خاص ايكو وطن: مسلسل تاج ... اين المَشاهِد المُرصّعة بمقاومة الفرنسيين؟!

الرئيسية فن / Ecco Watan

الكاتب : طوني طراد
Mar 24 24|20:11PM :نشر بتاريخ

تبثّ قناة الجديد في شهر رمضان الكريم مسلسلاً تلفزيونياً بعنوان "تاج"، يتميّز بإخراج رائع وحركة ديناميّة للممثيلن تَصِل بنا الى الأكشِن في مشاهد متفرّقة،   وتُدخلنا الى الرتابة في مشاهد أخرى. وهو من بطولة تيم حسن وفايا يونان وبسام كوسا، إضافة الى أسماء لامعة من الممثلات والممثلين. 


هذا العَمل الدراميّ التاريخي، الذي أنتجَه الأستاذ صادق أنور الصبّاح و Cedars Art Production وأخرجه الأستاذ سامر البرقاوي وألّفه وكتبَ حواراته الأستاذ عمر أبو سعدة، تتركّز أحداثه في العاصمة السورية دمشق، منذ سنة 1936، خلال حَقبة الانتداب الفرنسي على سوريا، حيث كان الكولونيل الفرنسي جول أغنو (الممثّل جوزف بو نصّار) من أكثر الضبّاط وحشية ضدّ المُنتفضين السوريين، فأعدَم الكثيرين منذ أيام الثورة السورية الكبرى وحاربَ الحركات المُناهِضة للحكم الفرنسي... فقرّرت "جبهة القمصان الحديدية" قَتله، واندفعَ لتنفيذ هذه المهمّة تاج الحمّاد (الممثل تيم حسن) ومجموعته. وعندما لم يستطِع قَتله في منزله حينما هاجَمه ليلاً، لأنّه قاوَمه بشراسة ونادَى على حُرّاسه الذين أسرعوا الى نجدته، اضطرّ للهرب عبر "فرَندَة" غرفة نوم الكولونيل، وأخذ رصاص الحرّاس ينهمِر عليه من دون أن يصيبه... وكان من المنطقي أن يُصاب عندما كان يَنزل عن عمود "الفرَندَة"، خصوصاً أنّ المكان مُضاء، ومن البديهي أنّ حرّاس الكولونيل يُجيدون التصويب على أهدافهم، حتى لو كانت تتحرّك... فلو خَدشَت جسده رصاصة وتَحامَل على جُرحه وأكمَل رَكضه نحو سيارة رفاقه، أو لو أصيب أحد رفاقه في السيّارة التي لاحَقها الجيب الفرنسي وأمطَرها عَسكريّوه بالرصاص، لكانت حَبكة القصة مَنطقيّة، وشَوَّقت المُشاهِد أكثر. 
واتّضَحَ خَلل السيناريو أيضاً في LIDO CASINO، فكيف يسكت الضابط الفرنسي هنري عن إساءة الصحافي سليم (الممثل كفاح الخوص)، الناشِط في "مجموعة القمصان الحديدية"، عندما صرخ بوجهه وقال: "أنتم حَقيرون، تَستولون على بلادنا وتمنعون السوريين من العَيش. لكنكم جبناء أمام الالمان... ألمانيا، ألمانيا...". ألم يكن من البَديهي أن يَضربه أو أن يُكلّف أحد جنوده باعتقاله لأنه تفوّه بعبارات جارحة تمسّ كرامة الدولة الفرنسية ؟ كلّ هذا لم يحصل، وغادرَ سليم الكازينو وشَرب الضابط هنري من كأسه وقال للصبيّة: هل تعلمين أنني أحبّ عينيك كثيرًا...    
لم يَكن الكولونيل جول يعرف وَجه مَن هاجَمه في منزله لأنه كان مُغطّى بقناع أسود، فلقّبهُ بـ"المقَصّ"، وعَمّم صورة شبيهة لوجهه على العساكر الفرنسية لاعتقاله مع المجموعة التي هاجمت منزله... ولم يكن يعلم أنّ تاج، الذي يُدرّب العسكر الفرنسي على الملاكمة في الثكنة، هو "المقَصّ". وانه كان يُغدق المال على مجموعة من العسكر الفرنسي، فتعطيه معلومات عن مداهماتها للأماكن التي يجتمع فيها المقاومون. فاتهمه كثير من السوريين، ومنهم حَنان (ابنة أخته)، بأنه جاسوس عند العدو الفرنسي... وبعد أن فجّرَ الكولونيل جول مكان تجمّع "مجموعة القمصان الحديدية" وقضى على كلّ مَن كان هناك، ومنهم عامر صديق تاج، طَردَه أبو عامر من هذه المجموعة ومن العمل عنده في الورشة، بعد أن اتّهمه بالخيانة أمام رفيقَين له وأنه أخبر الكولونيل عن مكان المجموعة... 
كان من المنطقي أن يقوم تاج بعمليات انتقامية ضد العسكر الفرنسي وفاءً لرفاقه الذين استشهدوا، وأن ينضَمّ الى مجموعة سورية أخرى مُناهضة للاحتلال الفرنسي ويُكافح معها في سبيل استقلال بلاده، لكنّ العجيب هو أنّ الكاتب عمر أبو سعدة رَكّز مَشاهِد الحلقات الـ 13 من هذا المسلسل على حياة تاج اليومية في حَلبات الملاكمة ومُراهناته في القِمار وخسارته ومشاجراته مع "القمَرجيّة" واستدانته الأموال ومشاكله الدائمة مع زوجته نوران (الممثلة فايا يونان) وطلاقهما وزواجها من رياض بيك (الممثل بسام كوسا)... 
وإذا كان الجمهور العربي قد اعتادَ أن يرى تَيم حسن بشخصية "جَبل" المتوثّبة والقياديّة، فإنّ تَيم في مسلسل "تاج" كان يَتكَيّف مع الأحداث التي تَطرأ على مسيرة حياته اليومية، فنَراه في حَلبة الملاكمة شابّاً مُندفعاً الى توجيه ضربات سريعة لخصمه تُفقده صوابه وتؤدي الى خسارته، كما فعلَ في الجولة الثالثة من مباراته مع الملاكم الالماني في ثكنة الجيش الفرنسي... ونَراه على طاولة القمار هادئاً يُركّز على سَحب كل وَرقة ويُراهِن بدقّة، وأحياناً باندفاع، لكنه سرعان ما ينتفض في وَجه الرابح، خصوصاً اذا انتصَر عليه بـ"الزَّعْبَره"، ويتحوّل الى مُلاكم بارع يُجيد تسديد الضربات... ونَراه عاشقاً فاشلاً، يخسر زوجته وابنته بعد خمس سنوات من حياته العابثة... ولقد أبدعَ تَيم، الى الآن، في تأدية هذه الأدوار المختلفة في حياته وشَوّقنا الى معرفة ماذا سيحصل في نهاياتها... 
أمّا بسام كوسا، الممثّل المُخضرم،  فقد ظهرَ أنه يَتفَنّن في تَجيير الأحداث لصالحه ويصبر كثيراً حتى يحقّق مُبتغاه، لأنه يَضع خططاً مُحكَمة يقدر من خلالها أن يربح على خصومه مهما طال الوقت... فلقد صَبَر خمس سنوات حتى استطاع تدمير تاج مالياً وعائلياً، ثم اقترنَ بزوجته نوران وتَنَعّمَ بشبابها وجمالها، لكنه سرعان ما تحوّل الى انسان لا يرحم عندما عارَضته في قراراته، والى وَحش كاسِر حينما طلبت منه أن يُطلّقها لأنها لم تعُد تحتمِل غيرته عليها وتصرّفاته المَشبوهة... فذكّرنا بمَلامِح من شخصيّته في مسلسل "سِرّ" الجزء الأول والثاني، خصوصاً أنه تزوّج في هذين المسلسلين بصبيّة في عُمر ابنته، ففي الأول تزوّج الممثلة اللبنانية داليدا خليل، وفي "تاج" تزوّج الممثلة السورية فايا يونان.   
وكان جوزف بو نصّار، من خلال أدائه الرائع لشخصيّة الكولونيل جول، نجماً مميّزاً في حلقات هذا المسلسل، فشاهَدَ الجمهور العربي ضابطاً يعرف كيف يُخطّط، ويُجابِه الخطَر بشجاعة لافتة ولا يستسلم أبداً لخصومه مهما كانوا مُحَنّكين ومُندفعين... إضافة الى أنه يتحدث اللغة الفرنسية بلهجة واثقة، وكأنه ولِد في فرنسا وعاش بين أحيائها وثكناتها، ومع أنه لبناني، فإنه لا يَتلعثم في لفظ بعض الكلمات الفرنسية  كما يفعل بعض الممثلين السوريين... 
وإذا كان معظم الممثلين قد قدّموا لمحات إبداعية في هذا المسلسل تدلّ على احترافيّتهم، مثل كفاح الخوص وموفّق الأحمد وفايا يونان وناتاشا شوفاني... وإذا كان التصوير المُميّز لكاميرا المخرج سامر البرقاوي قد غَطّى على بعض الهَنات في السيناريو، فإنه لا يمكننا السكوت عن الرَكاكة في أكثر من مشهد ضمن الحلقة نفسها، فكيف يلتقي الصحافي سليم، مثلاً، صديقه تاج، بعد 5 سنوات من شجارهما، في مَقهى المَرجة، ويتحدثان عن أسرار "مجموعة القمصان الحديدية"، ويطلب منه أن يعود للانضمام إليها ؟ ألم يكن من الأفضل لهما أن يلتقيا في مكان آمِن كي لا تكشفهما الأعيُن الفرنسية والسورية التي كانت تراقب الأماكن العامّة وتُداهم الأماكن الخاصّة بحثًا عن المقاومين ؟ ومع انّ تاج تصالحَ مع "الصّابوني" (الممثل موفّق الأحمد) صاحب نادي الملاكمة، بعد أن استطاع سليم إقناعه بأنه لا يُضمر له أي حقد وأنه ما زال يُقاوم العسكر الفرنسي، وعاد الى التدريب في النادي، فإنه كان من الطبيعي أن يؤدي مَشاهِد تُظهره بَطلاً يسعى الى مُحاربة الفرنسيين وقَتل ضبّاطهم وعساكرهم، لا أن يقتصر عمله على وظيفة ليلية على باب LIDO CASINO ومراقبته للعسكر الفرنسي الذي يسهر هناك، ومحاولته "تَجنيد" الراقصة زيزي للعمل معه ضد الضبّاط الفرنسيين فـ"تُصاحِبهم" وتجلب له معلومات عن تحركاتهم العسكرية... ولقد حَصَر هَمّه أيضًا في محاولة إنقاذ صديقه صبحي، الذي أُصيب إصابة بالغة عندما قتلَ ضابطًا فرنسيًا دِفاعًا عن والده، من المستشفى الوطني بعد ان اتفق مع الدكتورة ماريون (الممثلة ناتاشا شوفاني) على مساعدته في هذه المهمّة مَخافة أن يقتله الكولونيل جول، العائِد مرة ثانية الى دمشق مع الحلفاء والجنرال ديغول لكي ينتقم من السوريين والفرنسيين الذين تعاملوا مع العدو الالماني، عندما كانت المانيا تسيطر على نصف فرنسا وعلى المستعمرات التي كانت تحكمها، ومنها دمشق... وظهرت بطولة تاج عندما اعتقله الضابط هنري، فتحمّل تَعذيبه عدة أيام ولم يفشِ له بأيّ سر يتعلّق بمجموعته المُناهِضة للفرنسيين أو بملفّات العملاء التي سُرقت من ثكنة الجيش الفرنسي، إلّا أنه لم يتحمّل كثيرًا عندما عندما أزاحَ هنري الكرسي من تحت رجليه، وأصبح مُعلّقًا على حبل المشنقة يُصارع الموت، فرَضخَ واعترف بأنّ "جيني" هي التي سرقت الملفات، ووعدَ هنري بأن يأخذها منها، أو أن يُحضر "جيني" إليه، فأطلقَ سراحه بناء على هذا الأساس، وأعطاه مُهلة سبعة أيام فقط، وهَدّده بأنه سوف ينتقم من عائلة أخته الكبرى، إذا أخَلّ بوعده...  
لعلّ السيناريو في الحلقات القادمة يُظهِر لنا أكثر صورة تاج - البطل الذي استبسَل مع غالبية الشعب السوري في مقاومة الاحتلال الفرنسي وتحرير سوريا منه سنة 1946.

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan