المختارة قبلة سياسية

الرئيسية مقالات / Ecco Watan

الكاتب : الدكتور وليد صافي
Mar 17 25|10:52AM :نشر بتاريخ

كتب الدكتور وليد صافي في ايكو وطن:

كما كان متوقعاً، شكلت الذكرى الثامنة والاربعون لاغتيال كمال جنبلاط حدثاً سياسياً كبيراً على مستوى الحضور السياسي والدبلوماسي والشعبي في المختارة. وكان مستوى الكلمات والشهادات من شخصيات فرنسية وأوروبية وروسية ولبنانية وفلسطينية مرموقة بحجم المناسبة. إذ عبرت هذه الشخصيات عن عمق التقدير لشخصية كمال جنبلاط الفكرية والسياسية، والدور الذي لعبه في المرحلة التي شهدت تحولات كبيرة. كما عبرت عن عمق التحديات التي واجهت لبنان عقب اغتياله، والدور الحكيم والشجاع الذي اضطلع به وليد جنبلاط طوال هذه المرحلة. وجاءت كلمات وشهادات الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند، ورئيس الوزراء الأسبق ليونيل جوسبان ورئيس الاشتراكية الدولية بيدرو سانشيز، ونائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، لتؤكد أن وليد جنبلاط يحظى باهتمام بالغ على الصعيد الخارجي وفي الاشتراكية الدولية، لما يتمتع به من مستوى تمثيلي كبير، وخبرة وحكمة في التعامل مع الاستحقاقات والتحديات الداخلية، وقدرة وحرص على التوافق. كما يتمتع بموقع مهم في التوازنات المحلية والمعادلة السياسية اللبنانية. جاءت مشاركة ممثلي رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء نواف سلام في المناسبة، لتلتقي في اهميتها السياسية مع كلمات الرؤساء أمين الجميل، ميشال سليمان ونبيه بري. فظهرت الشهادات في كمال جنبلاط ودور العائلة التاريخي مميزة، كما ظهرت من خلالها حقيقة لبنان الذي احبه هذا الرجل الكبير ورأى فيه "ملتقى المسيحية والإسلام". وظهرت أهمية الاجتماع السياسي اللبناني المتنوع والفريد المشارك، والذي يتجاوز يعكس الشجاعة في تجاوز الانقسامات السياسية والطائفية. هذا الاجتماع السياسي من الحلفاء والأصدقاء وأخصام الأمس، التقى في المختارة حول القيم والمبادئ التي كان يمثلها كمال جنبلاط كمفكر سياسي ومثقف من الطراز الاول ورجل دولة قل نظيره. كما التقى على اهمية التفاف اللبنانيين حول بعضهم البعض في المحن والشدائد. وهذه الميزة تشكل واحدة من القيم التي تجسدها عائلة جنبلاط، التي تميزت على الدوام بالقفز فوق الانقسامات والدعوة إلى التسوية والتلاقي والتعاضد في أوقات الشدائد. في المقابل، شكل الالتفاف الشعبي حول العائلة والحزب قبل عام تقريباً من الانتخابات التشريعية، تجديداً للثقة الممنوحة لهذه العائلة والتي لم تهتز منذ حوالى ثلاثة قرون. والحضور اللافت والمميز لمشايخ طائفة الموحدين الدروز في لبنان في هذه الذكرى، جاء ايضاً ليبعث برسالة واضحة، مفادها عمق التقدير الذي تحظى به عائلة جنبلاط لديهم، ومدى إيمانهم بصحة الخيارات السياسية التي يأخذها وليد جنبلاط والتي تتفق باستمرار مع تاريخ الطائفة العربي والإسلامي وتضحياتها في مواجهة الانتداب والاحتلال. في هذه الذكرى حضرت فلسطين بكلمة المناضل مصطفى البرغوتي، فلسطين التي عشق قضيتها كمال جنبلاط واستشهد من اجل ان يبقى قرارها مستقلاً عن نظام القمع والاستبداد، الذي لم ير فيها سوى حيز جغرافي جنوب سوريا، وورقة مساومة ومتاجرة في لعبة استمرار نظامه بأي ثمن. حضرت الاشتراكية الدولية في قلب المناسبة. وفي هذا الملتقى رفع كمال جنبلاط ومن بعده وليد جنبلاط أحقية القضية الفلسطينية وعدالتها. كما رفعت قضايا لبنان والشرق والعالم الثالث. في اجتماعات الاشتراكية الدولية، تحدى وليد جنبلاط ارباب الفكر الصهيوني وأثبت صلابته في مواجهة جريمة العصر بالاستيلاء على فلسطين وتهجير أهلها. 

في الذكرى الثامنة والأربعين، حظرت فرنسا من خلال خطاب هولاند وجوسبان. هولاند الذي يكن احتراماً كبيراً لعائلة جنبلاط وهو القائل انه لا يستطيع ان يرى لبنان من دور سياسي لعائلة جنبلاط. حظرت فرنسا التي أدانت جريمة الاغتيال، وثمنت عالياً دور كمال جنبلاط وعمق ثقافته الفرنكوفونية، واعجابه بمفكري عصر الانوار. حظر الحزب الاشتراكي الفرنسي وعلاقة كمال جنبلاط بالرئيس الراحل فرنسوا ميتران وتقاسمها لقيم الاشتراكية والعدالة والتنمية، ونظرتهما المشتركة لعالم متعدد الأقطاب. 

في هذه المناسبة حضرت روسيا الاتحادية وريثة الاتحاد السوفياتي الذي وقف إلى جانب المختارة في المحطات التي تعرض فيه الوجود لمخاطر كبيرة، حضر البعد الاستراتيجي لكمال جنبلاط الذي رأى في ذلك الوقت في الاتحاد السوفييتي الدولة والقوة العالمية، التي فرضت التوازن في وجه السياسة الاميركية ووقفت إلى جانب حركات التحرر وكان الحزب التقدمي الاشتراكي واحدًا منها. 
في كلمة الرئيس الجميل حضر كمال جنبلاط السياسي الذي تمسك بالمبادئ التي آمن بها، وعمل من اجل مصلحة لبنان. وحضر في كلمة الرئيس سليمان الذي رأى فيه رجل الدولة المميز بالممارسة السياسية الرفيعة. اما في كلمة الرئيس بري فقد ظهرت صورة كمال جنبلاط المثقف والفيلسوف الراقي الذي طالب بدولة مدنية على أساس المواطنة. والتاريخ كان له نصيب في كلمة الرئيس بري الذي استحضر التحالف الذي قام بين جبل عامل وجبل الدروز في مواجهة الانتداب، والتحالف الذي قام بينه وبين وليد جنبلاط في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي وثمرته الغاء اتفاق السابع عشر من ايار. 
خطاب وليد جنبلاط في هذه الذكرى، اعطى المشهد السياسي المتنوع الذي تشكل حول المناسبة المعنى الذي يستحق. الثوابت التي رسمها في المصالحة الوطنية الكبرى التي جرت في الجبل، وتحرير الاراضي المحتلة والعودة إلى اتفاق الهدنة حل الدولتين، تشكل خريطة الطريق لاستقرار لبنان وسط العواصف التي لم نر بعد غيومها الداكنة. تمسك وليد جنبلاط ونصيحته إلى الرئيس تيمور للبدء بورشة فكرية وتنظيمية عمادها الاشتراكية الأكثر إنسانية، هي ايضاً خريطة طريق للجيل الصاعد معه. هذا الجيل سيحمل من الآن وصاعداً مسؤولية الامانة التي استشهد من اجلها كمال جنبلاط. اما الامانة الأعظم فهي موجهة من وليد جنبلاط إلى دروز جبل العرب ودعوتهم التمسك بوحدة سوريا وتاريخهم العربي والاسلامي، إذ لا حماية لهم ولا مستقبل آمن في اي مشروع يحي تحالف الاقليات ويستهدف تقسيم سوريا ويحول طائفة الموحدين الدروز إلى وقود من اجل اسرائيل الكبرى. المختارة صبرت وانتصرت على القاتل، لكن الايام والأشهر القادمة تحمل الكثير من التحديات التي تفترض الصمود والتعاضد. 

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan