الديار: السباق الخطير بين التصعيد العسكري والمبادرات الديبلوماسية

الرئيسية صاحبة الجلالة / Ecco Watan

الكاتب : محرر الصفحة
Nov 27 25|09:26AM :نشر بتاريخ

 بينما يؤكد لبنان يوما بعد يوم ارادته القوية في النهوض من ازماته والسعي الى مستقبل مزدهر حيث وقّعت الدولة اللبنانية اتفاقية مع الدولة القبرصية لترسيم الحدود البحرية، ما يضع الحجر الاساس لاستثمار موارده الطبيعية بشكل قانوني وسلمي، تظهر «اسرائيل» بشكل دائم قوة متربصة ضد لبنان فلا تتوقف عن الاستعدادات العملانية واللوجستية لاعطاء الاوامر للقاذفات بالاقلاع وتنفيذ غارات يمكن ان تستهدف محيط القصر الجمهوري على غرار ما حصل في سوريا الى جانب تنفيذ عمليات اغتيال وارهاب ممنهج اخرها كان استهدافها للقيادي في حزب الله هيثم علي الطبطبائي في قلب الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت. وكل هذه الاعمال الوحشية التي تمارسها الدولة العبرية ضد لبنان هي محاولة لابقائه ضعيفا عاجزا عن ترميم مؤسساته واستثمار ثرواته للخروج من ازمته الاقتصادية في حين تريد «اسرائيل» ان تنأى وحدها عن الفوضى وتعيش الاستقرار حارمة لبنان من حقه في العيش الكريم والامن والاستقرار.
ذلك ان الاتفاق بين لبنان وقبرص ليس مجرد رسم للحدود بل يشكل نافذة امل تفتح ابواب التنمية وفرص عمل جديدة وتقوية الاقتصاد الوطني وجذب الاستثمارات فضلا الى ان هذا الاتفاق يمكن لبنان من ممارسة سيادته على مياهه الاقليمية. بيد ان لبنان مصر على حماية حقوقه والنهوض اقتصاديا وسياسيا رغم كل التحديات والتهديدات والارهاب التي تشكلها اسرائيل والتي تريد ان تبقي الدولة اللبنانية في حالة هشاشة، تتخبط في دائرة من الفوضى والضعف.
وفي تصريح يؤكد ما ذكر اعلاه هو تصريح وزير الدفاع «الاسرائيلي» يسرائيل كاتس الذي قال بالفم الملان ان لا هدوء في لبنان طالما ان امن «اسرائيل» غير مضمون، وعليه يكثف الجيش «الاسرائيلي» ضرباته وعدوانه رغم مرور عام على اتفاق وقف الاعمال العدائية الذي ابرم في 27 تشرين الثاني 2024.
اهمية اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص
والى ذلك، شهد القصر الجمهوري امس توقيع الرئيس القبرصي نيقوس كريستو دوليدس ووزير الاشغال والنقل اللبناني فايز رسامني، وبحضور الرئيس عون اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، حيث رأى رئيس الجمهورية في هذا الاتفاق «امكان تطوير اتفاقيات تتيح تسهيل عمل الشركات المستكشفة واطلاق مشاريع في مجالات الطاقة المتجددة».
وقال خبير اقتصادي لـ«لديار» ان هذه الاتفاقية تفتح باب التنقيب عن الطاقة اي النفط والغاز خاصة انه يحدد المنطقة الاقتادية الخالصة بين لبنان وقبرص، وهذا الامر يعطي الحق للبنان قانونيا ببدأ عمليات المسح والتنقيب في مياهه البحرية. واضاف ان الاتفاقية ستجذب الاستثمارات الاجنبية وشركات التنقيب الدولية فضلا انها تشجع شركات الطاقة الى الولوج للمياه اللبنانية.
وايضا من خلال اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص، لفت الخبير الاقتصادي الى ان مجالات عدة ستفتح امام لبنان وفي تعاون ثنائي مع قبرص في اطار الربط الكهربائي، الاتصالات والنقل.
في المقابل، اعترض نائب القوات اللبنانية جورج عقيص بان يقوم وزير بتوقيع هذه الاتفاقية لعدم صلاحيته، مشيرا الى ان توقيع وزير الاشغال او حتى الحكومة مجتمعة على معاهدة ترسيم البحري مع قبرص دون عرضها على مجلس النواب للتصديق عليها، تشكل مخالفة دستورية جسيمة قابلة للطعن امام القضاء المختص.
سياسة «اسرائيل»: الضربات الاستباقية لمنع حزب الله من اكتساب القوة
وبالعودة الى الاعتداء الاسرائيلي المتواصل على لبنان ، يؤكد مصدر عسكري رفيع المستوى لـ«الديار» ان سياسة «اسرائيل» الحالية واضحة المعالم فهي ترتكز على المبادرة الاستباقية في حربها ضد اعدائها وابرز عدو لها هو حزب الله وعليه تسعى لتنفيذ الاغتيالات ضد قادة الحزب واستهداف مراكز اسلحة للتنظيم وفقا للمزاعم الاسرائيلية بهدف منع حزب الله من اكتساب قوته مجددا ومن الحصول على فرصة اعادة ترميم قدراته وبنيته العسكرية. ومن خلال عملية الاغتيال التي نفذتها «اسرائيل» مستهدفة القائد هيثم علي الطبطبائي في حزب الله، تريد «تل ابيب» ان توحي بأنها على دراية بأن حزب الله وبعد حرب الـ 66 يوما عام 2024 يعمل على تغيير بنيته الداخلية وتكتيكه العسكري وانطلاقا من ذلك جاء الاغتيال بهدف اظهار الدولة العبرية نفسها انها لا تزال «تعلم بتحركات حزب الله وخططه» وان اي خروج للحزب عن القواعد المحددة سيدفع بالجيش «الاسرائيلي» الى تصويب ضربات موجعة على مستوى قياداته. ولكن في الوقت ذاته، بانت «اسرائيل» انها تعيش هستيريا عسكرية خاصة ان القيادي الطبطائي ليس من القادة الجدد في التركيبة العسكرية لحزب الله وقد حاولت مرتين اغتياله ولكنها لم تفلح. وهنا،يقول مصدر عربي مطلع ان هذا اغتيال الطبطبائي يندرج في خانة «جنون نتنياهو» وهيستريا الائتلاف الحاكم في «اسرائيل» مشيرا الى ان الاغتيال شكل ضربة لحزب الله ولكن ليس الضربة الموجعة او القاتلة كما تروج الحكومة «الاسرائيلية». والحال ان ما يقلق «اسرائيل» هو حالة انتقال حزب الله من الحالة العسكرية المكشوفة الى حالة سرية كما كان في اوائل صعوده في الثمانينات، ولذلك يتحرك العدو «الاسرائيلي» من خلال الاغتيالات كلما شعر بخطر حزب الله وان كان الاغتيال خطوات غوغائية لا تهز بنية المقاومة من الداخل.
شخصيات لبنانية - اميركية تحمل الرئيس عون مسؤولية عدم تطبيق قرار 5 ايلول
وفي نطاق متصل، بات معلوما ان هناك شخصيات لبنانية-اميركية على علاقة وثيقة بالاحزاب في الداخل اللبناني، ابلغت الصقور في اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة في ان المسؤولية تقع على الرئيس جوزاف عون بالدرجة الاولى لانه هو من حال دون تطبيق قرار مجلس الوزراء في 5 ايلول السابق وذلك بالقيام بخطوات عملانية لنزع سلاح حزب الله بالقوة باعتباره الخيار الوحيد امام الدولة اللبنانية، ان لتجنب الحرب الاسرائيلية او للبدء باعادة بناء الدولة بعيدا عن سيطرة حزب الله والتأثير الايراني.
مصدر مطلع:حزب الله انتقل من الحالة المكشوفة الى السرية التامة
وكشف مصدر مطلع ان حزب الله يقوم بترتيب مختلف كليا عن الصيغة السابقة اذ ان العراضات الكشفية والاحتفالات الجماهيرية تراجعت بشكل كبير بقرار من الحزب فاليوم يعمل التنظيم على مستوى اخر يرتكز على السرية والعمل المنظم الغير المعلن. وقصارى القول انتقل حزب الله من حالة الاستعراض الشعبي والجماهيري الى العمل السري والصمت المطبق حيث نجح حزب الله بمنع اسرائيل من ان تطال اي قائد لها بعد ان أوقف كل شبكات التواصل واجهزة الخليوي واتخذ احتياطات قصوى وتدابير احترازية مشددة واعتمد على الرسائل المكتوبة بين عناصره وقادته. وهنا يقول هذا المصدر ان ثغرة صغيرة اعطت «اسرائيل» الفرصة لاغتيال القائد الطبطبائي علما ان حزب الله لا يزال محصنا ومتماسكا من الداخل ومعظم الخروقات التي حصلت في السابق لن تتكرر اليوم لان معظم الثغرات تم اقفالها وازالتها.
وهذا الامر يثير القلق عند الائتلاف الحاكم في «اسرائيل» حيث ان تغيير حزب الله استراتيجيته حث الحكومة «الاسرائيلية» على طرح عدة سيناريوهات منها : احتمال معاودة مقاتلي حزب الله استخدام حرب الاستنزاف على غرار العمليات التي سبقت التحرير عام 2000 او ان الحزب سيقوم بمفاجأة عسكرية تترجم بتوغل داخل «اسرائيل» او ان حزب الله سيوجه ضربة للاسرائيليين ربما في بلدان عربية. هذا التكهن الاسرائيلي لما يخطط له حزب الله اعاد للاخير عنصر المفاجأة لان العدو الاسرائيلي يترقب من كل حدب وصوب حصول هجوم من حزب الله الا ان لا معلومات لديه اكيدة او موثوقة.
حزب الله يدرس كل الاحتمالات ويتجنب الوقوع بفخ نتنياهو
توازيا، يرى مصدر عسكري اوروبي ان حزب الله لا يتخذ قراره بالرد على الاسرائيلي من منطلق غوغائي او انفعالي ولا ينجر وراء الشعبوية السياسية بل يختار التوقيت والرد المناسب مرتكزا على تخطيط عميق بهدف توجيه ضربة قوية للجيش «الاسرائيلي». وبالتالي، يشير المصدر الى ان حزب الله يدرك جيدا نوايا رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو بأن الاخير يريد الحرب بأي ثمن مهما كانت العواقب وذلك لحسابات خاصة به تتعلق بالانتخابات ولصورته امام شعبه بعد حصول 7 اكتوبر حيث يسعى بشكل متواصل الى الظهور انه القائد المخلص للاسرائيليين من اعدائهم.
وعليه، يقول هذا المصدر ان حزب الله في حال رد على «اسرائيل» ، فسيكون قد قدم هدية على طبق من فضة لنتنياهو دون دراية حيث باتت الحرب هي العامل الوحيد التي تبقي نتنياهو في السلطة وتبعد عنه المحاسبة الداخلية في الوسط «الاسرائيلي».
افكار السفير الاميركي حول سبل نزع سلاح الحزب
وعلى وقع طبول الحرب التي يقرعها الاسرائيليون في غياب لافت للمبعوثين الاميركين والتي تبرره بعض الاوساط المتابعة بوجود السفير الاميركي في بيروت ميشال عيسى، وهو المفوض شخصيا من الرئيس الاميركي دونالد ترامب بمتابعة نزع السلاح.
دون ان تتضح صحة المعلومات ان السفير عيسى يحمل افكارا حول سبل نزع سلاح حزب الله، مع اعتبار المبادرة الاميركية الخاصة بغزة التي تجاوزت كل المبادرات الاخرى لتوضع بنودها الاولى موضع التنفيذ.
السعودية وفرنسا تحاولان تجنيب لبنان معركة كبيرة
في وقت تعطي اميركا الضوء الاخضر لاسرائيل باكمال اعمالها العداونية على حزب الله والقرى الجنوبية، تبرز فرنسا والسعودية كدولتين تبذلان اقصى الجهود لتجنيب لبنان المعركة الكبرى، ليس من منطلق الخوف من الحرب بل من باب عدم معرفتهم للنتائج التي ستحدثها الحرب الاسرائيلية المفتوحة على لبنان. والحال ان هناك خوفا فرنسيا وسعوديا كبيرا على بنية وتركيبة لبنان كدولة واي انفجار في لبنان سيكون له تداعيات كارثية عليه وليس فقط على حزب الله.
هل لا تزال المبادرة المصرية سارية؟
حتى اشعار اخر، الضوء يتركز على المحاولات المصرية التي تبذل على سائر الاطراف، من اجل بلورة مبادرة متكاملة لنزع فتيل الانفجار بين لبنان و«اسرائيل». وكان وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي قد صرح اثر لقائه الرئيس عون:»اننا نقوم بجهد مكثف لتجنيب لبنان اي عدوان، ونحن معنيون باستقرار لبنان وبضرورة وقف الخروقات الاسرائيلية لسيادته ووحدة اراضيه»، مشيرا الى ان غطرسة القوة لن تؤمن الاستقرار لـ»اسرائيل» وللمنطقة. واضاف الوزير المصري:» نحن مع الحلول الديبلوماسية لا العسكرية، فالمنطقة كلها على ابواب التصعيد الكامل، وهذا لا يخدم اي فريق على الاطلاق، ونحن نوظف اتصالاتنا لخدمة خفض التوتر والتصعيد العسكري من خلال الحوار المباشر والغير المباشر».
واذا كان عبد العاطي قد اقر امام بعض المسؤولين الذين التقاهم بان المحاولات التي تقوم بها مصر ما زالت تصطدم بالتشدد الاسرائيلي وبسياسات الضغط التي تمارسها على الدولة اللبنانية، افادت معلومات القاهرة ان الجهات المصرية المعنية تؤكد على الاستعدادات الاسرائيلية بتصعيد المواجهة مع لبنان، ولكن لتشير الى نقطة حساسة ايضا، وهي ان اي انفجار مقبل لن يكون محصورا بين حزب الله و«اسرائيل» او بين لبنان و«اسرائيل».
اتصالات بين قصر بعبدا وحارة حريك
في غضون ذلك، تؤكد اوساط سياسية مطلعة لـ«الديار» ان الاتصالات بين قصر بعبدا وحارة حريك التي توقفت لبعض الوقت، ستعاود وان قيادة الحزب تتفهم طبيعة الضغوط التي تمارس على رئيس الجمهوية شخصيا حتى من داخل مجلس الوزراء وبايعاز خارجي بطبيعة الحال.
وكان الشيخ نعيم قاسم قد قال امس مهما اشتدت الازمات ستنفرج، وستنتهي «جولة باطل العدوان الاسرائيلي-الاميركي». واذا كان واضحا مدى المناخات التعبوية داخل حزب الله ولكن المؤكد ان ابوابه ليست مقفلة امام المبادرات الديبلوماسية وان كانت هناك قيادات في الحزب تتوجس من الكلام الذي يصدر عن احزاب لبنانية معادية له، والذي ينطوي على اعتبار ان مرحلة ما بعد نزع السلاح ستكون خالية من اي نشاط للحزب و«عندها لبنان سيتنفس الصعداء وينعم بحياة هنيئة». الا ان بعض القيادات في حزب الله اعتبرت هذا الكلام بمثابة ترجمة لما تخطط له جهات خارجية تتولى بدورها تمويل هذه الاحزاب اللبنانية.

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : الديار