من شرم الشيخ إلى بيليم: شهادة شخصية بين التجربة والرؤية

الرئيسية مقالات / Ecco Watan

الكاتب : محرر الصفحة
Nov 26 25|15:51PM :نشر بتاريخ

كتبت المهندسة الدكتورة نهى الغصيني في ايكو وطن:
في COP27، الذي انعقد في شرم الشيخ عام 2022، لم أكن مشاركة فحسب؛ كنت شاهدة على لحظة إنسانية تُعرّي حقيقة الأزمة المناخية وتكشف جذورها الأخلاقية والحقوقية. واليوم، وأنا أتابع الحلقات الختامية لمؤتمر COP30 في بيليم – من بعيد هذه المرّة، عبر شاشة لا تنقل حرارة الأمازون لكنها تكشف حرارة الانقسام العالمي – أسأل نفسي: ما الذي تغيّر حقًا؟ وهل اقترب العالم خطوة من العدالة المناخية؟ لا شك أن الجواب معقّد… لكنه واضح.

أولًا: الدرس الذي لا يُنسى – التواضع في حضرة الشعوب الأصلية
في COP27 كان المشهد الأول بالنسبة إليّ هو التواضع أمام التنوع البشري. لم تُدهشني الوفود الرفيعة بقدر ما هزّني حضور ممثّلي الشعوب الأصلية من الأمازون إلى سيبيريا؛ أولئك الذين يدفعون ثمن التغيّر المناخي بأجسادهم وأرضهم وثقافتهم. خرجتُ من شرم الشيخ بثلاث قناعات أساسية:
•    أن العدالة المناخية تبدأ بالاعتراف بأن الشعوب الأصلية ليست ضحية بل جزء من الحلّ.
•    وأنّ التكيّف لا يمكن أن يقوم على التكنولوجيا وحدها، بل على لقاء عادل بين المعرفة الأصلية والعلوم الحديثة.
•    وأنّ النساء في هذه المجتمعات هنّ الحارسات الحقيقيات للحياة: يحملن الماء، يزرعن الغذاء، ويحفظن الذاكرة البيئية.
هذه القناعة ما تزال حجر الأساس في رؤيتي… لكن ما تغيّر في العالم منذ ذلك الحين؟ جزئيًا نعم. والأغلب لا.

ثانيًا: من COP27 إلى COP30 – تقدّم على الورق، وتراجع في الممارسة
في COP30، يتحدّث العالم عن «خارطة طريق للخروج من الوقود الأحفوري»، وعن مضاعفة التمويل، وأهداف أكثر طموحًا. لكن خلف الخطابات، تتكرر المفارقات نفسها:
•    تزايد نفوذ شركات الوقود الأحفوري أكثر من أي وقت مضى.
•    تردّد الدول الصناعية في الالتزام بتمويل فعلي للدول المتضررة.
•    تهميش مستمر لأصوات النساء والشعوب الأصلية والمزارعين في غرف التفاوض.
لقد تغيّرت اللغة، لكن البنية لم تتغيّر. ازدادت الوثائق… لكن الإرادة بقيت ناقصة.

ثالثًا: النساء في قلب المواجهة… لكن خارج دائرة القرار
في COP27 رأيتُ النساء في قلب النضال البيئي: يزرعن، يحفظن البذور، يدِرن المياه، ويحمين المعرفة التقليدية. لكنهنّ أيضًا الأكثر تعرّضًا للعنف المناخي والاقتصادي. واليوم، في COP30، لا تزال الصورة كما هي: النساء في الخطوط الأمامية، لكنهنّ غائبات عن الطاولة التي تصوغ مستقبل الكوكب.
السبب بسيط وعميق: النظام المناخي العالمي ما زال محكومًا بمنطق اقتصادي ذكوري لا يضع العمل الرعائي غير المدفوع – أساس الاقتصاد غير المرئي – في الحسابات. ومن دون الاعتراف بقيمة العمل المنزلي والرعائي، لا يمكن الحديث عن عدالة مناخية.

رابعًا: لبنان بين المؤتمرين – طموحات أكبر… وحضور أصغر: 
تتكشف هنا حقيقة أكثر إيلامًا: الدولة تُجيد كتابة الوثائق أكثر مما تُجيد تنفيذها. ففي COP30، دخل لبنان بحزمة سياسات متقدمة (خطة التكيّف الوطنية، المساهمة الوطنية المحددة، الاستراتيجية طويلة الأمد لخفض الانبعاثات). ولكن يأتي الحضور السياسي ضعيفًا، بوفد تقني محدود ومن دون غطاء سياسي يسمح بالدفاع عن مصالح لبنان في ملفات التمويل والتحالفات. ويبقى السؤال: هل يستطيع بلد هشّ مثل لبنان أن ينافس على التمويل والتحالفات وهو غائب سياسيًا؟
المفارقة واضحة: كلما اشتدت الأزمة في لبنان، تراجع الحضور السياسي الذي يفترض أن يكون رأس الحربة.

خامسًا: الحوكمة بين الدولة والميدان – لماذا البلديات هي العمود الفقري للإصلاح المناخي؟
يُعلن لبنان التزاماته الدولية ويصوغ الاستراتيجيات، لكنه غالبًا يبقى أسير «الامتثال الشكلي» بدل التحوّل الفعلي. أما على الأرض، فلا تجد السياسات طريقها إلى التنفيذ إلا عبر البلديات واتحاداتها: حيث تُطفأ الحرائق، تُدار المياه والغابات، تُنظّم النفايات، ويُواجه العنف المناخي يوميًا. لكن هذه الجهات تُركت بلا صلاحيات كافية، بلا تمويل مستقر، وبلا أدوات مساءلة. لذا، يحتاج لبنان إلى تحوّل مزدوج:
١. تحوّل وطني:
•    تحرير السياسات البيئية من المحاصصة،
•    تفعيل وزارة البيئة كجهة ناظمة،
•    إعادة هيكلة صندوق البلديات،
•    ودمج البعد المناخي في كل سياسات الدولة.
٢. تحوّل محلي:
•    تمكين البلديات من إدارة الموارد الحيوية ضمن إطار تنظيمي واضح،
•    بناء قدرات دائمة لا مشاريع قصيرة،
•    تشجيع شراكات بين البلديات والمجتمع المدني والقطاع الخاص،
•    وإعطاؤها دورًا مباشرًا في تنفيذ NDC وخطط التكيّف.
فالبلدية هي المكان الذي تُختبر فيه السياسات وتتحقق فيه العدالة الاجتماعية. ولا يمكن للبنان أن يواجه أزمة التغير المناخي إذا بقيت بلداته عاجزة عن حماية الأساسيات.
خلاصة شخصية: من شرم الشيخ إلى بيليم… العالم يغيّر خطابه، لكن الوعي هو الذي يتسرّع
ما تغيّر ليس النظام المناخي العالمي، بل وعيُنا: 
•    وعي بأن الحلول ليست تقنية فقط، بل أخلاقية وثقافية. 
•    وبأن النساء والشعوب الأصلية في الخطوط الأمامية، لكن أصواتهن لا تزال هامشية. 
•    وبأن لبنان، رغم ضعفه، يملك فرصة حقيقية إذا امتلك الإرادة السياسية وبنى جسرًا بين الدولة والبلديات.
من COP27 إلى COP30، تغيّرت المدن والخطابات… لكن جوهر المعركة بقي كما هو: معركة من أجل العدالة، من أجل الموارد، من أجل أصوات لا تُسمع بما يكفي، ومن أجل كوكب لم يعد يحتمل الانتظار.

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan