خاص إيكو وطن: بين COP27 وCOP30 حول التغيّر المناخي: الخطاب يتغيّر ويبقى العالم متواطئًا مع الأزمة

الرئيسية مقالات / Ecco Watan

الكاتب : د. نهى الغصيني
Nov 26 25|12:51PM :نشر بتاريخ

كتبت عميدة كلية الفنون السابقة المهندسة الدكتورة نهى الغصيني في إيكو وطن:

منذ مشاركتي المباشرة في COP27 في شرم الشيخ (2022)، وما رافقها من لقاءات غنية مع ممثلي الشعوب الأصلية ونساء المجتمعات الريفية، وحتى متابعتي لمؤتمر COP30 في بيليم (2025) عن بُعد، يتكرّر السؤال نفسه: هل اقترب العالم حقًا من العدالة المناخية؟ الحقيقة أن النظام المناخي العالمي ما زال محكومًا بالمصالح السياسية والاقتصادية نفسها التي صنعت الأزمة.
في شرم الشيخ، كان الدرس الأعمق هو التواضع أمام من يعيشون الأزمة بأجسادهم وذاكرتهم. . فقد رأيتُ كيف أن الشعوب الأصلية ليست مجرد “ضحايا”، بل ركيزة أساسية في فهم التوازن البيئي ومراكمة المعرفة عبر الأجيال. كما لفتتني النساء، الحارسات الحقيقيات للغذاء والمياه والبذور، واللواتي يقفن في الخطوط الأمامية من دون مقعد على طاولة القرار.
بين شرم الشيخ وبيليم، ورغم تطوّر الخطاب الدولي، بقيت القضايا الجوهرية على حالها. ففي COP30  نسمع الكثير عن “خريطة طريق للخروج من الوقود الأحفوري” و“تمويل جديد”، لكن خلف الأضواء يتضخم حضور جماعات الضغط النفطية، وتتراجع التزامات الدول الصناعية، فيما تستمر الفجوات الكبيرة بين الوعود والتنفيذ.
أما لبنان، فقصته مع مؤتمرات المناخ تكشف حقيقة أكثر إيلامًا: الدولة تُجيد كتابة الوثائق أكثر مما تُجيد تنفيذها. ففي COP30، دخل لبنان بحزمة سياسات متقدمة، ولكن يأتي الحضور السياسي ضعيفًا، بوفد تقني محدود ومن دون غطاء سياسي يسمح بالدفاع عن مصالح لبنان في ملفات التمويل والتحالفات.
ويفرض السؤال ذاته: كيف يمكن لبلد يفاوض على تمويل التكيّف وهو غائب عن المنصة الدولية؟ كيف نقنع العالم بجدّيتنا ونحن عاجزون عن حماية غاباتنا ومياهنا، أو عن تمكين بلدياتنا لتؤدي الحد الأدنى من اختصاصاتها؟
الحق يُقال: لا مناخ بلا سياسة، ولا سياسة بلا دولة قادرة. ولبنان لا يحتاج إلى “التزامات جديدة”… بل إلى إعادة بناء منظومة الحكم نفسها، إلى دولة تُحرّر سياساتها البيئية من المحاصصة، وتُعطي البلديات أدوات الفعل، وتواجه الفساد البيئي كما تواجه الفساد المالي.
وهنا تظهر أهمية الحوكمة المحلية:الرشيدة  إذ لا تزال البلديات – وهي خط الدفاع الأول – تعمل بصلاحيات محدودة وموارد غير مستقرة، رغم أنها تواجه يوميًا موجات الحر، شحّ المياه، تدهور الأراضي، والفيضانات. إن إشراك البلديات واتحاداتها في تنفيذ السياسات المناخية ليس خيارًا، بل شرطًا لنجاح أي التزام وطني.
ما بين COP27 وCOP30 يمكن القول إن الخطاب العالمي تقدّم، لكن الواقع السياسي والتنفيذي ما زال متأخرًا. فالمعركة الحقيقية ليست فقط على الأرقام والانبعاثات، بل على العدالة، توزيع الموارد، ورفع أصوات الفئات المهمّشة.
من شرم الشيخ إلى بيليم، تغيّرت الأمكنة وتغيّرت اللغة، لكن جوهر الأزمة بقي كما هو: العالم لا يُنقذ نفسه بالكلمات. والبشرية لا تحتاج إلى المزيد من البيانات… بل إلى إرادة سياسية تُحدث قطيعة مع كل ما أوصلنا إلى هنا.
 نحتاج في لبنان إلى إرادة سياسية حقيقية، وجرأة على الإصلاح، وشراكة صادقة بين الدولة والمجتمعات المحلية، قبل أن نطلب من العالم إنقاذنا.
من COP27 إلى COP30، تغيّرت المدن والخطابات… لكن جوهر المعركة بقي كما هو: معركة من أجل العدالة، من أجل الموارد، من أجل أصوات لا تُسمع بما يكفي، ومن أجل كوكب لم يعد يحتمل الانتظار.

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan