الجمهورية: بخطاب استقلالي عون يرسم خريطة لبنان الجديد... ورسائل نارية إلى الحزب والقوات

الرئيسية صاحبة الجلالة / Ecco Watan

الكاتب : محرر الصفحة
Nov 22 25|09:47AM :نشر بتاريخ

جاء خطاب رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في ذكرى الاستقلال كأنّه خطاب قسم جديد، وربما أشدّ وقعاً. خطاب خرج عن القوالب التقليدية، ووضع بوضوح الركائز التي يُريد لبنان أن يبني عليها استقلاله المقبل: سيادة كاملة، وجيش واحد، وسلام مشروط بالحقوق، وحدود مضبوطة لا تتقدّم فيها أي قوّة غير شرعية على حساب الدولة.

اختار الرئيس الجنوب منطلقاً لخطابه، في زيارة حملت رمزية عميقة عشية الذكرى الـ82 للاستقلال. وجوده إلى جانب قائد الجيش العماد رودولف هيكل والضباط في الجنوب الجريح، لم يكن زيارة تفقدية فحسب، بل رسالة مباشرة إلى الداخل والخارج، بأنّ الدولة اللبنانية قرّرت أن تعود إلى الأرض التي غابت عنها لعقود، وأنّ مرحلة المساكنة مع «اللادولة» بلغت نهايتها.

 

خطابٌ مباشر بلا مواربة: تصويبٌ على «حزب الله» و«القوات اللبنانية»

في خطابه، وجّه الرئيس عون رسائل قاسية إلى القوى السياسية، وإن من دون تسمِيتها. انتقد «حزب الله» بوضوح، قائلاً إنّ البعض يتصرّف «وكأنّ شيئاً لم يتغيّر»، على رغم من التحوّلات العميقة التي ضربت المنطقة من فلسطين إلى سوريا. ووصف ذلك بأنّه «مكابرة وحالة إنكار»، جعلت هذا الفريق يعتقد أنّ بوسعه الاستمرار بمنطق الدويلة منذ 40 عاماً.

وبالحدّة نفسها، وجّه رسالة إلى «القوات اللبنانية» من دون ذكرها، محذّراً من المقاربة التي تتعامل مع الزلزال السياسي الحالي وكأنّه أنهى وجود مكوّن لبناني بأكمله. ورأى أنّ هذا التفكير «مكابرة مقابلة وخطأ مماثل»، وكلاهما - برأيه - يُهدِّدان الميثاق والدولة معاً.

ما قاله عون هنا يتجاوز السجالات اللحظية، فهو يرسم خريطة معادلات جديدة: لا هيمنة لفريق، ولا إلغاء لآخر، بل دولة واحدة لا تقبل ازدواجية السلاح ولا القفز فوق مكوّن أساسي.

 

«تعبنا من اللادولة»... والجنوب رسالة

من موقعه في الجنوب، خاطب الرئيس اللبنانيِّين قائلاً إنّ «الزمن تغيّر، والظروف تبدّلت، ولبنان تعِب من اللادولة، واللبنانيّون كفروا بمشاريع الدويلات». بدا المشهد وكأنّ الدولة تُعلن انبعاثها من المنطقة التي كانت طيلة عقود عنواناً للفراغ والفوضى والنفوذ المتعدّد.

الرئيس شدّد على أنّ المنطقة تتّجه نحو مرحلة استقرار نسبي، وأنّ لبنان يجب أن يستعد لموقعه فيها. السلام - كما قال - ليس استسلاماً، بل شراكة تقوم على العدالة وحقوق الفلسطينيِّين. لبنان، وفق الرئيس عون، جاهز للمشاركة في «مسار السلام الجديد»، سواء عبر توسيع اتفاقيات قائمة أو إبرام تفاهمات جديدة، شرط ألّا يتحوّل البلد إلى «عملة تفاوض» أو «بدل تعويض» في خرائط الإقليم.

 

معادلة عون: انسحاب كامل... وسلاح واحد

الرئيس وضع معايير واضحة لا لبس فيها:

• انسحاب كامل للجيش الإسرائيلي من كل متر مربّع من الأراضي اللبنانية.

• عودة الأسرى.

• ترتيبات حدودية نهائية تضمن استقراراً دائماً.

• حصر السلاح بالدولة، على كامل الأراضي اللبنانية، وبآلية تحت رعاية عربية ودولية.

وأكّد أنّ المسار اللبناني، من بيروت حتى الحدود الدولية، يُدار بقرار لبناني مستقل، فيما أي خطوة تتجاوز الحدود تسير بالتنسيق مع الإجماع العربي. وربط هذا المسار مباشرة بنتائج القمة الأميركية-السعودية الأخيرة في واشنطن، والتي رأى فيها «مؤشرات مشجّعة» لانطلاق ديناميكية سياسية واسعة لن يتخلّف عنها لبنان.

 

خارطة الطريق الرئاسية من 5 نقاط

وفسّر الرئيس عون زيارته للجنوب بـ5 نقاط تشكّل خطة لبنانية متكاملة:

1- جهوزية الجيش اللبناني لتسلّم كل النقاط المحتلة فوراً، مع جدول زمني واضح.

2- استعداد القوى المسلحة اللبنانية للانتشار فور توقف الخروقات وانسحاب إسرائيل.

3- تكليف اللجنة الخماسية بالتثبت من أنّ سلطة الدولة وحدها سائدة جنوب الليطاني.

4- الإستعداد للتفاوض برعاية أممية أو أميركية أو دولية على صيغة لوقف نهائي للاعتداءات.

5- الدعوة إلى آلية دولية واضحة لدعم الجيش وإعادة إعمار ما دمّرته الحرب، بما يحقق الهدف النهائي: حصر السلاح بالدولة.

هذه النقاط الخمس تُعتبر حتى اللحظة أول خارطة طريق رسمية صريحة ترسمها رئاسة الجمهورية منذ سنوات طويلة في ملف الجنوب.

 

مشروع الدولة يتقدّم

على الجانب الداخلي، كشفت مصادر سياسية لـ«الجمهورية»، أنّ مقاربة «كل شيء أسود» هي مقاربة غير دقيقة. فهناك تقدّم فعلي، وإن غير مكتمل، في عدد من الملفات:

• إقفال 30 مصنع كابتاغون في شهر واحد.

• توقيف رؤوس شبكات تهريب ومخدّرات بعمليات نوعية حظِيَت بإشادة سعودية ودولية.

• توسّع حضور الدولة جنوب الليطاني وزيادة انتشار المواقع والنقاط العسكرية.

• ضبط الحدود الشرقية مع سوريا ورفع مستوى الإجراءات الأمنية.

• بدء تنفيذ خطوات إصلاحية على مستوى الجمارك، البُنى الإدارية، والحَوكمة الرقمية.

 

في المقابل، تبقى عقدة السلاح العامل الأكثر تأثيراً على قدرة لبنان على استعادة اقتصاده وموقعه السياسي. فالرسائل الأميركية الأخيرة، من وفد الخزانة إلى إلغاء مواعيد قائد الجيش في واشنطن، صيغت بوضوح: المجتمع الدولي ينتظر تغييراً فعلياً، لا بيانات.

 

ترامب سيدعو عون إلى واشنطن

وفي خطوة لافتة جاءت بعد الغاء زيارة قائد الجيش إلى واشنطن وخلال استقباله رئيس بلدية نيويورك زهران ممداني، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب مساء أمس أنّه سيوجه دعوة إلى رئيس الجمهورية اللبنانية جوزاف عون لزيارة البيت الأبيض، مضيفاً «إنّ «حزب الله» لطالما شكّل مشكلة في لبنان الذي نعمل معه وأطراف أخرى لتحقيق السلام في الشرق الأوسط».

 

من زيارة البابا... إلى ديناميات الإقليم

إلى ذلك، يتزامن الاستقلال هذا العام مع سلسلة استحقاقات داخلية وخارجية:

• زيارة البابا المنتظرة التي يُعوَّل عليها لإعادة تثبيت صورة لبنان كبلد عيش مشترك وأولوية روحية وسياسية دولية.

• نتائج زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن التي ستُحدِّد مسارات واسعة تمتد من فلسطين إلى التهدئة الإقليمية والاستثمارات الكبرى.

• ترتيبات حدودية مقبلة قد تتحرّك، إشارةً لمناخ تفاوضي برعاية أميركية - عربية.

• انتخابات 2026 التي بدأ التحضير لها جدّياً، مع تسجيل 151,985 ناخباً مغترباً حتى لحظة إقفال التسجيل.

كل هذه المحطات ستترك انعكاسات مباشرةً على الداخل اللبناني، خصوصاً في لحظة تتغيّر فيها التوازنات الإقليمية بسرعة.

 

زيارة الجنوب: إثبات حضور الدولة وصراع الخرائط

زيارة الرئيس إلى جنوب الليطاني رافقها عرض عملاني مفصّل من قيادة القطاع، قدّم خرائط تُظهر بوضوح تجاوزات الجيش الإسرائيلي للخط الأزرق خلال بناء الجدار الحدودي. كما أكّدت القيادة العسكرية أنّ خطة الانتشار مستمرّة على رغم من الظروف الاستثنائية، وأنّ الجيش يتحرّك وفق أعلى معايير الانضباط والحكمة لحماية السلم الأهلي.

قائد الجيش العماد هيكل جدّد في أمر اليوم، أنّ المؤسسة «تُدرك حساسية اللحظة»، وأنّها تواصل مهامها من مكافحة المخدّرات إلى ضبط الحدود الشمالية والشرقية والمياه الإقليمية، في ظل تعاون وثيق مع الدول الشقيقة والصديقة.

 

الانتخابات المقبلة: توقيت ثابت وثقة مهزوزة

أعلنت وزارتا الداخلية والخارجية انتهاء تسجيل اللبنانيِّين غير المقيمين، مع بلوغ عدد المسجّلين 151,985. وأكّد رئيس الحكومة نواف سلام أنّ الانتخابات ستجري في موعدها، فيما سيُرسل الاتحاد الأوروبي بعثة مراقبة كما جرت العادة.

لكنّ رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل أشار من بكركي إلى أنّ نسبة التسجيل انخفضت 40%، معتبراً ذلك دليلاً على تراجع الثقة بالإجراءات الرسمية، ومحذّراً من أي مقايضة قد تمسّ «فقرة المنتشرين» في القانون الحالي.

 

إلى أين يتّجه لبنان؟

بين خطاب رئاسي وازن يرسم قواعد اللعبة الجديدة، وتقدّم حقيقي في ملفات الدولة، ورسائل دولية ضاغطة، ومشهد إقليمي يتغيّر بسرعة، يبدو أنّ لبنان يقف اليوم أمام منعطف استراتيجي:

 

• إمّا استثمار اللحظة واستعادة السيادة الكاملة.

• أو الاستمرار في حلقة المراوحة، إذ تبقى كل السيناريوهات مفتوحة: من ضغوط اقتصادية أقسى، إلى توترات جنوبية قابلة للاشتعال في أي لحظة.

 

خطاب الرئيس عون وضع الأسس: دولة واحدة، جيش واحد، حدود مضبوطة، وسلاح شرعي حصراً.

الاختبار الآن انتقل إلى القوى السياسية: هل تلتقط اللحظة؟ أم يضيع الاستقلال مجدّداً في زواريب الانقسام؟

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : جريدة الجمهورية