كتب الدكتور غسان العياش: حريرية جديدة
الرئيسية مقالات / Ecco Watan
الكاتب : الدكتور غسان العياش
Feb 14 24|18:00PM :نشر بتاريخ
كتب الدكتور غسان العيّاش في النهار:
اليوم يلتقي الرئيس سعد الحريري مع جمهوره، وهو يعلم أن أنظار كل الأطياف اللبنانية شاخصة إليه ومتشوّقة لالتقاط الإشارات التي سيرسلها بشأن موعد استئناف نشاطه السياسي.
إن لبنان بحاجة إلى عودة الرئيس سعد، ولكن بدور جديد لا يشبه دوره يوم أعلن تعليق نشاطه السياسي. ففي ذلك الوقت كان لبنان ينزلق بسرعة على طريق الانهيار وكان اللبنانيون يحمّلون الطبقة السياسية مسؤولية تردّي الأوضاع العامّة نتيجة تغليب المصالح السياسية على المصلحة الوطنية، وفقدان الرؤيا الوطنية وغياب السياسات التي تؤدّي إلى إصلاح الدولة والحياة السياسية.
لم يتمكّن الرئيس سعد الحريري وقتها من تمييز نفسه أمام الرأي العام عن باقي رموز الطبقة السياسية، ربّما لأنه، نتيجة حسن النيّة، سعى إلى بناء الجسور وعقد الاتّفاقات والمواثيق بهدف تحقيق الاستقرار في الحياة السياسية، ولو على حسابه. وفي الفترة التي غاب هو فيها عن لبنان انهار النظام السياسي وفقد كل مصداقية له أمام الناس.
لذلك، فإن المطلوب من سعد الحريري اليوم أن يعود إلى ممارسة الحياة السياسية. لقد بات البعيد قبل القريب يعرف بأن خروج السنية السياسية المعتدلة من النظام يؤدّي إلى خلل في تركيبة النظام وفي مساره. وأيضا لسبب آخر، فالبلاد بحاجة إلى قوّة سياسية كبيرة تدعم الإصلاح وتناصر سيادة القانون وتعيد الاعتبار للدستور وتنحاز إلى الممارسة الديمقراطية السليمة، تمهيدا لإصلاح الحياة الاقتصادية وإنقاذ الفئات المهمّشة من الكواسر التي رمت بها إلى هوّة الفقر والجوع. فهل يستطيع ابن رفيق الحريري أن يطوّر الحريرية السياسية لكي تلعب هذا الدور المفقود؟
كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري قامة وطنية كبرى، كرّس نفسه لخدمة لبنان فنجح في جوانب من هذه المهمّة لكنه أخفق في قيادة معركة الإصلاح. فهو نجح في إبراز الشخصية الوطنية اللبنانية وسخّر علاقاته الوطنية لهذا الهدف. ورغم عدم مجاهرته بهذا الدور، فقد كان رفيق الحريري ركنا أساسيا في القيادة الوطنية التي دفعت باتجاه الاستقلال الثاني بوجه الهيمنة السورية، جنبا إلى جنب مع البطريرك صفير ووليد جنبلاط وغيرهما من الشخصيات الاستقلالية.
أما القيمة المضافة التي وفّرها رفيق الحريري لحركة الاستقلال التي انفجرت في بداية الألفية، فقد تمثلت بالدعم الدولي الذي وفّره لمطلب خروج الجيش السوري من لبنان تطبيقا لاتفاق الطائف. وما من شكّ بأن رفيق الحريري استشهد في خضمّ هذه المعركة، وما من سبب آخر لاغتياله.
نجح رفيق الحريري في تحقيق قسط مهمّ من إعادة إعمار لبنان، الذي كان عندما تسلّم السلطة فيه بلدا مدمّرا لم تترك الحرب زاوية فيه إلا أحرقتها. فعوّض عن التدمير بإعادة بناء البنية التحتية رغم الأوضاع المأساوية للمالية العامّة المفلسة. وقد أمّن التمويل لهذا المشروع المركزي جزئيا من الموازنة العامّة، والجزء الأكبر من الرساميل التي استقطبها بما يتمتع به من ثقة في مراكز المال العربية واللبنانية والمؤسّسات المالية الدولية.
ورشة إعادة الإعمار عوّضت بسرعة مثيرة الكثير مما ألحقته الحرب بلبنان من دمار وخسائر، وتلافى رفيق الحريري بالثقة التي كان يتمتّع بها وبعلاقاته العربية والدوية تحميل كلفة الإعمار لموازنة الدولة.
لكن مسيرة رفيق الحريري اصطدمت بمطبات النظام السياسي ومشاكله المزمنة. اصطدم على وجه الخصوص بالمحاصصة التي كانت سائدة في النظام السياسي والإدارة العامّة والحصص المالية المحفوظة لقيادات الطوائف. شعر رفيق الحريري بعدم قدرته على مواجهة نظام المحاصصة والفساد، وفضّل أن يراعي أركان النظام لكي يتلافى عرقلتهم لمشروعه السياسي والاقتصادي.
ثغرة أخرى تركها الحريري الأب دون علاج وهي مشكلة المالية العامّة حيث أن الموارد المتاحة من خلال النظام الضريبي الضعيف لم تكن كافية لتمويل دولة متعطشة للمال بعد الحرب المدمّرة. ولم يعتمد سياسة ضريبية قاسية لتحقيق شيء من التوازن في المالية العامّة، لأن أخصامه السياسيين، الذين ما زالوا هم أنفسهم في الساحة، كانوا ينتظرون تبنّيه لسياسة ضريبية متشدّدة حتى يقيموا القيامة عليه ويصفوا حسابهم مع مشروعه السياسي والاقتصادي.
ففضّل رفيق الحريري عدم فتح الباب أمام ثورة اجتماعية تقوم في وجهه تصفية لحساب سياسي.
لبنان ليس بحاجة إلى سياسي آخر من النمط الموجود، بل إلى قوّة تغيير في الواقع الرديء. قوّة سياسية تواجه في سبيل الإصلاح بدل أن تساوم المفسدين.
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا