ندوة بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان في المكتبة الوطنية – الصنائع

الرئيسية ثقافة / Ecco Watan

الكاتب : محرر الصفحة
Dec 12 25|02:11AM :نشر بتاريخ

قال وزير الثقافة غسان سلامة "ان حقوق الانسان الأساسية ليست موضوع مساءلة أو نقد ولكن علينا ان نضيف اليها حقوقا أخرى للفرد تمس بواجب الدولة في حماية سكانها من العوز وانعدام المسكن من الاحتلالات الداخلية والخارجية".

ولفت الى "تغير مفهوم السيادة حيث تغير مفهوم حقوق الانسان قائلا: "لم تعد السيادة فقط مجرد حق للدول بأن تدافع عن أراضيها، باتت السيادة أيضا موضوع مسؤولية للدول أمام سكانها، أمام شعبها، أمام ناسها، إذن حقوق الإنسان باتت جزءا من فكرة السيادة، الموضوعان ليسا متقاطعين أو متقابلين أو متناقضين، هما متكاملان إلى حد كبير، ولذلك نحن نعتقد أن بإمكان لبنان الذي كان حاضرا في اللجنة التي وضعت شرعة حقوق الإنسان عام 1948 ان يكون حاضرا مرة أخرى لمحاولة الانتقال من الموجات النقدية التي أصابت فكرة حقوق الإنسان إلى فكرة جديدة تستوعب حقوق الإنسان ولكي تستوعب بعض أجزاء من الانتقادات التي تلقاها ذلك المفهوم خلال العقود المنصرمة".

كلام سلامة جاء خلال افتتاحه ندوة دعا اليها في مقر المكتبة الوطنية - الصنائع لمناسبة اليوم العالمي لحقوق الانسان بعنوان "سيادة القانون واقع يومي: بين حقوق الانسان، العدالة، الحريات العامة والمساءلة"، بحضور وزير العدل عادل نصار، النائبة السابقة بهية الحريري وعدد من الدبلوماسيين والمهتمين بالشأن الحقوقي ومنظمات المجتمع المدني.

ومما قال سلامة: "منذ صدور الإعلان العالمي لحقوق الانسان قامت موجات متكررة ضد المفهوم النفسي وفي فترة أولى كانت الموجة تقول ما هذا الإعلان عن الحقوق الشكلية، الفكرية والسياسية للإنسان؟ بينما الموضوع الأساسي هو الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والتالي خلال الحرب الباردة باتت حقوق الإنسان أسيرة الانقسام الدولي بين شرق وغرب، بين غرب يقول بضرورة احترام ذلك الوفاق وبين شرق يقول بأن هذا الوفاق لا يؤمن إلا الحقوق الشكلية وليس الحقوق الفعلية والواقعية التي هي الاقتصادية والاجتماعية" .

اضاف: "في مرحلة ثانية جاء الهجوم من مكان مختلف، عندما بدأت العمليات العسكرية في أنحاء العالم ضد أنظمة سياسية كانت تعادل الغرب في الإجمال أخذ على حقوق الإنسان أنها لم تعد إلا حجة يستعملها الغرب لغزو دول أخرى مثل العراق أو ليبيا أو غيرها من الدول ويهدد الآن دولا أخرى مثل فنزويلا وغيرها. وبالتالي فإن هذه الفكرة التي هي فكرة حق أريد بها في الواقع باطلا لأن الحق بممارسة الحريات العامة لا يمكن أن يكون شعارا لغزو عسكري خارجي، فأخذ على حقوق الإنسان أنها مطية لرغبات ونزوات وتطلعات القوى الكبرى في العالم وليس لحماية حقوق الإنسان" .

وتابع: "ان الموجة الثالثة التي نراها اليوم قد تكون الأصعب والأعمق، حيث يؤخذ على حقوق الإنسان اليوم مع انتشار الهوس بالهوية بأن حقوق الإنسان تهتم بالفرد وكأنه قائم بذاته، وكأن الفرد ليس جزءا من جماعة، وبالتالي أصبح هناك صدام بين مفهوم الحقوق الأساسية مفهوم حقوق الإنسان، مفهوم الحريات العامة التي تحترمها الدولة أمام كل فرد والتي تؤسس لدولة القانون. أصبح هناك من ينتقد ذلك قائلا ان التركيز على الفرد هو نوع من تجاهل لحقوق الجماعة وبالتالي لا يمكن الحديث عن حقوق الإنسان وكأنه فرد. هذه الهجمة الحالية هجمة عميقة تدور حول فكرة الهوية وتستعمل مفهوم الهوية لكي تنتقد الفردانية التي تقوم عليها شرعة حقوق الإنسان" .

وقال: "إذا، لم تكن حقوق الإنسان مبدأ مقبولا عالميا كما يعتقد أحيانا، كانت في حال الدفاع عن النفس خلال الأعوام والعقود الماضية منذ اعلان الوفاق عام 1948. لكن ربما سنصل إلى مرحلة رابعة، نعترف فيها بأن حقوق الإنسان الأساسية ليست موضوع مساءلة او نقد، ولكن علينا أن نضيف إليها حقوقا أخرى للفرد تمس بواجب الدولة في حماية السكان، وحماية السكان تقوم ليس فقط على احترام حقوقهم كأفراد وإنما أيضا حمايتهم من العوز وانعدام المسكن من الاحتلالات الداخلية والخارجية".

اضاف: "لقد تغير مفهوم السيادة وتغير معها مفهوم حقوق الإنسان، فلم تعد السيادة مجرد حق للدول بأن تدافع عن أراضيها بل باتت أيضا موضوع مسؤولية للدول أمام شعبها  وناسها. إذا، حقوق الإنسان باتت جزءا من فكرة السيادة، الموضوعان ليسا متقاطعين أو متقابلين أو متناقضين انما متكاملان إلى حد كبير، لذلك نعتقد أنه بإمكان لبنان الذي كان حاضرا في اللجنة التي وضعت شرعة حقوق الإنسان عام 1948 ان يكون حاضرا مرة أخرى لمحاولة الانتقال من الموجات النقدية التي أصابت فكرة حقوق الإنسان إلى فكرة جديدة تستوعب حقوق الإنسان، ولكي تستوعب بعض أجزاء من الانتقادات التي تلقاها ذلك المفهوم خلال العقود المنصرمة".

وختم: "يحق للبنان بل واجب عليه أن يكون موجودا عام 2025، والحق هو أنني أنتمي إلى حكومة وضعت سلطة القانون ودولة القانون في صلب اهتمامها هو مشروع لن يتم بين ليلة وضحاها، فهناك تعديات يومية على حقوق الإنسان وتعديات كثيرة على سيادة القانون وعلى سيادة البلاد. لذلك  أولينا الأمر كبير اهتمامنا، وفي وزارة الثقافة قررنا منذ اليوم الأول أن يكون من مسؤولياتها نشر الافكار التي تقوم عليها حقوق الإنسان والمساهمة أيضا بطريقة موضوعية وفاعلة وواقعية، في إعادة النظر لذلك المفهوم كي يتمكن من أن يرسخ في العقول وأن يستوعب في آن معا بعضا من الانتقادات التي اصابته خلال العقود الماضية. نعم باستطاعة لبنان بل من واجبه أن يلعب هذا الدور".

نصار

بدوره، قال وزير العدل: "أواجه صعوبتين عند القاء كلمتي اليوم. الأولى: الكلام صعب عندما يشارك في نفس اللقاء الوزير سلامة وهو مرجع مشهود له عالميا بعلمه وخبرته. والثانية: مسألة حقوق الإنسان واسعة للغاية وكم بالاحرى عندما نقاربها من منظار مقومات دولة القانون وكيف يمكن اختصارُها بكلمة مقتضبة".

اضاف: "حقوق الإنسان في دولة القانون ليست عنوانا لمداخلة فحسب بل هدف سامِ لأي دولة حديثة. ونحن في لبنان نطمح إلى بناء دولة القانون وأن تكون هذه الدولة ضامنة لحقوق الإنسان لا بل إن احد أهداف بناء دولة القانون هو تحديدا صون حقوق الإنسان التي تشمل حقوق الأفراد والمجموعات والاعتراف بأهميتهما كما انها تفرض أيضا تحرير الأفراد من وطأةِ المجموعات".

وتابع: "مقدمة الدستور اللبناني التي لها نفس القوة القانونية لكل بند من بنوده، كرست حقوق الإنسان، مما يعني أن القوانين التي تخرق حقوق الانسان قابلة للمراجعة أمام المجلس الدستوري وعلينا اليوم توسيع حق مراجعته لتعزيز نطاق حماية الدستور. لكن بين النصوص والواقع هنالك هوة كبيرة وعلينا ردمها وبذل جهود كبيرة لضمان حقوق الإنسان كافة في لبنان".

وقال: "الإحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان يشكل فرصة لتقييم وضعنا الراهن وتحديد واجباتنا في إطار دولة القانون.

أولا: علينا بناء الدولة المكتملة الأوصاف فلا وجود لدولة بدون امتلاك السلطة الرسمية حصرية السيادة. فدولة بدون حصرية القوة لا تكون مكتملة الأوصاف وإمتلاك مجموعة غير رسمية القوة يعني حكما منع قيام الدولة وتعريض المجتمع والافراد وحقوقهم الأساسية لمخاطر عديدة بقرار آحادي، في حين أن المجموعة المسلحة لا تتمتع بأية شرعية وطنية لممارسة القوة وهي غير خاضعة لأية محاسبة او رقابة وتخرق القانون والمساواة أمامه. هذا الامر محسوم وفقا لجميع المبادئ والمعاير القانونية اللبنانية والدولية.

 

ثانيا: حتى في حال حصر السيادة بيد السلطة الرسمية يجب حماية الأفراد وحقوقهم من انحراف السلطة من خلال إخضاعها لسلطة القانون. أي أن السلطة التي تتمتع بحصرية القوة تبقى خاضعة لفصل السلطات والمحاسبة تحت سقف القانون.

ثالثا: يجب ان يكون القانون بدوره عادلا ومتناسبا مع متطلبات حقوق الانسان، فقانون يمنح السلطة الرسمية صلاحيات تخرق حقوق الانسان أو قانون يتجاهل موجب حماية الضعيف بوجه القوي يشكل بحد ذاته أبشع وسيلة للطغيان .

 

قال مونتسكيو:

"Il n'y a point de plus cruelle tyrannie que celle que l'on exerce à l'ombre des lois et avec les couleurs de la justice."

رابعا: يجب تطبيق القوانين بدون استنسابية وبحزم وبإنسانية وبعدالة ويدخل في صلب دور القاضي ان يحافظ على استقلاليته وأن يكون ضامنا للحقوق والحريات العامة، فهو الذي يترجم النصوص الى واقع في المجتمع والى ضمانة للأفراد، وهو من يراقب ممارسة القوة وتصرف من يستعينَ بها. ولا بد من التذكير بما قاله باسكال:

La justice sans la force est impuissante et la force sans la justice est tyrannique.

فاستقلالية القضاء وحسن تطبيق القوانين يشكلان ركيزتين لحماية الحقوق، وهذا كان في صلب اهتمامنا عند وضع مشروع قانون التنظيم القضائي من جهة وعند إجراء التشكيلات من جهة أخرى.

خامسا: على المجتمع ان يبقى يقظا وأن يسهر على رفض اي تعد على حقوق الانسان، فالسكوت عن الخطأ او التهاون معه هو تسهيل لارتكابه ولاستمراره ولتفاقمه. على كل لبناني ان يستاء وان يستنكر كل خرق تتعرض له الحقوق الأساسية. ويجب شجب كل خرق يتعرض له الخصم قبل الصديق وإلا لكان الموقف سياسيا وليس مبدئيا".

اضاف: "نذكر بالجملة الشهيرة

Je ne suis pas d'accord avec ce que vous dites mais je suis prêt à mourir pour que vous ayez le droit de le dire.

فصون حقوق الإنسان من خلال دولة القانون يتطلب عملا مشتركا وتضامن المجتمع وعدم التساهل، ويجب ان تشمل حماية الحقوق أولا الفئات الاضعف مثل الفقراء والمساجين والاطفال والنساء والنازحين وهنالك الكثير الكثير من الجهود المطلوبة في لبنان ولو سلكنا الطريق الصحيح".

وتابع: "إننا نسمع اكثر واكثر، في لبنان والعالم، أن الظروف تفرض في بعض الأحيان التغاضي عن خرق حقوق الانسان وان الضرورات تبيح المحظورات والجواب هو ان في وقت الازمات اكثر من أي وقت آخر يجب التقيّد بالحقوق الأساسية

C'est en période de crise que le respect des droits fondamentaux est le plus important.

فعلينا أولا ان نسهر على حماية الحريات العامة وكرامة الافراد وحق الملكية والمساواة امام القانون لكن علينا أيضا ان نصحح مسارنا التشريعي وأن نتطرق بحضارة وانفتاح لحقوق المرأة، وان نلتفت الى قواعد الإرث بين الافراد من ديانات مختلفة ولحق المواطن في اختيار قانون مدني للاحوال الشخصية ولإدانة العنصرية على أشكالها ولتحسين وضع السجون".

وأردف: "كان لبنان تقدميا في المنطقة حاملا شعلة الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، وعلينا استعادة دورنا الرائد في هذا الإطار. لقد ساهمت التعددية في لبنان بخلق حاجزا منيعا امام الايديولوجيات الشمولية على أنواعها، فبالرغم من التحديات والاهتزازات بقيت جمهوريتنا قائمة منذ الاستقلال وما زالت، في وقت ان الجمهوريات قد تهاوت في كل الدول المجاورة بفعل الانقلابات والاحكام العسكرية".

 

وقال: "نعلم أن الطريق ما زال طويلا لكن علينا أن نرى أيضا أننا بنينا في لبنان ثقافة مشتركة وهوية مشتركة تتطور بفعل تفاعل الفكر والحاجات وحقيقة المجتمع لكن أساسها باق مهما صار وهو الحرية. وبالرغم من كل الصعاب والمغامرات والرهانات والاحتلالات والاعتداءات بقيت خصوصية لبنان عاصية وشامخة. لبنان يستحق الارزة التي تتوسط عَلَمَهُ لأن في لبنان شعب واحد وثقافة مشتركة وتعددية وهو يشبه أرزَتَه: جذع واحد وعدة أغصان في شجرة واحدة شامخة لن تموت".

وختم: "واسمحوا لي ان أختم بالفرنسية بتذكير الجميع بأن الديمقراطية في لبنان تزعزعت لكنها صامدة وستصمد. فأقول لكم نقلا عن فيكتور هوغو لكن بعد تعديل بيت من قصيدته:

« S'il ne reste plus au Moyen Orient que dix démocraties, nous serons la dixième et s'il n'en reste plus qu'une nous serons celle-là. »".

عطوي

وكانت المديرة التنفيذية للمكتبة الوطنية السيدة جلنار عطوي سعد افتتحت الندوة بكلمة ترحيبية، قالت فيها: "اليوم العالمي لحقوق الانسان الذي أُقر عام 1948، هو مناسبة لتجديد التزامنا بالمبادئ الأساسية التي تضمن كرامة الإنسان وحقوقه في كل مكان. ونؤكد أن احترام الحقوق والحريات هو أساس العدالة والسلام في العالم".

المشاركات

أدرات الندوة المحامية غيدا فرنجية، وشاركت فيها:

ليلى عواضة، محامية ومشاركة في تأسيس منظمة "كفى"

كارمن حسّون أبو جودة، استاذة محاضرة في جامعة القديس يوسف وخبيرة في العدالة الانتقالية

خلود الخطيب، خبيرة في حقوق الإنسان، المديرة التنفيذية لمنظمة LOUDER

وداد جربوع، صحافية وباحثة أولى في مؤسسة سمير قصير (سكايز).

وتخلل الندوة جلسة حوارية.

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan