كتب الخبير في المخاطر المصرفية محمد فحيلي في ايكو وطن:الهيئات الإقتصادية تطل علينا بمشروع إبراء الذات والإستبعاد الإقتصادي لمكونات القطاع العام! 

الرئيسية حصري / Ecco Watan

الكاتب : الدكتور محمد فحيلي
Sep 13 22|22:39PM :نشر بتاريخ

في أيلول 2022 أفصحت الهيئات الإقتصادية عن خطتها للتعافي الإقتصادي والمالي متناسية وضع المالية العامة المزري، وحاجة مكونات القطاع الخاص للخدمات الأساسية الذي تقدمها الدولة، ومتمسكة بمكاسبها التي جنتها أيديها من خلال الدعم المفرط لليرة اللبنانية، والفوائد الإستثنائية على الودائع الكبيرة والهندسات المالية، والإمتيازات والإعفاءات الضريبية، ودعم الإستيراد في أيام الهلاك الإقتصادي، وحماية أصحاب الوكالات الحصرية، وتفشي الإحتكار بسبب غياب قدرة الدولة على أداء دورها في الرقابة ووضع حد لتفشي العشوائية في إدارة النشاطات الإقتصادية من إحتساب الكلفة الحقيقية والإفصاح عنها إلى تسديد الضرائب على الرواتب والأجور وتسعير الإنتاج لتوفره للمستهلك. كان لكل هذا دور أساسي في تحصيل أرباح إستثنائية للقسم الأكبر من مؤسسات القطاع الخاص. 

 كان كرم من هذه الهيئات الإقتصادية الإعتراف بأن البلد يمر في ظروف مأساوية، ولكنها سارعت لإبراء ذمتها من أي مسؤولية من خلال التأكيد على أن الدولة حتى الآن ليست مفلسة، ولبنان لم ولن يكون أول دولة في العالم يحصل فيها إنهيار إقتصادي، ولكن إعترفت بأن لبنان هو الدولة الوحيدة التي لم تتخذ خلال ثلاث سنوات من عمر الأزمة خطوات وإجراءات ثابتة وفعلية لمواجهتها والخروج منها وهذا إعتراف بالفشل الكامل للقطاع العام. وأضافت مكونات القطاع الخاص الأساسية بأنه في ظل إستمرار الخلافات الحادة بين أهل السلطة على أي مشروع يتم تقديمه، كان من واجب الهيئات الإقتصادية الممثل الشرعي للقطاع الخاص اللبناني والمؤتمنة على الإقتصاد الوطني وعلى المصلحة الوطنية، كان من واجبها أخذ زمام المبادرة بوضع خطة تعاف مالي وإقتصادي متوازنة وعادلة

وإستنادا إلى كلام الوزير السابق محمد شقير لقد تمكنت الهيئات الإقتصادية من إنجاز خطة تعاف متوازنة تنطلق من هدف أساسي وهو إنماء الإقتصاد. إن الهَمّ الأساسي الذي كان يطغى على الهيئات الإقتصادية والذي عكسته بقوة في هذه الخطة هو تحقيق العدالة الإجتماعية. ولكن، وفي التفاصيل، لم تكن عدالة الهيئات الإقتصادية الإجتماعية لتشمل القطاع العام لأن خطة من هو مؤتمن على الإقتصاد الوطني والمصلحة الوطنية لم يفكر بكيفية تأمين الإيرادات للقطاع العام لتمكينه من تقديم الحد الأدنى من الخدمات الأساسية (من أمن وقضاء ورقابة وغيرها) للمجتمع اللبناني رغم إعترافه بشلل الدولة

من أهم الأمثال التي تُجَسّدْ عشوائية الهيئات الإقتصادية في التعاطي مع الأزمة المتفاحلة في لبنان هي هروبها من تحمل مسؤوليتها في الأزمة. الأزمة الإقتصادية في لبنان ليست أزمة مصارف ولا أزمة مودعين. وبالأهمية ذاتها، ليست أزمة فساد وفقدان ثقة في القطاع العام فقط

يكثر الحديث عن إنعدام الثقة بالطبقة الحاكمة في لبنان وإستحالة ترميم هذه الثقة ولهذا كان الكلام عن ضرورة أن يشمل التغير الكل – كلن يعني كلن! وكأن الثقة بالقطاع المصرفي هي اليوم في أحسن حالاتها، والثقة بالإقتصاد السياسي مصدر النهضة الإنمائية الذي يعيشها لبنان اليوم لا منافس له. كان توصيف البنك الدولي للإقتصاد اللبناني بأنه "إقتصاد سياسي" تهمة بالفساد لبعض مكونات الهيئات الإقتصادية لأنها الممثل الشرعي للقطاع الخاص والإقتصاد. إضافة إلى أن الثقة في إستقلالية القضاء وثقة المواطن اللبناني بمكونات القضاء تضع لبنان في أدنى المستويات. ولن ننسى الثقة بالتجار والصيادلة والمستوردين المحتكرين والمضاربين الذين إستفادوا من كل قرش دعم لسلخ المواطن على مدى ثلاث سنوات. وإتهمنا المدارس بسلخ الأهالي، وإتهمنا الأطباء والمستشفيات بسلخ المرضاء، وإتهمنا أصحاب الأفران  بحرمان الفقير من الرغيف، وهناك الكثير من المسؤولية الأخلاقية والإقتصادية والإجتماعية التي أعطت الهيئات الإقتصادية إبراء ذمة لمكوناتها في الحديث عن خطتها للإنقاذ الإقتصادي.
 
نحن في لبنان نعيش أزمة ثقة في كل الإتجاهات ولن ننجو من هذا الخراب إلا إذا صوبنا على الجميع وطالبنا الجميع بالعمل على ترميم الثقة وإعادة بنائها في كل أشكالها. 
 
لاشك "القبعة ترفع وبكل إحترام" لمكونات القطاع الخاص، من مستهلكين ومؤسسات، لإثبات قدرتهم على الصمود والتأقلم مع المتغيرات الإقتصادية. ولكن للأسف تفتقد هذه القدرة إلى المسؤولية الإجتماعية والوطنية. بات واضحا بأن القسط الأكبر من النشاطات الإقتصادية أصبحت مدولرة كليا أم جزئيا من الإنتاج إلى التسويق؛ ومن تسديد فاتورة المصاريف التشغيلية إلى تحصيل الإيرادات. أما الهيئات الإقتصادية تتمسك بدفع الرسوم والضرائب للدولة بالليرة اللبنانية. 
 
فساد وهدر المال العام من الجهة الحاكمة والمتحكمة بالبلد بالتكافل والتضامن مع القطاع الخاص هو المشكلة؛ هذه هي الحقيقة المره و"الإنكار الكبير" الذي تحدث عنه البنك الدولي في إحدى تقاريره يشمل القطاع العام والخاص! أضاء المجتمع الدولي على أداء السلطة السياسية في لبنان، الذي جاء دائما مدعوما من القطاع الخاص، بعد مؤتمر باريس 1 و 2 و 3 ومؤتمر سيدر الأخير وفي تقارير الجهات الدولية. ورغم كل هذا الأداء المسرطن، والصرخات المتكررة والمتعددة للإصلاح، والتعثر الغير منظم في آذار من سنة 2020، وإنفجار المرفأ في آب من سنة 2020، وإصرار الطبقة السياسية في خططها الإنقاذية لعدم تحمل أي قسط من المسؤولية أعدنا إنتاج السلطة السياسية ذاتها بعد إنتخابات ال 2022؛ وكان من الواضح بأن صوت القطاع الخاص التفضيلي ذهب بكثافة إلى الفاسد دون غيره.
 
الضرائب (مباشرة أو غير مباشرة) تفرض على النشاط الإقتصادي وتهدف إلى جلب إيرادات، والضرائب لا تضمن بالضرورة إرتفاع في الإيرادات لأنها معطوفة على كيفية تعاطي مكونات الإقتصاد مع هذه الضريبة:
·        هل يستمر النشاط الإقتصادي على ما هو أو ينكمش بسبب الضرائب؟
·        ما هي حظوظ إنتقال هذا النشاط الإقتصادي من السوق المنظم (Regular Markets) إلى السوق الغير منظم (under ground and informal markets) وبذلك يصبح تحصيل الضرائب مستحيل.
وهناك عوامل أخرى ولكنها تدخل في تقنيات العلوم الإقتصادية وليست موضوع رأي اليوم. وحديث البلد اليوم هو الدولار الجمركي.
 
لبنان يتمتع برفاهية تعدد العملات المتداول بها لتحريك العجلة الإقتصادية، وقد يكون لكل نشاط إقتصادي عملة التمويل. اليوم لبنان يستورد مجموعة من السلع والمواد بقيمة ما يقارب ال 12 مليار دولار أميركي وتمويلها يتوزع بين دولار أميركي ويورو. وكل السلع والمواد التي تعبر الحدود اللبنانية وفق القانون وأدبيات التجارة الخارجية هي عرضة ل "رسوم - ضريبة - جمركية"، ويجب أن تُدفع هذه الضريبة والرسوم بعملة تمويل هذا النشاط الإقتصادي. كان يكفي أن يُقِّر المجلس النيابي أو/و مجلس الوزراء أن الرسوم الجمركية سوف تدفع بعملة تمويل النشاط الإقتصادي ولن يكون هناك أي حاجة للإجتهادات بالتطبيق. ومن الممكن إعفاء بعض النشاطات من الرسوم ويكون ذلك شكل من أشكال الدعم.

المنطق ذاته، يا أيها السادة الإقتصاديين، ينطبق على الرواتب والأجور وذلك بسبب تعدد طرق دفعها اليوم. بإستثناء موطفو القطاع العام الذي مازالت تسدد رواتبهم بالليرة اللبنانية. المؤسسات التجارية العاملة على الأراضي اللبنانية اليوم تدفع الرواتب على الشكل التالي:
1.      جزء نقدي باللبناني والجزء الآخر باللولار (الدولار المصرفي).
2.      جزء باللبناني وجزء باللولار، وآخر بالدولار الفريش.
3.      وهناك من يدفع كامل الرواتب والأجور باللولار حصرياً، وجزء كبير يدفع بالدولار الفريش فقط. 
وتحتسب الضرائب ويُطبق معدل ضريبة الدخل كما هو في القانون على عملة الدخل. هنا النشاط الإقتصادي هو "العمل Labor Services"، ويجب العودة إلى العملة المعتمدة لتمويل هذا النشاط لتحديد كيفية تطبيق وتحصيل الضريبة عليه والإفصاح عنها. وهذا ما تتفاداه وترفضه حتى الآن الهيئات الإقتصادية.  
 
أنا أطرح حلول ولا أبتغي الشعبوية! ما تعتمده اليوم الهيئات الإقتصادية من حلول، في ظل غياب الرقابة وتفشي العشوائية، هو سياسية الهروب إلى الأمام في مقاربة التعافي الإقتصادي. أقفلت أبواب الأسواق المالية أمام الدولة اللبنانية بسبب التعثر الغير منظم في آذار 2020، وهناك ضرر جسيم يتسبب به اللجوء إلى طباعة العملة، يبقى السبيل الوحيد لتحصيل الإيرادات هي الضرائب والرسوم التي تفرضها الدولة على النشاطات الإقتصادية. إنه الوقت المناسب والواجب الوطني والأخلاقي وقوف القطاع الخاص إلى جانب القطاع العام لتوفير الموارد لتمويل تقديم الخدمات الأساسية من أمن وقضاء ورقابة وغيرها. لن تستطيع الدولة بالإستمرار إن لم يسارع القطاع الخاص إلى التصريح عن القيمة الحقيقية للنشاطات الإقتصادية وتسديد الضرائب والرسوم عليها. غير ذلك، القطاع العام بكل مكوناته يتجه نحو الإستبعاد الإقتصادي!

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan