خاص ايكو وطن: صداقة الفكر
الرئيسية مقالات / Ecco Watan
الكاتب : كريستين سري الدين
Dec 19 24|19:58PM :نشر بتاريخ
مؤلمة تلك الحالة التي وصلنا إليها اليوم. أصبحنا موجودين وغائبين في الوقت نفسه. تعتري نفوسنا وحدة مخيفة لا نعرف سببها ولا مصدرها. وحدة قاتلة جعلتنا أمواتا في أجساد حية، وساهمت في انطفاء روحنا وانعدام رغبتنا، ولم تزل حتى الآن تجتاحنا وبكل جرأة أثناء تفاعلنا مع الأفراد وضمن الجماعات.
حقا إنها لحالة مؤلمة، يعجز اللسان عن وصفها وتعجز المشاعر عن التعبير عنها، بينما تنشغل العيون بها بكاء.
نبحث و نتساءل باستمرار عما يمكنه أن ينير هذه الظلمة الموحشة؟
أيعقل أن تكون الصداقة ؟! أيعقل أن تكون هي هذا القنديل المشع الذي يمكنه إنقاذ أرواحنا الميتة؟
صحيح، إنها الصداقة. فأخطر أنواع الوحدة تكمن في انعدام الصداقة. وأشد الناس كآبة من لايعرف معناها. فعند الفيلسوف أرسطو الصداقة هي السبيل للسعادة.
الصداقة كلمة تعني الكثير، هي نعمة إذا ملكها الإنسان ملك معها الطمأنينة والسلام، هي الكنز الأسمى الذي لا يقدر بثمن.
ولكن عن أي صداقة نتكلم؟ وأين هي اليوم؟
في الواقع، يعاني الإنسان المعاصر من عدة أزمات وأهمها غياب الصداقة.
فالصداقات أصبحت مبنية على المصالح، ندفع ثمنها باهظا من صحتنا النفسية والجسدية والفكرية، نعطيها الأولوية على حساب وقتنا، تصورا منا بأننا نصونها لتدوم مدة أطول. فيكون التصور شيئاً والواقع شيء آخر.
ولكن لماذا؟ لأنه في الحقيقة مشكلة الوعي والفكر تهيمن على واقعنا. فتسيطر على حياتنا علاقات عديدة ومشوشة، نفشل في تصنيفها وترتيبها بسبب عدم النضج الفكري والتباس مفهوم الصداقة لدينا، فنطلق على كل علاقة صفة الصداقة وبشكل مفرط. أضف إلى ذلك أصبحنا نتجاهل أسلوبي التغاضي والتسامح. فليست كل علاقة هي علاقة صداقة وليست كل صداقة هي صداقة حقيقية.
فالصداقة الحقيقية هي صداقة الفكر دون سواها. هي التي تعطي لحياتك نكهة مختلفة، وتنسج لك خيوطا أصدق وأمتن مع روحك لدرجة أنك تشعر وكأنك تحلق في سماء الحرية متفلتا من قيود النفس والخوف والشك.
إنها صداقة القناعات والأفكار والمواقف ووجهات النظر حيث تتراقص جميعها بلا كلمات.
هي صداقة الفكر الحر الحي، القوي النير، المشبع بالقيم، المتحرر من القيود والمفاهيم الزائفة والموروثة، صداقة الفكر المجرد من الفساد و الانحراف والتكلف والتصنع . صداقة الفكر المترفع عن المظاهر والقشور والصغائر. فيكون كل طرف من هذه الصداقة هو الداعم الأقوى و الأصدق و الأوفى والخير للآخر. فالمسألة هي مسألة خير و حسن نية .
وكما أشار أرسطو لو أن الناس أقاموا علاقات صداقة بهدف الفضيلة لما احتاجوا إلى قوانين وتشريعات ما دامت الغاية هي تحقيق الفضيلة.
تواصل فكري- نفسي- أخلاقي. يجعل العلاقة سامية صافية نقية تحمل مفاتيح قلعات الوفاء والإخلاص والثقة والاحترام والتقدير، فتمطرعلى أصحابها بهذه القيم المثلى ليقوموا بدورهم ويمنحوها للآخرين بمحبة وفناء ومن دون مقابل. فيزول عن الروح غبار العناء والانهاك . هذه هي الصداقة الشامخة التي لا تهتز ولا يشوبها نقص ولا عيب. فكلما تعمقت بجوهرهام كلما ارتقيت بعقلك و روحك معا.
فصديق الفكر يعزف لحن وعيك كلما احتجت إلى سماعه. هوالأكثر ثقة، هوالذي يفهمك من دون مجهود يبذل، ويوقظ فيك ماهو مدفون ، هو الذي يجعلك تعيد الحسابات و تعيد تقييم ذاتك. و يسمح لك بالتفكير بصوت عال، و إظهار حقيقتك الناقصة المختبئة وراء قناع المثالية المزعومة، من دون تكلف، مع الحفاظ على قيمة العلاقة ومودتها.
عندها تصبح العلاقة منبع الإبداع و الإلهام و الطاقة والحيوية والسعادة.
وعلى أصحابها أن يتمتعوا بالفطرة والطيبه و الفضيلة والنزاهة والضمير الحي و الانفتاح العاطفي والاصغاء الجيد والتقدير والشجاعه والاحترام والثقة أي عليهما أن يسلكوا النهج الأخلاقي نفسه حتى ولو كان هناك اختلاف بينهم( ثقافة، مهنة ، حالة اجتماعية...) ليتأهلوا للقب الأخيار، وهذا لا يكون بالإجبارأو بالإكراه بل بالرضى والقناعة و الأجمل إذا كان هذا بالفطرة و قد عززته مواقف الحياة ، فهنا يغيب مفهوم المادة ليحل مكانه المعنوي. فتصبح صديق نفسك قبل أن تكون صديق الآخر وتكون هنا قد اجتزت أعقد المراحل.
و الجوهر يكون هنا بخلق حالة جديدة مكللة بالوعي و الفكر والانسانية، ومحصنة بالسلام النفسي والشفافية مع الذات ومع الآخرين.
كفى تغنيا بصداقات عابرة ، كفى التزاما بصداقات مشروطة. انتق صداقة النفوس الحرة الفريدة التي هي لغة النفوس الطيبة التي تحاكي الصمت العميق وتبلسم الجرح الأليم.
كن صديق الفكر والعقل لتصبح صديق الروح.
أنها صداقة الفكر، أنت الميناء الذي ترسو إليه أرواحنا المنهكة. ولكن هل أنت حقا موجود في عالمنا أم أنت من نسج خيال إنسان متعطش إلى الفكر والوعي؟
كم نحن بحاجة إلى عالمك المليء بالدفء و الحنان.
فألف تحية وشكرللصدفة آذا سنحت لنا في إيجاد صديق الفكر.
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا