كتب فيصل الخزاعي الفريحات في ايكو وطن: العلاقات الايرانية الباكستانية لماذا تدهورت؟
الرئيسية مقالات / Ecco Watan
الكاتب : محرر الصفحة
Jan 26 24|12:08PM :نشر بتاريخ
كتب فيصل الخزاعي الفريحات في ايكو وطن:
أن التحفظات حول التعامل مع الجماعات المحظورة بين الجارتين ينبغي ألا تصل إلى حد الخلاف الدائم، في وقت التنسيق الأمني بين الجارتين إيران وباكستان تشوبه خروق أمنية من قبل الجماعات الإرهابية المسلحة المحظورة، وكانت قد شهدت العلاقات الإيرانية ـــ الباكستانية توتراً غير مسبوق بعد هجوم إيران على منطقة بانجفور الباكستانية في الـ16 من شهر كانون ثاني الجاري، والرد الباكستاني داخل الحدود الإيرانية بعد يومين، الهجوم الإيراني على مخابئ تنظيم "جيش العدل" المحظور أدى إلى مقتل شخصين وإصابة ثلاث فتيات، بينما تقول باكستان إنها أستهدفت مواقع جيش تحرير بلوشستان و "جبهة تحرير بلوشستان " في ايران، ووصفت الخارجية الباكستانية في وقت سابق الهجوم الإيراني بـ"الأنتهاك الصارخ " لحدودها الجوية، وقالت إن "مثل هذا الهجوم غير مبرر تماماً، ويمكن أن تكون له عواقب وخيمة"، كما سحبت باكستان سفيرها من طهران وطردت السفير الإيراني، لكن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عادت إلى طبيعتها بعد الرد الباكستاني والأتصال الهاتفي بين وزيري خارجية الدولتين، وكانت إيران أول دولة تعترف بباكستان بعد إنفصالها عن الهند، بينما كانت باكستان سباقة في الإعتراف بالحكومة الأولى بعد الإنقلاب الإيراني عام 1979، وكانت قد وقعت باكستان وإيران معاهدة الصداقة في عام 1950، وزار أول رئيس وزراء باكستاني لياقت علي خان طهران في عام 1949، كما زار الشاه الإيراني المخلوع باكستان بعد توليه المنصب في عام 1950، كما كانت العلاقات الإيرانية ـــ الباكستانية ودية للغاية قبل الثورة عام 1979بقيادة الإمام الراحل الخميني، والسبب وراء ذلك، هو أن إيران كانت حليفة للولايات المتحدة الأميريكية ذلك الوقت، ويمكن فهم عمق العلاقات آنذاك بأن إيران دعمت باكستان في حربها مع الهند، وبالعودة إلى بيان للشاه الإيراني المخلوع بعد إنفصال بنغلاديش عن باكستان عام 1971، إلى أن إيران لا تريد أن ترى باكستان أكثر تشرذماً، وأنه أخبر الهند أنه لو نشأ توتر آخر بينها وبين باكستان فإن إيران ستتقدم لمساعدة باكستان، وأخذت هذه العلاقات منحنى آخر بعد الثورة في إيران عام 1979 عندما أعلن الراحل المرشد الأعلى للثورة خامنئي الثورة الإسلامية في إيران، وحول البلاد إلى جمهورية إسلامية شيعية مركزية، وكان الإعلان قد تزامن مع جهود الحاكم العسكري الباكستاني ضياء الحق لتعزيز الإسلام السني في باكستان، مما أدى إلى أعمال شغب طائفية في باكستان في التسعينيات وتوتر شديد بين باكستان وإيران، واتخذت باكستان وإيران موقفاً مغايراً عندما شكلت حركة طالبان الحكومة في أفغانستان في التسعينات، حيث إيران وباكستان كانتا ضد الإتحاد السوفياتي في الحرب الأفغانية، لكن باكستان دعمت المجاهدين ، بينما وقفت إيران وراء الحلف الشمالي المكون من الهزارة والمناهض لـ المجاهدين، واستمر هذا الخلاف بين الدولتين بعد تشكيل طالبان الحكومة، إذ أعترفت باكستان بحكومة طالبان، لكن إيران أعلنت دعمها الحلف الشمالي الذي وقف ضد حكومة طالبان، وفي وقت لاحق من عام 1998، قتل دبلوماسيون إيرانيون في مقاطعة مزار الشريف الأفغانية عندما أستولت حركة طالبان الأفغانية عليها بعد كابول، وعلى الرغم من كل هذا، فإن العلاقات بين إيران و باكستان لم تصل إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية، وبحسب ورقة معهد الدراسات الإستراتيجية، فإن السبب الرئيس لذلك هو جهود وزارتي خارجية البلدين لتحسين العلاقات، وخاصة السياسة الخارجية ( حسن الجوار ) ألتي يقودها عميد الدبلوماسية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان وبتوجية مباشر من فخامة الرئيس إبراهيم رئيسي ، من جهة ومن جهة أخرى، غيرت حادثة الـ11 سبتمبر 2001، شكل التحالفات في المنطقة، إذ وقفت باكستان بجانب الولايات المتحدة الأمريكية ضد حليفتها السابقة حركة طالبان الأفغانية، وشكل ذلك فرصة بأن تكون إيران وباكستان في صف واحد، لكن إيران، على رغم خلافها مع طالبان، تجنبت الوقوف مع الولايات المتحدة الأمريكية، خصوصاً بعد تصريح الرئيس الأميركي جورج بوش الذي وصف فيه إيران بأنها مصدر الشر، ومن جانب آخر، طورت إيران علاقات أفضل مع الهند، لكن هذا لم يسبب توتراً في العلاقة مع باكستان، وتعتقد إيران بأن علاقتها مع الهند تشبه علاقة باكستان مع السعودية، وتشترك إيران و باكستان في حدود بطول 909 كيلومترات مع مقاطعة بلوشستان الباكستانية ومقاطعة سيستان وبلوشستان الإيرانية، وشهدت هذه الحدود حوادث مختلفة في الماضي، وتبادل الطرفان إتهامات بالتسلل عبر الحدود ووجود منظمات إرهابية على الجانب الآخر من الحدود، وتعيش الأقلية البلوشية السنية على الجانب الإيراني في أجواء من الغضب حيال الحكومة المركزية في إيران، وتتهمها بالتمييز الديني ضد الشعب البلوشي، وبحسب منظمة مكافحة الإرهاب الأميركية، فإن المنظمة ألتي تسمى"جيش العدل" تتحدث عن حقوق الشعب البلوشي، وهناك تنسيق بين الجانبين الإيراني والباكستاني للتعامل مع التهديدات الإرهابية، ففي عام 2018 على سبيل المثال، أختطف جيش العدل 12 من أفراد حرس الحدود الإيرانيين، وتمت إستعادتهم بعد ذلك بمساعدة قوات الأمن الباكستانية، كما أنقذت باكستان 21 سائق شاحنة من منظمة تدعى "جند الله" في منطقة جبلية في بلوشستان في عام 2007، إضافة إلى ذلك، تم ا إعتقال القائد الرئيس لجماعة جند الله عبدالملك ريغي على متن رحلة جوية من دبي إلى قيرغيزستان في عام 2010، ثم قتل لاحقاً، وفي إشارة إلى ذلك قال السفير الباكستاني لدى إيران آنذاك إن هذا الإعتقال لم يكن ممكناً دون مساعدة باكستان، كما إعتقلت باكستان أيضاً في ذلك الوقت عبدالحميد ريغي شقيق زعيم جند الله، وتم تسليمه إلى إيران، وعلى الرغم من التنسيق الأمني بين البلدين تحدث خروق أمنية تثير أسئلة حول جدية أحد الطرفين، إذ تم إستهداف قوات الأمن الباكستانية على هذه الحدود في السابق، كما توترت العلاقة بين الدولتين عندما دخل الجاسوس الهندي كولبوشان ياداف إلى إقليم بلوشستان الباكستاني عبر الحدود الإيرانية، وتم إعتقاله هناك، وعلى رغم الخلافات بين إيران وباكستان حول إيواء إرهابيين، فإن التوتر لم يصل إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية، فضلاً عن أنتهاك الحدود بإستهداف المواقع على الجانب الآخر منها، لذا كانت هجمات إيران في الـ16 من كانون ثاني/ يناير الحالي صادمة للجميع في باكستان، خصوصاً أن رئيس الوزراء الباكستاني المؤقت أنور الحق كاكار قد عقد إجتماعاً قبل يوم واحد من الهجوم مع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، وكانت القوات البحرية لكلا البلدين تجري تدريبات مشتركة، يمكن فهم الهجوم الإيراني في سياق واحد فقط، وهو أن الحكومة الإيرانية كانت تواجه ضغوطاً بسبب العمليات الإرهابية داخل إيران وألتي ذهب ضحيتها المئات من الإبرياء، وكان آخرها قرب ضريح الشهيد قاسم سليماني وراح ضحيتها أكثر من 200 شخص، كما أن إسرائيل نجحت في الأيام الأخيرة في إستهداف قادة المنظمات العسكرية المدعومة من إيران دون أي رد أو رادع من قبل إيران، فربما ظنت الحكومة الإيرانية أن إستهداف مواقع خارج حدودها في العراق وسوريا وباكستان ستساعدها على التعامل مع الأسئلة المحرجة ألتى تثار في الشارع الإيراني،ولم يكن لدى باكستان خيار آخر سوى الرد العسكري على الهجوم الإيراني لأن إيواء الإرهابيين ليس سبباً كافياً لأنتهاك حدود دولة أخرى، لا سيما أن مثل هذه الإتهامات تواجهها إيران أيضاً من قبل باكستان، كما أن تجاهل باكستان مثل هذه الإنتهاكات سيعني أنها تسمح للدول الأخرى في المنطقة بأنتهاك سيادتها كيفما شاءت، وتشترك الدولتان في مواجهة التهديد الإرهابي وينبغي عليهما التعاون في هذا المجال والتوقف عن دعم الجماعات المناهضة للطرف الآخر لأنها ستؤدي إلى عواقب وخيمة للطرفين وللمنطقة بأسرها.
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا