كتب فادي عبود في إيكو وطن عن الإصلاح الهيكلي في لبنان

الرئيسية مقالات / Ecco Watan

الكاتب : فادي عبود
Mar 22 25|11:49AM :نشر بتاريخ

كتب الوزير السابق فادي عبود في ايكو وطن:

الإصلاح الهيكلي في لبنان: من ضبط التوظيف إلى تحديث القوى الامنية والجيش وترشيق الإدارة العامة
مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان، بدأت الحكومة بتطويع أفراد جدد في المؤسسات الأمنية والعسكرية، وهي خطوة ضرورية لضمان الأمن والاستقرار، لكنها تطرح تساؤلات جوهرية حول الأولويات الوطنية في ظل العجز المالي المتزايد. فبينما يحتاج الجيش والقوى الأمنية إلى تحديث وتطوير، لا يمكن الاستمرار في توظيف عناصر جديدة دون معالجة مشكلة تضخم القطاع العام وإعادة هيكلة الدولة على أسس إنتاجية حديثة.
لبنان اليوم أمام خيارين: إما الاستمرار في النهج الريعي القائم على توسيع القطاع العام دون إنتاجية، أو تبني إصلاحات جذرية تعيد بناء الدولة على أسس الكفاءة والاستدامة. لا يمكن الحديث عن حلول اقتصادية من دون معالجة الأسباب الهيكلية للأزمة، وفي مقدمتها تضخم الإدارة العامة، سوء توزيع الموارد، وضعف الإنتاجية في مؤسسات الدولة.
إصلاح القطاع العام: الإنتاجية بدلًا من التوظيف العشوائي
القطاع العام اللبناني هو أحد أكبر المعضلات الاقتصادية، حيث يستنزف جزءًا ضخمًا من الموازنة العامة دون أن يكون له مردود إنتاجي حقيقي. فهناك عدد هائل من الموظفين الذين لا يؤدون مهام واضحة، بينما تبقى بعض الإدارات الحيوية تعاني من نقص الكفاءات. هذا الواقع يجعل أي محاولات جديدة للتوظيف غير مبررة ما لم يتم إصلاح جذري لهذا القطاع، عبر الخطوات التالية: 
١. تحديد المهام والأدوار الوظيفية بدقة
من الضروري إجراء عملية مراجعة شاملة لوظائف القطاع العام، بحيث يتم تحديد الحاجة الفعلية لكل وظيفة، والتخلص من الوظائف غير الضرورية التي تستهلك ميزانية الدولة دون فائدة حقيقية. يجب وضع معايير واضحة لتقييم الأداء، بحيث يتم مكافأة الإنتاجية وتحفيز الكفاءات، بدلًا من الاعتماد على التوظيف العشوائي كوسيلة لشراء الولاءات السياسية.
٢. تبسيط الإجراءات وتقليص البيروقراطية
الإجراءات الإدارية المعقدة ليست فقط سببًا في تعطيل المعاملات، بل هي أيضًا بيئة مثالية للفساد والرشاوى. وطالبنا مراراً وتكراراً  بتغيير الاجراءات الادارية والتحول الرقمي في المؤسسات الحكومية، بحيث يتم تقليل الاعتماد على العنصر البشري في المعاملات الروتينية، ما يقلل من فرص الفساد ويجعل الخدمات أكثر كفاءة وسرعة.
٣. تقليص أعداد الموظفين بآليات عادلة
بدلًا من الاستمرار في توظيف المزيد من العاملين في القطاع العام، يجب العمل على تخفيض العدد بطريقة مدروسة، مثل:
•    اعتماد برامج التقاعد المبكر للعاملين الذين تجاوزوا سنًا معينة.
•    إعادة تدريب الموظفين على مهارات جديدة تساعدهم في الانتقال إلى القطاع الخاص أو إطلاق مشاريعهم الخاصة.
•    إنشاء صناديق تعويضية لمن يتم الاستغناء عنهم، بحيث يتم دعمهم ماليًا لفترة انتقالية أثناء البحث عن وظائف أخرى مشروطة بدورات تدريب على وظائف انتاجية بديلة ومع فرض تطبيق  الشفافية المطلقة . 
٤. فرض معايير صارمة للتوظيف
أي توظيف جديد في القطاع العام يجب أن يكون مبنيًا على الحاجة الفعلية وليس على  الملاك والشغور الموجودين بتنظيمات تعود الى ستين سنة خلت ولا تأخذ بعين الاعتبار التطورات الحاصلة . كما يجب وضع امتحانات ومقابلات شفافة تضمن اختيار الأكفأ وليس من يملك الدعم السياسي.


تحديث الجيش: ضرورة أمنية واقتصادية
تحديث الجيش اللبناني ليس مجرد مطلب أمني، بل هو ضرورة اقتصادية أيضًا. فبدلًا من زيادة عدد العناصر البشرية دون تخطيط، يجب التركيز على رفع كفاءة الجيش باستخدام التكنولوجيا الحديثة، مما يحقق الأمن بفعالية أكبر وبكلفة أقل.
١. إدخال التكنولوجيا في العمليات العسكرية
استخدام الطائرات المسيّرة (الدرونز)، والكاميرات الذكية، وأنظمة المراقبة الإلكترونية يمكن أن يوفر حلولًا أمنية فعالة بتكلفة أقل من نشر أعداد كبيرة من الجنود في مهام يمكن أن تؤديها التكنولوجيا. على سبيل المثال، يمكن للطائرات المسيرة مراقبة الحدود والمناطق الحساسة، مما يقلل الحاجة إلى انتشار واسع للعناصر العسكرية.
٢. تطوير سلاح الإشارة والاتصالات
تحويل سلاح الإشارة إلى وحدة متخصصة في الأمن السيبراني وتحليل البيانات يمكن أن يرفع من كفاءة الجيش، بحيث يصبح قادرًا على التنبؤ بالتهديدات قبل وقوعها، واتخاذ قرارات مبنية على معلومات دقيقة.
٣. إصلاح مالي داخل المؤسسة العسكرية
•    من الضروري إنشاء صناديق تقاعدية للعسكريين، يتم تمويلها من خلال اقتطاعات عادلة من الرواتب واستثمارات ذكية، بحيث يكون هناك مصدر مالي مستدام لمعاشات التقاعد، بدلًا من الاعتماد الكلي على خزينة الدولة.
•    فرض رسوم على تسجيل الأسلحة الشخصية، بحيث يكون الجيش مسؤولًا عن إصدار التراخيص ومتابعة عمليات الفحص، مما يخلق مصدر دخل إضافي للدولة.
•    اعتماد نظام مخالفات مرورية ذكي عبر الكاميرات، بحيث تسهم هذه الإيرادات في تمويل البنية التحتية والأمن، بدلًا من الاعتماد على الضرائب التي غالبًا ما يتحملها المواطنون العاديون فقط.

لبنان لم يعد يحتمل استمرار السياسات التي تقوم على توسيع القطاع العام دون إنتاجية، بينما يتم تجاهل تطوير القطاعات المنتجة. المطلوب اليوم هو إعادة بناء الدولة على أسس حديثة تعتمد على الكفاءة والإنتاجية، بدلًا من الهدر والتوظيف العشوائي.

في الولايات المتحدة، التي يتمتع اقتصادها بـ"استقرار مبهر" يكاد يكون أفضل بقليل من لبنان  (على سبيل المزح) ، يعمل ترامب على تقليص نفقات القطاع العام بإجراءات حازمة، بما في ذلك إلغاء وزارة التعليم ونقل صلاحياتها للولايات. بينما نحن هنا، نناقش كيف يمكن للدولة المثقلة بالديون أن توظف المزيد من الموظفين دون حتى تحديد مهامهم!
بالإضافة إلى ذلك، أصدر ترامب توجيهات للوكالات الفيدرالية بإعداد خطط لتقليص حجم القوى العاملة والإنفاق، بما في ذلك مراجعة العقود، وخفض عدد الموظفين، ومراجعة  المنح، والقروض بهدف تحديد وإلغاء ما هو غير ضروري، وذلك للحد من الهدر المالي. بالإضافة إلى ذلك، كلفت إدارة الخدمات العامة بوضع خطة للتخلص من الممتلكات الحكومية غير المستخدمة.  ,والتدقيق في تقديمات الضمان الاجتماعي حيث صرح بأن :" لدينا ملايين وملايين الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن مئة سنة ويتلقون مزايا الضمان الاجتماعي."
ويبقى السؤال الأهم اليوم: هل نملك الشجاعة لاتخاذ خطوات انقاذية  قبل أن يفوت الأوان؟

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan