أبي عقل تنعى أسمر: تخلى عنه الجميع لأنّه آدمي ما عدا الكبير غسان تويني وأنا
الرئيسية مقالات / Ecco Watan
الكاتب : محرر الصفحة
Nov 26 25|11:44AM :نشر بتاريخ
كتبت مي ابي عقل على صفحتها على "فيسبوك":
"توفي كميل أسمر. غاب المدير العام السابق للآثار. رحل بهدوء من دون ضجيج كما شخصيته وطبعه.
عزّني وأحزنني جدا أنني لم أكن في وداعه لأنني لم أعرف. اتصلت به مرات عدة لأطمئن عليه ولم يرد، على غير عادته معي وقد كانت تجمعنا مودة وثقة كبيرة، إلى ان قرأت عن مأتمه في وكالة الانباء المركزية، فأدركت السبب.
بالأمس مات كميل اسمر بالجسد، لكنه كان ميتا بالروح والنفس منذ ٢٥ عاما، حين اراد الفاسدون في السلطة أن يدّعوا الاصلاح ويغطوا على فسادهم وسرقاتهم فأوقفوه ولم يتركوا تهمة الا وألصقوها به من سرقة الاثار الى هدر المال العام الى التزوير وحتى التحقيق في قانونية شهادة الدكتوراه في الهندسة المعمارية من جامعة روما والمركز الدولي لليونسكو في العام ١٩٦٨، ومنحة من اليونيسكو للاختصاص في الحفاظ على التراث الثقافي بين العامين ١٩٦٦ و ١٩٦٨ .. ولم تثبت عليه اي تهمة، ومع ذلك حبسوه ومعه ابنه وثلاثة موظفين، فدمروا حياته وحياة عائلته وشردوا اولاده وصادروا املاكه. لم يحصل الامر مع المديرين العامين الآخرين الذين وضعوهم بالتصرف وظلوا يقبضون معاشاتهم، إلا مع كميل أسمر، لانه ليس مدعوما ولا حزبيا ميليشويا ولا أزعر، تخلى عنه الجميع لأنه آدمي ما عدا الكبير غسان تويني وأنا، دافعنا عنه وعن حق الانسان بالعدالة وأفردنا له صفحات جريدة النهار واحيانا المانشيت على الصفحة الاولى.
كميل أسمر شغل لبنان بعمله الدؤوب في حماية الآثار والمحافظة عليها. تسلم مهامه في العام ١٩٨٢ خلفا للمدير موريس شهاب، لم ينقطع يوما عن المجيء الى مكتبه في المتحف على خطوط التماس رغم القصف المدفعي وخطورة الموقع. في سجله انجازات مهمة قياساً الى الامكانات المادية والبشرية التي كانت موجودة معه بدأ المشروع الكبير للتنقيب عن الآثار في وسط بيروت وله الفضل في حفظ القطع الاثرية المكتشفة في مستودعات المتحف الوطني بعدما وضع بندا اساسيا في كل عقد عمل مع البعثات الاجنبية يلزمها بابقاء المكتشفات في لبنان عكس ما كان يحصل في السابق، رمم مديرية الآثار والمتحف الوطني وأعاد افتتاحه بالتعاون مع المؤسسة الوطنية للتراث، أدرج موقع وادي قاديشا وأرز الرب على لائحة التراث العالمي، زود مديرية الاثار بمختبر واجهزة كمبيوتر بالتعاون مع اليونسكو، رمم نحو ستين كنيسة وديرا في كل انحاء لبنان، واسترد عددا من القطع المسروقة في الخارج، والعديد من الانجازات الاخرى.
قبل ستة أشهر من احالته إلى التقاعد "إتكوا" فيه. حبسوه ثلاث سنوات، وبقي طلب الاستئناف معلقا لعقود من الزمن كي يبقى صامتا بحكم القضاء فلا يفضح اصحاب النفوذ الذين "تبلوه". قبل توقيفه قال لي بحرقة: لماذا لم أغادر الى كندا منذ زمن؟ بعد ستة وعشرين عاما من الخدمة كنت انتظر وساما فأصبحت مسؤولا عن تبعات الحرب. ولماذا انا وليس غيري وقد كنت اكثر المديرين العامين انتاجا؟!!
بالأمس أغمض كميل أسمر عينيه وارتاح من همّ الدنيا وظلم الناس، لكنه ذهب مرتاح الضمير، تاركا لوطنه وأجيال الحاضر والمستقبل كنوز التاريخ التي حفظها ورفض التخلي عنها للسارقين والمهربين والفاسدين، فكان مصيره السجن عوض المكافأة ..
عزيزي دكتور أسمر علني بهذه الكلمات أفيك بعضاً من حقك وأكشف للملأ الظلم الذي تعرضت له، انا الصحافية التي أوليتها ثقتك ومحبتك رغم حذرك من الصحافة والاعلام، ورافقتك ووقفت بجانبك ولم تتخل عنك حين تخاذل الجميع.. وداعا كميل أسمر".
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا