كتب د.محمد فحيلي في ايكو وطن: لمحاسبة كل اعضاء المجلس المركزي لمصرف لبنان والهيئة المصرفية العليا
الرئيسية مقالات / Ecco Watan
الكاتب : الدكتور محمد فحيلي
Aug 20 23|17:46PM :نشر بتاريخ
كتب د.محمد فحيلي في ايكو وطن:
العبرة تكون دائماً في النتائج . . .
تقرير أدان رئيس السلطة النقدية السابق، رياض سلامة، رغم اعتراف من قام بإعداده عن التعثّر في تأمين المعلومات المطلوبة!
من الصعب جداً تحديد ما إذا كان تقرير ألفاريز آند مارسل (A&M) يهدف إلى تقويم أداء رياض سلامة، أو إدانته، أو إبراء ذمة مكونات الطبقة السياسية التي، ولسنوات عديدة، أعطت رئيس السلطة النقدية فائضاً من القوة والسلطة ليحكم ويتحكّم كما يشاء، وليس فقط لرسم السياسات النقدية.
نعم، هكذا كانت الصورة التي رسمها تقرير التدقيق الجنائي؛ لم يذكر أيّ إيجابية في أداء رئيس السلطة النقدية، ولم يتوقف عند فقدان استقلالية مصرف لبنان عن تلوث السلطة السياسية الحاكمة، وبهذا يكون أداء السلطة النقدية "مَحكوماً" برغبات سلطنة السياسيين. وإذا كان هذا هو الواقع المر الذي يوصف الساحة النقدية، فإلى من يجب توجيه أصابع الإتهام؟ لنترك القضاء المختص يجيب عن هذا السؤال.
ما يهمّ المواطن اللبناني، وما هو في مصلحة الوطن لبنان، مُساءلة ومحاسبة ومحاكمة المرتكب، وإقرار إصلاحات بنيوية للتأكد من عدم تكرار هذه الأخطاء. ودائماً تكون العبرة في النتائج.
وبهذا يكون من الأفضل التركيز على ما قد ينتج من تغيّرات إستراتيجية في تركيبة السلطة النقدية والتداعيات طويلة الأمد على الإقتصاد في مرحلة ما بعد تظهير نتائج التدقيق الجنائي بنسخته النهائية وليس الأولية. التقرير المبدئي كان إنتاج مجموعة من القيود من قبل مصرف لبنان في تأمين المعلومات والبيانات، وقيود من نوع آخر وضعت من قبل شركة ألفاريز آند مارسل (A&M) لجهة عدم السماح باستعمال مضمون التقرير لمُقاضاة أيّ من الأفراد و/ أو المؤسسات التي ظهرت أسماؤها في التقرير. رغم كل هذه القيود، العبرة في النتائج!
إذا كان هناك ثقة بما تقدّم به التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان حتى اليوم، على رغم كل الصعاب التي واجهتها شركة ألفاريز آند مارسل، فيجب، وفي الوقت الحاضر، تأمين كل المعلومات التي حُجِبت عن الشركة المدققة في السابق والطلب منها إعداد تقرير كامل وشامل ليُبنى على نتائجه. أما في المقلب الآخر، فيجب:
1 - محاسبة كل أعضاء المجلس المركزي لمصرف لبنان، وأعضاء الهيئة المصرفية العليا الذين خدموا خلال هذه الحقبة الزمنية للإحتفاظ بوظائفهم ورواتبهم والتخلي عن مسؤولياتهم أمام الشعب وأمام القانون. وهل تجوز هذه المحاسبة إذا كان أداء السلطة النقدية مُثَقل بفساد مكونات الطبقة السياسية؟ الكل يعلم بأن التعيينات في مصرف لبنان، من نواب الحاكم الأربعة إلى أعضاء لجنة الرقابة على المصارف، إلى هيئة مراقبة الأسواق المالية، إلى هيئة التحقيق الخاصة، وغيرها يخضع إلى المحاصصة والمكاسب السياسية وليس إلى معايير علمية وموضوعية أو يتصف بالشفافية!
2 - محاسبة إدارة التدقيق الداخلي في مصرف لبنان، وشركات التدقيق العالمية المعتمدة من قبل مصرف لبنان لأنهما مسؤولان عن التأكيد بأن الممارسات والأرقام هي صحيحة ومطابقه ونتجت عن أداء مسؤول يتناغم مع السياسات والإجراءات الداخلية لمصرف لبنان. وفي حال ثبتت إساءة الأداء لهذه الشركات، فيجب تغريمها وتجميد عملها في لبنان لمدة لا تقل عن خمس سنوات او حتى أكثر من ذلك، وإتهامها بالتعمّد في التعتيم على حقيقة أداء المجلس المركزي لمصرف لبنان.
3 - إعادة هيكلة مصرف لبنان:
- فصل لجنة الرقابة على مصارف وهيئة التحقيق الخاصة عن سلطنة الحاكم وتفعيل عملهما الرقابي.
- تطوير عمل مديرية تدقيق داخلي داخل مصرف لبنان وإلزامها بتقديم تقارير التدقيق الداخلي السنوي مباشرة إلى القضاء المختص.
- حصر مدة التعاقد مع شركات التدقيق الخارجي (External Auditors) إلى خمس سنوات متتالية كحد أقصى مع الشركة الواحدة.
- إنشاء مديرية لإدارة المخاطر المالية والتشغيلية داخل مصرف لبنان.
وفي المقلب الآخر، تحدّث تقرير التدقيق الجنائي عن أخطاء ارتكبتها السلطة النقدية بتغطيةٍ من السلطة السياسية الحاكمة، وحجم الأخطاء يستند على ما توفّر من معلومات، وكان هناك اعترافاً من قبل الشركة بأنّ القيود على جمع البيانات كانت كبيرة وشبه تعحيزية.
عندما يكون هناك إختلاس من قبل مكونات السلطة، يبقى السؤال الأهم: هل سنشهد مُساءلة ومحاكمة للمتهمين، أو تغطية وتعتيماً "وعفواً عاماً" كما حصل بعد الحرب الأهلية ؟! يعيش لبنان حالة حرب أهلية إقتصادية منذ تشرين 2019، او حتى منذ قبل هذا التاريخ، لأن المعتدي والضحية هما من الداخل اللبناني، وهناك خوف جدي من أنّ المماطلة بإقرار الإصلاحات وتنفيذها من قبل مكونات السلطة الحاكمة (المعتدي) وراءها محاولة لإنتاج عفو عام تنتهي فيها هذه الجولة من الحرب الأهلية بأضرار نفسية ومادية.
التقرير، رغم الثغرات والمشاكل في التحضير له، أضاء أين اختفت أموال المودعين، لكنّ مُحتواه لا يساعد على استردادها، ولا يوجد ضمانة لذلك إن لم يكن هناك مساءلة ومحاسبة ومحاكمة وحجز ومصادرة أملاك المرتكبين من قبل القضاء اللبناني المختصّ، ونقطة الإنطلاق لن تكون إلا من خلال قضاء يتمتع بالإستقلالية المطلوبه لأداء مهامه.
حذارِ من "إبراء ذمّة" المرتكبين الأساسيين كشرط أساسي لإقرار الإصلاحات الضرورية لإنقاذ لبنان وأخذ اللبنانيين إلى بر الأمان!
* الدكتور محمد فحيلي: الخبير في المخاطر المصرفية والباحث في الاقتصاد
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا