خاص ايكو وطن: العوز حطّاب الدوالي في شتاء الفقراء

الرئيسية حصري / Ecco Watan

الكاتب : عارف مغامس
Feb 08 23|15:18PM :نشر بتاريخ

بين حد الفقر الشديد الذي وصلت إليه غالبية العائلات في القرى البقاعية، وأسنان منشار الصقيع الذي يجتاح المنازل والقرى في ليالي شباط العاصفة، يبحث اللبناني عن مؤئل الدفء المفقود في الكروم لتحطيب الدوالي العتيقة، وفي بساتين اللوز والزيتون  لجمع ما تيسر من غصون شلعتها الرياح، أو تلك التي قلمها الفلاحون في موسم التشحيل، لتكون وقودا لنار ما عادت أنيسة البيوت الريفية، حيث لم يعد بمقدور السواد الاعظم من الاهالي شراء الحطب من اصحاب تلك المصلحة في ظل الارتفاع الجنوني لسعر طن الحطب الذي تجاوز المائتي دولار ، خصوصا ان معدل مصروف المنزل خلال فصل الشتاء بتجاوز في ادنى مستوياته الاربعة اطنان. أما المازوت  فبات للأسر الميسورة جدا لا سيما تلك التي يتجاوز مدخولها الشهري  ال700 دولار وما يزيد،  على حد قول الرجل السبعيني  ابو علي أحمد " يا مازوت مين يشتريك".


لم يكن في حساب أبو علي احمد ان يصل الى زمن بات يبحث فيه عن بعض اغصان الشجر على قارعة طريق او على جنبات كرم دهري، او قرب بستان متروك للقدر، وهو الذي لم يجد ما يكفي يوميات الشتاء البارد،  فقصد احد الاحراج القريبة من بلدته مجدل بلهيص، ليجمع ما تيسر من اغصان يابسة او بقايا ما تركه بعض قراصنة الحطب ممن امتدت اياديهم الى اشجار السنديان والملول المعمرة، دون رأفة ولا بوجه حق، رافضا رغم شدة العوز ان تمتد يداه الا الى الغصون المرمية والتي يمكن ان تسبب حرائق في فصل الصيف.

وإذ يحمّل السلطة الحاكمة مسؤولية ما وصلت اليه احوال اللبنانيبن من فقر وعوز وحاجة، يدعو ابو علي الى عدم العبث بالاحراج في راشيا والبقاع الغربي منتظرا الفرج وتغيّر الاحوال، لافتا الى ان الاعباء كبيرة والدفء بات بالتقنين القاسي ومن نصيب الاغنياء والميسورين في هذا الزمن الرديء.

 أبو صالح  حسين قاسم يهوي  بفأسه بكل ما أوتي من قوة على حطب كان قد خزن بعضه من رزقه يوم اقتلع  اشجار لوز قديمة ليغرس مكانها انواعا جديدة في بستانه الذي يقع عند اطراف بلدته لبايا ، حيث لم يبال حينها بتلك " الكعوب" القاسية والصلبة" لكن الحاجة دفعته لاستحضارها لانه لم يعد قادرا على شراء نقلة حطب او برميل مازوت، معتقدا ان ما خبأه منذ عامين جاء وقته، وقد يكفيه شهر شباط ليكون قد تدبر أمره لشهري اذار ونيسان  فيقول " الله كريم ولا يترك عبده"  ولا نعول كثيرا على من تركنا لقدرنا وغير احوالنا ورمانا في اتون هذا الغلاء الفاحش.

ومع غلاء المازوت  وارتفاع اسعاره بشكل هستيري نتيجة انهيار العملة وجنون الدولار، لم تعد احراج راشيا والبقاع الغربي ووادي التيم وصولا الى البقاعين الاوسط والشمالي بمأمن من مناشير الحطب  حيث توجه بعض تجار وقراصنة الحطب الى العبث بتلك الاحراج من عين عطا الى عين حرشا وتنورة وبكيفا وراشيا وكوكبا وكفرقوق وينطا ودير العشاير وصولا الى كفردينس وظهر الاحمر والعقبة والصويري  وكفرزبد وقرى بعلبك وان بنسب متفاوتة بين قرية وأخرى، في وقت قامت فيه البلديات في بعض تلك القرى بالاستحصال على رخص زراعية لتشحيل الاحراج باشرافها وتوزيع او بيع الحطب بكلفة معقولة للمواطنين تجنبا لارتكاب مجازر جديدة في تلك الاحراج، فاستفاد مواطنون وظلم آخرون واستغل بعض المتعهدين ضمان بعض الاحراج، لكن العوز كان حطّاب تلك الاحراج عند بعض من قصدها ليؤمن دفء عائلته في ليالي كانون وزمهرير هذا الشهر ، في قرى جبلية متاخمة لجبل الشيخ الذي بدأ منذ أسابيع يوزع صقيعه على القرى خاصة تلك الجبلية منها.

وفي السياق عينه اشتكى العديد من مخاتير القرى مما يحصل في احراج قراهم، خصوصا من قطع اشجار السنديان المعمر اذ يشير احد المخاتير الى ان الفقراء لم يعبثوا بالاحراج رغم الحاجة الملحة لتأمين مؤنة الشتاء لعائلاتهم، انما هناك تجار وانتهازيون استغلوا ارتفاع الاسعار وحاجة الناس فكانوا يتسللون الى الاحراج البعيدة في اطراف القرى ويرتكبون المجازر في الاشجار المعمرة دون حسيب او رقيب، خاصة ان لا قدرة لمراكز مأموري الاحراج ولا لشرطة البلديات او اتحاداتها على القيام بدوريات دائمة الى تلك الاحراج الا بالحد الادنى نتبجة عدم توفر وسائل نقل كافية وشح المحروقات وتعطل سياراتهم.

على أي حال لا يزال الحطب ملاذ العائلات في قرى البقاع لانه بحسب ابو غسان يوسف  يبقى اقل كلفة من مادة المازوت ، والقروي يتدبر أمره بالحد الادنى من رزقه ونحن نعمل في ارض تحتاج الى ان تتغير اشجارها القديمة باصناف جديدة  فلجأنا هذا العام الى اقتلاع كروم الدوالي لنزرع اصناف جديدة منتجة وسنستعملها حطبا للموقدة ولمدفأة الحطب، وهذا الامر ينسحب على آلاف العائلات السورية القاطنة بقاعا اذ نشطت حركتهم على جمع الحطب خصوصا من تشحيل عرائش العنب وبساتين الزيتون واللوزيات ، اضافة الى شراء مادة الحطب، في وقت لم تسلم بعض الاحراج في اماكن تواجدهم من القطع العشوائي اسوة ببعض اللبنانيين.

وفي هذا السياق شهدت مصانع ومحلات بيع مدافىء ووجاق الحطب حركة قوية في ظل توجه عام الى " الشتوية على الحطب" وفق ما اشار اليه مدير التصنيع والتوزيع في  مصنع  مدافىء جبل الشيخ للصوبيات في ضهر الاحمر ريدان محمود الذي اكد ان الحركة قوية لجهة شراء صوبيات الحطب وكذلك المازوت داخل المنطقة وخارجها لا سيما الصناعات الحديثة.

اما أبو علم مجيد مغامس فأشار الى ان الطلب كبير جدا على الحطب الذي نأتي به من جنوب لبنان لا سيما حطب الليمون  والكازالينا وغيرها من الانواع ، لكنها لم تعد مهنة مربحة نتيجة غلاء بيعها وكلفة النقل المرتفعة ووضع العائلات المزري وعدم قدرتهم على شراء نقلة كاملة او الدفع كاش مشيرا انه باع كميون حطب واحد لاربع عائلات وبالتقسيط على اللبناني رغم الارتفاعات الجنونية لسعر الدولار، لكننا لا نستطيع الا ان نلبي حاجات اهلنا ولو بسعر  الكلفة.

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan