددّ التصريحات الداعمة لفلسطين إلى مجتمعات رقمية أخرى، وخصوصا منها الأميركي والأوروبي. 
وفي مرحلة لاحقة رصد متابعون سياسة جديدة لشركة "فايسبوك" على تطبيقها "إنستاغرام" وتحديدا القسم المتعلق بالفيديوهات. إذا عمدت الشركة إلى إغراق المشاهدين بمقاطع بعيدة جدا عن المواضيع التي يتابعونها عادة كي لا يطلعوا على الفيديوهات الداعمة لغزة. ومن المعروف أن خوارزميات هذه المنصات والذكاء الاصطناعي الذي تعتمد عليه، يعمدان إلى جذب انتباه المشاهدين من خلال اقتراح فيديوهات ذات اهتمام بالنسبة لهم، وبهذه الطريقة تستطيع المنصة المحافظة على ولاء المستخدم ورفع عدد المستخدمين لأسباب تجارية تتعلق بالمعلنين. 
أما "يوتيوب" فعمدت في المرحلة الأولى إلى تقليص قدرة المستخدمين على الوصول إلى الفيديوهات التي تنشرها شخصيات مشهورة داعمة لفلسطين ممن لديها قواعد متابعين كبيرة. التكتيك الذي اعتمدته منصة "يوتيوب" يشبه إلى حد بعيد ذلك الذي استخدمته خلال معركة "سيف القدس"، حين اجتاحت الفيديوهات الداعمة للمقدسيين كامل المنصة. لكنها أضافت بُعدا جديد إلى سياسة القمع الرقمية التي تنتهجها، وتمثّلت بتوجيه إنذارات لناشري الفيديوهات قبل أن تبدأ بتعليق حساباتهم لفترات مختلفة. لكن عندما لم ينفع ذلك "كشّرت" "يوتيوب" عن أنيابها وبدأت بحملة إيقاف للحسابات، قبل أن تُلحقها بفتح أبواب النشر والترويج لكل الفيديوهات التي تدعم إسرائيل. ليس هذا فحسب، إذ بدأت الشركة برفض الإعلانات المناصرة لفلسطين مقابل فتح الباب أمام حملات الحكومة الإسرائيلية. وأصدرت الشركة الشهر الماضي بيانا قالت فيه: "نحن نمنع المعلنين من الترويج لمقاطع الفيديو التي تحتوي على محتوى عنيف ومسيء. لدينا سياسة قوية ضد هذا الأمر". كذلك، منعت "يوتيوب" الفلسطينيين الذين ينشرون أفلاما تلقى رواجا على المنصة، من قبض مستحقاتهم التي تدفعها عادة الشركة لأصحاب المحتوى الرائج. وبحسب موقع "وايرد"، القرار الذي اتخذته "يوتيوب" يستهدف المستخدمين في منطقتين رئيسيتين هما الضفة الغربية وغزة. 
الحملات الدعائية الإسرائيلية
أما على المحور الثاني، فقد تم تطبيق نظرية "ما هو ممنوع على الفلسطينيين، مسموح للإسرائيليين". إذ في حين كانت إدارات المنصات الأميركية تمنع الفلسطينيين والمناصرين لهم من نشر الآراء والإعلانات والحملات الإعلامية، قررت فتح الباب أمام الحكومة الإسرائيلية وحملاتها الإعلامية. وبالفعل، أطلقت الحكومة الإسرائيلية حملة إعلامية عالمية مدفوعة لتلميع صورتها على الانترنت أمام المليارات من مستخدمي وسائل التواصل وتطبيقات الألعاب الموجّهة للأطفال، خصوصا في أوروبا والولايات المتحدة. وبحسب صحيفة "ليبيراسيون" الفرنسية، دفعت الحكومة الإسرائيلية "ملايين الدولارات من أجل الترويج لروايتها في الحرب". وأضافت الصحيفة أن "الفيديوهات تمكنت من تحقيق أكثر من 1.1 مليار ظهور"، أي ما يعادل نحو 535 مليون ظهور للفيلم الدعائي أمام المستخدمين. كذلك أنفقت إسرائيل 2.4 مليون دولار لاستهداف المستخدمين في ألمانيا، و1.2 مليون لاستهداف الجمهور البريطاني، في حين أنفقت 4.6 مليون دولار في فرنسا.  
كذلك ذكر موقع "بوليتيكو" أن إسرائيل قامت بإغراق الانترنت وخاصة مواقع التواصل بمنشورات تسرد روايتها حول الحرب في غزة. وأضاف أن إسرائيل عمدت منذ اليوم الأول للحرب إلى تنظيم حملة واسعة النطاق على وسائل التواصل في دول الغرب الكبرى، لإعادة صناعة الرأي العام بشكل يتقبل ردها العسكري على غزة، معتمدة بذلك على نشر الصور والفيديوهات والمنشورات. 

استدعاء الروبوت إلى المعركة
وعلى المحور الثالث أدخلت إسرائيل اليائسة لتحقيق تحوّل في صورتها العالمية، "سلاحان" إلى أرض المعركة هما روبوتات الدردشة، وتقديم الرشاوى إلى الشخصيات المشهورة على وسائل التواصل. الروبوتات عبارة عن برمجيات تقوم بإنشاء الحسابات الوهمية على منصات التواصل، ومن ثم تبدأ بضخ كميات كبيرة من الأخبار الكاذبة، وهي تعمل ليلا ونهارا وتحقق نتائج أفضل وأقل تكلفة من الحملات التي تموّلها الحكومة الإسرائيلية. لكن المشكلة أن أمر هذه الروبوتات ينكشف لحظة محاولة أي شخص التحاور معها. الطريقة التي تجاوب فيها روبوتات الدردشة على الأسئلة تشي بأن ثمة أمر غير طبيعي، لأنها في النهاية روبوتات بدائية ولا زالت تحتاج إلى الكثير من التطوير لتقترب من الأسلوب البشري في الحوار. إلا انها من جهة أخرى تنجح في ضخ الأخبار على وسائل التواصل، والتأثير على شريحة واسعة من المستخدمين البسطاء. أما الرشاوى فذهبت إلى كل الشخصيات المعروفة على منصات التواصل من الذين قبلوا المهمة الإسرائيلية القذرة، والتي تهدف إلى اعتماد السردية الإسرائيلية حول الحرب.
النتيجة حتى اليوم ليست في صالح إسرائيل، والسبب ربما يعود إلى منصة تيك توك التي يستخدمها في الولايات المتحدة نحو 143 مليون شخص. المشكلة في تيك توك بالنسبة لإسرائيل هي أنها ليست كالشركات الأميركية التي اندفعت لمساعدة إسرائيل على حساب الفلسطينيين، وتمارس نوعا من السياسات المحايدة عندما يتعلق الأمر بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وبعد اتهامها من جانب شخصيات يهودية داعمة لإسرائيل في الولايات المتحدة بالتسامح مع مسألة "معاداة السامية" لأنها لا تمنع المنشورات الداعمة لفلسطين وغزة، قالت الشركة أنها لم تتدخل سلبا أو إيجابا لصالح أي من الطرفين. وأوضحت أن وسم Freepalestine حصل على أرقام فلكية في تطبيقها حول العالم، تخطت 30.9 مليار مشاهدة في 13 كانون الأول الحالي، بينما حصل وسم StandwithIsrael على 591.9 مليون مشاهدة بذات التاريخ. أما وسم Palestine فحصل في ذات التاريخ على 56.4 مليار مشاهدة، وهذه أرقام من النادر أن يتم تسجيلها في قضايا سياسية على وسائل التواصل.

 

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan